الناتج المحلي الإجمالي مؤشراً عفا عليه الزمن

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربيي للتنمية، آجفند. 28 ديسمبر 2022

إطلعت قبل أيام على بيانات منشورة للناتج المحلي الإجمالي للعام 2022 (المقدر بنحو 88 ترليون دولار) في أهم دول العالم حيث كان الولايات المتحدة الأمريكية الأولى من نصيب الناتج المحلي الإجمالي العالمي (بنسبة 24.42%) تليها الصين (بنسبة 16.34%) واليابان (بنسبة 5.79% ) والمانيا (بنسبة 4.38%) والهند بنسبة (3.28%) وإيطاليا (بنسبة 2.2%)، وروسيا 0بنسبة 1.94%) أمريكا، مما أثر حفيظتي لهذا المقال. لغير المتخصصين يحسب الناتج المحلي الإجمالي أو القيمة النقدية لسوق السلع والخدمات في الدولة في إطار زمني معين (سنة) بثلاث طرق: طريقة الدخل ( وتعني بشكل عام اجمالي الأرباح والأجور). . طريقة الإنفاق: (القيمة الإجمالية للإستهلاك الفردي من كل المستهلكين والنفقات الحكومية وإستثمار الشركات التجاري في الأصول الثابته والإستثمار في المخزون، بالإضافة إلى مايصدر للعالم الخارجي. كل هذا من السلع والخدمات النهائية المنتجة داخل الدول خلال عام وليست المستورده. كثير من الإقتصاديين الذين يعتمدون على المعادلة الأساسية للناتج المحلي الإجمالي والتي تشمل الإستهلاك الفردي والإنفاق الحكومي وإستثمار الشركات والصادر ناقص الوارد فات عليهم أن كل قيم الإنتاج في الدولة لم تقسم الإنفاق بمختلف أنواعه حسب المنتج المحلي والمستورد لأن هذا الامر ليس فقط صعباً بل أيضا مكلف وليس له قيمة تذكر. لذلك فإن بيانات الاقتصاد الإنتاجية من السلع والخدمات بيانات كلية للإستهلاك والإنفاق من السلع والخدمات المنتجه داخليا و خارجيا. ولذلك تقوم المعادلة بطرح الواردات لتقدم لنا فقط ما إستهلكة الاقتصاد محليا من سلع وخدمات. الطريقة الثالثة هي طريقة المخرجات: القيمة المضافة الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة من جميع قطاعات الاقتصاد.

أصبح الناتج المحلي الإجمالي ومنذ العام 1944 يستخدم كمؤشر طويل الأمد لقياس الأداء الاقتصادي للبلد. الناتج المحلي الإجمالي لا يعطي صوره عن أداء المجتمع ورفاهيته، وربما يكون نتاجاً لتدمير البيئة بالإنتاح ولاإستهلاك الذي لا يراعي التأثيرات البيئية، بل يشير فقط غلى مدي نمو الإقتصاد. الناتج المحلي الإجمالي هو مقياس جيد للإنتاجية وليس الرفاهية . ولا يمكن للناتج المحلي الإجمالي قياس أي شيء لم يتم دفع مقابل مادي له مثل الأنشطة التطوعية أو الأنشطة التي تقوم بها ربة المنزل، وما أكثرها. الناتج المحلي الإجمالي هو مقياس سيئ للاستدامة البيئية ، بل إنه يضر بالرفاهية في هذا الصدد ، وحين تزداد الكوارث الطبيعية يزيد الإنفاق و بعض الإنتاج غير صديق للبيئة (يضر بالبيئة). كما أن قيم السلع والخدمات تتأثر بإرتفاع الأسعار من سنه لأخري، كما هو الحال في السودان فإن بعض من الناتج المحلي الإجمالي ليس نتيجة لزيادة الإنتاج والإنتاجية بل نتيجة لإرتفاع الأسعار التي تعطي مؤشر خاطيء عن معدل النمو الاقتصادي (نسبة الزيادة في قيمة الناتج المحلي الإجمالي من سنه لأخرى). وفي بلد كالسودان حيث معدلات التضخم عاليه، خاصة في السنوات الأخيره، فإن مؤشر الناتج المحلي الإجمالي ليس قيم للإنتاج بقدر ما يشكل جزء كبير منه قيم تضخمية. كما أن الخدمات المنزلية التي تقدمها المرأة العاملة وغير العاملة كالغسيل والإهتمام بشؤون المنزل بما في ذلك تحضير الطعام ليست مضافة في قيم الناتج المحلي الإجمالي لانها لم تقيم سوقيا. كما أن هنالك عاملا أساسياً ينطبق على السودان دون غيره وهو الفاقد الإنتاجي، خاصة في الزراعه التي يشكل قيمة إنتاجها أكبر نسبة في الناتج المحلي الإجمالي. هنالك تقديرات بأن مانسبته 25% من الإنتاج الزراعي فاقد محصولى. إذا كان هذا الأمر صحيحا فإن قيمة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي من المفترض أن تنقص بنفس النسبة.

كثيراً من المفاهيم الاقتصادية وتطبيقاتها تتغير بتغير الظروف وتطور علم الاقتصاد. فمثلا وحتي عهد قريب كان العالم يؤمن النمو السكاني الكبير نغمه وليس نعمه إقتصاديه في حين أن دول كالصين والهند وكثير من دول أسيا يفوق عدد سكان كثير من الدول النامية والفقيره ولم يؤثر هذا الإنفجار السكاني سلبا في الاقتصاد بإعتبارها الأكثر نموا في العالم وأن عدد السكان الكبير يمثل قوة عاملة داخل وخارج البلد. كما كنا نؤمن وندرس طلابنا أن العجوزات في الموازنات أو المديونيات الحكومة غير مرغوبة إقتصادياً وخطره على أداء الاقتصاد. واليوم كل الدول بها عجوزات كما أن أكبر إقتصادات العالم عليها مديونات كبيرة مثل الاقتصاد الأمريكي والياباني. لم يعد العالم يؤمن بأن يعيش الفرد أو الدولة بما لديه من موارد لبناء المستقبل . الديون أصبحت مهمة للحاق بصنع سبل الحياة قبل فوات اللأوان. ووفر النظام المصرفي العالمي فرصا لإستثمارت الموارد غير المستغله في شكل تمويلات فردية او حكومية تعود على هذه الموارد بالربح حتي في ظل النظام المصرفي الإسلامي. إذا إعتمد الفرد على التوفير من مرتبه لبناء مستقبله فلن يتم ذلك لأن التضخم سيأكل كل الوفورات وستتضاعف أسعار السيارات وتكلفة إنشاء المباني وكذلك الإنفاق الاجتماعي على الزواج وغيره. لذلك فإن أفضل وسيله اليوم إعتماد الديون لبناء المستقبل الحياتي للفرد والدولة. حتي أن نصيب الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في الإقتصاد (الناتج المحلي مقسوما على عدد السكان) حين كنا ندرس الاقتصاد كان يصنف رفاهية الدول. ومن الغريب حقا أن أعلي نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي وقتها كان في دولة الكويت التي كانت تعتبر دولة ضعيفة الخدمات مقارنة بأوروبا وأمريكا وغيرها. إذن هذا المؤشر كان ولا يزال مشكوك في قيمته لقياس الرفاهية الاقتصادية.

نتيجة لما ذكر أعلاه، وفي السنوات الأخيرة هنالك رأي يتبلور بصورة متسارعة بأن الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر عفا عليه الزمن. عدم القناعة بالناتج المحلي الإجمالي خاصة في قياسه لكثير من المؤشرات المجمعية، ناتج من أن قيمته النقدية لم تراع الطبيعة والرفاهية. تعمل نيوزيلندا الآن علي إصلاح المؤشر من خلال ماسمي ب (إطار معايير المعيشة) الذي يشمل الصحة والتحول الديمقراطي والارتباط الاجتماعي وجودة البيئة وغيرها إنه مقياس جديد لما يجب أن يكون عليه صحة المجتمع . كما أدخل الإقتصاديون في العالم مؤشرات جديدة في السنوات الماضية لسد النقص في الناتج المحلي الإجمالي، حيث أدخل (مؤشر التنمية البشرية) في العام 1990 و الذى شمل عدة مؤشرات من أهمها مؤشرات التعليم ومتوسط العمر المتوقع ونصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي. كما أدخل (مؤشر السعادة الوطني الإجمالي) الذي يحسب تحسين رفاهية الناس. ومؤشر التقدم الحقيقي ، الذي يقيم ازدهار الدولة من خلال المتغيرات البيئية والاجتماعية.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …