بقلم الدكتور أحمد الطلحي
تنفرد شبكة بيئة أبوظبي بنشر محتوى كتاب “السلوقية أولاً” لخبير البيئة والتنمية والعمارة الدكتور أحمد الطلحي، بشكل أسبوعي 04 مايو 2024
أنشطة “تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء بطنجة، السلوقية أولا”
لم تستمر “تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء بطنجة، السلوقية أولا” في نشاطها الفعلي إلا زهاء خمسة أشهر، من تأسيسها في 21 فبراير 2012 إلى تأسيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة في 17 غشت 2012. إذ غطت أنشطة المرصد على أنشطتها تماما، وذلك لكون النواة الصلبة للتنسيقية هي نفسها تقريبا النواة الصلبة للمرصد.
وعلى العموم، يمكن الحكم بأن أنشطة التنسيقية كانت محدودة بسبب تأسيس المرصد، من جهة، ومن جهة ثانية بسبب الزخم الكبير الذي كان لقضية السلوقية ورفع السقف عاليا، فلم تستطع لا التنسيقية ولا غيرها أن تعالج قضية محلية ما بمثل الزخم والروح والنشاط الذي تمت بهم معالجة قضية السلوقية.
وخلال هذه الفترة القصيرة طبعا، لم يكن ممكنا أن تتخذ التنسيقية مقرا مستقلا لها، ولكن استمرت في عقد اجتماعاتها في مقرات الهيئات العضوة في التنسيقية، ولكن بشكل أكثر في مقر تكتل جمعيات طنجة الكبرى وفي مقر حزب العدالة والتنمية برأس المصلى.
1- التحاقي بسكرتارية التنسيقية:
بعد 14 مارس 2012 أعلن عدد من أعضاء سكرتارية التنسيقية انسحابهم، بسبب كثرة المهام، مثل السيد محمد السندي -رحمه الله-(1) الذي تعذر عليه الاستمرار في العضوية بسبب مهامه النقابية ككاتب إقليمي للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (سيصبح كاتبا جهويا وعضوا للمكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب فيما بعد)، أو لأسباب سياسية أو شخصية… كما تم إلحاق عدد من الأعضاء وكنت واحدا منهم، ولم أكن أمثل أية هيئة في ذلك الوقت وإنما كنت عضوا مستقلا كخبير.
وقبل ذلك، كنت أتابع قضية السلوقية مع الدكتور محمد نجيب بوليف الذي كان وزيرا للشؤون العامة والحكامة آنذاك، وهو من اقترح اسمي على أعضاء السكرتارية للانضمام إليها. حيث اتصل بي المنسق السيد علال القندوسي هاتفيا وطلب مني أن ألتحق باجتماع للتنسيقية كان في مقر حزب العدالة والتنمية برأس المصلى. للأسف لا أذكر تاريخ ذلك اليوم الممطر الذي زرت فيه هذا المقر لأول مرة، بعدما ذهبت بالخطأ إلى مقر الحزب في شارع فاس.
أذكر أنني في ذلك اليوم دخلت هذا المقر الذي كان يعج بالحيوية والنشاط، وسألت عن القاعة التي تجتمع فيها سكرتارية التنسيقية، فدلوني على غرفة الاستقبالات التي توجد في الطابق العلوي. استقبلني السيد علال القندوسي في باب الغرفة، وبما أنني وصلت متأخرا وكان الاجتماع قد بدأ من قبل، اكتفى السي علال بتقديمي للحاضرين بسرعة، ثم جلست في أحد أركان الغرفة. كان هذا أول لقاء لي بالسي علال القندوسي الذي أصبح وإلى اليوم من أعز أصدقائي برغم فارق السن الذين بيني وبينه.
السي علال القندوسي في ذلك الوقت كان ولا يزال متفرغا للعمل الجمعوي بعد تقاعده، بل إنه يعد من أيقونات العمل الجمعوي في مدينة طنجة، كان منسقا لتكتل جمعيات طنجة الكبرى ويرأس عددا من الجمعيات. وقبل ذلك كان أحد قيادات الاتحاد المغربي للشغل، إذ كان ممثلا لمأجوري قطاع الملاحة البحرية، وهو في الأصل قبطان في الملاحة البحرية التجارية.
لم أكن أعرف من الحاضرين في هذا الاجتماع سوى شخصين فقط، كنت أعرفهما من قبل، وشاركت معهما في عدة أنشطة جمعوية، يتعلق الأمر بكل من السيد محمد المنصور رئيس رابطة حماية المستهلكين، والسيد سعيد شكري رئيس فرع طنجة لجمعية مدرسي علوم الحياة والأرض. وكان يجلس بجانبي شخص لما سألته عن اسمه عرفت بأنه الأستاذ عبد السلام الشعباوي قيدوم الصحافيين بطنجة، وأخبرته بأنني كنت في صغري متابعا لمقالاته الشيقة في جريدة العلم. أما باقي الأعضاء الحاضرين فكانت هذه أول معرفة لي بهم، ولم تكن الأخيرة، بحيث باستثناء شخصين فقط، اشتركت مع الجميع في مسيرة نضالية لسنوات، سواء في التنسيقية أو في مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة أو في تكتل جمعيات طنجة الكبرى(2) ولا زالت لي علاقة صداقة قوية مع عدد منهم، حتى بعدما تفرقت بنا السبل.
2- قضية مطعم الغندوري:
أول قضية ستواجهها التنسيقية بعد قضية السلوقية هي قضية بناء مطعم في منطقة خضراء
بشاطئ الغندوري، حيث طرحت هذه القضية في اجتماع للتنسيقية يوم 6 أبريل 2012، وتم إصدار بيان في الموضوع يوم 10 أبريل، أهم ما جاء فيه:
“.. المنطقة الخضراء بشاطئ الغندوري التي أصبحت بدورها عرضة لمخاطر التدمير والاجتثاث. وذلك بالرغم من أن المنطقة جهزت في وقت سابق كمساحة خضراء وحيدة ناجية من المصير المحزن الذي عرفته الواجهة البحرية للغندوري حيث تم اجتثاث الغابة وإتلاف الآثار التاريخية فاسحة المجال لمشاريع عقارية لا تعير الاهتمام إلا لرقم معاملاتها وأرباحها، في ظل تواطئ واضح للمصالح الولائية المختصة.. تعبر تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء بطنجة، السلوقية أولا عن قلقها الكبير لاستمرار مسلسل العبث والمغامرة الذي يضرب عرض الحائط التوجه العام للبلاد القاضي بضرورة احترام إرادة السكان وبضرورة التقيد بالتزامات الدولة وعلى رأسها تلك المتعلقة باحترام البيئة ورعايتها. كما تعبر عن رفضها لكل مساس بالمنطقة الخضراء بشاطئ الغندوري خاصة وأن محاذاتها لخط الشاطئ يجعلها منطقة غير قابلة للبناء بقوة القانون”(3).
وبمجرد ما انتشر خبر بدء الآليات في تجريف هذا الفضاء الأخضر انتقل أعضاء من التنسيقية إلى مكان الواقعة، وكنت من ضمنهم، كان ذلك مساء يوم 12 أبريل 2012، وقمنا بأخذ الصور وجمع المعلومات الميدانية. لكن، وللأسف لم تفلح تحركات التنسيقية في إيقاف هذ الاعتداء على المجال البيئي بفضاءيه: الفضاء الأخضر والشاطئ.
3- تنظيم مائدة مستديرة حول الوضع البيئي بطنجة:
ثاني نشاط للتنسيقية من حيث الأهمية هو تنظيم مائدة مستديرة تحت عنوان “الوضع البيئي بطنجة، السلوقية نموذجا”، بمناسبة الذكرى الثانية لإعلان الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، وذلك صباح يوم 21 أبريل 2012 بقاعة الندوات بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بطنجة. وهو أيضا أول وأهم نشاط إشعاعي قامت به التنسيقية.
ولقد ساهم عدد من أعضاء سكرتارية التنسيقية في تنشيط هذه المائدة المستديرة، كما ألقي عرض مهم فيها من قبل الأستاذ عبد المالك بنعبيد –رحمه الله-(4)، تحت عنوان “المجال الغابوي بطنجة: المؤهلات والمشاكل والحلول المقترحة”.
خلال الحوار الذي ساد بعد المحاضرة ومداخلات أعضاء سكرتارية التنسيقية، طالب بعض مثقفي المدينة الذين حضروا لمتابعة أشغال المائدة المستديرة باهتمام المرصد الذي تنوي التنسيقية تأسيسه بالتراث الثقافي للمدينة إلى جانب الدفاع عن القضايا البيئية، لأنه لا وجود في ذلك الوقت لأية مبادرة مشابهة للتنسيقية في المجال الثقافي عموما والدفاع عن المآثر التاريخية خصوصا. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن قيادات التنسيقية بدأت تدرس إمكانية تأسيس مرصد لحماية البيئة في اجتماعاتها قبل هذا النشاط، وسيأتي تفصيل ذلك في المبحث الموالي.
وتم في نهاية أشغال المائدة المستديرة التوصل للتوصيات التالية:
“1- الدعوة إلى ترتيب الغابات والمناطق الخضراء بطنجة كمحميات وطنية، وكذا الاستفادة والعمل بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمحميات الطبيعية العابرة للقارات
2- دعوة الحكومة إلى تفعيل القوانين المرتبطة بالبيئة عبر إصدار المراسيم التطبيقية ذات الصلة
3 – الدعوة إلى وضع حد للهشاشة المتعلقة بالوضعية القانونية للأراضي الغابوية وذلك بتفويتها إلى مصلحة المياه والغابات
4 – دعوة المجتمع المدني إلى المزيد من التعبئة للاهتمام بالشأن البيئي، وابتداع وسائل مبتكرة لحماية البيئة
5 – دعوة السلطات العمومية والمنتخبين إلى تحمل مسؤولياتهم للتردي الحاصل في الوضع البيئي بطنجة وفي مقدمتها المؤامرات التي تحاك لتدمير الغابات، وكذا الترامي على المناطق الخضراء داخل المدينة لما يشكله ذلك من تحد سافر للدستور وللقانون ولإرادة الساكنة
6 – دعوة الجهات المختصة لتحريك دعاوي قضائية في ملفات جرائم البيئة، والمطالبة بالتحكيم الملكي في حالة استمرار اللامبالاة واللامسؤولية اتجاه البيئة والمحميات الطبيعية والغابات والمناطق الخضراء
7 – دعوة التنسيقية إلى إحداث هيئة مستقلة ودائمة، مرصد يعنى بالمسألة البيئية والثقافية بطنجة”(5).
هوامش:
(1) توفي رحمه الله يوم 4 يناير 2021 متأثرا بوباء كورونا
(2) تغير اسم تكتل جمعيات طنجة الكبرى منذ 18 غشت 2018 وأصبح التكتل الجمعوي بطنجة الكبرى، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت عضوا في مكتبه التنفيذي منسقا لمجموعة العمل “التغيرات المناخية والتنمية المستدامة”
(3) انظر الملحق 13 في الكتاب
(4) عبد المالك بنعبيد كان أستاذا بالمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين بسلا وهو أحد كبار المختصين المغاربة في علم النبات وعلم البيئة النباتية، توفي رحمه الله يوم 15 يوليوز 2016
(5) الملحق 14 في الكتاب