شبكة بيئة ابوظبي، بقلم أ.د إبراهيم الكردي، كلية السياحة الجامعة الأردنية فرع العقبة، الأردن 26 سبتمبر 2023
أصبحت سياحة التجربةExperience Tourism في الوقت الراهن هي القاعدة الأساسية في عملية تسويق وتطوير المواقع السياحية والأثرية؛ لأن الإتجاهات المعاصرة لدراسات متطلبات السياح تشير إلى أن 90% من السياح يفضلون إنفاق أموالهم على التجارب وليس على الأشياء، وينصب التركيز الآن في العديد من الدول السياحية الرائدة في تطوير منتجاتها السياحية، بالتركيز على البحث عن الأنشطة التي تتصف بالابداع والريادة التي تلبي الاهتمامات الشخصية المتخصصة للسياح في الوقت الراهن، بدلاً من التحقق من المواقع والمعالم التي يجب مشاهدتها من قائمة البرامج السياحية التي تقدمها الدول، وهذا يشير إلى تغير المفاهيم الكلاسيكية في عملية تسويق المنتجات السياحية، مما يفرض علينا في الأردن التوجه نحو إثراء التجارب السياحية في البرامج السياحية التي يتم تسويقها على المستوى العالمي، بما يتناسب وهذا التوجه الحديث في صناعة السياحة المعاصرة.
تشهد صناعة السياحة خلال الآونة الأخيرة العديد من التغيرات التي طرأت على نموذج الاستهلاك للسياح، خاصة بعد الخروج من الكورونا وتطور السياحة الرقمية على المستوى الدولي، حيث أصبح بإمكان السياح الوصول إلى أي منتج في أي مكان، مما أدى إلى تحول حاجات السياح والتي أصبحت تعتمد على إرضاء المشاعر والأحاسيس والمستندة على التجارب السياحية الإبتكارية، لذا تغيرت مفاهيم الخدمات السياحية الكلاسيكية؛ بسبب هذا التوجه الجديد، لذا فإن الخدمات السياحية بشقيها الملموسة وغير الملموسة، أصبحت تعتمد على الخبرة والمتعة التي ستبقى في الذاكرة، مما يتسبب في قيام السياح بتطوير اتصال عاطفي مع الخدمات السياحية ، وبالتالي فإن الدول التي تمتلك هذه التوجهات الحديثة في تقديم خدماتها السياحية تعد قادرة على الاستمرار والمنافسة وجذب الحركة السياحية، ويتبين لدينا هنا أن الكثير من الدول الغنية في مقوماتها السياحية متواضعة الحركة السياحية بسبب عدم اهتمامها في سياحة التجارب، مقارنة مع دول أخرى أقل بمقوماتها السياحية إلى أنها تمتلك القدرة على تطوير منتجات سياحية قائمة على إثراء التجربة، والسياحة في حد ذاتها نشاط تجريبي بطبيعته، لأن السائح يترك مكانه المعتاد ليعيش في فضاء الآخرين المختلف عن روتينه، ومع ذلك، فإن الطريقة التي يتم بها تقديم هذه الوجهة للمسافر تترك هامشًا من الانفصال عن الواقع المحلي.
تستند الفكرة الأساسية في سياحة التجربة على تحفيز الخبرات والمشاركة في المجتمعات المحلية التي تولد تعلمًا مهمًا لا يُنسى، مما يستوجب علينا في الأردن الاستفادة من هذا التوجه الجديد، من خلال التركيز على برامج سياحية تتصف بالإبداع والبساطة، على سبيل المثال: يمكن تطوير مسارات سياحية كما الحال في مسار درب الأردن، من خلال إكساب السياح تجربة سياحية تتمثل بمعايشة عائلة أردنية تمتلك مزرعة، وهنا يمكن للسائح أن يحصد منتجات نموذجية لاستخدامها في الوجبة التي سيتم إعدادها في مطبخ المنزل ومشاركتها مع العائلة، مما يثري التجربة السياحية، وهذه التجربة بالنسبة للسائح ستبقى في ذاكرته محفورة، مما يثري الصورة الذهنية للسياحة الأردنية، وهذا مثال بسيط وهناك الكثير من الأمثلة في مواقعنا السياحية التي يمكن تطوير منتجاتها وفق مفهوم سياحة التجربة .
تعتمد سياحة التجربة على خمساً من المحاور الهامة في تقديم الخدمات السياحية، والتي تستند على الحواسSense حيث تحتاج سياحة التجربة إلى أنشطة تحفز الحواس الخمس (البصر، السمع، اللمس، التذوق، الشم)، وهنا تشمل الحاسة السادسة وهي التآزرية، حيث يتم تحفيز جميع الحواس وتصل التجربة إلى عاطفة تولد الرعشات أو دموع، أما المحور الثاني فهو الشعور Feeling من خلال تطوير الأنشطة العاطفية التي تخاطب مشاعر وعواطف السائح، بينما المحور الثالث يعتمد على التفكير Thinking بتقديم أنشطة تحفز الإبداع وتكون جديدة للسائح، والمحور الرابع يعتمد على العمل Action بتوفير الخبرات الجسدية والتفاعلية بين السياح والسكان المحليين، هذا العنصر مهم جدًا لتقديم تجربة منطقية للسائح، والمحور الأخير يعتمد على تحديد الهوية Identification بالتركيز على الأنشطة التي تحفز المشاعر الشخصية، وتصل إلى المشاعر الفردية للسائح، وعادة ما تكون الإجراءات التي تجعل السائح على اتصال مباشر مع سياق الوجهة الاجتماعية والثقافية في المواقع السياحية.
يتبين لدينا من خلال تحليل العديد من البرامج السياحية التي تقدمها المكاتب السياحية الأردنية خلوها من تفعيل سياحة التجربة بالشكل المطلوب على الرغم من أهميتها، وكذلك استراتيجيات تطوير وتسويق المنتج السياحي الأردني لم تصل لمرحلة النضج في إثراء سياحة التجربة في الأردن، مما يستلزم على كافة أطراف صناعة السياحة الأردنية بالاهتمام بسياحة التجربة وإثرائها بما يتناسب والمقومات الغنية في الأردن في صناعة السياحة على تعدد أنماطها والخروج من الإطار الكلاسيكي والتركيز على إثراء التجارب المبدعة في تقديم منتجات سياحية تتصف بالابتكار والريادة، من هنا ندعو إلى بناء استراتيجية متكاملة لتطوير وإثراء سياحة التجربة في الأردن ضمن المحاور السابقة .