شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم ابراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنميه، اجفند، 30 اكتوبر 2022
كثر الحديث عن معالجات المشكلات البيئية في العالم. ربما هنالك الية للمعالجه على المستوي الجزئي لم تعطى القدر الكافي في النقاشات الدائرة حول معالجات التأثيرات البيئية على المجتمع. هنالك سبل للمعالحة إذا تم التعريف قانونيا بالأفراد والجماعات المتضره ومن يحدث الضرر. ويحدد الجانب القانوني المسؤولية في إحداث الضرر البيئي بحيث تتم المعالجة عبر التفاوض والمساومة بين الأطراف المعنية بالمشكل البيئي. هذه الموضوع تناولته في العام 2002 بدعوة كريمة وقتها للتقديم محاضرة عامة لجائزة زايد الدولية للبيئه، وللأهمية نعيده قراءته اليوم.
هنالك علاقة بين الاقتصاد والقانون والقضايا البيئية في عمليات المعالجه للإختلافات البيئية. القضايا البيئيه ومعالجتها ليست فقط قضيه علميه تكنولوجية واختراعيه بحته بمعزل عن الاقتصاد والقانون، لان الأساس في وجود الخروقات البيئية هو الجانب الاقتصادي الإنتاجي والاستهلاكي، لذلك بالضرورة أن يكون العلاج إقتصاديا أيضا وبعد تحديد المسؤولية عن الضرر من قبل القانون السائد وبالتالي ضمان فرض المعالجه الاقتصاديه للخروقات التي تحدث من جراء العمليه الصناعية والإنتاجية وسلوك المجتمع الاستهلاكي الضار. هذا الحل هو الامثل ويعمل أيضا على تجنب السلوك المضر للبيئة من قبل الأفراد قبل حدوثه. هذه الجزئيه الهامة في المعالجات البيئية فسرها واقترح آلياتها رونالد هاري كوس (Rounald (Harry Coase أستاذ الإقتصاد بجامعة شيكاغو. يمكن حل جزء كبير من القضايا البيئيه المتعلقة بالاقتصاد في جانبي الإنتاج والاستهلاك عبر آليات فرض الرسوم والضرائب، بعد الاتفاق بين الطرف المتضرر والذي يحدث الضرر و تحديد المسؤليه من ناحيه قانونيه، حسب القانون السائد في كل دولة. يتم تطبيق نظرية كوس على المواقف التي يكون فيها ضررا من الأنشطة، وذلك من أجل إيقاف هذا النشاط. هذه النظريه تنص على أنه في ظل الظروف الاقتصادية المثالية، حيث يوجد تضارب في حقوق الملكية، يمكن للأطراف المعنية المساومة أو التفاوض بشأن الشروط التي ستعكس بدقة التكاليف الكاملة والقيم الأساسية لحقوق الملكية المعنية، مما يؤدي إلى النتيجة الأكثر كفاءة .
أشار كوس الى وجود خروقات بيئيه في العمليه الاقتصاديه الانتاجيه والاستهلاكي كما هو الحال في القطاع الصناعي والاستهلاكي الفردي وتاثيراتها على تلوث البيئه نتيجه لذلك. ذلك لان توفير السلع والخدمات أمر مهم و يعتمد على نمط انتاجي وإستهلاكي بالضرورة يكون له تاثيرات بيئية ضاره. تنص النظرية على أنه في حالة وجود أسواق تنافسية كاملة بدون تكاليف معاملات ومجموعة فعالة من المدخلات والمخرجات ، سيتم اختيار القرار الأمثل. ويؤكد كوس أن المساومة بين الأفراد أو المجموعات المتعلقة بحقوق الملكية ستؤدي إلى نتيجة مثالية وفعالة ، بغض النظر عن تلك النتيجة. وهذه النظرية تقدم طريقة مفيدة محتملة للتفكير في أفضل طريقة لحل النزاعات بين الشركات المتنافسة أو الاستخدامات الاقتصادية الأخرى للموارد المحدودة في حالة وجود تأثيرات بيئيه. ومن أجل تطبيق النظرية بالكامل ينبغي عدم وجود تكاليف للمعاملات المتعلقة بالعملية القضائية.
يتم تطبيق النظرية على المواقف التي تفرض فيها الأنشطة الاقتصادية لأحد الأطراف تكلفة أو ضررًا على ممتلكات طرف آخر. بناءً على المساومة التي تحدث أثناء العملية ، قد يتم عرض الأموال إما لتعويض أحد الأطراف عن أنشطة الطرف الآخر أو لدفع تعويض للطرف الذي يتسبب نشاطه في إلحاق الضرر من أجل إيقاف هذا النشاط. على سبيل المثال ، إذا كانت الشركة التي تنتج آلات في مصنع تخضع لشكوى ضوضاء مقدمة من الأسر المجاورة بسماع الأصوات العالية للآلات ، فإن هنالك تسويتين محتملتين. قد تختار الشركة تقديم تعويض مالي للأطراف المتضررة من أجل السماح لها بمواصلة إنتاج الضوضاء أو قد تمتنع الشركة عن إصدار الضوضاء إذا كان الحكم القضائي لصالحها بعد تحديد حقوق الملكية ، وبالتالي فإن النتيجة ستكون استمرار العمليات الإقتصادية. إذا تجاوزت القيمة السوقية الناتجة عن النشاط الذي يُحدث الضوضاء القيمة السوقية للضرر الذي تسببه الضوضاء للجيران ، فإن نتيجة السوق الفعالة للنزاع هي أن الشركة ستستمر في صنع الآلات بعد دفع التعويض الذي ستقرره المحكمة للجيران من الإيرادات المتولدة. وإذا كانت قيمة إنتاج الشركة من آلات التصنيع أقل من التكلفة المفروضة على الجيران بسبب الضوضاء، فإن النتيجة الفعالة هي أن الشركة ستتوقف عن صنع الآلات وأن الجيران سيعوضون الشركة عن القيام بذلك. ومع ذلك ، في العالم الحقيقي لن يدفع الجيران لشركة ما للتوقف عن صنع الآلات لأن تكلفة القيام بذلك أعلى من القيمة المكتسبة في حالة عدم وجود ضوضاء.
تساعد هذه الطريقة في الحصول على أفضل قيمة اقتصادية حقيقية من خلال تخصيص حقوق الملكية للمتنافسين. على سبيل المثال العوامل الخارجية السلبية أو التكلفة الخارجية للإنتاج أو الأستهلاك مثل تلوث الهواء أو الماء أو الضوضاء من قبل الملوث. هذه التكلفة لا يمكن أن يتجنبها المتضرر أو المتضررين إلا من خلال تخصيص حقوق الملكية بحيث يمكن التفاوض بعد ذلك بشكل ودي بين الأطراف المعنية، وبالتالي يمكن استخدام هذه النظرية في حل النزاعات البيئية. علما بأن العملية الإنتاجية في الاقتصاد ينبغي أن لا تتوقف لحاجة الناس للإنتاج من أجل الإستهلاك ولحاجة الاقتصاد للنمو وإيجاد فرص التشغيل والدخول حتي في وجود التلوث والضوضاء . إذا الحل الوحيد هو إستمرار الأنتاج مع دفع التكلفة إذا كان الحقوق لصالح المنتجين أو تعويض المنتج للمتضرين إذا كانت الحقوق لصالح المتضررين، بإعتبار أن هنالك علاقة تبادلية بين الإنتاج والتوث والضوضاء. بمعني أن الأثنين يمكنهما الإستمرار بعد إجراء المعالجات الاقتصادية والقانونية اللازمة حسب حقول الملكية.