شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، أمين سامي، خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير، المملكة المغربية، 10 ديسمبر 2022
إن الرأسمالية العالمية المتوحشة والحكومات في مختلف دول العالم بدون استثناء نجحت اليوم في جعل البيئة التي نعيش فيها أكثر سرعة وأكثر تعقيدا و أكثر انفتاحا خدمة لنموذجها العالمي التنموي ولأجنداتها المتسمة بالسرعة ثم السرعة ثم السرعة، فالعالم اليوم يسير بسرعة مجنونة، لا حدود قصوى لها.. عالم تحكمه “ديكتاتورية المستعجلات”. وبالتالي هذا يعقد مسألة ترتيب الأولويات والتي أصبحت اليوم صعبة جدا نظرا لتعقد النسق الذي نعيش فيه وتداخل العناصر فيه بشكل كبير فاليوم من الصعب الفصل بين ماهو فيزيولوجي، وبين ماهو تقدير للذات والاحساس بالأمن و.. وأصبحت الفاتورة الاجتماعية تسلم مع الفاتورة الاقتصادية دفعة واحدة، فالكل يتفاعل مع الكل ويخدمه وبالتالي أصبحت المسألة أكثر تعقيدا من الأول.
إن من يتحرك بسرعة بطيئة أو عادية فهو يعرقل حركة السير على طريق التاريخ السريع والمتسارع.. فالقاعدة الآن في ظل الثورة الصناعية الرابعة هي تَحَرّك، أو انسحب واقعد طاعماً كاسياً عند أول محطة استراحة خارج مسار التاريخ الذي اليوم أصبحت السرعة والتسارع اليوم نمطا جديدا ضمن طياته.
إن عصر الثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي المتسارع قطع بدون شك ولارجعة فيه مع الزمن الإطفائي و الرجل الإطفائي والثقافة الإطفائية، فعصر الغد ينبني من الآن من اللحظة الحالية التي نحن بصدد عيشها، إن أكبر تحدي من تحديات المرحلة الجديدة هو تحدي ترتيب الأولويات فالنجاح في التحدي يتطلب توفير الرجل الاستراتيجي في مختلف المجالات ، وتبني الثقافة الاستراتيجية لأنها هي العماد وهي التي توفر التوحد حول الرؤية الاستراتيجية ويتطلب أخيرا اختيار الزمن الاستراتيجي المناسب لتحقيق الأهداف المتوخاة(قطر نموذجا).
إن الأماكن كلها والأزمنة اليوم وغدا، أصبحت تبحث عن السرعة في كل شيء سواء كان بأزمة أو بدون أزمة، كل شيء اليوم انتقل إلى السرعة القصوى.. نعم كل شيء: الإنترنت السريع، وسلاسل التوريد السريعة، والمعاملات المالية السريعة، والقطارات السريعة، والوجبات السريعة، والقرارات السريعة، والقراءة السريعة، والتفكير السريع، العمل السريع، المهن السريعة،… إننا نعيش ماتم سبق ذكره بديكتاتورية المستعجلات!
إن عدم القدرة على ترتيب الأولويات في ظل السرعة المقصودة للرأسمالية العالمية الجديدة يجعلنا في أذناب الترتيب العالمي لجميع المؤشرات العالمية سواء في التجارة، أو الاقتصاد، أو التنمية البشرية، أو.. إننا ونحن نعيش هذه المرحلة من بداية الثورة الصناعية الرابعة ونحن نعيش زمن السرعة بامتياز وما يوازيه من تحدي في ترتيب أولوياتنا ناهيك عن تحدي القرار السريع الذي أصبح اليوم مطلبا مصيريا لمواجهة التقلبات والأزمات العالمية، يجعلنا نطرح أكثر من تساؤل: هل نحن اليوم بحاجة ماسة إلى هاته السرعة التي أفرزت لنا هذا التحدي وجعلته أكثر إلحاحا من ذي قبل ؟ أم هي حاجة الرأسمالية العالمية المتوحشة التي تريد السيطرة والتحكم في العالم الجديد وإعادة هيكلة النظام العالمي الجديد وفرض شروط اللعبة الجديدة على الملعب الجديد وفرض شروط إذعان وخضوع وتبعية للدول الضعيفة والنامية كي لا تكون لها القدرة على إتخاذ القرار السريع وبالتالي التحكم في القرارات عن طريق الصناديق والبنوك الدولية العالمية؟