البحث عن مرجعية شاملة ومستدامة وفعالة للشمول المالي

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند، 18 يونيو 2023

كواحدا من الاكاديميين المهتمين بالشمول المالي وتنمية المجتمعات المحلية على المستوى القاعدي، بعيدا عن الدعم والهبات نحو تسخير الإمكانات المالية والعملية لسكان الريف النشطين اقتصاديا. وقرأتي للتجارب العالمية خلال عقدي الثمانينات والتسعينات في التمويل القاعدي لم أري تجربة مستدامة ومحكمة لحد ما، فيما عدا تجربة جرامين على الرغم من أنها ناقصة وصعب غرسها في دول أخرى. التجارب السابقة لم تكن مستدامة لأسباب من أهمها إعتماده على الهبات وليس خلق فرص للخدمات المالية عبر مؤسسات مستدامة تعمل بطرق معروفة وعلمية متطورة لمساعدة الجادين والقادرين على الإنتاج بأسس تجارية تساعد على استدامة المؤسسات التي تقدم هذه الخدمات. في الحقيقة، كنت دائما وعلى مدار سنوات طويلة أبحث عن أفضل الأطر المؤسساتية والمرجعيات التي يمكن الإعتماد عليها في تحقيق الشمول المالي المستدام والتي تتفق وأفكاري العلمية المستقاة من دراسات وأبحاث قمت بها لاكثر مم الثلاثين عاما في المجال التنموي على مستوى الدول النامية والمرتبطة بربط الخدمات المالية للفئات الضعيفة ماليا والقوية في مقدراتها وطموحها لتلبية حاجات الإنسان الأساسية على المستوى القاعدي وبطريقة مؤسسية وشمولية ومستدامة وفعاله . وكنت ولا زلت أؤمن بأن أي نجاح مستدام للشمول المالي ينبغي أن يعتمد على مرجعية راسخة تحدد توجهاته عبر أهداف محددة يسعى للوصول إليها عبر برامج مختارة . مرجعية العمل من أجل تحقيق الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة عبر برامج وعمليات الشمول المالي كانت هي الأنسب لتحقيق الشمول المالي. هذه المرجعية أعتبرها مرجعية راسخة يمكن البناء عليها من أجل تسخير موارد إضافية كبيرة في هذا المجال ن القطاع الخاص والمؤسسات المالية، إذا أحسن فهمها وتطبيقها. في الحقيقة، وجدت في مبادرة الأمير الراحل طلال بن عبد العزيز، طيب الله ثراه، ضالتي التي آمنت بها فكرا وعملا .

برنامج الخليج العربي للتنمية الذي أسسه الامر الراحل ينتهج الأهداف التنموية السبعة عشر مرجعية لأداء بنوكه في أفريقيا والوطن العربي، وبعد ملاحظة النجاحات التي ظل يقدمها هذا البرنامج في تحقيق هذه الأهداف في شكل برامج عملية طورها بشكل جيد بقراءته الجيدة لهذه الأهداف في نحو 8 دول ، أدركت أهمية المرجعية التي تحدد الأهداف بوضوح وبالتالي الممارسات التي ينبغي أن تكون على الأرض ويقاس بها مدى تحقيق الشمول المالي لأهدافه التنموية. هنالك 17 هدفا للتنمية المستدامة لم تترك أي شاردة وواردة لها علاقة بحياة الإنسان على الأرض. لذلك فإن تبنيها كمرجعية للشمول المالي أمرا يحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمجتمعات . يأتي إختيار مرجعية أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ليس فقط لشمولها بل أيضا لأنها تركز بوجه خاص علي احتياجات الفئات الأشد فقرا والأكثر ضعفا في المجتمعات وبآليات اقتصادية وليست آليات دعم وفي محاور عدة ترتبط بأهداف الشمول المالي من بينها محاربة الفقر والجوع والعمل المناخي وتحقيق فرص التشغيل والتعليم الجيد والإنتاج والاستهلاك المسؤول والعمل اللائق ومكافحة أشكال عدم المساواة وتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والفتيات وحماية الأرض والموارد وضمان الصحة الجيدة والرفاهية والمياه النظيفة وعقد الشراكات لتحقيق الأهداف. وهذه الأهداف تصلح كمرجعية راسخة للشمول المالي بدلا عن محاولة خلق مرجعيه أخري غير مكتملة الأطراف وقد تحتاج لوقت قبل إخراجها بصورة جيدة. ولكن لا زال ينقصها البحث عن تطبيق كل أهدافها لتحقيق الشمول المالي، إذ أن التطبيق لا زال يشمل بعضا منها.

إضافة لذلك وبعد العمل في المبادرة أصبحت لدي قناعة تامة بأن الحكومات لا ينبغي لها أن تكون المسؤولة عن تحقيق الشمول المالي للمستفيدين عبر مؤسساتها، بل عبر سياساتها وخططها واستراتيجياتها المحفزة لإستثمارات القطاع الخاص. وإن أفضل طريقة لتكريس الموارد المالية لتحقيق الشمول المالي في أقصي صوره هو الاستثمار القائم على القطاع الخاص كشريك اجتماعي وتنموي وإنساني مهمته المساهمة برؤوس الأموال في أشكال مختلفة مثل المساهمات الرأسمالية أو تسخير الموارد عبر التمويلات بالجملة والدعم الفني أو الإشتراك في صناديق يساهم فيها تسخر في برامج و نشاطات الشمول المالي ، بحيث يتم تحقيق هذه النشاطات دون أن يكون العائد المالي هو الأساس للمستثمرين الاجتماعيين. على أن يكون الاهتمام بالفئات الضعيفة الأكثر تضررا عبر تنمية القطاع الزراعي صغير الحجم أو إدخال التقنية الرقمية المصرفية أو حتى برامج لتمويل عمليات الصمود لصغار المنتجين أو دعم برامج الصمود في وجه التغيرات المناخية وغيرها. فضلا عن الإستثمار في المعرفة المالية التي توسع الخيارات و التدخلات عبر الشراكات لتمويل أنشطة وبرامج الشمول المالي عبر الصناديق المتخصصة في جوانب الشمول المالي للممولين عابري الحدود.

هذه الرؤي والأفكار قد بدأ تطبيقها بالفعل في بنوك التمويل الأصغر وبرامج أجفند وشراكاته وصناديقه المتخصصة مع جهات ومؤسسات وصناديق تنموية متعددة وراسخة منذ سنوات.. ولكن المشوار لتحقيق استفادة كاملة من هذا التوجه قد يطول قبل اندياح هذه الممارسات القائمة على القطاع الخاص كشريك تنموي وإنساني في الاستثمار الاجتماعي على المستوى العالمي كمرجعية تسخير موارد القطاع الخاص وحصر دور الحكومات في السياسات والإستراتيجيات.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …