شبكة بيئة ابوظبي، أمل على داوود، باحثة في قضايا التغير المناخي، جمهورية مصر العربية، 12 أكتوبر 2023
يشهد العالم في الوقت الراهن العديد من التهديدات الناجمة عن التغيُّر المناخي، فقد تأثرت دول عدة بزيادة الانبعاثات الكربونية، كما أن الكثير من المناطق لا تزال عُرضة للتأثير على نحوٍ ينذر بحدوث عواقب وخيمة. جاء ذلك في ظل الضغط الاقتصادي بسبب الزيادة الملحوظة في معدل النمو السكاني العالمي وما تَبع ذلك من تأثير على الموارد الطبيعية المتاحة؛ خصوصًا مع زيادة أنماط الاستهلاك والإنتاج في المجال الاقتصادي على مستوى أنحاء العالم.
يتسبب النمو السكاني بوتيرة متسارعة وما يصحبه من تغيُّر مناخي حاد في العديد من التأثيرات السلبية على النمو الاقتصادي؛ وذلك لما يمثله من تهديد مباشر لقطاعات رئيسة مثل الصحة البيئية والرعاية الاجتماعية، ويمكن لهذه الأزمات أن تتفاقم إذا ما لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة والتدابير الكافية لمواجهتها؛ لذا كانت الحاجة مُلحة إلى اتباع مسارات جديدة تحد من التنمية الاقتصادية الضارة على استدامة النظام البيئي.
على هذا النحو، كان لزامًا على الاقتصادات العالمية اعتماد نهج بديل فيما يتعلق بالممارسات الاقتصادية المتبعة بشكل عام، وذلك من خلال ضرورة مراعاة الجوانب الاجتماعية والبيئية لما لها من تأثيرات مهمة في هذا الصدد. يتمحور هذا النهج حول دعم مصادر الطاقة النظيفة على نحوٍ يمكِّن من العمل وفق إطار التنمية المستدامة باعتبارها جزءًا محوريًّا ضمن خطة النمو الاقتصادي التي تستهدف بالأساس التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
وفقًا لـ “إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة” (UNDESA)، فإنه من المتوقع بحلول عام 2050 أن يبلغ عدد سكان العالم 9.7 مليارات نسمة، وتشكل إفريقيا أكثر من نصف سكان العالم في معدل النمو السكاني. وبالتالي، فإن مصر – كجزء من إفريقيا- تعاني من النمو السكاني الذي لا يتوافق مع كمية الموارد المتاحة؛ حيث تؤدي الزيادة في عدد السكان إلى الارتفاع المفرط في الطلب على الموارد الطبيعية، ويعظِّم الحاجة إلى التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج بهدف تلبية الحاجات الأساسية للأفراد.
وفي سبيل تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وضعت الدولة المصرية خارطة طريق ستسير من خلالها في مسارات متوازية للتعامل مع هذه التحديات. فقد صاغت الحكومة “إستراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة 2035” عام 2015، وذلك لضمان استمرار أمن واستقرار إمدادات الطاقة في البلاد. ومن خلال تلك الإستراتيجية يمكن تعزيز دور الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، لأنها تهدف في المقام الأول إلى تنويع مصادر الطاقة عن طريق زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، لا سيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ومن هذا المنطلق يرتكز هذا المقال على أربعة جوانب أساسية، يُبرز الجانب الأول الصلة بين الطاقة المتجددة والتغير المناخي، ويركز الثاني على دور الطاقة المتجددة في تحقيق التنمية المستدامة، بينما يتناول الثالث العلاقة بين الطاقة المتجددة والعدالة الاجتماعية. أما الرابع فيتطرق إلى تحليل التحديات التي يواجهها قطاع الطاقة المتجددة.
الطاقة المتجددة والتغير المناخي
إن توجه الحكومات والمدن والجهات المتخصصة إلى مكافحة التغير المناخي والانتقال إلى نظام طاقة يتجاوز الكربون هو طموح ينعكس في توسع العالم حاليًا في تكنولوجيات الطاقة المتجددة، ومصر هي إحدى الدول النامية المتأثرة بتداعيات التغير المناخي. في هذا الصدد تساعد سياسة الطاقة في مصر على تغيير شروط النقاش العالمي حول التغير المناخي من خلال إظهار أن هناك توافقًا أساسيًا بين تنمية موارد الغاز الطبيعي المحلية وتطوير مصادر الطاقة المتجددة. في الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتغير المناخي (COP27)، حققت مصر إنجازًا دبلوماسيًا مهمًا في تعزيز التنمية المتزامنة للغاز الطبيعي وموارد الطاقة المتجددة عندما وقعت اتفاقية. مع الاتحاد الأوروبي في أبريل 2022 لتعزيز التعاون بين الطرفين فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي المسال والهيدروجين الأخضر المُنتج من الطاقة المتجددة بين أوروبا وأفريقيا.
ولما كان إنتاج الهيدروجين الرمادي في مصر مسؤول عن طرح 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كل عام، فإن تقليل البصمة الكربونية من خلال استبدال الهيدروجين الأخضر بنظيره الرمادي من شأنه أن يسهم بشكل إيجابي في مجابهة التغير المناخي. ومن المرجح أن تطور مصر قدرتها على إنتاج الهيدروجين الأزرق كإجراء انتقالي؛ مما يعكس توجهها العام لاستخدام مواردها من الغاز الطبيعي في التحول إلى الطاقة الخضراء.
ويظهر التزام مصر بالهيدروجين الأخضر أن احتمال التحول حقيقي، تماماً كما أثبتت مصر أن تطوير احتياطياتها البحرية من الغاز الطبيعي للاستخدام المحلي وتصدير الغاز الطبيعي المسال لم يمنعها من تطوير مشروعات واسعة النطاق للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الوقت ذاته.
كما أن تحفيز مصر أيضًا لتطوير ربطها الكهربائي مع أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط يسهم في إنشاء البنية التحتية للنقل لسوق تصدير الكهرباء. وهذا بدوره يحفز التنمية المتسارعة للموارد المتجددة في مصر. وتهدف البلاد في هذه الآونة إلى توليد 61 جيجاوات من الطاقة المركبة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2035، أي أكثر مما يعادل كامل قدرتها الحالية على توليد الطاقة باستخدام الغاز.
دور الطاقة المتجددة في تحقيق التنمية المستدامة
لما كان تطوير وتنويع مصادر الطاقة المتجددة وتعظيم قيمتها، أحد الملاذات الآمنة لتقويض مسببات التغير المناخي وتخفيف العبء الاقتصادي الناجم عن استخدام الطاقة غير المتجددة. سعت مصر إلى توسيع الشراكات مع القطاع الخاص والشركاء الدوليين في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة، والعمل على توفير التكنولوجيا اللازمة في هذا المجال؛ مما يؤهلها لأن تصبح من أكبر منتجي الطاقة النظيفة.
ومن بين أهداف استراتيجية الطاقة المستدامة لعام 2035 يأتي هدف زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية، حيث من المقرر أن يصل إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي الطاقة المتجددة بحلول عام 2035، مقارنة بـ 20% عام 2022.
وكجزء من خطة مصر لتصبح مركزًا للطاقة، قامت ببناء العديد من خطوط ربط الطاقة. وهناك خط ربط مع الأردن بقدرة 250 ميجاوات، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 450-500 ميجاوات. وهناك خطوط أخرى أصغر مع السودان بقدرة 80 ميجاوات، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 300 ميجاوات. أما الخط الثالث مع ليبيا فتبلغ طاقته الحالية 200 ميجاوات. وتجدر الإشارة هنا على أنه في عام 2019، تم توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء خط ربط كهربائي مع قبرص واليونان، والذي سيتم تقسيمه إلى مرحلتين بقدرة 1000 ميجاوات؛ مما يوفر إجمالي 2000 ميجاوات.
العدالة الاجتماعية والطاقة المتجددة
استندت رؤية مصر 2030 إلى أربعة مبادئ توجيهية تضع المواطن على رأس أولويات التنمية، مع ضمان العدالة وإمكانية الوصول للجميع، إلى جانب اتباع نهج المرونة والتكيف، كل ذلك ضمن خطة التنمية المستدامة. هذه المبادئ تُعدُّ بمثابة المظلة الشاملة التي توجه تنفيذ الأهداف الاستراتيجية الوطنية المتمثلة في تحسين نوعية حياة المواطنين ورفع مستوى معيشتهم، ووضع المعايير مع تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وكذلك الوصول إلى اقتصاد معرفي تنافسي ومتنوع ضمن نظام بيئي متكامل ومستدام.
لذلك، فعندما تعرضت الشبكة الوطنية لضغوط هائلة بسبب الارتفاع الكبير في استهلاك الكهرباء، اضطرت الحكومة المصرية إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للتخفيف من حدة الأزمة. فقد اتخذت سلسلة من التدابير الطارئة، وكان أحدها السماح بالعمل من المنزل -السياسات المنزلية لمجموعة مختارة من موظفي القطاع العام، والهدف من هذا الإجراء هو تقليل الحمل على شبكة الكهرباء خلال ساعات الذروة، وبالتالي ضمان توزيع أكثر عدالة للكهرباء.
في سياق متصل، تتوقع “رؤية مصر 2030” أن يكون قطاع الطاقة قادرًا على تلبية كافة متطلبات التنمية المستدامة باستخدام موارد الطاقة المتجددة وتعظيم الاستفادة من موارده غير المتجددة والمتجددة على السواء. والهدف هو المساهمة الفعالة في دفع النمو الاقتصادي والتنافسية والعدالة الاجتماعية، وكذلك المحافظة على البيئة وتحقيق الريادة المصرية في تطوير مصادر الطاقة المتجددة أثناء مواكبة أهداف التنمية المستدامة العالمية.
تحديات قائمة
رغم ما سبق ذكره، بيد أن قطاع الطاقة المتجددة في مصر لا يزال يواجه بعض التحديات خاصة التحديات الفنية والتصنيعية والسياسية والاقتصادية؛ حيث يرتبط تعزيز تنفيذ تكنولوجيات الطاقة المتجددة في السوق المصري بشكل مباشر بتكلفة تطوير التكنولوجيا وتعرفة الكهرباء. لذا، لزيادة القدرة التنافسية لتقنيات الطاقة المتجددة مقابل مصادر الطاقة التقليدية، فمن الضروري تقليل النفقات المرتبطة بهذه التقنيات. كما أن زيادة حصة التصنيع المحلي لمختلف تقنيات الطاقة المتجددة توفر حلًا جذريًا لهذه المشكلة.
تتمتع مصر بإمكانات هائلة لتصنيع مكونات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. على سبيل المثال، يتم تصنيع أبراج توربينات الرياح محليًا، وبالتالي فهي تنافسية من حيث التكلفة في مصر. ومع ذلك، فإن التصنيع المحلي للمكونات الأخرى، مثل الشفرات والإلكترونيات ذات الصلة، لم يحدث بعد. فضلًا عن هذا، تتمتع مصر بنقاط قوة رئيسة في تصنيع مكونات الطاقة الشمسية المركزة، بما في ذلك انخفاض تكلفة العمالة، وانخفاض تكلفة الطاقة للقطاع الصناعي، وتوافر الزجاج والصلب والقدرة التصنيعية القوية. ومع ذلك، فإن تصنيع تكنولوجيات الطاقة المتجددة يواجه تحديات في نقص الكفاءات، ومحدودية الاستثمار.
ختامًا…
على الرغم من أن النهج الاستباقي الذي تتبناه الحكومة المصرية حاليًّا يستحق الثناء، فإنه يؤكد أيضًا على الحاجة إلى بنية تحتية أكثر استدامة للطاقة. مع توجه الاتجاهات العالمية نحو مصادر الطاقة المتجددة، من الضروري أن تفكر مصر في دمجها في شبكتها الوطنية. وهذا لا يضمن بنية تحتية للطاقة أكثر مرونة فحسب، بل يتماشى أيضًا مع أهداف الاستدامة العالمية.