تنوع محافظ التمويل الأصغر في المؤسسات والشركات

بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند 03 مايو 2024

في أي بيانات مالية لمؤسسات وشركات التمويل الأصغر هناك جانبي الموارد الاستخدامات ( التمويل/الإقراض) . ويتم إقراض العملاء من المحافظ التي تكونت للمؤسسات واستخداماتها في القطاعات المختلفة. الجانب الآخر من المسأله يتعلق بكفاية للموارد. نظرا لأن مؤسسات التمويل الأصغر لا تقبل ودائع من الجمهور مثل المصارف التجارية، و كثير منها يتم تصديقها كمؤسسات لا تقبل الودائع، والبعض يتم تصديقها كمؤسسات تقبل فقط ودائع العملاء التي لا تمثل نسب كبيره من إجمالي المحفظه.

هناك عدة مصادر داخلية وخارجية لتكوين محافظ في المؤسسات. وتوفر نسبة الالتزامات من الداخل والخارج لتمويل عمليات التمويل الأصغر. ولكن هناك حدود لهذه الموارد او المحافظ مرتبطة بنسبتها من رأس المال (نسبة الرفع) في المؤسسات. وفي كثير من الأحيان يحدد البنك المركزي نسبة الرفع لتشجيع المؤسسات لزيادة رؤوس أموالها إذا رغبت في التوسع في الاقتراض الداخلي والخارجي. بالإضافة إلى ذلك، أوضحت الدراسات أن حجم مؤسسات التمويل الأصغر وعدد المقترضين وإجمالي الأصول ونسبة الدين إلى حقوق الملكية لها تأثير سلبي على درجه تحمل الديون والحصول عليها، وكذلك السيطرة على الديون المعدومة. وفيما يتعلق بتأثير حجم المؤسسات على فرص الموارد، لدى مؤسسات التمويل الأصغر الأكبر حجمًا استراتيجيات تمويل مختلفة مقارنة بالمؤسسات الأصغر حجمًا. على العموم، هناك عدة مصادر لتكوين المحافظ الاقراضية في مؤسسات وشركات التمويل الأصغر وأهمها مايلي:

أولا: محافظ من القروض الأجنبية التي تتحصل عليها الدولة في قطاع التمويل الأصغر أو في بعض الدول يتم التعامل مباشرة بين المؤسسات المسجلة في البنك المركزي مع المانحين في الدين الخارجي (الاقتراض) لتمويل عملياتها. وتعتبر القروض المتعثرة في المؤسسات التي فات موعد استحقاقها وحجم رأس مال المؤسسة ومستويات الربحية وتصنيف المؤسسة من الجهات التصنيفية المعروفة عالميا وغيرها من العوامل أثر كبير في اتخاذ قرارات المانحين الأجانب في تمويل المؤسسات. وحسب الدراسات المؤسسات التمويل الأصغر التي تسعى إلى الربح ليست أكثر مهارة في جمع التمويل الخارجي من تلك التي لا تسعى إلى الربح. يأتي الدين الخارجي للمؤسسات من مصادر مختلفة، بما في ذلك القروض والالتزامات الأخرى. ولكن هناك مخاطر صرف العملات الأجنبي. عندما تقبل مؤسسات التمويل الأصغر القروض من المستثمرين الأجانب، فإنها غالبا ما تواجه التحدي المتمثل في التعامل مع مخاطر العملة بسبب التقلبات في أسعار الصرف، خاصة في الدول التي تنخفض فيها أسعار الصرف بصورة سريعة. وهذا يعني أن التغيرات في أسعار الصرف يمكن أن تؤثر على قيمة هذه القروض بالعملة الأجنبية عند السداد. . ولتعويض مخاطر أسعار الصرف يمكن لمؤسسات التمويل الأصغر الاحتفاظ بودائع بالعملات الأجنبية، أو مقايضات الدولار/ العملة المحلية، أو بتعديل أسعار الفائدة لتغطية الخسائر المحتملة (تمرير التكلفة الي العملاء)، الا أن هذه العملية يكون لها تأثير سلبي على العملاء حيث تزيد العبء على المستهدفين وربما تقلل من فرص المنافسة مع المؤسسات الأخري في السوق أو قد يحدها تحديد هامش التمويل الأصغر (أو المدى الذي ينبغي أن يتحرك فيه هذا الهامش) بواسطة البنك المركزي.

