أسعار السلع ترتفع بدعم من ظروف الطقس السيئة وأزمة الطاقة المتفاقمة

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك، 03 سبتمبر 2022

يواصل قطاع السلع تعافيه في الوقت الذي استعاد فيه مؤشر بلومبيرج للسلع الأساسية أكثر من نصف خسائره خلال فترة التصحيح بنسبة 20% بين شهري يونيو ويوليو. وحققت معظم القطاعات مكاسب مهمة وفي مقدمتها قطاع الزراعة، حيث أدت ظروف الطقس السيئة إلى ارتفاع تكاليف إنتاج البن والمحاصيل الثلاثة الرئيسية، ولا سيما الذرة. وتلقت المعادن الصناعية دعماً قوياً من الجهود المتواصلة التي تبذلها الصين لدعم اقتصادها المتراجع من خلال الإعلان عن مزيد من سياسات التحفيز الاقتصادي، والتي قد تؤدي إلى استثمار أموال طائلة في مشاريع البنية التحتية. بينما حصل قطاع الطاقة على الدعم من الارتفاع الحاد في أسعار الغاز والذي ساهم في تحفيز الطلب على وقود الديزل، في حين عززت المملكة العربية السعودية مخاطر خفض مجموعة أوبك بلس للإنتاج لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط المتقلّبة.

أما على صعيد الأسواق المالية، وصل الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوى له مقابل اليورو بدعم من أزمة الطاقة المستمرة في القارة الأوروبية والتي ألقت بظلالها على التوقعات الاقتصادية للمنطقة. وشهدت الأسهم الأمريكية تراجعاً ملحوظاً، في حين ارتفعت عائدات السندات قبيل كلمة جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، المرتقبة يوم الجمعة؛ والتي من المتوقع أن يجدد فيها عزمه على كبح جماح التضخم من خلال مواصلة رفع أسعار الفائدة. وشكلت إجراءات الحد من التضخم، مثل رفع أسعار الفائدة وإلغاء المحفزات الخاصة بتباطؤ النمو الاقتصادي لمرحلة ما بعد أزمة كوفيد-19، الدافع الرئيسي لعملية التصحيح التي شهدها قطاع السلع مؤخراً.

 

وعلى الرغم مما سبق، فإننا نحافظ على وجهة نظرنا بأن السلع قادرة على تحمل الظروف المعاكسة والناجمة عن التباطؤ الاقتصادي، في الوقت الذي تواجه فيه إمدادات السلع الأساسية تحديات مماثلة. وستحظى السلع على المدى الطويل بدعم ناتج عن نقص الاستثمارات والتوسع الحضري وعملية التحول الأخضر وتراجع العولمة. أما على المدى القصير، فستكون الأسعار مدعومة على الأرجح بسبب أزمة الطاقة المتفاقمة في أوروبا، واضطرابات الإمدادات الناتجة عن العقوبات المفروضة على روسيا، وظروف الطقس السيئة التي تعزز المخاوف المتعلقة بالإمدادات الغذائية، وجهود الصين لدعم اقتصادها.

مصدّرو النفط الخام يعيدون النظر في مواقفهم
نجحت أسواق النفط الخام ومنتجاته بتحقيق انتعاش قوي خلال الأسبوع الماضي على الرغم من التحديات المستمرة التي يواجهها الاقتصاد الكلي بسبب التوقعات المتعلقة بتباطؤ النمو وارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مؤخراً. وتواصل أزمة الطاقة في أوروبا تفاقمها، حيث شهدت أسعار الغاز والطاقة ارتفاعاً حاداً عند قياسها ببرميل النفط الخام المقوّم بالدولار الأمريكي وبما يعادل 530 و1,400 دولار أمريكي للبرميل على التوالي. وجاءت الزيادة الأخيرة في الأسعار مدفوعة بالاضطرابات الناجمة عن انخفاض منسوب مياه نهر الراين، وإعلان شركة غازبروم إغلاق خط السيل الشمالي 1 لمدة ثلاثة أيام لإجراء عمليات الصيانة اعتباراً من 31 أغسطس.

وإذا قررت غازبروم (ومن ورائها الرئيس فلاديمير بوتين) مواصلة استخدام إمدادات الطاقة كسلاح للضغط على خصومها والاستمرار بإغلاق الخط بعد انتهاء عمليات الصيانة، فسنبقى أمام مخاطر حدوث مزيد من الارتفاعات، وبالتالي إمكانية زيادة الهوة بين أسعار الغاز والنفط الخام. وثمة تطور آخر من شأنه دعم الزيادة الكبيرة في الطلب على المنتجات القائمة على الوقود، ولا سيما وقود الديزل – ووقود التدفئة في وقت لاحق من فصل الخريف القادم – على حساب الغاز. وساهم هذا التحول من الغاز إلى الوقود في دعم التعافي الذي شهده قطاع النفط مؤخراً، مع قيام الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي بشحن كميات قياسية من وقود الديزل إلى العملاء الأوروبيين، والذين يبحثون عن بدائل للواردات الروسية.

ويتمثل العامل الأساسي الذي ساهم في ارتفاع أسعار النفط الخام خلال هذا الأسبوع في التصريحات الصادرة عن وزير الطاقة في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة أوبك. وتشير هذه التصريحات إلى إمكانية خفض الإنتاج في أعقاب التباعد المتزايد الذي حصل مؤخراً بين العقود الآجلة والسوق الفعلية التي لم تظهر عليها علامات الضعف حتى الآن. كما نلاحظ وجود تناقض خلال الأسابيع الأخيرة يتمثل في بيع العقود الآجلة للنفط الخام كإحدى وسائل التحوّط في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، مع ضعف في التركيز على السوق الفعلية، وأساسيات العرض والطلب الداعمة لأسعارها الحالية.

وعادت عقود النفط الآجلة لخام برنت لتستقر عند 100 دولار أمريكي للبرميل، مع مستوى مقاومة عند 102.25 دولار أمريكي لتجنب مزيد من الارتفاع، بعد حصولها على الدعم من عملية التصحيح التي ارتفعت من 61.8% في شهر ديسمبر إلى 111% في شهر مارس الماضي. وقد يدفع استمرار التعافي في هذه المرحلة شركات إدارة الأموال لإعادة تقييم مستويات تداول خام برنت وغرب تكساس الوسيط نتيجة لاحتمالات وقوعهم في مأزق البيع على المكشوف. وخلال فترة الأسابيع الثلاثة حتى يوم 16 أغسطس، قام المتداولون في البورصة بتخفيض عقودهم الآجلة إلى 287 ألف لوت، والذي يمثل أدنى مستوى لها منذ شهر أبريل 2020.

المصدر: مجموعة ساكسو

ارتفاع أسعار الحبوب وزيادة قوة الدولار الأمريكي يعززان المخاوف المتعلقة بالإمدادات الغذائية
وصلت أسعار الذرة الأمريكية إلى أعلى مستوياتها في شهرين، بالتزامن مع تحقيق مزيد من المكاسب في العقود الآجلة للمحاصيل الرئيسية الأخرى المتداولة في الولايات المتحدة، حيث سجل مؤشر بلومبيرج للحبوب ارتفاعاً بنسبة 12% بعد عملية التصحيح بين شهري مايو ويوليو، مما ساهم مؤقتاً على الأقل في تهدئة المخاوف بشأن أزمة الغذاء العالمية. ولكن استمرار تأثير الأحوال الجوية السيئة في الإنتاج، والانخفاض الكبير في الصادرات الأوكرانية بالمقارنة مع الأعوام السابقة؛ دفع هذه المخاوف للظهور مجدداً لأسباب ليس أقلها الارتفاع الذي شهدته قيمة الدولار الأمريكي مؤخراً والذي زاد التأثير بالنسبة لمشتري الحبوب بالعملات المحلية.

وجاء الارتفاع الأخير الذي شهدته الذرة الأمريكية مدعوماً بالمخاوف المتعلقة بالطقس الحار والجاف في منطقة الغرب الأوسط خلال فترة نضج المحاصيل الزراعية، ما قد يؤدي إلى انخفاض كمية الإنتاج. وتعد الولايات المتحدة أكبر منتج ومصدّر للذرة، والتي تتنوّع استخداماتها بين إنتاج الأعلاف للحيوانات واستخراج الوقود الحيوي وإنتاج مواد التحلية، ومن المرجّح أن يؤدي ضعف إنتاجها من هذا المحصول إلى تجدد المخاوف بشأن الأمن الغذائي، والتي ترتبط بالحرب الأوكرانية، والجفاف، والتأثيرات الكلية للتغير المناخي.

وبالإضافة إلى ما سبق، والتباطؤ المشار إليه أعلاه في شحنات الحبوب الواردة من أوكرانيا، فإننا نشهد حالياً حدوث جفاف في الصين، والذي قد يهدد مستويات الإنتاج المحلية ويدفعها لزيادة وارداتها من الحبوب. وساهم الجفاف الحاصل في دول الاتحاد الأوروبي خلال فصل الصيف الحالي في تعزيز التوقعات بانخفاض الإنتاج.

أسعار البن ترتفع نتيجة المخاوف المتعلقة بإمداداته من البرازيل وفيتنام
استعادت العقود الآجلة للبن من نوعي أرابيكا وروبوستا زخمها، وسجلت أسعار النوعين ارتفاعاً قوياً وسط توقعات بتراجع مستويات العرض. إذ تشير التوقعات إلى إمكانية انخفاض مخزونات البن في فيتنام، أكبر مورد في العالم لأصناف روبوستا، إلى النصف مع نهاية شهر سبتمبر المقبل بالمقارنة مع مستوياتها في العام الماضي، بينما سجلت أصناف أرابيكا، التي تتم مراقبتها من قبل بورصة إنتركونتيننتال إكستشينج، أدنى مستوى لها منذ 23 عاماً. وأدت ظروف الطقس السيئة في أمريكا الجنوبية خلال العام الماضي إلى تخفيض توقعات الإنتاج في البرازيل وكولومبيا وأمريكا الوسطى، بينما ساهم الجفاف الذي شهدناه مؤخراً والارتفاع المستمر في تكاليف الأسمدة بإثارة المخاوف حول محصول العام القادم. واستقرت العقود الآجلة لقهوة أرابيكا عند أعلى مستوى لها خلال شهر يونيو والتي بلغت 2.42 دولار أمريكي للرطل، ولكن تبرز مخاوف بشأن ارتفاع أسعارها إلى أعلى مستوى لها خلال 11 عاماً لتبلغ 2.605 دولار أمريكي للرطل والتي سجلتها خلال شهر فبراير الماضي.

توجهات الصين تدعم أسعار المعادن الصناعية
استجابت أسعار المعادن الصناعية، وفي مقدمتها الفولاذ والألمنيوم والزنك، بشكل إيجابي لأخبار قيام الحكومة الصينية بتكثيف جهودها لدعم اقتصادها المتعثر نتيجة لتكرار حالات الإغلاق المرتبطة بمرض كوفيد-19، وتراجع أسواق العقارات. وأعلن مجلس الدولة الصيني عن إطلاق حزمة تحفيزات بقيمة تريليون يوان صيني (146 مليار دولار أمريكي)، مع تخصيص 300 مليار يوان صيني منها لدعم مشاريع البنية التحتية، ما يعني مضاعفة الحكومة الصينية للمبالغ التي أعلنت عنها سابقاً لدعم هذه المشاريع، ما يؤدي إلى تعزيز الطلب على المعادن الصناعية.
وارتفعت أسعار النحاس عالي الجودة يوم الجمعة، ما يتيح له الوصول إلى 3.85 دولار أمريكي للرطل، بعد فترة تراوحت فيها أسعاره بين 3.55-3.73 دولار أمريكي للرطل. ولكن يتعين على أسعار النحاس الوصول إلى 4 دولار أمريكي للرطل قبل أن يعود المستثمرون، الذين تداولوا هذا المعدن بعقود قصيرة الأجل منذ شهر أبريل الماضي، إلى تداولات العقود الآجلة. ولا يزال التركيز الأساسي منصباً على الصين، وقدرة الإجراءات التحفيزية المشار إليها سابقاً لدعم المعدن الأحمر وتمكينه من مواصلة الصعود.

