شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند، 25 فبراير 2024
1. مقدمة
حسب التجربة العالمية لا توجد خريطة طريق واضحة لكل أنواع تدابير التخفيف والتكيف التي يمكن للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة اعتمادها، كما لا توجد رؤية واضحة لكيفية تحديد أولويات الاستثمارات والجهود الفردية والمشتركة لدعم تلك التدابير. ولكن تحديد تدابير التكيف والتخفيف التي يمكن أن يتبناها أكثر من نصف مليون مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة في العالم أمر بالغ الأهمية. تأتي هذه الاهمية من أجل حماية ودعم سبل عيشهم في مواجهة المخاطر المرتبطة بالمناخ وتحقيق الأمن الغذائي العالمي الذي يساهم فيه صغار المزارعين مساهمة تقدر بنحو ثلث احتياجات الغذاء في العالم، مع التوقعات أن يزيد الطلب العالمي على الغذاء بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2050، حسب آخر إحصائيات منشورة. وقد تحدث انخفاضات كبيرة في المحاصيل وربما إخفاق في تلبية الطلب العالمي المتزايد إذا لم يتم اتخاذ تدابير مضادة تهدف لحماية صغار المزارعين من أثار تغير المناخ.
2. دراسة (ماكينزي) للاليات المعتمدة لصغار المزارعين من أجل الصمود.
حدد أبحاث (ماكينزي) في دراسة قيمة بعنوان “ماذا تعني الزراعة الذكية مناخيا بالنسبة للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة” نشرت في فبراير 2023 ، نحو 33 إجراءً يمكن للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة اتباعها للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته، بالاستناد الى تجارب ثلاثة دول مختارة وهي: الهند وإثيوبيا والمكسيك . وقسمت الدراسة هذه التدابير إلى خمس فئات: ممارسات الإنتاج الحيواني، والتدابير القائمة على الأرز، والتدابير القائمة على المحاصيل، وتغيير استخدام الأراضي وتكثيفها، وخسائر ما بعد الحصاد والتصنيع. كما قيمت التدابير حسب فوائدها، مثل إدخال أصناف المحاصيل التي تتحمل الآفات. والتدابير الحصرية للتخفيف كاختيار سلالات الماشية التي تركز على الغازات الدفيئة وتوسيع نطاق الري باستخدام الطاقة الشمسية. فيما يلي التدابير والنشاطات المتعلقة بهذه التدابير الخمس:
1. ممارسات الإنتاج الحيواني (التوسع في استخدام معالجة الأعلاف لتحسين عملية الهضم، الاستخدام الأمثل لتركيبة العلف والانتقال إلى الغذاء الحيواني الذي يقلل من إنتاج الميثان من التخمر المعوي، دمج أنظمة المخزون والمحاصيل لتقليل خسائر المغذيات، تحسين مراقبة صحة الحيوان والوقاية من الأمراض، تحسين توقيت مبيعات الماشية، تحسين معدلات المخزون – قطعان الماشية لكل هكتار- واستعادة المراعي لتحسين صحة الأراضي العشبية وزيادة محتوى الكربون في التربة).
2. التدابير القائمة على الأرز (الاستفادة من تكنولوجيا الأرز وتحسين اختيار أصناف الأرز، تحسين إدارة المياه، تحسين إدارة قش الأرز)، والتدابير القائمة على المحاصيل،
3. تغيير استخدام الأراضي وتكثيفها ( توسيع نطاق التكيف مع الحصاد الفعال لمياه الأمطار، تقليل الري أثناء الأمطار لزيادة الإنتاجية، الانتقال إلى الري بالتنقيط أو الرش، توسيع نطاق الري بالطاقة الشمسية، ادخال الكهرباء للآلات والمعدات الزراعية، تطوير التوليد البيئي -استخدام البيئة والهندسة لاستعادة وحماية النظام البيئي، توسيع الزراعية الغابية لتحسين الوظيفة البيئية، تحسين تخزين مياه التربة، زيادة إنتاجية التربة لتقليل الانبعاثات)،
4. ممارسات إنتاج المحاصيل الأخرى (التوسع في استخدام الممارسات الجديدة لإدارة الآفات، واستخدام أصناف المحاصيل المقاومة للجفاف، توسيع نطاق الزراعة ذات الحراثة المنخفضة لتقليل اضطراب التربة، التوسع في المحاصيل البينية لتحسين صحة التربة والحد من تفشي الآفات والأمراض وتحسين استخدام الأسمدة، توسيع استخدام دوران المحاصيل ، التوسع في استخدام اختبارات التربة، الحد من الإفراط في استخدام الأسمدة النيتروجينية، التوسع في استخدام اختبارات وتحسينات التربة، ادخال المحاصيل الأخرى الأكثر ملاءمة للتغيرات المناخية)،
5. خسائر ما بعد الحصاد والمعالجات (تحسين إدارة الخسائر في منتجات اللحوم والألبان، إدخال الميكنة في زراعة الأرز، تقليل خسائر المحاصيل بعد الحصاد في المزرعة من خلال تحسين التخزين والتعبئة، و الاستفادة من مخلفات المحاصيل، خاصة بدلاً من حرقها، لتقليل الانبعاثات ذات الصلة).
من خلال تجربة الحكومات وشركاء التنمية والقطاع الخاص وجدت الدراسة أنها نفذت مجموعة ذات أولوية مكونة من ثلاثة تدابير على نطاق واسع في كل بلد يمكن أن يخفف 45% من انبعاثات الكربون الناجمة عن أصحاب الحيازات الصغيرة. ومن أجل التكيف، يمكن لكل مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة أن يعتمد تدبيرًا واحدًا على الأقل للتكيف على مستوى المزرعة. ولكن نحو 75 في المائة يمكنهم اعتماد ثلاثة على الأقل – وكلما زاد عدد التدابير التي يتبنونها، زادت احتمالية تحقيق قدر أكبر من القدرة على التكيف مع تغير المناخ. وترى الدراسة أن العديد من التدابير لها فوائد في التكيف والتخفيف غير مباشرة مثل إدخال الري لزيادة الإنتاجية بالسماح بزراعة أرض أقل وبالتالي الاقتصاد في المساحات المزروعة ووصلت الدراسة الى نتيجة مفادها أن أولويات التكيف لدي صغار المزارعين تختلف حسب البلد بسبب التعرض المتنوع لمخاطر تغير المناخ ونوعية أنظمة الزراعة المستخدمة في المناطق المعرضة. فاستخدام أصناف البذور المقاومة للجفاف أكثر قابلية للتطبيق في الهند أو المكسيك منه في إثيوبيا. وكذلك أنظمة الثروة الحيوانية الرعوية تهيمن على المناطق المعرضة للجفاف في إثيوبيا بدلاً من إنتاج المحاصيل. كما يتعرض عدد أكبر من المزارعين في الهند لخطر واحد على الأقل، ويتعرض معظمهم لمخاطر متعددة، الأمر الذي يتطلب اعتماد تدابير تكيف متعددة. و يتعرض نحو 40% من المزارعين في إثيوبيا لخطر واحد على الأقل، ويواجه عدد قليل منهم مخاطر متعددة. ومع ذلك، من المرجح أن تزداد القدرة على الصمود لأي مزارع يتبنى تدابير متعددة، وبين تحليل الدراسة أن 75% من المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في هذه البلدان الثلاثة (الهند وأثيوبيا والمكسيك) والتي تشكل 40% من المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في العالم (حسب ما جاء في الدراسة) يمكنهم اعتماد ثلاثة تدابير ذات أولوية قصوى.
3. تجربة برنامج الخليج العربي للتنمية في صمود صغار المزارعين
مقارنة مع تجربة برنامج الخليج العربي للتنمية في بنوكه للشمول المالي هناك عدة آليات اعتمدت وطبقت في مجال صمود صغار المزارعين في كلا من السودان واليمن وموريتانيا وسيراليون ولكن بتركيز مختلف وحسب طبيعة المخاطر الزراعية في كل دولة وكذلك نوعية الأنظمة الزراعية ومشكلات التكيف، وهي كالتالي:
1. قنوات توزيع المنتجات ومعلومات السوق (تمويل التسويق، ومعلومات السوق، ومنافذ المنتجات)،
2. تمويل المنتجات المقاومة لتغير المناخ (المنتجات التي صممت خصيصا لتلبية الاحتياجات المحلية للتعامل مع تغير المناخ منتجات مثل الطاقة الشمسية لأغراض الري و أنظمة الإضاءة الميدانية، واسطوانات الطبخ الغاز في المناطق الريفية للحفاظ على الغطاء الغاباتي، التمويل الأصغر الأخضر، إنشاء وإعداد مجموعات الادخار على مستوى القرى و الاهتمام بممارسات ما بعد الحصاد كالتخزين والتغليف)،
3. تسهيلات تغير المناخ في مجال التمويل الأصغر يؤثر على العملاء على المدى الطويل (وتشمل منتجات الادخار للمساعدة في التكيف في المستقبل عبر الادخار الاختياري والاجباري للمساعدة في التكيف في المستقبل من المزارعين والرعاة لتغير المناخ، وإنشاء أو تعزيز قروض مجموعة الادخار القروية)،
4. الرقمنة ( لحصول المزارعين على الفور على أسعار البذور، ومعلومات حول اتجاهات الطقس، والوصول السريع وفي الوقت المناسب إلى التمويل بفضل المعلومات وغيرها من خدمات الهاتف المحمول الممكّنة)،
5. تحسين الإنتاجية (بتدابير التمويل الأصغر (تقديم مجموعة منتجات مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات التكيف مع المناخ المحلي والتخفيف من آثاره، مثل عروض لإجراء عمليات شراء مسبقة للمدخلات الزراعية، والبذور عالية الجودة والأسمدة والمبيدات الحشرية المقاومة للمناخ، وشراء مضخات المياه ومعدات الري البسيطة، قروض الطوارئ المناخية، ومنتجات القروض المجمعة ، وتقديم قروض غير مضمونة، وتمويل وسلاسل التوريد، و القروض الطارئة المتعلقة بالمناخ، والمشتريات المسبقة للمدخلات الزراعية ومضخات المياه)،
6. دمج التكيف من ممارسات التمويل الأصغر في مؤسسات البرنامج (تشمل مبادرات مرنة للمجتمعات الضعيفة المستبعدة الاستجابات السريعة والفعالة في القرارات الاستراتيجية والتشغيلية، دمج المخاطر المناخية وتقييمات وتوقعات الطقس المتطرف في التخطيط المؤسسي، واتخاذ القرارات التي تراعي الفوارق بين الجنسين، مما يجعل تلك البنوك قادرة على الاستجابة بشكل استباقي لتأثير تغيرات المناخ على صغار المزارعين)،
7. بناء قدرة المزارعين على التكيف مع تغير المناخ (كجزء من الاستدامة البيئية لخطة بناء قدرات العميل، يتم تنفيذ برامج التوعية والتدريب لبناء القدرات للتكيف مع تغير المناخ مثل الإدارة المالية، وسبل زيادة الإنتاجية الزراعية.
8. استخدام تكنولوجيا/منتجات ازالة المخاطر ( لحماية الدخل في حالة فشل المحاصيل بسبب كثرة هطول الأمطار أو قلة هطولها،و تدابير الحد من مخاطر الكوارث على تصميم مخططات تراعي المناخ مثل تزويد المحاصيل والماشية بأدوات مالية متطورة لمواجهة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ).
4. أوجه المقارنة:
يبدو أن هناك اتفاق وخلاف بين الدراسة وممارسات بنوك الشمول المالي لبرنامج الخليج العربي للتنمية. وبحسب طبيعة الدول ركزت الدراسة على نوعية ممارسات القطاعات الزراعية من أهمها ممارسات الإنتاج الحيواني والتدابير القائمة على الأرز ومنتجات اللحوم والالبان والميكنة الزراعية وتوسيع الزراعة الغابية ومعالجات خسائر ما بعد الحصاد. بعضا من هذه النشاطات تحتاج لتدخلات غير مصرفية وربما حكومية وشركاء تنمية وقطاع خاص ولا تصلح للبنوك. تجربة بنوك الابداع في الجانب الآخر كانت مركزة على آليات مصرفية تنموية وتسهيلات لمعالجة آثار تغير المناخ وتحسين الانتاجية ودمج التكيف في برامج البنوك والاهتمام بالرقمنة واستخدام تكنولوجيا/منتجات إزالة المخاطر على مستوى كبير. القضايا المناخية في دراسة ماكنزي و الخاصة بشفاء التربة من الآفات والأمراض، وتوسيع استخدام تناوب المحاصيل، و اختبارات التربة لتوجيه تطبيقات الأسمدة وزيادة ملاءمة الأراضي توسيع الزراعية الغابية و تحسين تخزين مياه الانتقال إلى الري بالتنقيط أو الرش وتحسين إدارة الخسائر في منتجات اللحوم والألبان، إدخال الميكنة في زراعة، كلها نشاطات جيدة ومفيدة ولكن يبدو أن طبيعة الاقتصادات الزراعية والمشكلات ونوع الممولين (الحكومات وشركاء التنمية والقطاع الخاص والمصارف المتخصصة) أثرتا على نوعية النشاطات وكذلك تركيزها في كلتا الحالتين. كما أن تكلفة بعض النشاطات تحدد الجهات التي يمكن أن تقوم بها. بالطبع هناك نشاطات قليلة مشتركه من أهمها تحسين التخزين والتعبئة، والطاقة الشمسية واستخدامات الأسمدة المحسنة وغيرها.
بينما أري أن برامج برنامج الخليج العربي ارتبط بالشمول المالي مع أخذ أهداف التنمية المستدامة ومشكلات صغار المزارعين في الحسبان، ويركز على استخدام تكنولوجيا/منتجات ازالة المخاطر. أتخذت دراسة (ما كينزي) منحي آخر يتعلق أكثر بقضايا مناحية متعلقة بالإنتاج الحيواني والزراعة المختلطة وزراعة الأرز. هذه النشاطات غير موجودة في الدول التي بها بنوك برنامج الخليج العربي للتنمية وكذلك بعضا منها ليس مجال تخصص بنوك الشمول المالي. النتيجة النهائية، كما ذكرت الدراسة، أن أولويات نشاطات التكيف لدى صغار المزارعين تختلف حسب البلد بسبب التعرض المتنوع لمخاطر تغير المناخ ونوعية أنظمة الزراعة المستخدمة في المناطق المعرضة للتأثير المناحي. ومهما يكن من أمر يمكن دمج النشاطات واضافة نشاطات أخرى ممارسة في دول أخرى للوصول لمصفوفة أوسع لأساليب التكيف يمكن أن تشكل اطارا عاما مقسم حسب نوعية المؤسسات الداعمة له، ويتم الأخذ منه حسب حاجة الدول وأوضاع قطاعاتها الزراعية ونوع التأثر بتغيرات المناخ. هذا الأمر محل دراسة من جانبنا.