ثانيا: في حالة القروض بالعملة الأجنبية كما في بعض دول أفريقيا يمكن استخدام هذه العملة الأجنبية كضمانات وودائع للاقتراض بالعملة المحلية من المصارف التجارية و إقراض العملاء بنفس العملة. ونتيجة لمخاطر الاقتراض بالعملات الأجنبية مباشرة من الخارج وفي بعض الحالات النادرة ولتقليل مخاطر صرف العملات الأجنبية في التمويل الأصغر يقدم المستثمرون الدوليون بشكل متزايد تقديم القروض بالعملات المحلية.

والجدير بالذكر هنا مايسمي بالية مقايضة الديون بالعملة المحلية ، خاصة في مجال التمويل الأصغر المرتبط بالعمل المناخي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ، علما بأن الموازنات العامة في البلدان النامية تواجه ضغوطا كبيرة نتيجة ارتفاع الديون الخارجية وخدمة الدين مما يهدد بالإنفاق على العمل المناخي. و للتصدي لهذا التحدي، تم تطوير آلية مقايضة بعض الديون مقابل العمل المناخي/أهداف التنمية المستدامة في مشروعات تتبناها الحكومات مثل مشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية للمياه. هذه الممارسة في توفير مصادر للتمويل الأصغر أصبحت موضوعًا مهمًا في سياق التمويل والتنمية. ولكن لا تذهب مواردها لمؤسسات التمويل الأصغر بل تستغل في المشروعات الكبيرة.

ثالثا: تمثل ادخارات العملاء مصدرا من مصادر التمويل وتكوين المحافظ، إلا أن هذا الأمر يعيقه سياسات البنوك المركزية التي لا تسمح إلا بنسبة لا تزيد عن 75% من هذه المدخرات لغياب آليات ضمان ودائع عملاء التمويل الأصغر. كما أن هذا المصدر لا يتوفر للمؤسسات التي لا تقبل الودائع.

رابعا: العوائد المحصلة من التمويلات المصفاة. وهذه عبارة عن اعادة التمويل من المحافظ الحالية المملوكة لمؤسسات أو في بعض الحالات بالاتفاق مع المصارف التجارية لاعادة التمويل بعد انتهاء أجل التمويل الحالي. عموما لا تمثل هذه المحافظ نسبة كبيرة من إجمالي المحفظة التمويلية.

خامسا: استغلال جزء من رأس المال ويتم ذلك في حدود ضيقة لضمان عدم تآكل رأس المال. ولا يعتمد كثيرا على هذا المصدر في التمويل ألا في الحالات النادرة التي فيها أزمات مالية بسبب الحروب وعدم الاستقرار وغيرها.

سادسا: تكوين محافظ تمويلية مشتركة من المصارف والبنك المركزي. في بعض الأحيان تقوم البنوك المركزي بتسخير محافظ تمويلية، خاصة إذا كان القطاع نامي ويرغب البنك المركزي في تشجيعه. وفي السودان يتم تكوين محافظ من موارد المصارف لخدمة أغراض محددة في قطاعات محددة كالقطاع الزراعي أو لتمويل الخريجين يشترك فيها البنك المركزي بنسبة معقولة تشجيعا لقيام هذه المحافظ، وتدار بمجلس ادارة من هذه البنوك ويتم التمويل عبر مايسمي البنك أو البنوك الرائده وربما يشمل التمويل أيضا مؤسسات التمويل الأصغر كأزرع تمويلية لهذه الموارد. قام السودان بتجارب عديدة لوضع لبنات واسس لانشاء محافظ مشتركة بنجاح باهر.

سابعا: المحافظ التمويلية من المصارف التجارية. تقوم المصارف المركزية بتسخير بعض الموارد لتقدم تمويل مباشرة لمؤسسات التمويل الأصغر. ويمثل هذا المصدر جزءا مقدرا من إجمالي المحفظة في الدول التي فيها تطور واضح في قطاع التمويل الأصغر كالسودان. ألا أنه من الواضح أن في كثير من الدول في المنطقة العربية والأفريقية ضعف في موارد المصارف لغياب تأثير سياسات البنك المركزي على المصارف الاهتمام بالتمويل الأصغر، ولرؤية المصارف بأن مؤسسات التمويل الأصغر منافس وليس لها مكمل لها في التمويل على المستوى القاعدي وكذلك تركيز المصارف التجارية على تمويل الشركات الكبرى المربح المضمون.

ثامنا: موارد البنك المركزي. في بعض الحالات يسخر البنك المركزي بعض الموارد الذاتية لتمويل مؤسسات التمويل الأصغر. ويمكن أن يتم التمويل من من قروض خارجية يحتفظ بها البنك المركزي بالعملة الاجنبية لتمويل الاحتياجات الأساسية في الدولة من الاستيراد، ويقدم التمويل للمؤسسات والشركات العاملة المسجلة بمقابلها بالعملة المحلية بأي صيغة مناسبة بين الطرفين تعمل على تقاسم الأرباح في حالة النظام الاسلامي أو بأسعار فائدة تشجيعية في حالة النظام التقليدي. هذه الممارسة في كثير من الدول العربية كالعراق والسودان

تاسعا: التبرعات. تعتبر حقوق الملكية المتبرع من الخيرين بها مكونًا آخر من مكونات هيكل رأس مال مؤسسات التمويل الأصغر. ويمكن أن تأتي التبرعات من المنظمات الخيرية أو الحكومات أو أصحاب المصلحة الآخرين.

عاشرا: اعادة استثمار الأرباح: هذه الممارسة مشتركة في كل المؤسسات. قيام مؤسسة التمويل الأصغر بتوزيع الأرباح على المساهمين أو إعادة استثمارها يؤثر على هيكل رأس مالها وعلى حجم التمويل. وفي بعض المؤسسات يتم تجنيب جزء يسير من الأرباح كمحافظ للتمويل الأصغر بدلا عن توزيعها. كما يقوم بعض الخيرين من أعضاء مجالس الادارات بتخصيص جزء من مواردهم الذاتية كمحافظ للمؤسسات لفترة زمنية قد تطول أو تقصر.

باختصار، تحتاج مؤسسات التمويل الأصغر إلى الوصول إلى مصادر التمويل الداخلية والخارجية بشكل كبير لغياب أو ضعف قيمة الودائع من المستهدفين. ألا في بعض الحالات النادرة كما في التجربة الأثيوبية التي تعتمد على ودائع العملاء بنسبة لا تقل عن 70% في محافظها التمويلية في غياب سوق التمويلات بالجملة الداخلي مع وجود برنامج واحد حكومي لتمويل المؤسسات عبر بنك التنمية الأثيوبي ممول من الحكومة ومنظمة ( إيفاد) لثلاثة دورات حتي الأن. وعلى وجه العموم وعلى الرغم من أن سوق التمويل للمؤسسات في العالم في تنامي وكذلك آليات الوصول اليه، الا انه ينبغي للسلطات الرقابية أن تعمل على زيادة الإشراف على مؤسسات التمويل الأصغر ذات رأس المال المتواضع ومراقبة نسبة الديون لرأس المال من أجل ضمان التشغيل المستقر والمستدام وأن تشجع المؤسسات على قبول ودائع العملاء لتكوين محافظ داخلية وتشجيع البنوك المحلية بالتعاون والشراكات مع المؤسسات للوصول للمناطق الجغرافية النائية وتحقيق عائد من بعض محافظها التمويلية عبر مؤسسات وشركات التمويل الأصغر مع توفير فرص المحافظ لهذه المؤسسات وتوفير التمويل للمؤسسات من مصادر البنوك المركزية للقطاعات والمناطق الجغرافية ذات الأولوية في التمويل الأصغر.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …