الروابط بين مؤسسات التمويل الأصغر والبنوك في أفريقيا

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم،كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند، 12 مايو 2024

هناك بعض الأدلة في أفريقيا على أن مؤسسات التمويل الأصغر، التي تشارك في تعبئة المدخرات بشكل كبير لتكوين محافظها وتمديد الائتمان لعملائها، كان أداءها المالي أفضل من تلك المتخصصة في الإقراض فقط بدون ودائع للعملاء. ولكن ودائع العملاء على الرغم من أنها ودائع رخيصة (ليس عليها تبعات مالية للمؤسسات كالقروض)، إلا أنها غير مستدامة ولا تقدم خبرة للمؤسسات للتعامل مع أسواق التمويل بالجملة التجارية والذي نعتبره السوق الأهم في مستقبل هذه المؤسسات إذا كانت ترغب في التوسع والاستدامة. وهنا تأتي أهمية الترابط بين البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر.

كثير من البنوك الأفريقية تعتبر مؤسسات التمويل الأصغر منافسة لها ولذلك لا تتعامل معها في تقديم خطوط ائتمان. وهذا ما أوضحه لي نائب محافظ البنك المركزي في سيراليون عندما تحدثت له عن ضرورة إنشاء سوق للتمويل بالجملة بين المصارف والمؤسسات القائمة في هذا الدولة . هذه الممارسة غير جيدة في الدول التي بها ضعف في عمل المصارف وفي حجم تمويلها مثل سيراليون لا تعمل على تطوير المؤسسات وسد الثغرات في عملاء التمويل الذي لا يمكن أن تعمل فيه البنوك خاصة في الريف لأن هذه البنوك تشارك مؤسسات التمويل الأصغر في نفس السوق بتمويل نفس العملاء الصغار. وعلى العكس توفر الروابط بين مؤسسات التمويل الأصغر والبنوك منصة لتعزيز الروابط بين القطاعين الرسمي وغير الرسمي للاقتصاد. لأن أصحاب المشاريع الصغيرة مع عدم وجود تاريخ ائتماني لهم عادة يتم استبعادهم من ائتمان البنوك التجارية ولكنهم يشكلون قطاع أعمال مربحًا لمؤسسات التمويل الأصغر. ويمكن لصغار رجال الأعمال أن يتخرجوا في نهاية المطاف من القروض الصغيرة إلى القروض المصرفية التقليدية مستقبلا اذا قامت البنوك بمساعدة المؤسسات للوصول لهذا الهدف.

تعمل مؤسسات التمويل الأصغر والبنوك التجارية معًا في تقديم الخدمات المالية. وهنالك قدر ضئيل من التعاون الناجح في عدد من البلدان الأفريقية بينها لتوسيع نطاق انتشارها وتحقيق وفورات الحجم الكبير. مشاركة شبكة فروع المؤسسات يُنظر إليه على أنه أداة فعالة في خدمة قاعدة عملاء أكبر مع احتواء التكاليف. وفي تجربتنا في أفريقيا وجدنا نموذجين للتعاون بين البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر ويشير النموذج الأول في التجربة الأفريقية إلى جانب ضئيل من التعاون حيث أنشأت قنوات قابلة للحياة لـضخ رأس المال من بنوك القطاع الرسمي (والجهات المانحة والحكومات). ونتيجة لذلك، تطورت علاقات مؤسسات التمويل الأصغر التي تقبل الودائع، ومؤسسات التمويل الأصغر التي تعتمد على الائتمان فقط مع البنوك التجارية وغيرها من المؤسسات المالية غير المصرفية. ومع تزايد الروابط بين البنوك التجارية ومؤسسات التمويل الأصغر تحسنت عملية تعزيز التعميق المالي، بزيادة فعالية مؤسسات التمويل الأصغر في الوصول إلى الخدمات المالية من البنوك والتي تسهل إدارة السيولة، بينما تقوم البنوك بتوسيع عملائها القاعدة من خلال العمل مع مؤسسات التمويل الأصغر. وفي هذا النموذج في كثير من الدول الأفريقيه تقوم البنوك التجارية عادة بإدارة حسابات ودائع مؤسسات التمويل الأصغر وتجني مؤسسات التمويل الأصغر الفوائد باعتبار واحدا من عملاء هذه البنوك التجارية – مودعين ومقترضين – بعد أن تزود المصارف المؤسسات بخطوط ائتمان طارئة لتغطية العجز النقدي، وبالتالي تقليل المخاطر المرتبطة بالتدفقات النقدية غير المنتظمة. كما تقوم أيضا بتقديم التسهيلات الائتمانية الممتدة للسماح لمؤسسات التمويل الأصغر بتوسيع خدماتها. ولكن البنوك لا زالت حذرة في توسيع خطوط الائتمان هذه، نظرا للمخاطر التي قد تمتد إليها إذا فشلت مؤسسات التمويل الأصغر. ومهما يكن من أمر فإن ارتباط مؤسسات التمويل الأصغر بالبنوك، قام بتوفير الأموال القابلة للإقراض لمن كانوا يعانون من نقص الخدمات في السابق وقد أحدث ذلك زيادة في عدد صغار المقترضين الذين يمكنهم الحصول على الائتمان. وجادل البعض بأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة المنافسة بين البنوك والمؤسسات بسبب شروط أفضل في قروض صغار المقترضين من المؤسسات مقارنة بالبنوك. ولكن هذا الأمر غير وارد.

التجربة السودانية في تخصيص نسبة 12% من محافظ المصارف للتمويل الأصغر عبر التمويل المباشر من فروع المصارف أو الاشتراك في محافظ التمويل المشتركة بين المصارف أو تقديم التمويل بالجملة للمؤسسات بتقاسم الأرباح بينهما بنظام المضاربة المقدية غير مسبوقة على الاطلاق. وبترديد اقتراحنا للسلطات النقدية بأثيوبيا في استخدام هذا النموذج الجيد لبناء قاعدة متينة للتمويل بالجملة للمؤسسات من المصارف، بدأت هذه السلطات تفكر في هذا الأمر وتقوم الان بصياغته. للأسف الدول العربية وبقية الدول الأفريقية لم تقم بتوطيد العلاقة بين البنوك والمؤسسات ولا زالت تعمل في جزر منعزلة ولا تقدم المصارف اسهامات مجتمعية عبر هذه الألية. ويبدو أن الروابط بين مؤسسات التمويل الأصغر والنظام المصرفي في أفريقيا غير متبادل المنافع لحد كبير في غياب أسواق التمويل بالجملة من المصارف للمؤسسات. رؤيتنا أن البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر تكمل بعضها البعض بشكل جيد لأنها تعمل على خدمة قواعد عملاء مختلفين إلى حد كبير. البنوك تقرض وتجمع الودائع في الغالب من الأفراد ورجال الأعمال في القطاع الخاص الرسمي ، في حين تخدم مؤسسات التمويل الأصغر الفقراء والريف الأسر وأصحاب المشاريع الصغيرة في القطاع الصغير غير الرسمي، مما يعني أنها تتكامل مع بعضها البعض لتوسيع قاعدة الشمول المالي.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …