لماذا تخلفت صناعة التمويل الأصغر الاسلامي مقارنة بالتقليدي في المنطقة العربية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند، 13 فبراير 2024

لا يوجد سبب وجيه يمنع المقترضين من ذوي الدخل المنخفض من الوصول إلى التمويل الأصغر الاسلامي والتقليدي طالما أنهم يعتبرون شريحة انتاجية مهمة ولكن ليس لديها الضمانات التقليدية التي تصر عليها البنوك التجارية. استبعاد التمويل الأصغر من التمويل الإسلامي ككل أو ضعف نسبته لن يساعد في زيادة الانتاج وتقديم الخدمات عبر هذه الشريحة الممتدة في الريف والقادرة على الكسب واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة للاسهام في الانتاج والتصدير والاكتفاء الذاتي، ولن يقلل هذا المنع من عبء الديون على صغار المنتجين لانهم سيلجأون للبحث عن التمويل في مكان آخر وبتكلفة أعلى في كثير من الأحيان.

صناعة التمويل الأصغر الإسلامي في المنطقة العربية لا تزال صناعة متخلفة لأسباب من اهمها أنها لا تجد التقدير المناسب بها في صناعة التمويل الإسلامي المصرفي الأوسع انتشارا، ليس فقط من المصارف بل أيضا من منظمي القطاع على الرغم من تنوع وتسهيل ضمانات التمويل الأصغر في السنوات الأخيرة واكتساب مؤسساته خبرات كبيرة وتحسين أساليب الحوكمة ودرء المخاطر وادخال ضمانات المجموعات التضامنية ومنتجات اضافية متوافقة مع الشمول المالي وأهداف التنمية المستدامة وتغير المناح وعيرها، وانخفاض نسبة التعثر (المحفظة في خطر) وغيرها. ومع ذلك، فالتمويل الأصغر الاسلامي والتقليدي يلعبا دورًا مهمًا في الشمول المالي وكذلك الحد من الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية وتسخير الموارد المالية لخدمة الانتاج على المستوي الصغير والقاعدي . علما بأن هذه الاهداف السامية تعد جزءًا مهمًا من الأسباب الكامنة وراء القواعد التي تحكم التمويل الإسلامي المستمدة من الشريعة والتي تدعو لتسخير الموارد المالية نحو الانتاج وتحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين الشرائح الضعيفة كالمرأة والشباب و الحد من ان يكون المال دولة بين الأغنياء. في الحقيقة هذا التجاهل ينبع من عدة أسباب أهمها العقلية المصرفية التقليدية التي جبلت على التعامل مع أصحاب الضمانات والتمويلات الكبيرة فقط بدف تحقيق أرباح مضمونه من تمويلات كبيرة بضمانات قوية.

ضعف التمويلات وحجم الادخارات في مؤسسات التمويل الأصغر الاسلامية في المنطقة العربية و تعقيدات سياسات وتشريعات البنوك المركزية غير المشجعة لمؤسسات التمويل الأصغر التقليدية في المنطقة العربية لطرح منتجات اسلامية جنبا الى جنب مع منتجاتها التقليدية، وعدم رغبة هذه المؤسسات العربية العاملة في صناعة التمويل الأصغر لتقديم المنتجات الاسلامية مع المنتجات التقليدية كلها أسباب رئيسية. ربما يكون هتاك أسباب أخرى ناتجه عن ضعف التشريعات التي تسمح بذلك وكذلك ضعف التمويل بالجملة داخليا ولصعوبته خارجيا وغياب الخبرات في مؤسسات التمويل الأصغر التقليدية والتخوف من طرحه. وبحسب دراسة لصندوق النقد العربي ظهرت أن التمويل الأصغر المتوافق مع الشريعة أصبح يحظى في السنوات الأخيرة بالإهتمام المتزايد لدى السلطات الإشرافية في الدول العربية وذلك في سياق سياسات تعزيز الشمول المالي، ولكن هذا الاهتمام لم ينعكس بشكل واضح في الانتشار. ورؤيتنا أن تهم الجهات الرقابية أكثر بتطوير الأطر التشريعية والرقابية لتسهيل هذا التحول.

إن إيجاد طريقة تمكن البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية الأخرى من مساعدة هذا القطاع من الصناعة من مواردها للمؤسسات عبر التمويل بالجملة لضعف انتشار هذه البنوك خاصة في الريف زعدم الاستعداد للتضحية بقدرتها التنافسية والربحية يجب أن يكون محور التركيز. وفيما يتعلق بهذه المسألة، هناك طرق يمكن للتمويل الأصغر الإسلامي من خلالها إنشاء نموذج فريد لتقليل تكلفة التمويل الأصغر للعملاء عبر مشاركة المنظمات التي تستهدف المساعدة في الشمول المالي ومعالجات الفقر عبر التمويل الأصغر وذلك بتخفيض التكلفة للمؤسسات العاملة ووضع تشريعات مشجعه لقيام المؤسسات المظلية خاصة غير الحكومية (المؤسسات المظلية هي مؤسسات اقراض عليا من المستوى الثاني تقدم التمويل بالجملة وتقوم بتوجيه التمويل والمنح والقروض والضمانات والخدمات الفنية الداعمة إلى مؤسسات التمويل الأصغر في كل بلد ) .

هذا الأمر من شأنه أن يوفر الأموال اللازمة لتوسيع صناعة التمويل الإسلامي الأصغر . فضلا عن العمل – كما هو الحال في التجربة السودانية في تشجيع صناعة التمويل الأصغر – بتسخير جزء ولو يسير من محافظ المصارف التجارية لهذا القطاع عبر التمويل المباشر من فروعها أو المشاركة في المحافظ المتخصصة لهذا الغرض أو تقديم التمويل بالجملة مع تقاسم الأرباح من المؤسسات العاملة بضمانات شركات التأمين وغيرها. كما إن مصدر التمويل عبر الأموال من الداخل وأقصد بذلك ودائع العملاء سيكون مصدرا كبير جدا اذا سمحت المصارف المركزية بتحويلها الي مؤسسات تقبل الودائع من عملائها فقط بعد استيفاء شروط مخففه. ونتوقع أن يكون هناك عائد على هذه المدخرات الاجبارية والاختيارية للعملاء من أرباح العمليات التي تقاسمها مع العملاء. هذه الموارد الداخلية من شأنها أن توفر مصدر تمويل كبير وتوسيع لعمليات مؤسسات التمويل الأصغر وكذلك تساعد على خفض تكاليف التمويل للبنك والعملاء – مقارنة بالموارد الخارجية ، فضلاً عن أن هذه الموارد الداخلية -اذا بلغت 50% فاكثر من اجمالي المحافظ التمويليه لهذه المؤسسات – ستجعلها أكثر قدرة على المنافسة والانتشار والربحية.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …