موقع (TRT) عربي، الكاتب، زاهر هاشم، كاتب متخصص في قضايا البيئة والتنمية المستدامة، 12 يوليو 2023
سُجّل خلال الأسبوع الماضي أعلى متوسط درجات حرارة على الإطلاق على مستوى دول العالم، وفقاً لبيانات المراكز الوطنية الأمريكية للتنبؤ البيئي.
ووصل متوسط درجة الحرارة العالمية يوم الاثنين 3 يوليو/تموز 2023 إلى 17.01 درجة مئوية، لكن هذا الرقم لم يصمد لأكثر من 24 ساعة، إذ وصل متوسط درجة الحرارة العالمية 17.18 درجة مئوية في يومَي الثلاثاء والأربعاء التاليَين.
وعاد ليرتفع مجدداً إلى 17.23 درجة يوم الخميس 6 يوليو/تموز، وفقاً لنظام تحليل المناخ في معهد التغير المناخي التابع لجامعة مين الأمريكية، الذي يعتمد بيانات المراكز الوطنية الأمريكية للتنبؤ البيئي.
ويُذكَر أنّ أكبر رقم لدرجات الحرارة سُجّل كان قبل سبع سنوات، وذلك في أغسطس/آب عام 2016 ، وبلغ 16.92 درجة مئوية.
وتسلّط الارتفاعات الجديدة الضوء على الوتيرة البطيئة للجهود العالمية في مكافحة تغيُّر المناخ والحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، وهو ما عبّر عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقوله إنّ “تغيُّر المناخ أصبح خارجاً عن السيطرة”.
وأضاف غوتيريش: “إذا أصررنا على تأخير الإجراءات الرئيسية المطلوبة، فسوف نتجه نحو وضعٍ كارثيّ، كما يُظهِر آخر رقمَين قياسيَّين في درجات الحرارة”، في إشارةٍ إلى سجلّات درجات الحرارة العالمية التي جرى كسرها يومَي الاثنين والثلاثاء.
ظاهرة النينيو
وقالت كبيرة المحاضرين في معهد غرانثام لتغيُّر المناخ والبيئة التابع لكلية لندن الملكية للاقتصاد، فريدريكه أوتو، إنَّه قد “حُكِم بالإعدام على الناس والأنظمة البيئية”، مشيرةً إلى ظاهرة النينيو الجوية التي تحدث هذا العام، والتي ستؤدي إلى زيادة ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
والنينيو (El Niño) هو نمط مناخيّ لوصف الاحترار غير العادي للمياه السطحية في شرق المحيط الهادي الاستوائي.
وخلال ظاهرة النينيو، تضعف الرياح التجارية التي تتدفق من الشرق إلى الغرب حول خط الاستواء، ويجري دفع الماء الدافئ شرقاً باتجاه الساحل الغربي للأمريكتين.
تؤثر ظاهرة النينيو في درجات حرارة المحيطات، وسرعة وقوة التيارات البحرية، والطقس المحلي من أستراليا إلى أمريكا الجنوبية. وتحدث ظاهرة النينيو بشكل غير منتظم على فترات تتراوح بين سنتين وسبع سنوات.
وأعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بداية أحوال ظاهرة النينيو المناخية، لتمهِّد الطريق لحدوث ارتفاع محتمل في درجات الحرارة العالمية وأنماط الطقس والمناخ المضطربة.
ويرى التحديث الجديد الصادر من المنظمة العالمية أنَّه من المحتمل بنسبة 90% استمرار ظاهرة النينيو خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وقال الأمين العام للمنظمة البروفيسور بيتيري تالاس إنّ “ظاهرة النينيو ستزيد احتمال تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة، وإحداث مزيدٍ من الحرارة الشديدة في أجزاء كثيرة من العالم وفي المحيطات”.
ويتفق العلماء على أنّ الاحترار الناجم عن الأنشطة البشرية بسبب غازات الاحتباس الحراري، جنباً إلى جنب مع ظاهرة النينيو، التي هي جزء طبيعي من نظام المناخ العالمي، سيؤدي إلى مزيدٍ من درجات الحرارة القياسية في العام الجاري والعام القادم أيضاً.
احترار عالمي متزايد
وحسب التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، في مارس/آذار الماضي، فإنَّ الأنشطة البشرية تسبّبت من خلال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بشكل لا لبس فيه، في الاحترار العالمي، إذ ارتفعت درجة حرارة سطح الأرض إلى 1.1 درجة مئوية خلال العقد الأخير، مقارنةً بالأعوام الخمسين التي تلت بداية عصر الصناعة (1850- 1900).
واستمرّ ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة حول العالم مع وجود مساهمات تاريخية ومستمرة وغير متكافئة ناشئة عن الاستخدام غير المستدام للطاقة، إضافةً إلى تغيُّر استخدام الأراضي، والأنماط غير المستدامة للحياة والاستهلاك والإنتاج.
ووفق تقرير الهيئة الأممية، فمن المُحتمل أن يتجاوز الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية خلال القرن الحادي والعشرين، ويجعل من الصعب الحدّ من الاحترار دون درجتين مئويتين، نتيجة استمرار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ويؤثر تغيُّر المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية في عديدٍ من الظواهر المناخية المتطرّفة في كل منطقة حول العالم، وتظهر على شكل موجات حرّ وجفاف طويلة، وكذلك السيول والفيضانات المفاجئة، ويؤدّي ذلك إلى خسائر وأضرار فادحة تلحق بالطبيعة والبشر.
ويهدّد الجفاف المحاصيل الزراعية بسبب الإجهاد الحراري للنباتات، الذي يؤدّي إلى تقليل الإنتاج وتخفيض جودته، وينذر بخسائر مادية كبيرة على المزارعين والمجتمعات الريفية، كما يهدّد اقتصاد الدول وأمنها الغذائي، ويؤثر بشكل متفاوت في المجتمعات الضعيفة التي ساهمت تاريخياً بأقل قدر من العوامل المسبِّبة لتغيُّر المناخ الحالي.
تداعيات على صحة الإنسان
وأكدت دراسة نُشرت في 10 يوليو/تموز الجاري في مجلّة نيتشر ميدسين وفاة أكثر من 60 ألف شخص في أوروبا خلال صيف 2022، وذلك نتيجة ارتفاع درجة الحرارة.
ولفتت الدراسة إلى أنّه في حال لم يكُن هناك تحرُّك فعّال فإنّ القارّة الأوروبية قد تسجّل أكثر من 68 ألف حالة وفاة في كل موسم صيفٍ بحلول عام 2030، وأكثر من 94 ألف حالة وفاة بحلول عام 2040.
وتسبّبت موجة حرّ شديدة ضربت الهند مؤخراً في وفاة نحو 100 شخص، بعد أن ارتفعت درجات الحرارة في بعض المناطق إلى 47 درجة مئوية، فيما تعرّضت أجزاء من الصين لدرجات حرارة عالية قياسية تفوق 40 درجة مئوية، وأمطار غزيرة، أدّت إلى نفوق أعدادٍ كبيرة من الحيوانات الزراعية، وتلف مساحات واسعة من المحاصيل، مما يُثير مخاوف بشأن الأمن الغذائي في ثاني أكبر اقتصادٍ في العالم.
ويشكّل تغيُّر المناخ تهديداً على صحة الإنسان ورفاهيته، من خلال تأثيره في مصادر الغذاء والمياه، وفي الهواء الذي نتنفسه.
ويُعَدّ ارتفاع درجات الحرارة بيئة خصبة لتكاثر بعض أنواع الفيروسات والبكتريا وحتى الحشرات التي تؤدّي إلى أمراضٍ خطيرة تهدّد صحة الإنسان، كما تهدّد المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.
وعلى سبيل المثال، تربط وكالة حماية البيئة الأمريكية تضاعف انتشار مرض لايم -وهو مرض بكتيريّ يمكن أن يسبّب الحمى والتعب وآلام المفاصل والطفح الجلدي- بتغيُّر المناخ، إذ تقدّم الدراسات أدلة على أنّ تغيُّر المناخ قد ساهم في توسيع نطاق حشرة القراد، ممّا يزيد المخاطر المحتملة لمرض لايم.
يُشار إلى أنّ اتفاقية باريس تحدّد أهدافاً طويلة الأجل لتوجيه جميع الدول للحدّ بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحدّ من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، لتجنب أو تقليل الآثار السلبية والخسائر والأضرار.
ويحتاج ذلك إلى زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، والاستغناء عن الوقود الأحفوري المسبّب لمعظم الانبعاثات الغازية الضارّة بالبيئة، مع استعادة النظم البيئية المتدهورة، وزيادة معدلات التشجير، بما يساهم باحتجاز كميات كبيرة من الكربون في الطبيعة، لمنع تسبّبه في مزيدٍ من الكوارث البيئية والمساعدة في التخفيف من آثار تغيُّر المناخ.