المصدر: مجموعة ساكسو

الذهب يواصل استقراره في التداولات على الرغم من قوة الدولار وارتفاع عائدات السندات
نجح الذهب بتحقيق ارتفاع طفيف في أسعاره، ولكنه يواصل عموماً مواجهة ذات الظروف المعاكسة التي شهدها مؤخراً والمتمثلة بالدولار الأمريكي القوي وارتفاع عائدات السندات. ويواجه متداولو المعدن الأصفر مجموعة من المخاوف، من بينها كلمة جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، المرتقبة يوم الجمعة خلال ندوة جاكسون هول، إذ يمكن لتوقعاته المتفائلة أن توفر مزيداً من الدعم للدولار الأمريكي وعائدات السندات، وبالتالي تأخير عودة الذهب إلى مسار القوة من خلال خفض أسعاره إلى ما دون مستوى الدعم عند 1729 دولار أمريكي للأونصة.

وخلال العام الحالي الذي شهد ارتفاعاً حاداً في مستويات التضخم، قد يتأثر بعض المستثمرين بالأداء السلبي للذهب مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية العام وحتى اليوم. ولكن عند الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع عائدات السندات إلى أعلى مستوى لها منذ ما يزيد عن 25 عاماً، وارتفاع الدولار الأمريكي بنسبة 10% في مقابل سلة واسعة من العملات الرئيسية، نجد بأن أداء الذهب لا يزال مقبولاً بالنسبة للمستثمرين بغير الدولار الأمريكي.
ونحافظ على رأينا بأن الأسواق يسودها تفاؤل مفرط تجاه فرضية نجاح البنوك المركزية بتخفيض التضخم إلى المستويات التي يتم توقعها حالياً. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى زيادة صعوبة إصدار التوقعات تجاه أسعار الفائدة ونمو الأسهم الحساسة، ما يعزز الحاجة إلى الاستثمار في الأصول الملموسة مثل الذهب والسلع التي يمكنها بشكل عام تحمل فترات انخفاض النمو وارتفاع مستويات التضخم.

الغاز الطبيعي يمثل حالياً المكوّن الأهم في مؤشر بلومبيرج للسلع الأساسية

يعد مؤشر بلومبيرج للسلع الأساسية، إلى جانب مؤشر ستاندرد آند بورز للسلع ومؤشر DBIQ للعائد الأمثل المتنوّع على السلع، من أهم المؤشرات في قطاع الاستثمارات العالمي والمتخصصة بمجال السلع. ويتتبع هذا المؤشر أداء العقود الآجلة لـ 23 سلعة رئيسية تستهدف ثلث التداولات في قطاعات رئيسية تشمل الطاقة والمعادن والزراعة. ويتم تقييم السلع المستهدفة مرة واحدة في العام خلال شهر يناير، وإذا لم تشهد الأسعار تغيرات كبيرة خلال العام، فلن تتم إعادة تقييم السلع حتى شهر يناير التالي.

وشهدت العقود الآجلة للغاز الطبيعي الأمريكي ارتفاعاً مذهلاً بنسبة 160% منذ بداية العام وحتى تاريخه، ليزداد تأثيرها بمقدار يزيد عن الضعف من 8% إلى 17.2%؛ ما جعلها المكون الأهم والأضخم في مؤشر بلومبيرج للسلع الأساسية للمرة الأولى في تاريخه، أي أكثر بمرتين من خام برنت وغرب تكساس الوسيط مجتمعين. وساهم ذلك من منظور القطاع في زيادة التداولات الإجمالية لقطاع الطاقة بنسبة 9.2% لتبلغ 40.9%. وشهدت جميع القطاعات الرئيسية والفرعية الأخرى انخفاضاً في مستويات التداول، وكان أكثرها تأثراً قطاعا المعادن الصناعية والمعادن الثمينة، حيث سجلا معاً تراجعاً بنسبة 7.5%. ولن يتم تعديل هذه القيم المستهدفة حتى شهر يناير المقبل. وقد نلاحظ في هذه المرحلة نشاطاً كبيراً ينتج عن عملية إعادة التوازن للأسواق، والتي نشهد فيها عمليات بيع للسلع الرابحة، ولا سيما الغاز الطبيعي، بينما سيتم شراء عقود في السلع المتراجعة.

ملاحظة: تمت كتابة هذا التحديث قبل الكلمة التي ألقاها جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي خلال ندوة جاكسون هول التي انعقدت يوم الجمعة

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

لماذا مات الكثيرون في إسبانيا؟ لأن أوروبا لم تتقبل بعد حقائق الطقس المتطرف

من المؤسف أن الفيضانات الشديدة أمر لا مفر منه. ولكن ما ليس حتميًا هو مدى …