بقلم د. سلطان الشريف، خبير في التنمية المستدامة، نقلاً عن صحيفة الاقتصادية السعودية، 21 مارس 2024
الأمن الوطني أو الأمن القومي يعد من أهم ركائز استدامة واستقرار الدول على مدى العصور والأزمان، ويلقى اهتماما بالغا من قيادات الدول على مستوى العالم، حيث يعد الرقم الأصعب في حل معادلة الاستدامة الشاملة للدول وبكل المقاييس، حيث لا قدرة على ارتقاء ونهوض الأمم إلا بدوام أمنها واستقرارها. وبفضل الله تتجه مساعي السعودية وفق رؤية 2030 إلى تحقيق مستهدفات الأمن الوطني، وهناك كثير من الخطوات التي تمت حيال ذلك خصوصا في الآونه الأخيرة.
وفي حين يغلب الانطباع العسكري (رغم أولويتة القصوى) على مفهوم الأمن الوطني، إلا أن أبعادا هي الأخرى تعد أيضا بالغة الأهمية لما لها من تأثيرات محلية وإقليمية وجيوسياسية، تتعلق بالمفهوم الأشمل لمعنى “استدامة الأمن” على الأفق الأوسع لمعنيي الكلمة الحرفي منها والمعنوي، وفق منطقة جغرافية محددة أو حدود دولة ما على خريطة العالم. وتشمل هذه المفاهيم الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية والأيديولوجية وغيرها، إضافة طبعا إلى البعد العسكري، بحيث يتأثر أمن الدول بهذه العوامل وبشكل مباشر أو غير مباشر، حيث ترتبط هذه الأبعاد ببعضها بعضا لإيجاد حلقة متسلسلة من الأحداث غير المرغوبة في أسوأ الحالات مثلا، كما في حال حدوث الكوارث الطبيعية، انتشار الأوبئة مثل كوفيد – 19، انقطاع أو شح سلاسل الإمداد أو الحروب وغيرها، بما لها من تأثيرات واضحة وجلية في مستويات الأمن في الأوطان. ولنا في الأزمة الأوكرانية كثير من الدروس على مستويات عدة، مثل التأثير في سلاسل الإمداد أو أزمات الطاقة المصاحبة لها في أوروبا على سبيل المثال.
ومن الأمثلة الأخرى ظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها العابرة للحدود، التي قد تتسبب في إرباك الدول والأقاليم وتسهم في الانقطاع المفاجئ لسلاسل الإمداد خصوصا لتلك الدول التي تعتمد بشكل مباشر على المنتجات الأجنبية في احتياجاتها الأساسية مثل مصادر الطاقة أو الأمن الغذائي والمائي أو الأدوية أو الصناعة أو الإيرادات والتصدير أو غيرها، بحيث قد تشل قدرة الدول على توفير الأمن على مستويات كثيرة منها على الأقل “الأمن النفسي” في مثل هذه الأزمات، ناهيك عن حدوث أزمات الحروب التي تتعمد بعض الدول خلالها شل قدرات الدول الأخرى أو مقايضتها لتوفير بعض السلع أو الإمدادات الأساسية مقابل تقديم تنازلات ربما تمس منظومة الأمن الوطني وتهز أركانه، بما يتسبب في عرقلة التنمية المستدامة وانعدام ثوابت الأمن، حتى الوصول أحيانا إلى المساس بمبادئ الأمن والأخلاق الأساسية لدى الشعوب في بعض الحالات.
ولذلك يجب علينا ألا ننظر فقط إلى الجانب “المخضر” عند التطرق إلى مفهوم الاستدامة، بل يجب النظر إلى المفهوم الأعمق الذي يرى أبعد من القشور خصوصا عندما يتعلق الأمر بديمومة الأمن الوطني من كل الجوانب، حيث الحاجة إلى إيجاد معادلة للاستدامة تتناغم مع مستهدفات الأمن الوطني لتكون نقطة تحقق أخرى لجميع الاستراتيجيات الوطنية سواء العسكرية أو المائية أو الغذائية أو السيبرانية أو الصناعية أو البيئية أو الفكرية وغيرها، وإدراج البعد الأمني فيها لضمان القدرة على الصمود لأكثر وقت ممكن دون الحاجة إلى الإعتماد على أي طرف خارج تلك المعادلة أو خارج حدود الوطن.
إن الحاجة ماسة إلى العمل على تعريف معنى الاستدامة الشامل والخاص بالسعودية، الذي يحقق المصالح الوطنية وضمان استدامتها، ولا سيما ما يتعلق بالأمن الوطني ومن ثم إيجاد “معادلة الاستدامة المتوازنة” الخاصة بنا، والبدء الفوري في وضع الحلول المتعلقة بها كمعادلة رياضية يجب الوصول إلى حلها وفق وقت زمني محدد على أرض الواقع، بحيث تكون هناك طبقة إضافية في سلسلة اعتماد الاستراتيجيات تكون ذات صبغة أمنية بحتة ومن زاوية مختلفة، في محاولة لرؤية ما بعد الأفق المرئي لتمكين الوصول إلى حالة “ما بعد الاستدامة”، وهي القدرة على التكيف ومواجهة التغيرات والمخاطر المفاجئة على كافة الأصعدة، والتقليل والمساهمة الآنية في انحسار التأثيرات السلبية المحتملة بسرعة، وقدرة وثبات وفاعلية متوازنة، والحصول على “الدرجة الكاملة” في حل تلك المعادلة.