“الوسط المفقود” المفقود: في الحالتين أنا الضائع!!

شبكة بيئة أبوظبي، بقلم، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنميه، أجفند، 25 يناير 2023

الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة تعاني من نقص في الخدمات، خاصة خدمات الإقراض/ التمويل، أو بالأحرى لديها فرص أقل للحصول على التمويل/الإقراض. وجدت الدراسات أن معظم الشركات تفتقد إلى الوسط الراعي لها، إما لأنها شركات/ مؤسسات كبيرة بالنسبة لمؤسسات التمويل الأصغر أوصغيرة بالنسبة للبنوك. بالإضافة لأن هذه المؤسسات التي تفتقد للرعاية الوسطية بها نقص مريع في الإئتمان/التمويل المصرفي والذي يقدر بأقل من 10% مما هو مطلوب على أحسن تقدير. فضلا بأن نسبة عالية منها تصل لأكثر من 90% لا تملك حسابات مصرفية . تواجه المشروعات الصغيره والمتوسطة عدة تحديات من أهمها ضعف حوكمتها ورأسمالها مع ارتفاع تكلفة تأسيسها وعدم وضوح رؤية المشروع في أغلب الأحوال، وقلة الخبره من قبل صاحبها وعدم تفرغه للمشروع بشكل كامل وصعوبة الحصول على القوى العاملة الجيدة والمدربة والأمينه مما يؤدي إلى إختفاء هذه المؤسسات في وقت وجيز من إنشائها، وبالتالي غياب الإستدامه. فضلا عن غياب الدعم الحكومي وإرتفاع الرسوم والجبايات وتعدد الجهات والإجراءآت التي يتعامل معها صاحب المشروع والتغير في السياسات والإجراءات والإشتراطات الحكومية.

منشآت القطاع الخاص إما منشآت كبيرة الحجم تدار بواسطة القطاع الخاص ذوي المقدرات المالية الكبيرة وإما منشآت صغيرة وصغري لا تقوي على المنافسة والإنطلاق ولا تتوفر لها أسباب للنمو والتوسع حتى تدخل الى فئة الشركات المتوسطة ذات المقدرات المالية والسوق الأكبر. لهذا الأمر انعكاسات جد خطيرة وسلبية على فرص تحديث القطاع الخاص، وإدخاله إلى قطاعات أكثر مهارة وأعلى إنتاجية ومن ثم رفع مقدرته على المنافسة سواء فى أسواق التصدير أو فى الأسواق المحلية الآخذة فى الانفتاح والتوسع بسبب زيادة الطلب.

الأدبيات العلميه الكثيره المتوافرة تسعى إلى تفسير “الوسط المفقود” للشركات متوسطة الحجم في البلدان النامية بالإشارة إلى فجوة المشاريع الصغيرة والمتوسطة على الرغم من مساهماتها في اقتصادات البلدان منخفضة الدخل . في الحقيقة مصطلح “الوسط المفقود” مصطلح يستخدم بشكل فضفاض ويعني نقص الشركات الصغيرة والمتوسطة في الدول النامية. وقد يعني أيضا نقص رأس المال (المرتبط بحجم القروض /التمويل لهذه الشركات) القابل للاستثمار. و بغض النظر عن ما يشير إليه مصطلح “الوسط المفقود” ، فمن الواضح أن ازدهار قاعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة يؤدي إلى نمو اقتصادي واجتماعي كبير مما يوضح سبب أهمية هذه القضية للدول النامية. في الحقيقة تميل الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى أن تكون أكبر من أن تخدمها مؤسسات التمويل الأصغر الصغيره حجما. وفي المقابل ونظرا لصغر حجمها وعلو مخاطرها لا تكون جذابة للقطاع المصرفي الرسمي مما يؤدي إلى ما يُطلق عليه “الوسط المفقود”، بمعني أنها ضائعة بين المؤسسات والبنوك.

لا تزال المعضلة المتمثله في شريحة السوق بين شركات وعملاء التمويل الأصغر الحاليين والعملاء المستقبلين (بعد التجسير) والذين يقعون في “الوسط المفقود” قيد المناقشه بين المهتمين بأمر التمويل الأصغر بالسودان. وعلى الرغم من أن الأدبيات الكثيرة التي تسعى إلى تفسير “الوسط المفقود” للشركات متوسطة الحجم في البلدان النامية ، إلا أنه من المدهش حقا أن هناك القليل من الدعم التجريبي للوسط المفقود .سواء كان هذا الدعم في شكل رأس المال أو في الخدمات الأخرى. ففي السودان إقترح بعض المهتمين الإسراع في قيام هيئة/وكالة حكومية لتنمية المشروعات الصغيره والمتوسطة. وعلى الرغم من أن الفكرة تبدو جيدة في مضمونها، إلا أنني أتخوف من أن كثرة الهياكل الحكومية قد تزيد من أعباء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بصورة غير مبرره. كما أتخوف أيضا من أن مهام هذه الهيئة /الوكالة مقسم الآن بين جهات حكومية كثيرة، ومن غير المحتمل أن تتخلي هذه الجهات عن هذه المهام دفع واحده مما سيؤدي في النهاية أن تكون الهيئة/الوكالة المقترحة مجرد جسم بدون مهام فعلية محدده له، أو بمهام متضاربة مع جهات أخري، مما سيعقد الأمور. وفي المقابل هنالك بديل بتوسيع إشراف سياسات بنك السودان المركزي لتشمل بجانب التمويل الأصغر التمويل الصغير والمتوسط بدأء بتغيير مهام وصلاحيات وحدة التمويل الأصغر . وتغيير الإطار الرقابي والتنظيمي لمؤسسات التمويل الأصغر ليشمل الصغير والمتوسط. مهما يكن من أمر فإن هذا التغيير في سياسات بنك السودان المركزي سيكون خطوة كبيرة (أو ربما الخطوة الأولى) نحو قيام هيئة/ وكالة تنمية المشروعات الصغيره والمتوسطة في المستقبل. هنالك بعض التجارب الناجحه في الهند مثلا يمكن الإقتداء بها مع إختلاف الظروف. في الهند قامت الحكومة بإنشاء وكالة تطوير وإعادة تمويل الوحدات الصغيرة في عام 2014 ، كما شجعت الحكومة المؤسسات على ذلك إنشاء منتجات مالية منفصلة تلبي احتياجات المشاريع الصغيرة على وجه التحديد .

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …