ملايين البشر في دائرة الخطر
شبكة بيئة ابوظبي، هدى سعيد، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 28 أكتوبر 2023
هناك أكثر من 60% من دول العالم مازالت تسمح بتصنيع وتداول واستخدام الدهانات ومواد الطلاء التي تحتوي على الرصاص، مما يعني أن ملايين البشر، خاصةً الأطفال والنساء الحوامل، يواجهون خطر الإصابة بتسمم الرصاص، أحد أكثر المواد السامة شديدة الخطورة على الصحة العامة، وعلى النظم البيئية.
وفي إطار فعاليات أسبوع العمل الدولي للوقاية من التسمم بالرصاص لعام 2023، تجدد منظمات الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية، الدعوة إلى تسريع وتيرة العمل من أجل التخلص التدريجي من الدهانات المحتوية على الرصاص، عبر مجموعة من الإجراءات والتدابير التنظيمية والقانونية.
يأتي أسبوع العمل الدولي للوقاية من التسمم بالرصاص، الذي يوافق الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر، كمبادرة من التحالف العالمي للتخلص من الدهانات المحتوية على الرصاص، الذي يشترك في قيادته كل من برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ومنظمة الصحة العالمية (WHO).
وتحرص العديد من دول العالم على تنفيذ حملات وفعاليات مختلفة، ضمن فعاليات الأسبوع الدولي، بهدف التوعية بمخاطر التلوث بالرصاص، والتعريف بالبدائل المتاحة والأكثر أماناً، وصولاً إلى الهدف الرئيسي للمبادرة، والذي يتمثل في التخلص من دهانات الرصاص بشكل نهائي وبلا رجعة.
يتواجد الرصاص عادةً في قشرة الأرض، وعرف البشر استخراجه واستخدامه في كثير من الأغراض الصناعية، مثل صناعة بطاريات السيارات، وفي صناعة الأصباغ والدهانات، وفي أعمال اللحام وصناعة المجوهرات ولعب الأطفال، وتصنيع أنواع من الذخائر ومستحضرات التجميل.
إلا أنه نظراً لندرة تواجد الرصاص في مصادره الطبيعية، يجري استخراج معظم ما يتم استخدامه حالياً من المعدن السام، من عمليات إعادة التدوير، مما يؤدي إلى تفاقم المخاطر الناجمة عن استخدام هذا العنصر السام، الذي يدخل في تصنيع الكثير من المنتجات.
بدأ البشر استخدام دهانات الحوائط ومواد الطلاء التي تحتوي على عنصر الرصاص قبل عدة قرون، وسرعان ما انتشرت هذه الدهانات على نطاق واسع، نظراً لما تتميز به من ثبات اللون ومقاومتها للتآكل، وبلغ الإنتاج العالمي من هذه المواد ذروته خلال القرن العشرين.
إلا أن الطبيعة السامة لعنصر الرصاص (PB) تشكل مخاطر صحية بالغة، خاصةً بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة، مثل الأطفال والنساء الحوامل والعمال، ويمكن أن يؤثر التعرض للرصاص في العديد من أجهزة الجسم، ويتضرر منه بوجه خاص صغار الأطفال، والنساء في سن الإنجاب
.
ووفق منظمة الصحة العالمية، يتوزع الرصاص في الجسم على الدماغ والكبد والكليتين والعظام، كما يقوم جسم الإنسان بتخزين كميات من الرصاص في الأسنان والعظام، وفي حالات الحمل، ينتقل الرصاص من العظام إلى الدم، ويصبح الجنين معرضاً للإصابة بتسمم الرصاص في مراحل النمو الأولى، مما يؤثر على نمو الدماغ والجهاز العصبي.
ويمكن أن تؤدي إصابة البالغين بتسمم الرصاص إلى أضرار طويلة الأجل، بما فيها زيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، ومشاكل القلب والأوعية الدموية، وأمراض الفشل الكلوي، وكذلك يمكن أن يتسبب في تعرض المرأة الحامل للإجهاض، أو الولادة المبكرة قبل المواعيد الطبيعية.
تقول المهندسة إلهام رفعت، خبير إدارة المواد الخطرة، وعضو الشبكة الدولية للتخلص من الملوثات (IPEN)، إنه يمكن أن يتعرض الأفراد للإصابة بتسمم الرصاص عن طريق استنشاق جزئيات الرصاص الناتجة عن حرق مواد تحتوي على العنصر السام، أثناء عمليات الصهر أو إعادة التدوير، أو عند إزالة الطلاء المحتوي على الرصاص.
كما يمكن أن ينتقل الرصاص للبشر من خلال ابتلاع الغبار الملوث بالرصاص، أو شرب مياه يجري نقلها في شبكات الأنابيب المحتوية على الرصاص، أو عند تناول الأطعمة المعلبة المحفوظة في حاويات مصنوعة من الرصاص، أو عبوات يستخدم العنصر السام في لحامها لإحكام غلقها.
ويُعد صغار الأطفال هم الأكثر عرضة للإصابة بتسمم الرصاص بوجه خاص، نظراً لأن مقدار ما يمتصه جسم الطفل من مصدر معين للرصاص، يفوق مقدار ما يمتصه جسم الشخص البالغ بما يتراوح بين 4 أو 5 أضعاف، بالإضافة إلى الطبيعة الفطرية لدى كثير من الأطفال بوضع أصابعهم في الفم، مما يزيد احتمالات ابتلاع أجسام تحتوي على الرصاص,
ويمكن أن يخلف التعرض للرصاص عواقب وخيمة على صحة الطفل، وإذا تعرض الدماغ والجهاز العصبي المركزي للرصاص بمستويات عالية، فيمكن أن يتضرر بشدة، مما يسبب الإصابة بالغيبوبة والتشنجات، وقد يُصاب الأطفال الناجون من التسمم الشديد بإعاقات ذهنية واضطرابات في السلوك بصفة دائمة.
وتقدم الخبيرة البيئية بعض النصائح للتخلص التدريجي من الدهانات التي تحتوي على الرصاص، أو لتقليل المخاطر المحتملة الناجمة عنها، منها:
• التحقق من جودة الدهانات: عند شراء أو استئجار منزل جديد، تأكد من أن الدهانات المستخدمة تتوافق مع المعايير البيئية والصحية، وأنها خالية من الرصاص.
• ترميم وتجديد الديكور: عند إجراء أعمال ترميم أو تجديد للمنزل، تأكد من إزالة أي طلاء قديم قد يحتوي على رصاص، مع استخدام طرق آمنة، لتجنب التعرض للغبار الملوث بالرصاص.
• النظافة الشخصية: يجب غسل الأيدي والوجه بشكل منتظم، خاصة بعد اللعب في الأماكن المحتملة لوجود طلاء ملوث بالرصاص، كما ينصح بممارسة النظافة الشخصية الجيدة للأطفال.
• التغذية الصحية: تناول الغذاء الصحي والمتوازن يمكن أن يقوي جهاز المناعة، ويساعد على تقليل امتصاص الرصاص في الجسم.
• التوعية والتثقيف: يجب توعية الأهل والأمهات بخطورة التلوث بالرصاص في الدهانات على الصحة، مع العمل على توفير المعلومات والإرشادات حول الوقاية والسلوك السليم للتقليل من التعرض للرصاص.
وتشير المهندسة إلهام رفعت إلى أن هناك العديد من الدهانات الآمنة، التي يمكن استخدامها بدلاً من مواد الطلاء المحتوية على الرصاص:
• الدهانات الخالية من الرصاص: هناك العديد من الشركات المصنعة للدهانات التي تنتج منتجات خالية من الرصاص، وتتوفر هذه الدهانات بأنواع مختلفة، بما في ذلك الدهانات الزيتية والمائية.
• الدهانات ذات الألوان العضوية: يمكن استخدام الألوان العضوية كبديل للرصاص في الدهانات، وتتكون هذه الألوان من مركبات عضوية غير سامة وصديقة للبيئة.
• البديل البيولوجي للدهانات: يتم استخدام تقنيات الدهان البيولوجي كبديل لدهانات الرصاص التقليدية، وتعتمد هذه التقنية على استخدام أحياء مجهرية لتلوين المواد، دون الحاجة إلى الرصاص أو مواد كيميائية ضارة.
• الألوان المعدنية الآمنة: يمكن استخدام الألوان المعدنية الآمنة، بدلاً من الرصاص في بعض المنتجات، وعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الألومنيوم والحديد والنحاس كألوان بديلة آمنة في بعض التطبيقات.