تحدٍ جديد وُلد أثناء جائحة كورونا: مخلفات تكاد تنافسها خطورة

شبكة بيئة ابوظبي، الدكتورة سالي جابر، دكتورة كيمياء بيئية، فرنسا، 11 أكتوبر 2022

بدأ فايروس كورونا بالانتشار في العالم، أواخر عام 2019، وحصد أرقاماً مخيفة من الأرواح، ليلامس عدد الوفيات 6.4 مليون حالة منذ اكتشاف الفيروس لأول مرة في الصين، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية. (1) ومع تزايد أعداد الوفيات يوماً بعد يوم، شددت منظمة الصحة العالمية، لا بل فرضت ارتداء الكمامات في الأماكن العامة، إلى جانب أخذ الجرعات الكاملة من اللقاح، بغية التخفيف من حدة آثار كورونا، انتشارها وأضرارها. للكمامات دور هام في تخفيض انتشار كوفيد-19, تتمثل أبرزها: بعدم نقل العدوى من شخص لآخر، حماية الأشخاص في الأماكن المزدحمة والتجمعات، وتحديداً بمنع انتقال رذاذ فم الشخص المصاب لشخص آخر وتعريضه لخطر الإصابة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الكمامات بحماية الأشخاص في المستشفيات، أولئك الذين يختلطون بشكل دوري بالمرضى المصابين، مما يحد من احتمالية خطر اصابتهم بالوباء المنتشر. (2)

بالإضافة إلى الكمامات، تشكل العلب البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، ضرورة أساسية للعاملين والموظفين، كونها تضمن لهم خصوصية لاستخدام أغراضهم، وتخفض من احتمالية نقل العدوى من شخص لآخر، بسبب مشاركة الأغراض الشخصية، وتشكل المعقمات وأدوات التنظيف المغلفة بعلب بلاستيكية، من الضرورات التي لا غناً عنها أثناء تفشي الفايروس المستجد، مما ساهم في انتشار “بزنس المعقمات”، بسبب زيادة الطلب عليها.

ورغم عدم توصية منظمة الصحة العالمية باستخدام القفازات لحقن لقاح كورونا، لكن التقارير عن الممارسات اليومية أثناء تلك الكارثة الصحية، توحي العكس اطلاقاً، فاستخدام القفازات أثناء كورونا منتشراً جداً، مع العلم أنها من حيث الحجم، تشكل أكبر نسبة من نفايات معدات الوقاية الشخصية من بين جميع العناصر التي تشتريها الأمم المتحدة. اذاً في حال انتهينا من تلك الجائحة وخطرها في أقرب وقت ممكن، هل سنسلم من مخلفاتها؟ وكيف بإمكاننا الحد من تلك المخلفات، كي لا نقع في فخ معالجة الكارثة بكارثة أكبر؟

أظهر الاستخدام الكثيف لكما يجوز تسميتهم بضروريات كورونا (الكمامات، القفازات، علب الطعام والتعقيم البلاستيكية…)، أن البشرية تستهلك البلاستيك بشراهة، حتى نتيجة لذلك من الصعب إيجاد تقريراَ دقيقاً يحصي كمية البلاستيك المستخدم أثناء جائحة كورونا. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن مزيجاً من المنتجات ذات الاستخدام الفردي أدى إلى زيادة إنتاج واستهلاك البلاستيك في جميع أنحاء العالم. والجدير بالذكر، أن أقنعة الوجه والكمامات تُصنع بشكل أساسي من مادة البوليبروبيلين والبولييستر، الكفيلة بالحماية من انتقال العدو الناتجة عن الأمراض بشكل فعال، إلا أنها بعد التخلص منها بعد الاستخدام تبقى طويلًا بحدود مئات السنوات حتى تتحلل، لتبقى موجودة في مكبات النفايات، الأنهار والبحار والمحيطات. (3) مما يشكل تهديداً واضحاً لجودة المياه، وبالتالي تلوث مياه الشرب التي يمكن أن تتحول إلى مصدر لانتشار الأمراض والأوبئة. وتساهم أيضاً بتعريض الثروات البحرية للخطر: فمثلاً استخدام القفازات ذات الألوان البراقة تحفز طيور البحار والسلاحف وثدييات بحرية أخرى على الاعتقاد بأنها طعام فتأكلها وتسبب لها أضراراً خطيرة وغالبا النقوق.

أما الملوث الرئيسي الثان للبيئة في جائحة كورونا” القفازات” التي تُصنع من اللاتكس، المادة التي تحتوي على خيوط مطاطية، وتشكل خطرا كبيرا على الحيوانات البرية كونها تتشابك مع أطرافها، أو يمكن أن تكون كفخ يحبسها عن الحركة إلى حد الاختناق، علاوة على خطر ابتلاعها أيضا، وتعد هذه بعضا من الآثار البيئية الرئيسية المسجلة للتلوث البلاستيكي.

