شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم ابراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنميه، اجفند، 13 نوفمبر 2022
(رؤيتنا أن قضية التعويض نفسها ليست عملية وليست مطلوبة اليوم لأن جميع الأطراف إعترفت بوجود مشكلة وهنالك عمل عالمي لإيجاد معادلات للخروج من هذا المأزق البيئي الذي يواجه البشرية. ولخلق جو مفعم بالإتفاق والتناسق والعمل سويا في المستقبل ينبغي تناسي الماضي مادامت الدول التي أحدثت الضرر لا زالت تعمل ما بوسعها لمساعدة الدول النامية في العمل المناخي وبصورة متصاعدة).
تغير المناخ معضله كبيرة وتضامنيه ومؤثره على حياة الأجيال الحالية والمستقبلية ولذلك تأخذ البعد العالمي في مجالي المسببات والمعالجات . أكدت المؤسسات الدولية ذات الصله بالتغيرات المناخية أن الأنشطة البشرية هي المسؤولة عن نسبة كبيره من تغيُّر المناخ. صحيح أن الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي تعود إلى النهضة الكبرى في الثورة الصناعية للعديد من البلدان مما سببب موجة جفاف في بعض البلدان التي تأثرت محاصيلها الزراعية ليس فقط في الدول النامية بل المتقدمة أيضا حيث جفاف الأنهار و حرائق الغابات الكبرى مما ساعد على مضاعفة متوسط أسعار الغذاء في الأسواق العالمي فضلا عن تأثيرات أخري.
تأسست اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992 بعد أن أدركت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الخسائر والأضرار تمثل تهديدًا للبشرية. وتقر هذه الاتفاقية الإطارية بالتزام البلدان المتقدمة بدعم البلدان النامية في جهودها للتصدي لتغير المناخ. الهدف النهائي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية هو ضمان أن جهود التخفيف الجماعية تقوم بتثبيت مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي وفي إطار زمني يسمح للنظم البيئية بالتكيف بشكل طبيعي، بحيث لا يهدَد إنتاج الغذاء ويسمح أيضا بتحقيق التنمية الاقتصادية دون عوائق مناخيه. و ظهر مصطلح “الخسائر والأضرار” لأول مرة في مؤتمرالأطراف في بالي في العام 2007. و هو تعبير ملطف لمصطلحي المسؤولية والتعويض . في عام 2010 تم وضع برنامج عمل لفهم كيفية تقييم ومعالجة الخسائر والأضرار المتعلقة بالمناخ. وقد أدى ذلك إلى إنشاء آلية وارسو الدولية بشأن الخسائر والأضرار والتي إحتوت على ثلاث وظائف وهي تعزيز المعرفة والفهم لنهج إدارة المخاطر الشاملة لمعالجة الخسائر والأضرار ، و تعزيز الحوار والتنسيق والتآزر بين أصحاب المصلحة المعنيين فضلا عن تعزيز العمل والدعم، بما في ذلك التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات لمعالجة الخسائر والأضرار. وفي العام 2015 تم تضمين الخسائر والأضرار في مادة مخصصة ضمن اتفاقية باريس، و يتضمن النص إشارة إلى تجنب الخسائر والأضرار وتقليلها ومعالجتها. تجنب الخسائر والأضرار يعني التخفيف والتقليل من الخسائر والأضرار ويعني أيضا التكيف. نظرًا لأن الخسائر والأضرار تمثل الركيزة الثالثة لسياسة تغير المناخ جنبًا إلى جنب مع التكيف والتخفيف.
ترتيبات التمويل لمعالجة الخسائر والاضرار المرتبطة بتغيير المناخ بند شديد الحساسية ويُستخدم ضمن عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ للإشارة إلى الأضرار التي يسببها تغير المناخ الناتج عن الإنسان. والتعويضات المناخية هي مدفوعات الخسائر والأضرار وتمثل شكلا من أشكال العدالة المناخية وإلتزاما أخلاقيا، حيث يكون التعويض ضروريًا لمساءلة البلدان عن الخسائر والأضرار الناجمة عن الانبعاثات التاريخية. وظلت مسألة الخسائر والأضرار محل نزاع منذ اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. فضلا عن أن تحديد المسؤولية والتعويض عن الخسائر والأضرار هدفًا طويل الأمد للبلدان الضعيفة والنامية خاصة الدول الجزرية الصغيرة والبلدان الاقل نمواً في المفاوضات. ومع ذلك فقد قاومت الدول المتقدمة ذلك وانتهي الامر الى الحوار بدلاً من المسؤولية أو التعويض.
وحددت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الخسائر والأضرار لتشمل الأضرار الناتجة عن الأحداث المفاجئة كالكوارث المناخية ، مثل الأعاصير وكذلك العمليات بطيئة الظهور مثل ارتفاع مستوى سطح البحر. و يمكن أن تحدث الخسائر والأضرار في سبل العيش وفي النظم الطبيعية مثل التنوع البيولوجي . لا يختلف الناس حول تأثير العمليات الصناعية والتلوث على دول العالم الثالث ولكن بالرجوع لنظرية (رونالد كوس) في المعالجات الخاصة بالبيئة والتي تدعو الي التطبيق في المواقف التي تفرض فيها الأنشطة الاقتصادية لأحد الأطراف تكلفة أو ضررًا على ممتلكات طرف آخر بناءً على المساومة التي تحدث أثناء العملية. ولكن ينبغي أولا تحديد المسؤلية وحقوق الملكية وأن يتم إيجاد حل بالتفاوض. ويمكن أن يتم ذلك خارج القضاء وفي كل حالة على حدة. ومهما يكن من أمر فإن رؤيتنا أن قضية التعويض نفسها ليست عملية وأيضا ليست مطلوبة اليوم لأن جميع الأطراف إعترفت بوجود مشكلة وهنالك عمل عالمي لإيجاد معادلات للخروج من هذا المأزق البيئي الذي يواجه البشرية. ولخلق جو مفعم بالإتفاق والتناسق والعمل سويا في المستقبل خاصة من قبل الذي يحدث الضرر ينبغي العمل علي تناسي الماضي مادام الدول التي أحدثت الضرر لا زالت تعمل ما بوسعها لمساعدة الدول النامية في العمل المناخي بصورة متصاعدة.
ومهما يكن من أمر فإن ظهور مسالة التعويض مره أخرى في قمة المناخ بشرم الشيخ أمرا حميدا حيث أنه ينبه العالم أجمع أنه لا بديل إلا العمل الجماعي وأن الدول المتضرره لن تقف مكتوفة الأيدي إذا لم يكن هنالك حراك جاد. ورؤيتنا أنه ينبغي النظر الي الأمام وليس الي الخلف في معالجات التأثيرات البيئية العالمية وكذلك النظر الي أمر الخسائر والأضرار ليس بمنظور كل دوله على حدة لأن ذلك سيخرق إن لم يؤثر سلبا علي الإتفاقات المبرمه والجارية في العمل المناخي العالمي. وذلك بمبدأ أن أي تأثير مناخي سالب لن يكون محدودا بل شاملا يتأثر به الكل وينبغي للكل العمل من أجل التخفيف والتكيف مع التمويل عبر كل الوسائل التي سيتفق عليها في هذا القمة والقمم القادمة.
ورؤيتنا هي الإستفادة من دعوات التعويض في زيادة الضغط على الدول المتقدمة بالوصول الى التمويلات والمساعدات التي يتفق عليها وخلال الإطار الزمني الموضوع بمنطق أن التغيرات المناخية ليست وليدة اللحظة بل تشمل التأثيرات التاريخية. كما أن قضية المناخ ليست كالدول ذات الحدود الجغرافية، وأن الكل يتأثر بتغيير المناخ وينبغي أن يدار هذا الأمر بحكمة ويشترك فيه الكل ويشمل التأثيرات التاريخية السالبة على المناخ في إطار المعالجات الحالية. كما ينبغي الإستفادة من هذه الدعوة لقيام المزيد من التحالفات الدولية مع وجود آلية للتمويل وتوسيع استخدام الطاقة الخضراء التي تقلل من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري، وتكون من أهم أولوياتها ربط أهداف التنمية المستدامة بشكلٍ فعَّال بالقضايا المناخيه.