نموذج أعمال التمويل الأصغر الصحيح، هل يعني ديمومة الدعم وتواضع الأرباح وغياب الاستدامه؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم ابراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند، 17 مايو 2024

يمثل نموذج أعمال التمويل الأصغر ذي الجانبين الاقتصادي والاجتماعي تحديًا للنظام المصرفي ومنظمي القطاع المصرفي، وذلك لاختلاف خصائصة وطريقة عمله وشروط نجاحه وسياساته مقارنة بالعمل المصرفي التقليدي. الحاجة لإدخال التمويل الأصغر في النظام المصرفي ترجع لاهمية عدم إغفال الشرائح غير المشمولة بالخدمات المصرفية ( شرائح التمويل الأصغر) . إذا كانت الإجراءات والسياسات التنظيمية والمنتجات المصرفية التقليدية كافية لتحقيق نجاح في قطاع التمويل الأصغر لهذه الشرائح لدخلت هذه الشرائح في العمل المالي ولذلك لن تكون هناك حاجة لإدخال التمويل الأصغر في النظام المصرفي في الأساس، ولن يكون هناك حاجة أيضا لنظرية وممارسة في التمويل الأصغر وتخصص دقيق يساهم في الاستفادة منه بصورة فاعلة ومستدامة .

العقلية المصرفية التقليدية لن تتمكن من ادارة التمويل الأصغر بنجاح الا اذا اعادت النظر في خصائصه وسبل نجاحه، لأنه يحتاج خصائص مختلفة عن خصائص العمل المصرفي أهمها أن يكون للمارسين فيه عقل ذكي ومتفتح ومرن لتقبل التغيرات والعمل في ظروف الشدة، مع قلب نبيل يعي ويتعاطف مع متطلبات الزبائن ويسعى لتحقيقها بشكل لا يقبل التهاون في المبدأ الأساسي، في آن واحد. ولا زال غالبية المصرفيون، ولسوء الحظ، يرون في التمويل الأصغر أداة اجتماعية مدعومة وليست مصرفية مربحة، ولذلك يرفضون خلطة بالعمل المصرفي التقليدي في المؤسسات التشريعية والتمويلية . مع العلم بأن جل التجارب العالمية اعترفت بالتمويل الأصغر كعمل مصرفي مربح ذي أبعاد اجتماعية وخصائص فريدة ويستهدف فئات محددة بصورة تجارية وهذه الفئات لم تكن في الماضي مشمولة ماليا. ولذلك ضمته لتشريعات البنك المركزي لضمان مراقبته واستدامته كوجهة تمويلية مربحة للشركاء فيه بخصائص فريدة تكمل عمل المصارف التقليدية التي تمول شرائح محددة وتعمل على تحقيق الأرباح التجارية في الأساس ولن تستطع بهيكلها الحالي المتمركز في المدن للوصول لهذه الشرائح الموجودة أغلبها في الأرياف البعيدة.

الذين يرفضون انضمام التمويل الأصغر للعمل المصرفي المربح ينتمون للمدرسة الفكرية مدرسة الرفاهية و الرعوية أو نهج الرعاية الاجتماعية الذي يدعو للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الفقراء المستفيدين من أجل رفاهيتهم بغض النظر عمن يتحمل تكلفة هذه الخدمة. بينما المدرسة التي ندعو لها هي مدرسة المؤسساتيين التي تحقق تحقيق الانتشار والربحية معًا وتعمل بصورة تجارية وسط شرائح قادرين على تسديد التزاماتهم المالية. الذين لا زالوا يفكرون حسب المدرسة الرعوية يحتاجون لاعادة النظر في هذا التفكير على هدي ممارساته الصحيحة اليوم في العالم والتخلي عن نظرتهم التي انحصرت في الفهم القديم للتمويل الأصغر والذي عفا عنه الزمن. علما بأن التمويل الأصغر ظل ينمو في ممارساته وأفكاره بشكل متصاعد ليتجه بعيدا عن السوق المدعومة للسوق التجارية على أسس تنظيمية وربحية كالمصارف ولكن بطريقة مختلفة. تم تصميم مؤسسات التمويل الأصغر اليوم لتلبية احتياجات الأفراد الذين لا يحصلون على خدمات كافية من البنوك التجارية التقليدية. وعلى الرغم من التحديات التي واجهها ، فقد تمكن التمويل الأصغر من الوصول إلى قاعدة واسعة من العملاء عالميا. وقد ألهم هذا النجاح ظهور مبادرات الأعمال الاجتماعية في مختلف القطاعات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة مثل الطاقة والصحة والتعليم والبيئة.

التمويل الأصغر لمن لا يعرفونه بشكل صحيح ودقيق ليس منًه أو منحه بل هو مخصص للذين يدفعون قيمته السوقية، لأنه مخصص للفقراء النشطين اقتصاديا وليس للفقراء المعدمين الذين يتلقون الإعانات والزكاة. كما أن وجود بعض الإعانات المحسوبة لبعض مؤسسات التمويل الأصغر التجارية خاصة الناشئة منها لا يشير إلى فشل تسويق التمويل الأصغر تجاريًا، أو أنه ينبغي للمستثمرين الأفراد التخلي عنه لعدم جدواه تجاريا. دعم التمويل الأصغر (إن وجد) هو أمر انتقالي، وينبغي أن تلعب الإعانات دورا في مساعدة المؤسسات على البدء، ولكن وينبغي التخلص التدريجي منها في غضون سنوات قليلة، مما يسمح للسوق غير المدعومة بتولي المسؤولية لخلق مؤسسات مستدامة ومعتمدة على السوق وزبائن يتحملون تكلفة الخدمات المالية حسب مايمليه عليهم سوق التمويل. ويتم الاستثناء من ذلك بالنسبة للإعانات الحكومية الموجهة إلى المؤسسات التي تخدم الفئات الأشد فقرا والأكثر تكلفة. رؤيتنا أن الدعم مفيد في البداية ولكنه ينبغي أن يكون محدودا ويتناقص بطبيعة الحال مع مرور الوقت. ويكمن التحدي الرئيسي في التناقض المستمر بين الإعانات والتسويق التجاري للتمويل الأصغر، والذي يعارض بشكل عام استمرار استخدام الإعانات في التمويل الأصغر، والممارسات الفعلية الملحوظة في هذا المجال. غرض وأنماط الدعم أمر بالغ الأهمية لضمان الاستخدام الأمثل له. واذا كانت الاعانات لا تستخدم بالطريقة الأكثر فعالية فينبغي النظر في طريقة استخدامها وليس في الإعانات كمبدأ. مع العلم بأن مؤسسات التمويل الأصغر استخدمت الدعم، إلا أن كثير منها لم يستخدم أي دعم على الإطلاق. وتشير الدراسات أن أنه حتى الفوائد المتواضعة للمؤسسات التمويلية المرتبطة بعلو تكلفة التمويل الأصغر مقارنة بالتمويل المصرفي التقليدي جلبت بعض الأرباح للمؤسسات. ومع ذلك، فمن المهم الإشارة إلى أن النتيجة غير المتوقعة وهي أن المؤسسات التي تلقت إعانات مالية كبيرة، هي التي تخدم عملاء بصورة تجارية وهي أكثر المؤسسات التي تعمل من أجل تحقيق الأرباح التجاريةً، بينما يحصل عملاء المنظمات غير الحكومية، التي تخدم في المقام الأول العملاء الأكثر فقرا وشريحة النساء، على إعانات مالية أقل بكثير من المؤسسات التجارية.

خلاصة القول أن نموذج أعمال التمويل الأصغر الصحيح لا يعني ديمومة الدعم ولا يعني ضرورة الدعم إلا في حالات نادرة، ولا يعني عدم البحث عن الطرق والآليات للوصول للأرباح التجارية، أسوة بالمصارف، لأن المبدأ في التمويل الأصغر لا ينفصل عن تحقيق الأرباح ولذلك سمي بالتمويل أو الإقراض مما يعني وجود هوامش أرباح أسوة بمثيله الذي يعمل على تمويل الشركات الكبيرة المستهدفة تحقيق الأرباح بشكل أساسي.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …