المياه على أجندة المفاوضات المناخية في دبي (cop28)

شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، بقلم حبيب معلوف، 02 ديسمبر 2023
للمرة الأولى في تاريخ المفاوضات الدولية المتعلقة بتغير المناخ، اقترحت مجموعة من المفاوضين العرب الذين اجتمعوا في القاهرة بين ٢٦ و٢٨ سبتمبر (استعدادا لقمة المناخ cop28 في دبي نهاية العام) أن تدرج على جدول الأعمال لأول مرة قضية أثر السدود المائية على تغير المناخ واثر الظواهر المناخية المتطرفة على السدود والإدارة المائية عامة.

لم يأتي هذا الموضوع بسبب كارثة ليبيا فقط، عندما انهارت السدود بعد زيادة الأمطار المصنفة “بسبب التغيرات المناخية” ، بل أيضا بسبب اعتبار موضوع المياه في المنطقة العربية من أكثر المواضيع حساسية، لاسيما لناحية الندرة، او لناحية اعتبار الكثير من البلدان، بلدان عبور لا بلدان منبع. جاء ذلك في المؤتمر الذي نظمته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والمجلس العربي للمياه والجامعة الأميركية في القاهرة ومعمل عبد اللطيف جميل والذي جاء تحت عنوان “تعزيز الشراكة من أجل التكيف مع تغير المناخ في المنطقة العربية”، والذي طرحت فيه الكثير من المواضيع المتعلقة التكيف، مثل كيفية المحافظة على جودة المياه، كون معظم الظواهر المناخية المتطرفة والكوارث تطال المياه، من ذوبان الجليد والستبب بسيول وفيضانات الى زيادة ارتفاع مياه المحيطات والبحار الى اختفاء الجذر وغمر مياه شواطئ المدن الى فيضانات الأنهار والشوارع الى الجفاف والشح والأثر على الأمن الغذائي…الخ كما طرحت قضية الطاقة النظيفة كبديل والشراكات بين القطاع العام والخاص وقضايا التعليم والمهارات بالإضافة الى القضايا المتعلقة بالزراعة والأمن الغذائي.

لا يزال المفاوضين العرب يعتبرون أن الصراع في المفاوضات المتعلقة بتغير المناخ هو على زيادة حصتهم (مع البلدان النامية) من صندوق التكيف، (والتي هي الآن 20% للتكيف و80% للتخفيف)، على اعتبار أن التخفيف (من الانبعاثات) يشجع على صرف الاموال لتشجيع انتاج الطاقات المتجددة التي تنتج تكنولوجيتها في الغرب، بينما مصاريف التكيّف يمكن أن تستفيد منها البلدان النامية للحماية من الكوارث، مع توقع أن تصبح كلفة التكيّف في البلدان النامية 300 مليار دولار سنويا، لم ولن تحصل الا على نسب قليلة منها!

وفي هذا المجال، طرحت أفكار جديدة لناحية تغيير استراتيجية التفاوض، لاسيما حول ما يسمى “الهدف العالمي للتكيّف”. فمن مصلحة البلدان النامية أن تصحح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بداية التفاوض حول تغير المناخ منذ أكثر من ربع قرن. فقد كان عليها أن لا تطالب بحصتها وفرصتها من التنمية، قبل أن تبدأ إجراءاتها لخفض انبعاثاتها، بل كان عليها ممارسة المزيد من الضغوط على البلدان المتقدمة والغنية لكي تغير في نموذجها الحضاري المدمر للمناخ والموارد والتنوع البيولوجي. فمهما زادت البلدان المتقدمة من تمويلها اليوم للتكيف، لن تستطيع أن تمول أكثر من 10٪ من الخسائر والأضرار التي ستنجم عن الكوارث المناخية. هذه الكوارث التي ستطيح بكل مكتسبات “التنمية” التي حاولت أن تقلد الغرب فيها! لم تحصل هذه الفكرة على النقاش الكافي المستحق، وقد تم تاجيل البحث فيها للمزيد من الدرس، كون تبعاتها ستؤدي الى نسف كل اسس التفاوض التي رست عليها المفاوضات من أكثر من ربع قرن.

بالمقابل كان هناك شبه إجماع عند المفاوضين العرب حول ضرورة تمويل تطوير نظم الإنذار المبكر للكوارث واستخدام كل تكنولوجيا متطورة في هذا المجال، الا أن الأهم بالطبع تغيير السياسات لتجنب الكوارث والتكيف معها، وهي عملية معقدة لن تحل او لن يتم الاقتناع بضرورة تغييرها على يبدو، الا بعد المزيد من الكوارث للأسف.

حول موضوع تعميم الطاقة النظيفة، تم تبني مقولات “انتقال الطاقة” او “التحول الطاقوي”، وهي تعابير تم انتاجها في الغرب باتجاه الانتقال من الطاقة الاحفورية الى الطاقات المتجددة والنظيفة كجزء من عملية تخفيف الانبعاثات المتسببة بتغير المناخ، وتم تبنيها في المنطقة العربية دون تمحيص. وقد تبين أن هذه العملية هي في الحصيلة مجرد تسويق لصناعات جديدة وتكنولوجيا جديدة، خرجت عن قواعد التعويضات عبر نقل التكنولوجيا. وقد بات واضحا الآن مدى هشاشة هذا الطرح، مهما حصل من توسع حول العالم في استخدام الطاقات المتجددة، بان لا بديل منظور عن الطاقة الاحفورية، خصوصا اذا استمرت انماط الانتاج والاستهلاك الغربية من الطاقة، واذا تساوت البلدان النامية مع تلك المتقدمة في فرص التنمية، كان يصبح في العالم 7 مليارات سيارة خاصة، بدل مليار و400 مليون سيارة، كما هي الحال اليوم. وحتى لو اصبح كل سيارات العالم كهربائية، فان صناعتها يمكن أن تستهلك كل الاتربة النادرة التي تساهم في صناعتها وهو امر شبيه بنتائجه الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري الناضب ايضا. هذه الخلاصة التي تؤكد أيضا أن المشكلة هي في النموذج الحضاري المسيطر الذي يجب أن يتغير وليس في النموذج التكنولوجي الذي يجب أن يتبدل.

حول موضوع اشراك القطاع الخاص مع القطاع العام في معالجة قضية تغير المناخ، تبين أن القطاع الخاص يحجم عن المشاركة في تمويل مشاريع التكيّف، ويفضل المشاركة في مشاريع التخفيف الجزئية والشكلية، لاسيما لناحية الاتجار والتسويق للالواح الشمسية والبطاريات وقطعها، وليس في حماية الغابات او التشجير على سبيل المثال… ومشاريع التكيف عامة.

وهذا يدل، أن قضية اشراك القطاع الخاص في معالجة قضايا تغير المناخ، لن تكون ذات جدوى كبيرة، لا بل يمكن القول، أن معظم المشاريع المهددة والمتسببة بتغير المناخ، لاسيما في وبعد مرحلة العولمة وسيطرة الشركات الكبرى على الدول والأنظمة وما يسمى “اقتصاد السوق”، هي ناجمة عن نشاط واستثمارات القطاع الخاص بشكل رئيسي! كما تظهر في كل جولة مفاوضات تأثيرات الشركات الكبرى على سير المفاوضات والقرارات، من قمة الفحم في بولندا الى قمة الكوكا كولا في شرم الشيخ العام الماضي، وما بينهما من قمم كان للشركات النفطية التأثيرات الحاسمة فيها.

في الخلاصة، يمكن التوقف عند مستجد يتعلق بتوصية لمجموعة من المفاوضين العرب بإدخال موضوع المياه والسدود على جدول اعمال المجموعة العربية واجتماع وزراء البيئة العرب لاحقا، ليتم ادخاله على اجندة البلدان النامية ايضا، بالرغم من أن هذا الاقتراح (التوصية)، لم يصل الى حدود المطالبة بضرورة اعتبار قضية المياه وادارتها (عبر العالم عامة وفي المنطقة العربية خصوصا الى تشكو من شح المياه، حتى قبل التغيرات المناخية وآثارها الكارثية على هذا القطاع)، تحتاج الى رؤية جديدة، بكونها جزء من النظام الايكولوجي العالمي، لا يفترض أن تكون ملكا لاحد، وبالتالي لن يعود هناك من تمييز بين بلدان المنبع والمرور والمصب، باعتبار المياه حق من حقوق الانسان والاجيال القادمة ايضا، وتحتاج الى ادارة بخلفيات جديدة تتماشى مع الكوارث المناخية التي تتخطى الحدود الجغرافية والمناخية والوطنية.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

كيف يمكن لأذربيجان المضيفة لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين أن تعزز النمو من خلال العمل المناخي

شبكة بيئة ابوظبي، مؤلفون متعددون، (carbonbrief.org) باكو، أذربيجان، 01 نوفمبر 2024 يعتمد اقتصاد أذربيجان بشكل …