بلدان على أعتاب أسواق الكربون

شبكة بيئة ابوظبي، البنك الدولي، 24 مايو 2022
– عددٌ متزايد من البلدان يريد المشاركة في أسواق الكربون للوفاء بأهدافها المتعلقة بتغير المناخ.
– الأردن أصبح أول بلد نامٍ يقيم بنية تحتية رقمية متكاملة لتتبع تخفيضات الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة والاتجار فيها.
– الاجتماعان العالميان القادمان بشأن تغير المناخ سيُعقَدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: مؤتمر الأطراف السابع والعشرون في مصر في 2022 ومؤتمر الأطراف الثامن والعشرون في الإمارات العربية المتحدة في 2023.

على مدى عقود، كان يُنظر إلى أسواق الكربون على أنها جزء من الحل لمشكلة تغير المناخ. وكان يهيمن عليها في الغالب القطاع الخاص، لكن هذا الوضع سيتغير قريبا. فأكثر من ثلثي البلدان تعتزم استخدام أسواق الكربون للوفاء بمساهماتها الوطنية لمكافحة تغير المناخ في إطار اتفاق باريس. وتعكف بلدان مثل شيلي وغانا والأردن وسنغافورة وفانواتو بالفعل على إقامة بنية تحتية رقمية متكاملة على أحدث طراز لدعم مشاركتها في أسواق الكربون الدولية.

تتطور بسرعة هذه الحلول الرقمية المبتكرة مع اقتراب سوق الكربون الدولية الجديدة من أن تصبح حقيقة واقعة. وكان المندوبون في الاجتماع العالمي بشأن تغير المناخ 2021 (مؤتمر الأطراف السادس والعشرين) في غلاسغو قد وافقوا على المادة 6 من اتفاق باريس والخاصة بالقواعد المُنظِّمة لأسواق الكربون الدولية. وأطلقت هذه الموافقة إشارة البدء لقيام سوق يُمكِن فيها للبلدان تداول أرصدة الكربون التي تتولَّد عن تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة أو إزالتها من الغلاف الجوي — مثلا عن طريق التحول من استخدام الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة أو بزيادة مخزونات الكربون أو حفظها في المنظومات البيئية مثل الغابات.

لقد أصبح خفض انبعاثات غازات الدفيئة ضرورة ملحة، إذ تشهد البلدان في شتَّى أنحاء العالم الآثار المتفاقمة لتغيُّر المناخ. وفي هذا السياق، قالت الخبيرة الأولى بشؤون الطاقة بالبنك الدولي مونالي رانادي: “يجب تسريع وتيرة خفض الانبعاثات الكربونية وتدابير التكيف، وتتيح أسواق الكربون خيارا للتعويض عن تكاليف التحول عن استخدام الوقود الأحفوري والاتجاه نحو التحوّل إلى اقتصاد أخضر.”

تساعد أسواق الكربون على تعبئة الموارد وتقليص التكاليف بما يتيح للبلدان والشركات المجال لتسهيل التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. وتشير التقديرات إلى أن تداول أرصدة الكربون قد يخفض تكلفة تنفيذ المساهمات الوطنية في مكافحة تغير المناخ بأكثر من النصف – بما يصل إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2030. وبمرور الوقت، من المتوقع أن تصبح أسواق الكربون زائدة عن الحاجة مع وصول كل بلد بصافي الانبعاثات إلى الصفر، وتلاشي الحاجة إلى تداول حقوق الانبعاثات.

سيصبح بمقدور البلدان بموجب المادة 6 من اتفاق باريس التعاون بطرق مختلفة لتحقيق أهدافها المناخية. ويمكن أن يكون العامل الأساسي للنجاح في خفض الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة هو البنية التحتية الرقمية التي تكفل أمن البيانات التي تم التحقق منها، وأن يجري حساب التخفيضات وتتبعها على وجه الدقة.

يمكن أن يكون العامل الأساسي للنجاح في خفض الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة هو البنية التحتية الرقمية التي تكفل أمن البيانات التي تم التحقق منها، وأن يجري حساب التخفيضات وتتبعها على وجه الدقة.

تتألَّف هذه البنية التحتية الرقمية من أنظمة للرصد والإبلاغ والتحقق، مع ربط بيانات انبعاثات غازات الدفيئة ووحدات خفضها بالسجلات الوطنية أو الدولية. ويُمكِن أن تقدم التكنولوجيات الجديدة سريعة التطور -مثل تكنولوجيا البلوك تشين- مزيدا من المساعدة لتحقيق الشفافية، وضمان أن أرصدة الكربون لا يمكن أن يطالب بها إلا بلدٌ واحد: إما البلد الذي تفادي انبعاثات غازات الدفيئة أو أزالها، أو البلد الذي اشتراها في شكل رصيد كربوني من أجل استخدامات مختلفة.