وبعد مئات السنوات عندما تبدأ تلك المواد بالبلاستيكية بالتحلل في الطبيعة، فإنها تصبح جزيئات صغيرة، ويمكن لهذه الجزيئات أن تدخل في السلسلة الغذائية وتؤثر على النظم البيئية بكاملها، حسب ما قال ورج ليونارد المدير العلمي لمنظمة “أوشن كونسيرفنسي” الأمريكية غير الحكومية. (3)

بالإضافة إلى النفايات البلاستيكية، هناك أيضاً النفايات الطبية المتمثلة بالمواد المستخدمة لفحص وتشخيص المرضى والعناية بهم في كورونا ، سواءً كان ذلك داخل المرفق الصحي أو خارجه، وتشمل هذه المخلفات الإبر، والحقن، والقطن، والشاش، والمخلفات الصيدلية والمخلفات الكيميائية، فهذه النفايات من أخطر أنواع النفايات على البيئة وعلى صحة الإنسان، لاحتمال احتوائها على بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها من مسببات الأمراض، لذا فهي من أكثر المسبّبات التي تقف وراء ظهور الأمراض والأوبئة السريعة الانتشار والتي تفتك بأرواح الناس.

وكي لا يقع العالم بكارثة أضرس من كارثة كورونا، لا بد للحكومات بمؤازرة العلماء، الأطباء والمواطنين، إيجاد حلولاً فعالة وبأسرع وقت ممكن لمخلفات هذا الفايروس، لا سيما: المواد البلاستيكية، والنفايات الطبية. فمثلا” لا يوجد دراسات تفرض استخدام القفازات أثناء جائحة كورونا، إذا” يمكن الاستغناء كلياً عنها، وبالتالي تخفيف لا بل إلغاء الخطر البيئي المترتب عليها. أما بالنسبة لكمامات الوجه البلاستيكية، يمكن استبدالها بالكمامات المصنوعة من القماش والتي يمكن تنظيفها وتعقيمها واستخدامها لعدة مرات، بدلاً من كمامات الوجه المخصصة للاستخدام مرة واحدة. ويأتي هذا الحل كاقتراح من علماء جامعة لندن كوليدج بسبب الآثار البيئية السلبية المحتملة التي تشمل التحلل البيولوجي المنخفض للكمامات البلاستيكية. ويشدد هؤلاء العلماء على أهمية تلك الأقنعة كصديقًا للبيئة، يتم غسلها بعد كل استخدام ويمكن تكرار استخدامها لمدة قد تصل إلى أسبوعين. (4)

أما بالنسبة للنفايات الطبية، فلا بد الالتزام بالإرشادات التي حددتها منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، كي نخفض من أثارها السلبية: تقليل النفايات غير الضرورية، وعزل النفايات العامة عن الخطرة، ومعالجة النفايات بطريقة تحدّ من المخاطر التي يتعرض لها العاملون الصحيون والبيئة. وتجرى عادة معالجة نفايات الرعاية الصحية بالعمليات الحرارية، الكيميائية، البيولوجية، فتستخدم أساليب متعددة لكل منها مزايا وعيوب، وتشمل الحرق (الترميد)، والتطهير الكيميائي والتعقيم بالبخار وأشعة الميكروويف، والطمر، والمعالجة بالتثبيت. (5)

كورونا كارثة فيروسية قرعت أبوابنا منذ ثلاث سنوات، ولكنها في نهاية المطاف “فايروس “، مصيره مثل مصير جميع الفايروسات التي سبقته “الاختفاء”. ولكن الكارثة الأعظم هي الكارثة البلاستيكية تحديداَ الناتجة عنه، تلك المشكلة التي واجهت البيئة من سنوات كثيرة إلى يومنا هذا، دون حل نهائي لها! اذاً مع الاستهتار في التعامل مع مخلفات تلك الكارثة الصحية، العالم قادم لا محال على كارثة أهول، والمضحك المبكي أننا سنكون عالجنا المصيبة بمصيبة أعظم، ونحن في أوج التقدم العلمي والطبي…

المراجع:
1. https://www.skynewsarabia.com/world/1550706
2. https://www.webteb.com/articles
3. https://www.alarabiya.net/coronavirus/2020/07/12/
4. https://al-ain.com/
5. https://www.unep.org/ar/alakhbar-walqss/alqst/nfayat-alrayt-alshyt-kyf-ytm-altaml-mha

About هيئة التحرير

Check Also

ذياب بن محمد بن زايد: الحد من التلوث البيئي أولوية إماراتية ضمن الأهداف العالمية للتنمية المستدامة

بمناسبة توقيع اتفاقية تعاون بين مؤسسة الأنهار النظيفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي: ستقوم مؤسسة “الأنهار …