شبكة بيئة ابوظبي، الأمم المتحدة، جنيف، 28 شباط/فبراير 2022
لقد رأيت العديد من التقارير العلمية في حياتي إلا أنني لم أر تقريرا كهذا.
فالتقرير الذي تصدره الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ اليوم يشكل أطلسا للمعاناة البشرية واتهاما قاطعا بفشل القيادة في التصدي لأزمة المناخ.
وبفضل ما يعرضه التقرير من حقائق واحدة تلو الأخرى فهو يكشف مظاهر تأثير تغير المناخ على الناس والكوكب.
فنصف البشرية تقريبا قد أصبح يعيش حاليا في منطقة الخطر.
وبلغ التدهور بالعديد من النظم الإيكولوجية حاليا حدا لا رجعة فيه.
أما التلوث الكربوني الفاحش فإنه حاليا يدفع أشد فئات العالم ضعفا رويدا رويدا نحو الدمار.
فالحقائق دامغة لا تحتمل الشك.
وهذا التقاعس عن الإمساك بزمام الأمر هو جناية.
فأكبر الملوثين في العالم مسؤولون عن إحراق بيتنا الوحيد.
ومن الضروري تحقيق هدف الإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة العالمية ضمن حدود 1,5 درجة.
فالعلم يخبرنا أن بلوغ ذلك الهدف يقتضي من العالم خفض الانبعاثات بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030 والوصول بالانبعاثات إلى درجة الصفر بحلول عام 2050.
غير أنه من المتوقع، وفقا للالتزامات الحالية، أن تزيد الانبعاثات العالمية بنسبة 14 في المائة تقريبا على مدى العقد الحالي.
وهذا الأمر سيؤدي إلى كارثة.
وسيقضي على أي فرصة للحفاظ على هدف البقاء ضمن حدود 1,5 درجة.
ويؤكد التقرير الصادر اليوم حقيقتين أساسيتين.
أولاهما أن الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى تخنق البشرية.
فقد وافق جميع حكومات مجموعة العشرين على وقف تمويل إنتاج الفحم في الخارج. وأصبح يتعين عليها الآن أن تنفذ القرار نفسه داخل بلدانها وأن تقوم بتفكيك أساطيلها لإنتاج الفحم.
ويجب محاسبة العاملين في القطاع الخاص الذين ما زالوا يمولون إنتاج الفحم.
وهذا التحذير يشمل أيضا شركات النفط والغاز العملاقة والجهات الضامنة لها.
إذ لا يمكنك أن تدعي مراعاة الاعتبارات البيئية وأنت في نفس الوقت تقوض بخططك ومشاريعك غاية الوصول بالانبعاثات إلى درجة الصفر بحلول عام 2050 وتتجاهل ما يجب أن يحصل في هذا العقد من تخفيضات رئيسية في نسبة الانبعاثات.
فالناس لا تنطلي عليهم هذه الحيلة.
ويتعين على بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن تتخلص تدريجيا من الفحم بحلول عام 2030، وأن يتخلص منه سائر البلدان بحلول عام 2040.
إن المجموعة الحالية لمصادر الطاقة العالمية هي مجموعة مختلة.
فكما توضح ذلك الأحداث الراهنة بكل جلاء، فإن استمرار اعتمادنا على أنواع الوقود الأحفوري يجعل كلا من الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة عرضة للصدمات والأزمات الجيوسياسية.
لقد آن الأوان لتسريع الانتقال في استعمال الطاقة إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة في المستقبل بدلا من إبطاء عملية تخليص الاقتصاد العالمي من الانبعاثات الكربونية.
فالوقود الأحفوري بأنواعه لا يرجى منه خير لا لكوكبنا ولا للإنسانية، ولا للاقتصادات كذلك.
فالانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة انتقالا سريعا وخاضعا لإدارة جيدة هو السبيل الوحيد لضمان أمن الطاقة وحصول الجميع عليها وإيجاد فرص العمل الخضراء التي يحتاج إليها عالمنا.
وإنني أدعو البلدان المتقدمة النمو ومصارف التنمية المتعددة الأطراف ومؤسسات التمويل من القطاع الخاص وغيرها إلى تشكيل ائتلافات لمساعدة الاقتصادات الناشئة الرئيسية على إنهاء استخدام الفحم.
وستكون آليات الدعم المحددة الأهداف هذه إضافة إلى الاحتياجات الحالية للتنمية المستدامة.
أما الاستنتاج الأساسي الثاني المستخلص من هذا التقرير فيحمل نبأ أفضل قليلا ويتعلق بالاستثمارات في جهود التكيف مع تغير المناخ.
ذلك أن التكيف ينقذ الأرواح.
ولذلك فسيكون من الضروري أمام تفاقم التأثيرات المناخية واستمرارها توسيع نطاق تلك الاستثمارات لضمان البقاء.
ويجب متابعة جهود التكيف مع تلك الآثار والتخفيف من وطأتها بنفس القوة ونفس الإلحاح.
ولعل هذا هو السبب الذي جعلني أضغط من أجل رصد 50 في المائة من إجمالي التمويل المناخي لجهود التكيف.
ومن الواضح أن التزام غلاسكو بشأن تمويل جهود التكيف لا يكفي لمجابهة التحديات التي تواجهها البلدان الأشد تضررا من أزمة المناخ.
وإنني أضغط أيضا من أجل إزالة العقبات التي تمنع الدول الجزرية الصغيرة وأقل البلدان نموا من الحصول على التمويل الذي هي في أمس الحاجة إليه لإنقاذ الأرواح وحفظ سبل العيش.
فنحن بحاجة إلى وضع نظم جديدة لاستيفاء شروط الحصول على التمويل للتعامل مع هذا الواقع الجديد.
غير أن المماطلة تعني الموت.
وأستمد الإلهام من جميع أولئك الذين يناضلون في الخطوط الأمامية لمعركة المناخ بتقديم الحلول.
إن كل مصارف التنمية المتعددة الأطراف والإقليمية والوطنية هي على علم بما يتعين القيام به ألا وهو العمل مع الحكومات لتصميم سبل وضع مشاريع ناجحة للتكيف مع تغير المناخ ومساعدتها في العثور على التمويل من كلا القطاعين العام والخاص.
ويجب على كل بلد الوفاء بتعهد غلاسكو القاضي بتعزيز الخطط المناخية الوطنية كل عام إلى أن تصير متوافقة مع هدف إبقاء ارتفاع الحرارة ضمن حدود 1,5 درجة مئوية.
ويتعين على مجموعة العشرين أن تحمل اللواء، وإلا فإن الثمن الذي ستدفعه البشرية سوف يكون أدهى وأمرّ.
إنني أعرف أن الناس في كل مكان قلقون وغاضبون.
وأنا أيضا قلق وغاضب.
ولقد آن الأوان لترجمة الغضب إلى عمل.
فكل جزيء من درجة الحرارة له قيمته.
وكل صوت يمكنه أن يحدث الفرق.
وكل ثانية مهمة.
وشكرا.
الوسومالأمم المتحدة التغير المناخيي انطونيو غوتيريش جنيف شبكة بيئة ابوظبي
شاهد أيضاً
الهدف الجماعي الجديد (NCQG) في مفاوضات المناخ (COP29)
قمة المناخ وكيفية الاستفادة من التمويل الدولي لدعم استراتيجيات التكيف والتخفيف – ميسون الزعبي: تحفيز …