الامارات اتخذت خطوات رائدة للاستفادة من مزاياه
“المركزي” يوقع مذكرات تفاهم للتعاون وتبادل الخبرات في لاقطاع المستدام
الخبراء يؤكدون ضرورة التوسع في إنشاء صناديق الثروة السيادية الخضراء
استخدام القروض والتأمين والأسهم والسندات لتمويل المشروعات الخضراء
شركات محلية تتعهد باستخدام عوائد التموزيل في دعم المبادرات المستدامة
بنوك محلية تكثف الخطط التمويلية لبناء مستقبل أكثر استدامة
تتزايد أهمية التمويل الأخضر في دول العالم كافة بعد تغير النظرة لمفهوم الاستدامة من أنها عبء مكلف إلى فرصة ينبغي اغتنامها. وتؤكد الدراسات الدولية أهمية التمويل الأخضر باعتباره فرصة ذهبية لتعزيز الناتج المحلي الإجمالي واستحداث المزيد من فرص العمل ولذا سعت المؤسسات المالية والشركات إلى الاستفادة منه. وكانت دولة الإمارات من أوائل الدول التي أدركت مبكراً أهمية وفوائد التمويل الأخضر حيث وقعت 25 جهة حكومية ومؤسسة رائدة في عام 2019، على إعلان أبوظبي للتمويل المستدام، وقام المصرف المركزي بتوقيع عدد من مذكرات التفاهم مع نظرائه في الدول المختلفة لتبادل الخبرات في هذا المجال، كما تعهدت العديد من الشركات العاملة بالدولة بالتحول نحو التمويل الأخضر في غالبية عملياتها، وأعلنت التزامها باستخدام العوائد المحققة من أي تمويل مستدام في دعم المزيد من المبادرات المستدامة.
ماهو التمويل الأخضر؟
تُعرِّف «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» التمويل الأخضر بأنه تمويل يستهدف «تحقيق النمو الاقتصادي مع الحد من التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقليل النفايات إلى الحد الأدنى، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية. ويقصد بالتمويل الأخضر استخدام المنتجات والخدمات المالية مثل القروض والتأمين والأسهم والسندات، وغيرها من أجل تمويل المشروعات الخضراء أو الصديقة للبيئة. وتشمل تلك الاستثمارات كل من الطاقة المتجددة، معالجة النفايات وإعادة تدويرها، تدوير مياه الصرف الصحي، حماية التنوع البيولوجي، التخفيف من التلوث الصناعي وغيرها.
ويعرف التمويل الأخضر أيضاً بأنه الأموال التي تحقق التوازن الاستراتيجي المتوسط والطويل الأجل للأهداف البيئية والخدمية في القطاعات البيئية بالشكل الذي يضمن تلبية حاجات الأفراد من السلع والخدمات وبين المحافظة على البيئة ودوام مواردها.
وشهد سوق التمويل الأخضر العالمي نموًا سريعًا على مدار العقد الماضي، في ظل تطوير أدوات مالية مثل السندات المصنفة باعتبارها خضراء، والقروض الخضراء، وصناديق الاستثمار الخضراء، والتأمين الأخضر، والصكوك الخضراء التي صدرت في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من إصدار أول سندات خضراء في عام 2008، فقد تطور السوق بشكل كبير بعد عام 2015 حيث زاد الاهتمام العالمي بتمويل مشروعات الطاقة الخضراء وتواكب ذلك مع قيام الأمم المتحدة بوضع أهداف التنمية المستدامة التي تضم 17 هدفاً و169 غاية بعيدة المدى من خلال توفير الهياكل المبتكرة والتصنيفات والأطر الحاكمة. فرصة ثمينة
يكتسب التمويل الأخضر أهمية متزايدة يوماً بعد يوم، فإلي جانب دورة في الحفاظ على البيئة يساهم التمويل الأخضر في تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل، حيث يؤكد تقرير صدر عن شركة ستراتيجي& الشرق الأوسط، وهي شركة استشارات استراتيجية عالمية، أن الهياكل والآليات الداعمة للتمويل الأخضر يمكن أن تسهم في تمكين الحكومات الخليجية من تحقيق مساهمة تراكمية في الناتج المحلي الإجمالي بقيمة تصل إلى تريليوني دولار أميركي، وتوفير أكثر من مليون فرصة عمل بحلول عام 2030، فضلاً عن توجيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو القطاعات المستدامة، منوهاً بأن جميع الدول الخليجية بدأت بالفعل بمباشرة برامجها الطموحة لتحقيق الاستدامة، ولكن لايزال على صنّاع السياسات اتخاذ تدابير حاسمة غير معهودة للفوز بالحصة الأكبر من سباق التنمية الاقتصادية.
وأوصى التقرير الصادر بعنوان«التمويل الأخضر: فرصة ثمينة تُضاهي تريليوني دولار أميركي»، الحكومات بالتركيز على أربع أولويات وهي: سنّ السياسات التي تُعزز الاستدامة البيئية في جميع القطاعات، وإنشاء صناديق الثروة السيادية الخضراء، وتعزيز الأسواق المالية، وتطوير آليات موحدة وشفافة لإعداد تقارير الأداء البيئي. وقال إن الاستثمارات الخضراء الموجهة نحو ست قطاعات رئيسية في منطقة الخليج يمكن أن يكون لها أثر اجتماعي واقتصادي عميق يكفل استحداث أكثر من مليون فرصة عمل عالية المهارة وتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات عالية الاستدامة، محدداً تلك القطاعات بالكهرباء، والمياه، والبناء، والتنقل، والغذاء، وإدارة النفايات.
وفي هذا السياق، يرى أورليان فينسنت، الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط، أنه يتعين على كل حكومة خليجية إنشاء صندوق ثروة سيادية أخضر يتمتع بالمصداقية والقدرات اللازمة للتعامل مع المستثمرين الدوليين واستقطابهم، حيث يُساهم إنشاء صناديق الثروة السيادية الخضراء في تحقيق مزايا كبيرة لجميع الأطراف المعنية، بما يشمل القطاع العام والمستثمرين والمطورين وعامة الناس، داعياً إلى ضرورة ألا تكون هذه الصناديق مُقيدة وتتعامل مع مفهوم الاستدامة على أنها عبء مكلف، وليس فرصة ينبغي اغتنامها.
وطالب فينسنت، الحكومات الخليجية بتوجيه الأسواق المالية نحو التمويل الأخضر من خلال تأسيس صناديق الثروة السيادية الخضراء، وتعزيز قوة الأسواق المالية، واعتماد آليات فعّالة للإبلاغ وإعداد التقارير، لافتاً إلى إمكانية اتخاذ الحكومات العديد من التدابير لبناء الأسواق المالية المحلية، ومنها زيادة عدد الفرص الاستثمارية الجذابة والمستدامة عن طريق تخصيص الأصول – إما جزئياً أو كلياً وهو الخيار المفضل – على مستوى المنطقة بما يستقطب المستثمرين الدوليين من الأفراد والمؤسسات، وزيادة الطلب على مستوى المستثمرين المحليين من الأفراد من خلال تحفيز استثمارات أسواق الأوراق المالية في المنطقة.
حساب مستدام
تعهدت شركات عاملة بالدولة بالتحول نحو التمويل الأخضر في غالبية عملياتها ومنها مجموعة لاندمارك، التي تمتلك أكثر من 2200 متجر، وتضم 42 ألف موظف في الشرق الأوسط والهند وجنوب شرق آسيا. وفي خطوة هي الأولى من نوعها في المنطقة، التزمت مجموعة لاندمارك بأن يتم استخدام العوائد المحققة من أي تمويل مستدام في دعم المزيد من المبادرات المستدامة.
وأعلنت مجموعة لاندمارك في بداية الشهر الجاري أيضاً انضمامها إلى الحساب المستدام من ستاندرد تشارترد، بهدف دمج الاستدامة في عملياتها المصرفية، حيث يتم استخدام المبالغ المودعة في هذا الحساب لدعم المشاريع المستدامة الممولة من قبل ستاندرد تشارترد، وفقاً لإطار ستاندرد تشارترد للمنتجات الخضراء والمستدامة، وبهدف التصدي لبعضٍ من أكبر المخاطر طويلة الأمد في العالم، بما في ذلك التغير المناخي والحرمان من التمويل. وأكدت المجموعة التزامها بتحويل كل منتجات الخزانة الخاصة بها مع بنك ستاندرد تشارترد إلى خضراء حيثما أمكن ذلك، مع نشر الفوائد لتحقيق المزيد من المبادرات المستدامة.
وضمن ذات التوجه، أعلنت الشركة الوطنية للتبريد المركزي«تبريد»عن إطلاق إطار التمويل الأخضر، الذي من شأنه مساعدة الشركة على الإيفاء بالتزاماتها وتمويل مشروعات جديدة لدعم استراتيجية ورؤية الشركة. يتيح الإطار الجديد لشركة«تبريد»إصدار سندات وقروض خضراء، مع توجيه صافي العائدات لتمويل»المشروعات الخضراء المؤهلة«التي يتضمن جوهر عملها إنشاء وامتلاك وتشغيل أنظمة تبريد المناطق، وكذلك المشروعات المرتبطة بكفاءة استخدام الطاقة والمياه وإدارة مياه الصرف.
تمويل للاستثمار الأخضر
وتعد شركة«مصدر» من أبرز الشركات التي تستهدف المساهمة بفعالية في تأسيس قطاع مالي حيوي ومستدام لدعم جهود الإمارات للمساهمة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وخلال شهر يناير الماضي وقعت مدينة مصدر، من خلال صندوق مصدر للاستثمار العقاري الأخضر، اتفاقية تمويل أخضر مع بنك أبوظبي الأول بقيمة 200 مليون دولار أميركي وذلك بهدف تنمية محفظة مشاريع الصندوق وتمكينه من إجراء المزيد من الاستحواذات الجديدة.
وتعقيباً على الاتفاقية، أكد عبدالله بالعلاء، المدير التنفيذي لمدينة مصدر، ورئيس مجلس إدارة صندوق مصدر للاستثمار العقاري الأخضر، تنامي اهتمام المستثمرين بفرص الاستثمار المسؤولة، فضلاً عن التوجه إلى تقييم الشركات بناء على معايير محددة ترتبط بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، موضحاً أن من شأن التمويل الذي سيوفره بنك أبوظبي الأول أن يساعد الصندوق في تنمية محفظة مشاريعه العقارية المستدامة من خلال الاستحواذ على المزيد من العقارات ضمن مدينة مصدر، والتي ستمكن عوائدها مدينة مصدر من تزويد السوق بالمزيد من الأصول العقارية المستدامة، وذلك عبر إقامة مشاريع مستدامة جديدة ومواصلة عملية توسيع مدينة مصدر في المستقبل.
مذكرة تفاهم
نظراً لتنامي الاهتمام العالمي بالتمويل الأخضر فقد وقّع مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي وبنك موريشيوس المركزي، مذكرة تفاهم بشأن تعزيز التعاون وتبادل المعلومات الإشرافية في المجالات المشتركة. تضمنت المذكرة أربعة مجالات رئيسية، شملت التعاون في مجالات الرقابة، وتبادل المعلومات الإشرافية، وتطوير الجوانب المتعلقة بالقضايا المالية ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى التعاون في مجالات بناء القدرات والتدريب والمساعدات الفنية. وبموجب مذكرة التفاهم الموقعة، سيعمل الطرفان على تقوية التعاون وتبادل الخبرات في مجالات التمويل الأخضر، وتطوير استقرار الأنظمة المالية، وأداء وتطوير نظم الدفع والمقاصة والتسوية، والابتكار الرقمي في الخدمات المالية بما فيها العملات الرقمية للبنوك المركزية، وحلول التكنولوجيا التنظيمية والإشرافية، والخدمات المصرفية الرقمية، بالإضافة إلى التعاون في مواجهة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، والأمن السيبراني، بما يساهم في تحقيق المصالح المشتركة للبلدين.
التمويل المستدام
يعد بنك أبوظبي الأول رائداً إقليمياً للتمويل المستدام في الشرق الأوسط حيث أنفق أكثر من 30 مليار دولار أميركي في تمويل مشاريع مستدامة حتى الآن. وفي عام 2021، نفذ البنك أول عملية إعادة شراء صديقة للبيئة (الريبو) في الشرق الأوسط، بالشراكة مع دويتشه بنك.
ومن جهته شدد مصطفى الخلفاوي، رئيس قطاع التمويل العالمي في الإمارات والرئيس العالمي للقطاع الحكومي والسيادي والقطاع العام، وحدة مجموعة الخدمات المصرفية في بنك أبوظبي الأول، على التزم البنك بتمويل المشاريع التي توفر فوائد بيئية واجتماعية ملموسة، مؤكداً العمل على تكثيف الجهود لدعم الخطط التمويلية الهادفة لبناء مستقبل أكثر استدامة.
المصدر، جريدة الاتحاد، حسام عبدالنبي (دبي) 18 ابريل 2022 02:02