مسار رائد في الأردن للتصدي لأزمة المناخ:
يواجه الأردن تحديات مناخية جسيمة: فدرجات الحرارة تتزايد، وتساقطات المطر تتناقص، ونوبات الجفاف تزداد، وموارد المياه تتقلص بسبب التبخر. وفي الوقت نفسه، ما زال الأردن يعتمد اعتمادا كبيرا على واردات الوقود الأحفوري مع قلة موارده الطبيعية والشح الشديد لموارد المياه لسكان يبلغ تعدادهم 10.3 ملايين نسمة بينهم أكثر من مليون لاجئ. ويؤدي الحر الشديد وشح الموارد المائية إلى ارتفاع الطلب على الطاقة، ويزيد من الأعباء المالية على موازنة الدولة ويؤثِّر على القدرة التنافسية للاقتصاد.

وكان الأردن أول بلد نام يبني أنظمة للرصد والإبلاغ والتحقق وسجلا لبيانات انبعاثات الدفيئة وفقا للمعايير الدولية التي تُشكِّل اللبنات الأساسية لنظام تداول حقوق إطلاق الانبعاثات في المستقبل، وذلك بالتعاون مع برنامج مستودعات المناخ والشراكة من أجل تنفيذ الأسواق التابعين للبنك الدولي لتطوير هذه البنية التحتية الرقمية واختبارها.

من أجل الاستعداد لنظامه للرصد والإبلاغ والتحقق، أصدر الأردن في 2019 مرسوما بشأن تغير المناخ يرسي الإطار المؤسسي والتنظيمي بشأن تغير المناخ في أجهزة الحكومة. وبمساعدة من الشراكة من أجل تجهيز الأسواق، السابقة للشراكة من أجل تنفيذ الأسواق، أنشأ الأردن نظامه للرصد والإبلاغ والتحقق لتتبع انبعاثات غازات الدفيئة في قطاعات مثل الطاقة والنقل والزراعة، وحساب الانبعاثات وتخفيضاتها، وربط النتائج بمساهمته الوطنية في مكافحة تغير المناخ. وأُنشأ نظامه لتسجيل البيانات لدعم عمليات التداول للمشروعات المؤهلة في أسواق الكربون الدولية. ووسط هذه العملية، تقرر جعل هذه البرمجية مفتوحة المصدر وإتاحتها لأي بلد مهتم.

ويتواصل العمل أيضا في هذا الصدد في الأردن الذي يعكف على إعداد إستراتيجية طويلة الأمد لخفض الانبعاثات من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستدام طويل الأجل ومنخفض الانبعاثات الكربونية. وفي عام 2020، أطلق الأردن الإستراتيجية الوطنية لقطاع الطاقة ومدتها 10 سنوات لتحسين مزيجه من مصادر الطاقة، وخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 10% بحلول 2030 مع تقليل اعتماده على الواردات. وفي إطار مشروع جديد (برنامج تمويل الاستثمارات الشاملة والشفافة والمراعية للمناخ وفقاً للنتائج)، يجري توسيع نظام الرصد والإبلاغ والتحقق ليشمل 22 مؤسسة ووزارة. وسيساعد البرنامج على دمج اعتبارات تغير المناخ في عملية اتخاذ القرارات، وتمكين نظام الرصد والإبلاغ والتحقق من حساب تخفيضات انبعاثات غازات الدفيئة للمشروعات المراعية لظروف المناخ لمعرفة ما إذا كانت مؤهلة للمشاركة في سوق الكربون.


من الأردن إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها:
قال هاريكومار غادي، أخصائي أول في شؤون تغير المناخ بالبنك الدولي: “للأردن دور رائد في مجال المناخ. فهو أول بلدٍ نامٍ في العالم يمتلك هذا النوع من الأنظمة الشاملة. ونظامه للرصد والإبلاغ والتحقق على درجة عالية من الجودة حتى أننا نقوم بتوحيد نهجه لتسهيل تنفيذه في بلدان أخرى في إطار مبادرتنا الجديدة (الشراكة من أجل تنفيذ الأسواق).”

ويجري بالفعل محاكاة هذا النظام في الضفة الغربية وغزة وفي سري لانكا بمساعدة الشراكة من أجل تجهيز الأسواق. وعبَّر كثيرٌ من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا عن اهتمامها بالتقنية المفتوحة المصدر لأنظمة الرصد والإبلاغ والتحقق وتسجيل البيانات.

ويحدث المزيد أيضا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – التي ستشهد عقد الاجتماعين العالميين القادمين بشأن تغير المناخ: مؤتمر الأطراف السابع والعشرين في نوفمبر/تشرين الثاني القادم في شرم الشيخ بمصر، ومؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في الإمارات العربية المتحدة في 2023. فقد أعلنت بلدان منها السعودية وعُمان والإمارات العربية المتحدة والبحرين عن أهداف للوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر. وأطلق صندوق الاستثمارات العامة في السعودية ومجموعة تداول السعودية مالكة البورصة السعودية للأوراق المالية منصة الرياض الطوعية لتداول وتبادل تأمينات وتعويضات الكربون عالية الجودة التي تم التحقق منها والموافقة عليها ويجري إنتاجها في المنطقة.

About هيئة التحرير

Check Also

جوجل تستغل قوة الذكاء الاصطناعي لخفض استخدام الطاقة

بقلم، سام شيد، مراسل التكنولوجيا ، بيزنس إنسايدر تم نشر هذه المقالة بالتعاون مع سيتيAM …