شبكة بيئة ابوظبي، بقلم هدى البكر، المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية 26 ديسمبر 2022
منذ أسابيع قليلة تم اختتام أعمال قمة المناخ السابعة والعشرون التي عقدت في مدينة شرم الشيخ، خلال الفترة من 6-18 نوفمبر 2022، والتي تبنت شعار “معاً نحو التنفيذ”، وهو الشعار الذي كان يعكس بوضوح إرادة مصر -باعتبارها الدولة المضيفة- ورغبة رئيس المؤتمر سامح شكري وزير الخارجية المصري في تحويل بعض الأهداف والتعهدات الأكثر طموحاً إلى إجراءات ملموسة.
وقد تجلى إصرار الدولة المصرية ورئاسة المؤتمر على إحراز تقدم في نتائج ومخرجات القمة، في استمرار الأعمال والمفاوضات حتى صدور خطة شرم الشيخ التنفيذية في العشرين من نوفمبر 2022 (أي عقب انتهاء الموعد المحدد للقمة بيومين).
هذا ويمكن القول بأن خطة شرم الشيخ تمثل ميثاقاً عالمياً جديد للمناخ، يضاف إلى رصيد الجهود الدولية في إطار مواجهة التغيرات المناخية والتعاطي مع تداعياتها.
ولقد جاءت خطة شرم الشيخ بقرار تاريخي لأول مرة من قبل الدول الغنية بتقديم أموال للدول النامية لمساعدتها على التعافي من الأضرار والخسائر الاقتصادية الناجمة عن تأثيرات تغير المناخ المستمرة، حيث وافقت الدول الأطراف على إنشاء صندوق “خسائر وأضرار” لمساعدة الدول الفقيرة على التعافي من آثار تغير المناخ، مثل المنازل المدمرة أو الأراضي التي غمرتها الفيضانات أو الدخل المفقود جراء المحاصيل المتضررة.
لقد كانت قضية الخسائر والأضرار دوما مثيرة للجدل، حيث لم ترغب الدول الغنية في السابق في الموافقة على صندوق الخسائر والأضرار لأنها اعتقدت أنه سيجعلها مسؤولة عن تغطية جميع الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ، ولكن أخيراً تم الاتفاق على إنشاء هذا الصندوق وهو ما يحسب في صالح خطة شرم الشيخ ويجعل منها اتفاقاً تاريخياً يؤرخ للحظة فارقة في سياسات المناخ العالمية، كما أنه يمثل ذروة جهد استمر لعقود من قبل الدول الجزرية الصغيرة والبلدان النامية المعرضة للتأثر بتغير المناخ. وقد وصف أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش القرار بأنه “خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة”.
إلا أنه علينا عدم الإفراط في التفاؤل، فهذا القرار ليس سوى الخطوة الأولى، ويعتمد نجاحه على مدى سرعة انطلاق هذا الصندوق، حيث سيتم إنشاء لجنة عبر وطنية تضم ممثلين من أكثر من 24 دولة لتحديد الدول المعرضة للخطر، ومن أين ستأتي الأموال وكيفية توزيعها. كما ستقوم اللجنة، التي لديها رئيس مشارك من دولة نامية ورئيس مشارك من دولة متقدمة، بتقديم تقرير في COP28، وستقدم شبكة سانتياغو لتفادي الخسائر والأضرار المساعدة التقنية حول كيفية معالجة الخسائر والأضرار.
من الملاحظ أيضا أن ديباجة الخطة قد شهدت الإشارة – لأول مرة- إلى تأثر الغذاء بتغير المناخ، حيث أكدت على أن نظم إنتاج الأغذية تعاني من الضعف في مواجهة الآثار الضارة لتغير المناخ.
وتجدر الإشارة إلى أن 42٪ من تضخم أسعار الغذاء الأخير في المملكة المتحدة كان بسبب تغير المناخ، حسب ما جاء في دراسة نشرت في أكتوبر 2022 لوحدة استخبارات الطاقة والمناخ.
وقد رحبت الخطة بإنشاء برنامج شرم الشيخ للعمل المشترك الخاصة بالعمل المناخي بشأن الزراعة والأمن الغذائي، وهو برنامج عمل جديد مدته أربع سنوات، ويمثل تفعيل لبرنامج عمل كورونيفيا بشأن الزراعة، والذي كان قد تم تأجيله منذ جلاسكو 2021، والذي يسلط الضوء على أشياء رئيسية مثل الزراعة الإيكولوجية، والأسمدة العضوية، وتحسين إدارة السماد الطبيعي، والأمن الغذائي والتغذوي، والإدارة المستدامة للأراضي والمياه.
وهو يقر على وجه التحديد بتعرض صغار المزارعين والأسر ذات الدخل المنخفض والسكان الأصليين والنساء والشباب في البلدان النامية لظواهر الطقس المتطرفة. كما يعترف بالمزارعين – بمن فيهم أصحاب الحيازات الصغيرة والرعاة- بوصفهم حماة الأرض.
هذا ويتضمن برنامج شرم الشيخ إطلاق بوابة افتراضية عالمية يتم عبرها تبادل المعلومات حول المشروعات والمبادرات والسياسات لزيادة فرص تنفيذ العمل المناخي في الزراعة والأمن الغذائي.
في إطار الإشارة إلى الموضوعات التي طرحتها خطة شرم الشيخ للمرة الأولى بخلاف مسألة صندوق الخسائر والأضرار، والأمن الغذائي، فقد أشارت الخطة إلى ضرورة التحول نحو تبني أنماط الحياة المستدامة، كما جاء في ديباجتها، ولكن لم يتضح بعد كيف يمكن أن تترجم الحكومات هذا التحول إلى خطط أو إجراءات وطنية.
كما تضمن النص النهائي – أيضا للمرة الأولى- قسماً عن “الغابات” وإشارة إلى “الحلول القائمة على الطبيعة”، مع الاعتراف بالدور المهم الذي يمكن أن تلعبه الطبيعة في الحد من تغير المناخ الذي يسببه الإنسان.
مما يحسب أيضا لخطة شرم الشيخ أنها أكدت على أهمية معالجة الثغرات الموجودة في النظام العالمي لمراقبة المناخ، ولا سيما في البلدان النامية، حيث أن ثلث العالم، بما في ذلك 60% من أفريقيا، ليس لديه إمكانية الوصول إلى الإنذار المبكر وخدمات المعلومات المناخية، وبناء على ذلك فقد أكدت الخطة على ضرورة تلبية النداء الذي وجهه الأمين العام للأمم المتحدة في اليوم العالمي للأرصاد الجوية في 23 مارس 2022، لحماية كل فرد على وجه الأرض من خلال التغطية الشاملة لنظم الإنذار المبكر من الطقس المتطرف وتغير المناخ في غضون السنوات الخمس المقبلة.
وفيما يتعلق بتمويل العمل المناخي فقد أكدت الخطة على ضرورة استثمار نحو 4 تريليون دولار سنوياً في الطاقة المتجددة حتى عام 2030، وذلك حتى نستطيع الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، وهو ما يستلزم – طبقا للخطة- تحولا في النظام المالي العالمي وهياكله وعملياته، وإشراك الحكومات والبنوك المركزية والتجارية والمستثمرين المؤسسين والجهات المالية الفاعلة الأخرى. وقد تمت دعوة المساهمين في مصارف التنمية المتعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية إلى توسيع نطاق التمويل وتبسيطه لتعزيز ضمانات الوصول للتمويل المتعلق بالمناخ.
لم تذهب خطة شرم الشيخ في مسألة الالتزام بالحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية لأبعد مما جاء في ميثاق جلاسكو، من حيث إن هذا الهدف “يتطلب تخفيضات سريعة وعميقة ومستدامة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية مما يقلل صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بنسبة 43٪ بحلول عام 2030 مقارنة بمستوى عام 2019″، إلا أن نص الخطة يشجع مصادر الطاقة المتجددة ولكن أيضاً الطاقة “منخفضة الانبعاثات” وهو ما يمكن تفسيره بأنه إشارة إلى الغاز باعتباره أقل تلويثاً من الفحم، أيضا لم تنص الخطة صراحة على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، مما جعل البعض يصف نص الخطة في شأن التخفيف بأنه ضعيف.
على مستوى التكيف فقد كان التقدم في هذا الشأن، أقل كثيراً مما هو مطلوب لمعالجة التأثيرات المتسارعة والخطيرة، حيث لم تحرز البلدان المتقدمة تقدماً كبيراً نحو الوفاء بالالتزام الذي تم التعهد به كجزء من ميثاق المناخ في غلاسكو COP26 لمضاعفة تمويل التكيف من مستويات عام 2019 بحلول عام 2025، حتى أنه لم يتم الاتفاق على خارطة طريق لتنفيذ هذا الهدف، مما ترك الدول الأطراف أقل ثقة في تحقيقه بحلول عام 2025.
أخيرا يمكن القول أن مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، جاء كما عهدنا المؤتمرات السابقة محرزاً للتقدم على عدة مستويات، إلا أن الحصاد الكلي لم يكن على النحو الذي يكافئ حجم الأخطار التي تحدق بكوكبنا جراء تغير المناخ، فمازال الطريق طويلا والفجوة واسعة بين علوم المناخ وسياسات المناخ.