جميعاً من أجل استدامة وتكيف المنظومة الواحيّة

نحو إنشاء مركز امتياز ومرصد بيئي للنظم البيئية للواحات من أجل التنمية المستدامة للواحات

شبكة بيئة ابوظبي، محمد التفراوتي، مدير موقع آفاق بيئية، المملكة المغربية، 12 يونيو 2023
المصدر، موقع آفاق بيئية، المملكة المغربية

شهدت مدينة ورزازات مؤتمرا دوليا للواحات ونخيل التمر تحت شعار” جميعا من أجل استدامة وتكيف المنظومة الواحية”، نظمته وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية الريفية والمياه والغابات، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس. ملتقى مكن من تدارس وتبادل التجارب حول مختلف التحديات والإشكاليات التي تتهدد الواحات ومنظوماتها البيئية الهشة.
تتميز أغلبية حقول النخيل والواحات التقليدية، من افريقيا الشمالية والشرق الأوسط، برصيد لا يمكن تجاهله من حيث أهمية الإنتاج والتنوع البيولوجي النباتي والحيواني. غالبية الواحات حول العالم تواجه إكراهات شديد. وتواجه النظم البيئية للواحة مزيجا من العوامل والعناصر مزعزعة للاستقرار من قبيل فرط استغلال الموارد الطبيعية، الجفاف المتكرر والتوسيع الحضري المتنامي في الأراضي المزروعة، وتضخم آثار تغير المناخ والتعرية وملوحة التربة. تتعرض الواحات لتهديد حقيقي مما يؤدي إلى اختلال هذا التوازن، وعواقب وخيمة على استمراريتها واستدامتها.

ومكن المؤتمر الدولي للواحات ونخيل التمر من تقييم الإنجازات على المستوى المعرفي من أجل تنمية فضاءات الواحات وتحليل المزايا الرئيسية والاكراهات التي تعترض النظام الواحي، فضلا عن آليات دعم تنميتها المستدامة. وشكل الملتقى مناسبة لمناقشة الفرص وإمكانات التنمية الزراعية المتكاملة في قطاع نخيل التمر. وتبادل المشاركون المعلومات والخبرات في أفق تعزيز الشراكات والتعاون. وتعزيز الآليات المناسبة لحفظ واستدامة النظم البيئية لساكنة الواحات ووضع أسس رؤية تدبير مستدام للنظام الإيكولوجي الزراعي الواحي.

وأكد السيد محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات،‎ في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، . أن المؤتمر يكتسي أهمية بالغة لكون الواحات تشكل نظما اقتصادية واجتماعية وبيئية متداخلة وذات طابع خاص. كما أنها تنبع وتتجذر من أعماق التاريخ البشري وتعبر عن تراكم معرفي متواصل توارثته الأجيال وتفاعل مع الأزمان ليعطي ويأخذ من تسلسل وتعاقب الثقافات. وساهمت بذلك الواحات في صناعة تاريخ البشرية. وكانت مهد الانطلاقة المعروفة لحضارات المغرب.
وتواجه الواحات تحديات كبيرة لم يسبق لها مثيل، تكاد تعصف بكيانها وتواجدها وهذا الوضع يرجع إلى اختلال التوازنات التي كانت تضمن استمراريتها المرتبطة بعدة عوامل خصوصا تلك الناتجة عن التغيرات المناخية والاقتصادية والاجتماعية.

وأضاف الوزير صديقي أنه يجب التذكير، على المستوى البيئي، أن الواحة في حد ذاتها تعني تحديا طبيعيا أمام قهر وقساوة الصحراء غير أن هذا التحدي وهذا الصمود بدأ يتلاشى وينكسر من جراء التغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف. وقد أصبحت ظاهرة التصحر وطمي الواحات بالرمال ظاهرة بنيوية تستوجب اليقظة والتحرك الميداني الفعال للحد من كل الآفات والعواقب السلبية، وإعادة الاستقرار والتوازن للبيئة الواحاتية الهشة. كما تواجه الواحات كذلك إشكالية الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإعلامي والمعلوماتي. وهذا الوضع الجديد يطرح التساؤل حول قدرات الواحات على التأقلم والصمود لاستيعاب كل هذه التغيرات. وكذا تموقعها في خضم التبادلات التجارية، وكيفية تعاملاتها مع التغيرات والتيارات المتعلقة بالقيم والجوانب الثقافية والاجتماعية مع انعكاساتها على تطور المجتمع برمته ومكوناته.

وتغطي الواحات بالمغرب حوالي 60 ألف هكتار وتعد مستقرا لثروة بيولوجية متنوعة وهائلة، تبعث على التفاؤل والاضطلاع للمستقبل برؤى مفهوم التنمية المستدامة الشاملة. ذلك أن الميراث الذي تركه الأجداد من تنوع بيولوجي نباتي وحيواني، خاصة النخيل وأنواع الخضراوات وأشجار الفواكه والنباتات الطبية والعطرية والأنواع الكلائية، بالإضافة إلى أصناف الأغنام والماعز والأبقار وغيرها من الحيوانات الداجنة، مما يجعل من الواحات ثروة ذات قيمة عالية يجب الاحتفاظ بها وتثمينها لضمان استمراريتها. ليس فقط بمنظور محلي، بل كموروث طبيعي عالمي يمكن الاستفادة منه في إطار أكثر شمولية. وتحظى الواحات بالعناية الملكية حيث تم أحدث وكالة خاصة بتنمية مناطق الواحات منذ 2010.

وتعد الواحات، من خلال تموقعها الجغرافي واحتواء ساكنة مرتبطة بثقافتها وتقاليدها وكيانها، من الأولويات التنموية التي تستدعي الدعم والرقي مع مراعاة الإكراهات المتواجدة والمؤهلات والفرص المتوفرة.
واستعرض الوزير صديقي مختلف البرامج الميدانية التنموية الذي تقوم به وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بالإضافة إلى وضع كل البنيات الأساسية للقيام بالأبحاث ونقل التكنولوجيا والتأطير الميداني.

وتناول الوزير صديقي منجزات بمخطط المغرب الأخضر خاصة من خلال عقود البرامج الخاصة بالنخيل والورد العطري والزعفران، فضلا عن كل الأعمال والخدمات التي تم تقديمها لتحسين الإنتاج النباتي والحيواني وتثمينه، ومساعي رفع الإشكاليات التي يتعرض لها النخيل ببلادنا من جراء مرض البيوض.

وقامت الوزارة بوضع مخطط متكامل لإعادة إعمار الواحات وإحداث مزارع عصرية جديدة معززة بتحسين الأصناف وتقنيات متطورة للتنقية والري والتسميد والوقاية والعناية بالأشجار وكذا تثمين الإنتاج وتنظيم تسويق التمور ومشتقاتها. ومكن مخطط المغرب الأخضر من زراعة ما يفوق 3,1 مليون نخلة منها 2 مليون خصصت لإعمار الواحات القديمة، وكذلك وضع المخازن لتخزين وتبريد ما يناهز 10 في المائة من الانتاج الذي وصل 149.000 طن. ويتوقع من خلال ” الجيل الأخضر” توسيع المساحات المزروعة لشجر النخيل ومتابعة استصلاح الواحات التقليدية بما يعادل خمسة ملايين نخلة جديدة بالإضافة الى حزمة من التدابير والإجراءات المصاحبة من أجل النهوض بهذه المناطق ذات الطابع الهش.

وتعمل الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان على بلورة استراتيجية خاصة بهذه المناطق، تعتمد على الإلقائية للسياسة العمومية التنموية مع مختلف المتدخلين حتى تضمن نجاعة التدخلات الوطنية وحماية مجالاتها. كما سيتم متابعة دعم البحوث الزراعية خاصة مكافحة البيوض وتطبيق التقانات الحيوية على النخيل وتثمين المنتوج. إلى جانب تشجيع الإنتاج وتحسين أساليب ترويجه في إطار تشاركي مع المزارعين وتنظيماتهم المهنية العاملة في مجال تنمية الواحات، يؤكد الوزير صديقي.
وأشاد الوزير صديقي بالمجهودات المبذولة في مجال البحث العلمي والتي مكنت من عدة مكتسبات مشجعة حصل عليها، وذلك من طرف المعهد الوطني للبحث الزراعي بالتعاون مع عديد من المؤسسات الوطنية والجهوية والدولية.

وعمل المعهد الوطني للبحث الزراعي على التعرف على جانب كبير ومهم من المخزون الوراثي النباتي والحيواني وتصنيفه، حسب عدة معايير والحفاظ على الأصناف والسلالات المهددة. وقام بتطوير مكافحة مرض البيوض عبر استنباط أصناف وسلالات مقاومة والشروع في بلورة أساليب وطرق بيولوجية للحد من هذا الداء، انطلاقا من الجراثيم المضادة للفطر التي تم الحصول عليها وفرزها. وسعى إلى بلورة وتنمية تقنيات الإكثار السريع للنخيل بواسطة زراعة الأنسجة وتسخيرها لإكثار السلالات المقاومة وكذا الأصناف الجيدة أو المهددة بالانقراض. كما تم نقل هاته التقنية إلى القطاع الخاص. وقام بتحسين الإنتاج الحيواني خاصة أغنام الدمان من خلال تثبيت هاته السلالة والحفاظ عليها. وكذلك تطوير أساليب التربية والإنتاج.

ووضعت الوزارة، في مجال التأطير، برامج تنموية هادفة، تم تنفيذها قصد بلوغ الأهداف المنشودة خاصة فيما يتعلق بتثمين الموارد المانية الشحيحة في إطار تحسين الإنتاجية والتخفيف من وطأة الجفاف، ومحاربة زحف الرمال والتقليل من ضغط التصحر. وذلك من خلال المديريات الجهوية والمركزية والمكتب الوطني للاستشارة الفلاحية والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الفلاحية والمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي بتافيلالت وورزازات والمديريات الإقليمية للفلاحة بالمناطق المعنية. وعليه فإن التحديات الكبيرة والعميقة لا يمكن تجاوزها إلا بالعمل الدؤوب والمتواصل والمنسق والمنطقي والمبني على المعرفة الدقيقة للأسباب والنتائج وتفاعلاتها وانعكاساتها. كما أن من طبيعة هاته التحديات أن تكون عامة وليست مرتبطة بمكان محدود جغرافي بل هي ظواهر عامة، مما يستدعي مواجهتها في إطار يتناسب مع حجمها وشموليتها. ومن هذا المنطلق فإن التنمية المستدامة بالواحات يجب أن ترتكز على البحث العلمي والتدقيق والتمحص في كل المعطيات البيئية والاجتماعية والاقتصادية وتعميقها. وهذا يعد محورا أساسيا وقاعدة صلبة لتأسيس كل السياسات التنموية التي يمكن أن تنفذ بهذه المنظومات البيئية الهشة. كما أن تطبيق النتائج البحثية بطريقة معقلنة يعد كذلك أحد الروافد الأساسية التي يجب الاهتمام بها حتى تتمكن الساكنة الواحانية من مواكبة التطور التكنولوجي وتطبيعه وتبنيه. وهذا يستدعي العمل في إطار تشاركي بين كل الجهات المختصة والمهنية من باحثين ومؤطرين وفلاحين ومنظمات مهنية ومكونات كل المجتمع المدني.

وأشار الوزير صديقي أن العمل على موضوع الواحات لا يكتفي بالمنظور المحض، بل يستدعي التعاون والانفتاح على مختلف الأقطار لتبادل الخبرات والاستفادة من مختلف التجارب. وهذا توجه يستدعي. التركيز عليه ودعمه بصفة متواصلة للربط بين مختلف معاهد البحوث والمؤسسات التأطيرية. ذلك أن إشكالية الجفاف والتصحر ظاهرة عامة يجب التطرق لها بمنظور شمولي ومتكامل بتعدد التخصصات، واشتراك كل المرافق والهيئات والمؤسسات بين الأقطار. مذكرا بأن للعلم والعلماء بكل مكوناته وأطيافه دور كبير في تفكيك وتحليل المشاكل والصعاب التي واجهت وتواجه الإنسانية.

وقال الدكتور فوزي البكاوي مدير عام معهد الوطني للبحث الزراعي أن الواحات تلعب دورا استراتيجيا في المناطق الجافة. تتميز بانخفاض هطول الأمطار وعدم انتظامها وارتفاع درجة الحرارة. مما يتطلب تعبئة شاملة من أجل تنمية ترابية واستدامة الموارد خصوصا المياه.

وتشكل الواحات بشكل عام موطنا لتنوع نباتي وحيواني مهم للغاية. بالإضافة إلى التنوع الاستثنائي لنخيل التمر، والمحاصيل المرتبطة به مثل أنواع الحبوب والخضروات والعلف والنباتات الطبية والعطرية. كما تشكل الأنواع الحيوانية مثل سلالة الأغنام “الدمان” و “ماعز درعة” ثروة بيولوجية هائلة.

بالإضافة إلى دورها البيئي، فقد لعبت الواحات عبر التاريخ أدوار توقف واستقبال العابرين في هذه المساحات الصحراوية الكبيرة، حيث التوازن المائي ضعيف إلى حد كبير. وهكذا تنتظم الحياة في الواحات حول هذا مورد نادر، ألا وهو الماء، وبالتالي فهي تنظيم إنساني تطوعي وملتزم ومتضامن للحفاظ على التوازنات البيئية التي تسمح باستمرارية الحياة في هذه الأماكن الهشة والضعيفة بشكل عام.

ورغم هذا الرصيد، فإن غالبية الواحات تواجه إكراهات شديدة من تغير المناخ، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، والتعرية الوراثية النباتية (اختفاء الاختلافات الوراثية النباتية) والحيوانية. وأدى توالي فترات الجفاف إلى الهجرة والتحولات الاجتماعية والمكانية.

وأعطى المغرب أهمية خاصة للنظم البيئية للواحات في مختلف الاستراتيجيات القطاعية وبالتالي فإن الإجراءات التي تم تنفيذها من مخطط “المغرب الأخضر” والمدمجة في استراتيجية “الجيل الأخضر” تساهم بشكل كبير في تطوير هذه المناطق. وتدعم الجهود البحث العلمي والتقني هذه الاستراتيجيات. ويستوجب تعزيزها وإيلاءها أهمية بالغة بغية رسم سياسة وقائية وحلول مناسبة للتغلب على هذه القيود الإكراهات.

وتدارس المشاركون من مختلف التخصصات العلمية والتقنية والمؤسساتية وعدة فاعلين، وضعية الواحات وطنيا ودوليا وآفاق تطوير مجالها الوارف واستدامة نظمها البيئية والاجتماعية والاقتصادية وتثمين تراثها المادي وللامادي بعقلانية وابتكار.
واستعرض الباحثون عدة عروض علمية، تناولت مختلف المحاور الموضوعاتية همت موضوع المياه في النظام الإيكولوجي بالواحات خلال جلسة افتتاحية لتليها مواضيع تناولت بالدرس والتحليل ديناميات النظام الإيكولوجي للواحة. والنخيل كدعامة للنظام الإيكولوجي للواحة. وبعد التثمين الاجتماعي والاقتصادي، ثم الحوكمة والتنمية المحلية.

وأوصى المشاركون عقب اختتام اشغال المؤتمر بتطوير استراتيجية مستدامة لتعبئة الموارد المائية، من أجل ضمان استمرارية واستدامة النظم البيئية للواحات. والحاجة إلى إدارة عقلانية وعادلة لموارد المياه. ويتطلب توعية جميع الجهات الفاعلة في هذا النظام البيئي بأهميته وإكراهاته، مع اقتراح الحلول المناسبة بناء على النتائج العلمية وقصص النجاح.
. واقترح المشاركون إنشاء مركز امتياز ومرصد بيئي للنظم البيئية للواحات من أجل التنمية المستدامة للواحات. وتعزيز الإدارة التشاركية والمبتكرة للمياه، وزراعة الفضاءات الطبيعية.

وأكد المشاركون على أهمية تعزيز البحث والابتكار في هذا القطاع، خصوصا تقنيات الإنتاج والحماية. والحاجة إلى تطوير الأساس العلمي لوضع قانون لحماية الواحات، وكذلك الأدوات القانونية للحماية والتطوير، مع تعزيز إمدادات المياه من خلال بناء الخزانات. وعملية التخزين، والتحويل، وجمع المياه وأنظمة التخزين والنقل وكذلك مياه الأمطار وأنظمة تجميع مياه الصرف المعالجة والمياه المالحة. وركز المؤتمرون على أهمية تحسين كفاءة استخدام المياه في المزارع وشبكات الري، وتشجيع ممارسات ترشيد المياه في الأنشطة الزراعية والحياة اليومية للسكان، وإشراك المزارعين المحليين في القرارات المتعلقة بالإدارة التشاركية للمياه. ورسم خريطة للمعرفة حول الموارد التراثية المادية وغير المادية. وأهمية الاستمرار في تعزيز الاستدامة والحفاظ على الواحات ونخيل التمر. ودعوا إلى العمل الجماعي للحفاظ على هذه النظم البيئية الفريدة ودعم المجتمعات التي تعتمد عليها.

يشار ان المؤتمر شهد مشاركة ما يناهز 200 باحث وطالب دكتوراه استعرضوا ما يقارب 70 عرضا شفهيا و60 ملصقا علميا، فضلا مشاركة 400 مؤتمر. استقطب المؤتمر عدة فعاليات وطنية ودولية وخبراء وباحثين ومهنيين وقطاع خاص. تمكنوا من تبادل الخبرات والتجارب من خلال عرض تجاربهم المتنوعة والغنية ومختلف البحوث العلمية المبتكرة. ونظمت رحلات علمية بضواحي مدينة ورزازات وسكورة وواحاتها الجميلة. وقصبة إيت بن حدو ومتحف السينما بورزازات…

الحوكمة والتنمية الترابية
في سياق أشغال الجلسات العلمية الموضوعاتي، تحدث البروفسور عبد اللطيف الخطابي أستاذ بالمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين، وباحث مشارك بالمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية، خلال المحور الرابع حول ” الحوكمة والتنمية الترابية” عن بيئة الواحات واضطراباتها في التوازن وانعكاسات ذلك على خدمات النظم البيئية المحدودة، متناولا مختلف قضايا التكيف وكيفية ضمان ظروف معيشية من مختلف الزوايا، مع تناسبها للتنمية البشرية، وفي بيئة تخضع لقيود طبيعية، بما في ذلك تغير المناخ، وضغوط الانشطة البشرية.

وأفاد البروفسور عبد اللطيف الخطابي أن الواحات مناطق قاحلة تتميز بوجود مصادر مياه جوفية أو أنهار. إنها أنظمة بيئية فريدة توفر مجموعة متنوعة من خدمات النظم البيئية الضرورية لرفاهية الإنسان. ومع ذلك، فإن هذه البيئات، ذات الطبيعة الهشة، مهددة بفعل الأنشطة البشرية، إلى جانب تقلبات تغير المناخ التي تتجلى في حالات توالي سنوات الجفاف، وزيادة درجات الحرارة، وتنامي الظواهر المناخية المتطرفة، وانخفاض هطول الأمطار.

وتعتمد الواحات على المياه في أنشطتها، كما أن فترات الجفاف الطويلة والمتكررة، التي لوحظت في العقود الأخيرة، تقلل بشكل كبير من كمية المياه المتاحة للمحاصيل والساكنة، مما أدى لاحقا إلى تدهور الغطاء النباتي، يضيف الخطابي.

وينتج عن هذه الوضعية تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على المجتمعات البشرية والنباتية والحيوانية. لذلك من المهم حماية هذه النظم البيئية الفريدة والعمل على الحفاظ عليها لضمان استدامة الخدمات التي تقدمها. ويستوجب وضع تدابير التكيف للتخفيف من آثار تغير المناخ، وتعزيز ديناميكية الاستغلال العقلاني لهذه البيئات مع مراعاة محدوديتها وقيودها الطبيعية.

وتعتمد رفاهية الإنسان على سلع وخدمات النظم البيئية التي توفرها الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية، وما إلى ذلك. كما ترتبط على الرفاه المادي والصحي، وتتأثر هذه المكونات بالتغيرات في الخدمات التي تقدمها النظم البيئية. ويوفر الاستغلال المكثف للنظم الإيكولوجية فائدة كبرى على المدى القصير، ولكن الاستخدام المفرط وغير المستدام يمكن أن يؤدي إلى خسائر على المدى الطويل، يؤكد الخطابي.

ولا تزال مستويات الفقر مرتفعة بالمناطق الواحية. فغالبية السكان تعتمد بشكل كبير على استعمال خدمات النظم البيئية. وأدت بعض التغييرات في هذه النظم، مثل زيادة إنتاج الغذاء، وتدهور بعض الموارد الطبيعية من خلال الاستغلال المفرط.

لذا وجب التفكير في سبل ضمان ظروف معيشية ملائمة للتنمية البشرية، في بيئة تخضع لقيود طبيعية، بما في ذلك تغير المناخ، والضغوطات البشرية. ثم البحث عن كيفية ضمان توفر الموارد المائية كما ونوعا، من أجل الحفاظ المستدام على رفاهية الإنسان وصحة النظم البيئية، فضلا عن مراعاة التنوع البيولوجي عبر المحافظة على هذا التراث الطبيعي لصالح النظم البيئية والإنسان. كما يجب السيطرة على ظاهرة زحف الرمال وتقليص تأثيره آنيا ومستقبلا على رفاهية الإنسان.

إن التهديد الذي تتعرض له النظم البيئية للواحات هو من صنع الإنسان وإثر الظواهر والانشطة البشرية على حد سواء. إن التغيير في أنماط الحياة والمنافسة التي تمارسها العولمة والاتجاه نحو الاحتباس الحراري تترجم إلى هجمات متعددة على النظم البيئية، مما يؤدي إلى حدوث أزمة تهدد استقرار السكان، الذين يعيشون في الواحات، في الأفق.

وتتجلى أزمة الواحات هذه بالتخلي عن الممارسات الاجتماعية التقليدية والضغط السكاني على الموارد المحدودة.
وأشار الخطابي في هذا الصدد على وجوب اعتماد مقاربة الاستغلال العقلاني في البيئة الفقيرة، خصوصا على مستوى الموارد الطبيعية الحية، كما هي بيئة الواحات.
فأسلوب التحديث والمكننة المفرطة وطرق الانتاج واسع النطاق يتطلب إعادة مفهوم القيمة الانتاجية للواحات، بما يتماشى تماما مع أقصى قيمة المضافة وحد أدنى من استعمال المواد الطبيعية.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

فعاليات المؤتمر الدولي لصون أشجار القرم وتنميتها تنطلق بأبوظبي في 10 ديسمبر

ضمن إطار مبادرة القرم أبوظبي وبمشاركة أكثر من 460 باحث من 82 دولة شبكة بيئة …