الإمارات سبّاقة في استشراف أهمية البناء الأخضر بيئياً

10 مليارات درهم “وفراً” من تحول المباني الحكومية لـ “مستدامة”

خفض استهلاك المياه والطاقة والنفايات يؤدي لخفض انبعاثات ثاني اكسيد الكربون بمقدار 30%

أحمد الطعاني: المباني الخضراء تساهم في ابطاء آثار تغير المناخ

علي الشاووش: التقييم بدرجات اللؤلؤ، إلزامي لجميع الوحدات السكنية والمباني بأبوظبي

تعتبر دولة الإمارات من الدول السبّاقة في استشراف أهمية البناء الأخضر، ومساهمته في استراتيجيات التنمية المستدامة، معتمدة منذ عام 2010 معايير البناء الأخضر والبناء المستدام، التي بدأ تطبيقها في المباني الحكومية مطلع 2011، ليُشرع بعدها بتطبيقها في جميع أنحاء البلاد. ويوفر مشروع تحول المباني الحكومية لمبانٍ مستدامة نحو 10 مليارات درهم إماراتي بحلول عام 2030، علاوة على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 30 %.
وبينما يكتسب العالم فهماً شاملاً وواضحاً لتأثيرات ظاهرة التغير المناخي، ومعدل ارتفاع مستويات سطح البحر، تلتزم الدولة بالتقييم المستمر لتأثيرات سياساتها، لضمان تحديثها بشكل يتناسب مع التغيرات الطارئة، وحماية التطورات الساحلية، لتكون نموذجاً للتخطيط المستدام المتكامل، والإدارة الفعالة للتطوير والتنمية والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

واعتمدت إمارة أبوظبي برنامج «استدامة» نظام التقييم بدرجات اللؤلؤ المتضمن خمس مستويات من برنامج استدامة، وبات لزاماً على جميع المباني الجديدة الحصول على تصنيف اللؤلؤة الواحدة، في حين يجب على جميع المباني الحكومية والفيلات السكنية الحصول على اثنتين من اللآلئ.

وقد اعتمدت إمارة دبي شروط ومواصفات المباني الخضراء، والتي تحتوي على 79 من المواصفات القياسية التي هي الآن إلزامية لجميع التطويرات الإنشائية.

وعملت دائرة البلديات والنقل على تصميم معايير وقواعد البناء لجعل المدن أكثر مرونة في مواجهة تأثيرات المناخ، ويسمح لها بالتعافي بشكل أسرع، والمساهمة في تقليل بصمة الفرد الكربونية، من خلال تصميم المباني لتكون موفرة للطاقة، ومحمية من الحرارة الزائدة، والظروف الجوية القاسية الأخرى، ومصممة جيداً وفقاً لأفضل معايير الاستدامة.

وتحقيقاً لمعايير المباني المستدامة، أطلقت الدائرة برنامج «استدامة»، وهي المبادرة الأولى من نوعها المصممة لمنطقة الشرق الأوسط، لتخطيط وتصميم وبناء وتشغيل المباني المستدامة التي تحمل الطابع المحلي الأصيل، والأخذ بعين الاعتبار المناخ القاسي وطبيعة المنطقة، كجزء من نظام التقييم بدرجات اللؤلؤ، والذي يشجع على التقليل من استهلاك المياه، والطاقة والنفايات، بالإضافة إلى استخدام المواد المحلية، لتحسين سلاسل التوريد للمواد والمنتجات المستدامة والمعاد تدويرها.

وأكد علي ناصر الشاووش، مدير إدارة تنظيم أعمال البناء في دائرة البلديات والنقل، أن «الاستدامة» تعد جزءاً مهماً من الرؤية الواضحة لتطوير وتحقيق أهداف إمارة أبوظبي في الحفاظ على الهوية المادية والثقافية للإمارة، وإثرائها، مع رفع جودة الحياة لسكانها، وأحد مكونات التمكين الرئيسة لتحقيق رؤية الاستدامة في الإمارة.
وقال الشاووش: «منذ عام 2010، أصبح نظام (استدامة) للتقييم بدرجات اللؤلؤ إلزامياً لجميع الوحدات السكنية والمباني والمشاريع المجتمعية المشيدة حديثاً التي تقع ضمن مشاريع المطورين في إمارة أبوظبي، وعمل فريق دائرة البلديات والنقل على دمج برنامج استدامة ضمن العمليات والتأكيد على تكامله مع عمليات ترخيص البناء في بلديات الإمارة، للتأكد من توافق المشروع مع متطلبات نظام التقييم بدرجات اللؤلؤ».

وفي ذات السياق أوضح صهيب المرزوقي، مدير إدارة تطوير الأعمال في شركة أبوظبي لخدمات الطاقة، أن الشركة تقوم حالياً بتنفيذ مشاريع لإعادة تأهيل المباني الحكومية والتجارية كجهة منوط بها تنفيذ برنامج إعادة تأهيل المباني ضمن استراتيجية «إدارة الطلب على الطاقة» في الإمارة. حيث تهدف المشاريع المذكورة لتحقيق وفورات في استهلاك المياه والكهرباء في المباني المستهدفة مما يساهم في تعزيز كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية، تأكيداً على تكامل جهود كافة القطاعات في إمارة أبوظبي في الجهود الرامية إلى تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.

مواد بناء صديقة للبيئة لتصميم وتشييد وصيانة المباني
أوضح الدكتور أحمد الطعاني، من قسم علوم الحياة والبيئة في جامعة زايد، أن أهم معايير المباني الخضراء المستدامة تتمثل في خفض استهلاك المياه والطاقة، استخدام مواد بناء صديقة للبيئة ومستدامة لتصميم المباني والتشييد والصيانة، الحد من النفايات والتلوث من خلال جهود إعادة التدوير وإعادة استخدام الموارد، والتقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تعزيز البيئة الطبيعية من خلال الأسطح الخضراء أو الحدائق المجمّعة.

وعن أهميتها في تقليل آثار التغير المناخي، بين الطعاني أن المباني الخضراء تعمل على إبطاء آثار تغير المناخ، حيث إنها أكثر كفاءة في استخدام الطاقة الأحفورية جراء إدخال التعديلات التحديثية والتشغيل واستخدام إنترنت الأشياء، إضافة إلى اعتمادها على الطاقة المتجددة والاستفادة من ميزات المناظر الطبيعية الموجودة مثل الظل، بحيث تؤدي إلى خفض معدلات حرق الوقود والتقليل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيس لظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي. كما يؤدي خفض كميات النفايات الصلبة إلى تقليل أعداد مكبات النفايات التي تعد أحد مصادر الغازات الدفيئة كثاني أوكسيد الكربون وغاز الميثان المسببة للتغير المناخي.

ولفت الطعاني إلى أن أجندات المدن الذكية على مستوى العالم أولت أهمية كبيرة للاستدامة، وخلق مدن أكثر خضرة وصحة لمواطنيها. وتأخذ المجتمعات الخضراء في الاعتبار الجوانب العديدة للبيئة المبنية (غير الطبيعية) وتحاول تقليل تأثيرها على البيئة. ويشمل ذلك زيادة الوصول إلى وسائل نقل أنظف أو المشي أو ركوب الدراجات، وتعزيز المساحات الخضراء، والتخطيط الدقيق للمدن والمجتمعات لتقليل الاضطرابات التي تلحق بالبيئة.
وأشار إلى أن المباني الخضراء عندما تقع داخل المجتمعات الخضراء يمكن أن تزيد من تأثيرها، وتساهم في تحول مجتمعي شامل نحو غد أكثر صحة.

%69 من إجمالي الانبعاثات على طول عملية البناء
عن أهمية المجتمعات الخضراء على مستوى العالم، أوضح الدكتور أنس باتاو، مدير مركز التميز في البناء الذكي في جامعة هيريوت وات دبي، أن هذه المجتمعات تكتسب أهمية كبيرة، وتظهر بشكل واضح القدرة على دعم البيئة بشكل إيجابي. فهي تتميز بمرافق مصنوعة ومعزولة بمواد معاد تدويرها أو قابلة للتحلل الحيوي، وحدائق مجتمعية، ومصانع إعادة التدوير وخيارات السماد النشط، والحدائق العمودية في حالة نقص المساحة، والزراعة المائية، والنظر الواعي للبيئة من خلال منتجات صديقة.

وحذر باتاو من أن البيئة المبنية التي تشمل صناعة البناء تعد أحد العناصر الرئيسة لتحقيق مجتمعات أكثر اخضراراً، ومع ذلك، فإن البصمة الكربونية الحالية للقطاع مرتفعة، علاوة على ذلك، يأتي المصدر الرئيسي للانبعاثات من تشغيل واستخدام المباني القائمة بدلاً من بنائها.

وقال: إن تقريراً صادراً عن McKinsey يوضح أن ما سلف يساهم بنسبة 69% من إجمالي الانبعاثات على طول عملية البناء، بالإضافة إلى ذلك، كانت السنوات القليلة الماضية استثنائية بالنسبة لصناعة البناء، سيما وأن الاتجاه التصاعدي في النمو يعني أن الصناعة بحاجة إلى مواكبة المطالب. ووفقاً لآخر الإحصائيات، من المتوقع أن يصل حجم سوق البناء في الإمارات إلى 133.53 مليار دولار أميركي بحلول عام 2027، مسجلاً معدل نمو سنوي مركب نسبته 4.69 في المائة خلال فترة التوقعات (2022-2027). وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغط على الصناعة لإعادة النظر في جدول أعمال الاستدامة الخاص بها ودمج حلول صارمة لدعم التحكم في الانبعاثات.

وما سلف هذا يثير أهمية المباني الخضراء وتأثير البنى التحتية على البيئة إذا تم بناؤها بشكل مستدام، وفقاً لما ذكره باتاو، حيث يتضمن البناء الأخضر مراحل مختلفة، بما في ذلك التخطيط، يليه التصميم، والبناء الفعلي، والتشغيل والصيانة، والتعامل مع نهاية دورة البناء. وبالمثل، ستأخذ في الاعتبار أيضاً العناصر الأساسية مثل الطاقة والمياه وجودة البيئة الداخلية واختيار المواد واستخدامها والموقع. وتقلل المباني الخضراء والمجتمعات الخضراء من نفايات مكبات النفايات، وتسهل استخدام وسائل النقل البديلة، وتشجع على الاحتفاظ بالمساحات النباتية والسقوف وإنشائها. علاوة على ذلك، تحتاج البيئة الحضرية، سواء كانت في البلدان المتقدمة أو النامية، إلى الحفاظ على الطبيعة، بما في ذلك الحياة البرية، وضمان حماية جودة الأرض وتعزيزها.

طريق طويل
ختم الدكتور أنس باتاو: إنه في الوقت الذي لا يزال أمام العالم طريق طويل ليقطعه في تطبيق خيارات أكثر مراعاة للبيئة، فإن الطريقة التي تتطور بها المجتمعات ستزيد بشكل كبير من فرص تبني التغييرات الإيجابية بيئياً على نطاق واسع وسريع، ويمكن لفهم هذه الاستراتيجيات واستخدامها على المدى الطويل أن يقلل بشكل كبير من البصمة الكربونية للمباني وشاغليها بما يتجاوز كفاءة الطاقة وحدها. كما يمكن أن تكون المباني الخضراء والمجتمعات الخضراء الممتدة جزءاً نشطاً من الحل في مكافحة تغير المناخ.

درجات اللؤلؤ
أكد الشاووش أن نظام تقييم المباني الخضراء بدرجات اللؤلؤ يعد أحد أول أنظمة تصنيف المباني الخضراء التي يتم اعتمادها في منطقة الشرق الأوسط، ما أدى إلى الارتقاء بالبناء المستدام إلى مستويات استثنائية مقارنة بالأنظمة الأخرى. وقد ساهم التنفيذ الناجح لهذا النظام في تحقيق إجمالي مساحة تزيد على 41 مليون متر مربع من المساحة الطابقية، وأكثر من 3175 مشروعاً ضمن برنامج «استدامة»، ونتيجة لذلك، حصلت دولة الإمارات العربية المتحدة على ثاني أعلى فئة لإصدار واعتماد الشهادات الخضراء، وفقاً للإصدار الثاني من مؤشر المباني المستدامة العالمي. وعن مخرجات الالتزام بمعايير برنامج استدامة، أوضح الشاووش أن دائرة البلديات والنقل تلعب دوراً رئيساً في دعم التنفيذ المستمر لاستراتيجية إدارة جانب الطاقة وكفاءة الطاقة 2030 بقيادة دائرة الطاقة – أبوظبي.

تأثر الطلب
وللحد من التأثير المتوقع على الطلب على الطاقة، حصلت دائرة الطاقة على موافقة المجلس التنفيذي على استراتيجية «إدارة الطلب على الطاقة» في الإمارة، واستراتيجية ترشيد الطاقة لعام 2030 التي تهدف إلى خفض إجمالي استهلاك الكهرباء بنسبة 22% بحلول 2030. لذا تحرص دائرة البلديات والنقل على التطبيق المستمر لنظام التقييم بدرجات اللؤلؤ، والذي يندرج تحت تنظيم قطاع البناء ضمن استراتيجية إدارة الطلب على الطاقة، هو ثاني أكبر مساهم في تحقيق هدف توفير استهلاك الطاقة الكهربائية، إذ إنه مسؤول عن ما يقارب 5% من إجمالي 22% المستهدف تخفيضها. ويعد برنامج استدامة من البرامج الرئيسية التي تساهم في التخفيض المستهدف بنسبة 32% في استهلاك المياه ضمن إدارة جانب الطلب في الإمارة واستراتيجية كفاءة الطاقة لعام 2030.

وبيّن الشاووش أن للمباني المستدامة دوراً فعالاً في تقليل كمية مخلفات الهدم والبناء المرسلة إلى مكب النفايات. إلى جانب مجموعة من المخرجات غير الملموسة التي تشمل المزيد من الفوائد من تطبيق نظام استدامة لتقييم المباني مثل: زيادة إنتاجية مكان العمل، تحسين صحة السكان ورفاهيتهم، جودة هواء داخلية أفضل للمباني، مبانٍ آمنة أكثر، والمزيد من المساحات الصالحة للعيش، وحماية مستقبل النظم الطبيعية، رفع مكانة أبوظبي في مجتمع التنمية المستدامة.

الوفر المالي
وأشار الشاووش إلى أن المباني الخضراء تساهم في تحقيق الوفر المالي بشكل أساسي من خلال خفض التكاليف التشغيلية المرتبطة بتخفيض استهلاك الطاقة والمياه، فضلاً عن انخفاض نفقات الصيانة، ومع ذلك، فإن التغلب على حاجز المصلحة أو الهدف الربحي لا يزال يمثل تحدياً كبيراً للمباني الخضراء لأن غالبية عمليات تطوير المباني في إمارة أبوظبي، بل في جميع مناطق العالم، هي مبنية على المضاربة للمالك الفردي للوحدات والمشاريع أو شاغليها. في كلتا الحالتين، يوجد ما يعرف بحاجز «الحافز المقسم،» إذ لا يكون المسؤولون عن دفع فواتير الخدمات (مثل المستأجر أو المالك) هم نفس أولئك الذين يتخذون قرارات الاستثمار الرأسمالي (مثل المطور/ المستفيد من المشروع) لتشييد المباني الخضراء. في هذه الظروف، لا يتم تحفيز المطور للقيام بالاستثمار الرأسمالي الضروري بالمباني الخضراء عندما تعود الوفورات التشغيلية الناتجة إلى المستأجر، وهذا يمثل تحدياً كبيراً، لا سيما لمخزون المباني السكنية الذي يحتاج إلى معالجة من خلال وضع الحوافز المناسبة.

المصدر، جريدة الاتحاد، هالة الخياط (أبوظبي) 31 يوليو 2023 02:14

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

محمد بن راشد يعتمد مشروع “تصريف” لتطوير شبكة تصريف مياه الأمطار في دبي بـإجمالي 30 مليار درهم

المشروع يرفع الطاقة الاستيعابية 700٪ ويغطي 100% من مساحة دبي لمدة 100 عام القادمة. • …