معالجة الخسائر والاضرار التاريخية المرتبطة بتغير المناخ

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم ابراهيم،كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنميه، اجفند 24 نوفمبر 2022
badr_el_din@hotmail.com

(بعد أن تم الإتفاق حول إنشاء صندوق للتعويضات، هنالك أسئلة ينبغي التنبيه بشأنها. وأهمها فقدان الثقة في حالة عدم تمويل الصندوق بالقدر الكافي، علما بأن مبالغ التعويض حسب التقديرات لا تقل عن 100 مليار سنويا و التخوف أن يكرس عدم الإلتزام مزيدا من فقدان الثقة في العمل المناخي مستقبلا. فضلا عن أن هنالك كثير من القضايا المتعلقة بالتعويضات ممثله في آلية عمل الصندوق ونوعية الخسائر وإختيار الدول المتضرره وتقديرات حجم الضرر وغيرها لا زالت مفتوحة . ونأمل أن يتم حسمها قبل مؤتمر المناخ العام القادم).

في مقالنا السابق تناولنا مسألة ترتيبات التمويل لمعالجة الخسائر والاضرار المرتبطة بتغيير المناخ واشرنا إلي أنه بند شديد الحساسية وظل هدفًا طويل الأمد للبلدان الضعيفة والنامية خاصة الدول الجزرية الصغيرة والبلدان الاقل نمواً في المفاوضات منذ أن طرق لأول مره في مؤتمر باريس للمناخ 2015، وقاومت الدول المتقدمة ذلك المقترح وانتهي الامر في السابق الى الحوار بدلاً من المسؤولية أو التعويض. كما أوضحنا أن ظهور مسالة التعويض مره أخرى في قمة المناخ بشرم الشيخ أمرا حميدا حيث أنه ينبه العالم أجمع أنه لا بديل إلا العمل الجماعي وأن الدول المتضرره لن تقف مكتوفة الأيدي إذا لم يكن هنالك حراك جاد. كما رأينا أنه ينبغي النظر الي الأمام وليس الي الخلف في معالجات التأثيرات البيئية العالمية وكذلك النظر الي أمر الخسائر والأضرار ليس بمنظور كل دوله على حدة لأن ذلك سيخرق إن لم يؤثر سلبا علي الإتفاقات المبرمه والجارية في العمل المناخي العالمي. وينبغي للكل العمل من أجل التخفيف والتكيف مع التمويل عبر كل الوسائل التي سيتفق عليها في هذا القمة والقمم القادمة. كما ذكرنا أنه من المهم الإستفادة من دعوات التعويض في زيادة الضغط على الدول المتقدمة بالوصول الى التمويلات والمساعدات التي يتفق عليها وخلال الإطار الزمني الموضوع بمنطق أن التغيرات المناخية ليست وليدة اللحظة بل تشمل التأثيرات التاريخية. وذكرنا أهمية الحرص على مناخ مفعم بالإتفاق والتناسق والعمل سويا في المستقبل حتى ولو دعي ذلك إلى تناسي الماضي مادامت الدول التي أحدثت الضرر لا زالت تعمل ما بوسعها لمساعدة الدول النامية في العمل المناخي وبصورة متصاعدة.

بعد نهاية الفترة الزمنية المحددة لمؤتمر المناخ وبعد الإغلاق تم الاتفاق من جميع الدول على توفير تمويل الخسائر والأضرار للبلدان الضعيفة التي تأثرت بشدة من جراء الكوارث المُناخية. وسيتم العمل على تفعيل ترتيبات التمويل الجديدة التي تم وضعها خلال العام المقبل عبر ماسمي بلجنة انتقالية من 24 دولة لتقديم التوصيات بشأن آ لية عمل الصندوق ومصادر أمواله ليقدم في توصيات مؤتمر COP28 بدولة الإمارات العربية المتحدة العام المقبل. وإعتبر المراقبون والمهتمون بقضايا المناخ هذه الإستجابة علامة تاريخية في محادثات المناخ بعد الحوار الذي امتد لعقود بشأن هذا الموضوع. والجدير بالذكر أنه، ولإزالة تخوف الدول الأوروبية من المسؤولية القانونية التي قد تفتح الباب أمام تعويضات مالية لا تنتهي، جاء شرط أن يكون الصندوق موجها لأكثر الدول ضعفا وأن يمول من جانب قاعدة واسعة من المانحين.

ومهما يكن من أمر فإن الموافقة على الصندوق المقترح خطوة متقدمة في تحقيق العدالة المناخية ولو جزئيا ما دام أن الأمر إرتضت عليه كل الدول. كما نعتبرها خطوة جيدة، إلا أن الباب لا زال مفتوحا حول مابعد هذا الاتفاق الذي ظل عقبة في جميع المفاوضات . ربما ما تبقي يمثل الجزء الصعب، ونتخوف أن يكون “الشيطان في تفاصيل الإتفاق”. لذلك ينبغي الوصول وبأسرع فرصة ممكنه لإتفاق مرضي حول آليات الصندوق وحجم المساهمات بين الدول التي أحدثت الضرر ، وحجم توقيت دفع المساهمات للدول المتضرره، وتوزيع المساهمات بين الدول المتضرره، وشروط إختيار الدول المتضرره تاريخيا ، وتحديد نوعية الخسائر وكيفية تعويضها جزئيا أم كليا، وكيفية تحديد حجم الضرر، وهل ستفي المبالغ التي ستدفعها الدول بماهو مطلوب، علما بأن خسائر باكستان من السيول والفيضانات المرتبطة بالإحتباس الحراري لوحدها قدرت بنحو 40 مليار دولار امريكي، وأن التعويض لكل الدول المتضرره سيتم لأي خسائر في خلال ثلاثة عقود مضت، وماذا ستشمل (إعادة بناء البنية التحتية والاجتماعية أم غيرها).

كل هذه الأسئلة هي التي دعتنا في المقال الأول للتنبيه أن هذا الأمر، وإن كان مطلوبا، بل سيظل شائكا للغاية في تنفيذه , وفقدان الثقة في حالة عدم تنفيذه، والخوف في عدم تمويليه أو تمويله بصورة أضعف مما هو متوقع. وفي هذا الإطار أشار آل جور، نائب رئيس الولايات المتحدة السابق أن المبلغ المطلوب هو عشرات المليارات بنحو 100 مليار دولار سنويا، وهل ستفي الدول المتقدمة بهذه المبالغ أم لا . التخوف أن يكرس عدم الإلتزام مزيدا من فقدان الثقة في عمل كل الدول سويا من أجل العمل المناخي مستقبلا. خلاصة القول أن هنالك كثير من القضايا المتعلقة بالتعويضات لا زالت مفتوحة . ونأمل أن يأتي مؤتمر المناخ العام القادم بإيجاد حلول جزرية لها.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

لماذا مات الكثيرون في إسبانيا؟ لأن أوروبا لم تتقبل بعد حقائق الطقس المتطرف

من المؤسف أن الفيضانات الشديدة أمر لا مفر منه. ولكن ما ليس حتميًا هو مدى …