دراسة علمية الأولى من نوعها توثق تاريخ الإدارة المتكاملة للآفات
شبكة بيئة ابوظبي، أ.د. محمد السعيد صالح الزميتي، القاهرة، 20 أغسطس 2023
أستاذ كيمياء المبيدات والسموم المتفرغ، قسم وقاية النبات، كلية الزراعة، جامعة عين شمس، رئيس الجمعية المصرية للإدارة المتكاملة للآفات، جمهورية مصر العربية
مقدمة
غالباً ما يوجه الإنسان صراعه مع الآفات لتحقيق أي من أهداف ثلاثة رئيسية هي المنع (بإبقاء الآفة في حالة لا تسمح بحدوث المشكلة)، الكبح (بتقليل أعداد الآفة أو الضرر إلى المستوى المقبول)، والاستئصال (بالتدمير التام أو الكلي لعشائرها). وفي الواقع فإن الإنسان قد اعتمد في هذا الصراع على وسائل وطرق عديدة عرف البعض منها منذ سنين موغلة في القدم، وأنتشر استخدامها بنفس الأسلوب، طوال عقود عديدة أو أنها تطورت مع الزمن لتلاحق التطورات والتغيرات التي عرفها هذا الصراع عبر العصور. ولا شك أن التقدم العملي والتكنولوجي الهائل الذي شهده النصف الثاني من القرن العشرين، قد انعكس تأثيره على المفاهيم والأساليب المتبعة في مكافحة الآفات خلال هذه الفترة، وأدى لانتشار طرق ومواد جديدة لم تكن معروفة من قبل وخاصة المبيدات العضوية المصنعة، وأن هناك العديد من العوامل التي ساعدت على استخدام المبيدات بكثافة وكطريقة وحيدة أو منفردة للمكافحة، وانحسار الطرق الأخرى لأقل قدر من الاستخدام. وأستمر ذلك على أوسع نطاق حتى عرفت المشاكل والتأثيرات الصحية والبيئية الضارة المصاحبة لها، ومع تفاقم هذه المشاكل وتزايدها برزت الحاجة لأن يعيد الإنسان النظر في استخدامه المبيدات كسلاح لمواجهة الآفات، والبحث عن أسلحة وأساليب أخرى لإدارة صراعه المستمر مع الآفات. وصاحب هذه التغيرات تغير في المفاهيم، وبرزت إستراتيجيات جديدة هادفة لإنتاج زراعي وأغذية صحية مع أقل قدر من التأثيرات الصحية والبيئية الضارة للمواد الكيمائية المستخدمة في الإنتاج الزراعي. وتبلور نظام الإدارة المتكاملة للآفات (IPM) (Integrated Pest Management) منذ أن ظهر في سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن كإستيراتيجية أو أسلوب عصري ناجح لإدارة هذا الصراع لصالح الإنسان.
ولعل الرؤية الموضوعية حول صراع الإنسان مع الآفات، تستدعى إلقاء نظرة على التطورات التاريخية للأساليب أو الأسلحة التى استخدمها على مر العصور ليس فقط لاستخلاص العبر منها، ولكن للتأكيد على أن القديم منها لا يعنى زواله أو اندثاره، وأنها تشتمل على العديد من الطرق ذات الطبيعة المستدامة التى يمكن الاعتماد عليها أو تطويرها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة. وعليه فإن هذه المراجعة العلمية، تهتم بتركيز الضوء على العلامات البارزة لصراع الإنسان مع الآفات تبعا لظهورها التاريخي عبر عصور ما قبل التاريخ وحتى عصر النهضة، عصر الاكتشافات المتنوعة (1888 – 1942)، عصر المبيدات (الكيميائيات) (1944 – 1961)، نهاية عصر المبيدات وبزوغ نظام IPM، وأخيرا الإدارة المتكاملة للآفات في عصر العولمة.