بقلم الدكتور أحمد الطلحي
تنفرد شبكة بيئة أبوظبي بنشر محتوى كتاب “السلوقية أولاً” لخبير البيئة والتنمية والعمارة الدكتور أحمد الطلحي، بشكل أسبوعي 18 مايو 2024
تأسيس مرصد حماية البيئة والمناطق الخضراء بطنجة
بعد حسم معركة السلوقية، طرحت وبحدة من أغلب قيادات التنسيقية مسألة مأسسة التنسيقية، وذلك لضمان استمرارية اليقظة ورصد التهديدات والمخاطر التي يمكن أن تحدث لغابات المدينة ومناطقها الخضراء وباقي مؤهلاتها البيئية من جهة، ومن جهة ثانية للحفاظ على هذا التكتل النوعي أي التنسيقية الذي حصل حول قضية بيئية، وهو تكتل نوعي لأنه ضم في عضويته الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والحقوقية والجمعوية وبعض الخبراء، وهذا الخليط البشري نادرا ما يلتقي ويعمل بشكل جماعي.
وكان هناك رأيان داخل التنسيقية: رأي كان يقول بالحفاظ على نفس الاسم بحيث يتم فقط إضفاء الشرعية القانونية لكيان قائم، وبالتالي الحفاظ على الإشعاع الذي حققته التنسيقية.
ورأي آخر، كان من اقتراحي، وهو الحفاظ على التنسيقية كأداة احتجاجية ضد كل التجاوزات البيئية، وبجانبها يتم تأسيس هيئة جديدة في إطار قانون الحريات العامة يمكنها الاستفادة مما يخوله القانون من امتيازات للجمعيات، مع إمكانية الاستفادة من شراكات والانضمام إلى شبكات سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، وأن تحمل هذه الهيئة اسم “مرصد”، وهنا لا بد من الحديث عن قصتي مع المراصد.
المكتب التنفيذي الأول للمرصد، د. الطلحي ثاني واقفاً على اليمين في الصورة
1- قصتي مع المراصد:
كنت دائما شغوفا بعملية الرصد البيئي ربما يرجع ذلك لطبيعة تخصصي في علم الجغرافيا، ولأن الرصد البيئي هو العملية الأساسية في العمل البيئي، فمن خلاله يتم جمع المعطيات البيئية وتحليلها ودراستها وإنتاج الأفكار المساعدة على اتخاذ القرارات المناسبة لمعالجة المشاكل البيئية. ولقد كانت لي بعض التجارب في هذا المجال، سواء من خلال المساهمة في تأسيس مراصد عمومية والعمل فيها أو من خلال محاولاتي الشخصية لتأسيس مراصد مشابهة:
2- المرصد الجهوي للبيئة بمراكش:
حينما كنت أعمل في مدينة مراكش، قامت وزارتنا آنذاك وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة بمبادرة تأسيس أول مرصد جهوي للبيئة تحت اسم “المرصد الجهوي للبيئة بمراكش”، بالشراكة مع كل من: مركز تنمية الطاقات المتجددة (مقره في مدينة مراكش) وجامعة القاضي عياض وجمعية الأطلس الكبير.
عقد الاجتماع الأول لمجلس إدارته في مقر مركز تنمية الطاقات المتجددة بمراكش يوم 21 يناير 2002، برئاسة الوزير السيد محمد اليازغي.
“ويهدف المرصد الجهوي للبيئة بمراكش.. إلى تحقيق معرفة جيدة بالمعلومات البيئية لجهة مراكش-تانسيفت-الحوز.. ويهدف أيضا إلى معرفة حالة البيئة ورصد تطوراتها وتنسيق التدخلات المختلفة في هذا المجال، وتطوير أدوات صنع القرار والمساهمة في استشراف وتقييم السياسات العامة”(1).
وللعلم فإن الوزارة المكلفة بالبيئة كانت ولا تزال تتوفر على مرصد وطني للبيئة، وظيفته هي تتبع حالة البيئة بالمغرب من خلال إنجاز الدراسات والبحوث وجمع المعطيات البيئية ومعالجتها وتتبع مؤشرات التنمية المستدامة، لكن قبل 2002 لم تكن للوزارة مراصد على المستوى الجهوي.
استفدت كثيرا من تجربتي داخل هذا المرصد، وساهمت في عدد لا بأس به من الأنشطة التي قام بها خلال مدة إقامتي في مراكش.
3- مشروع المرصد الجهوي للبيئة بطنجة:
لما التحقت للعمل في مدينتي طنجة سنة 2004، في المفتشية الجهوية لإعداد التراب الوطني والتعمير، كان أول مشروع اقترحته على المفتش الجهوي هو تأسيس مرصد جهوي للبيئة مثل مرصد مراكش. لكن للأسف الشديد لم يلق هذا المشروع استجابة ودعم لا من قبل المفتش الجهوي ولا من قبل زملائي الذين عرضته عليهم.
4- مشروع مرصد المدينة العتيقة لطنجة:
في أوائل سنة 2011، وخلال نشاط حضرته لجمعية البوغاز في إحدى قاعات المدرسة العليا للترجمة، طرح موضوع مأسسة العمل من أجل المحافظة على التراث المعماري لمدينة طنجة أو ما يشبه هذا الموضوع، فاقترحت على المشاركين وعلى الجمعية تأسيس مرصد تحت اسم “مرصد المدينة العتيقة لطنجة”، فوافق الجميع على مقترحي بل وبدأنا في مناقشة طبيعة الإطار القانوني لهذا المرصد هل يؤسس على شكل جمعية أو شكل آخر… لكن هذا المقترح هو أيضا لم يكتب له أن ينجز.
5- المرصد الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة بطنجة:
تأسس المرصد الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة لجهة طنجة-تطوان سنة 2011، مثله مثل جميع المراصد الجهوية الأخرى وعددها 16 مرصد لأن عدد الجهات في تلك الفترة كان 16 قبل أن يتقلص إلى 12 جهة سنة 2015. وكانت هذه المراصد في بداياتها مستقلة عن المديريات الجهوية للبيئة، وفيما بعد أصبحت مصالح داخل هذه الأخيرة. وهي هيئات تأسست في إطار اتفاقية شراكة ما بين الوزارة المكلفة بالبيئة ومجالس الجهات. وكنت من الأعضاء الأوائل في هذا المرصد ممثلا لإدارتي، وساهمت مع باقي الأعضاء في عدد من أعماله وأنشطته، التي استفدت كثيرا منها ومن الدورات التكوينية التي كانت تنظم لفائدة الأعضاء.
6- الإعداد للجمع العام التأسيسي لمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة:
بعد اقتناع أغلب أعضاء سكرتارية التنسيقية بخيار تأسيس المرصد، بدأت أشغال الإعداد للجمع العام التأسيسي للمرصد، بحيث تم تكليف كل مجموعة من الأعضاء بمهام معينة، وكنت ضمن المجموعة التي اشتغلت على صياغة مشروع القانون الأساسي للمرصد، بالاعتماد على عدد من القوانين الأساسية للهيئات المشابهة، وبالأخص القانون الأساسي للمرصد الجهوي للبيئة بمراكش.
ولعل النقطة التي أثارت حولها بعض النقاش حين صياغة مشروع القانون الأساسي، هي النقطة المتعلقة بالمجال الجغرافي لعمل المرصد. أذكر أنه كان هناك أربعة آراء: رأي يقول بأن يكون مجال تدخل المرصد هو ولاية طنجة أو جهة طنجة، ورأي اختار تراب عمالة طنجة أصيلة، ورأي ثالث رأى بأن ينحصر عمل المرصد داخل حدود مدينة طنجة فقط، ورأي رابع كنت صاحبه ووافقني عليه الجميع وهو أن نسمي المجال الجغرافي بطنجة دون تحديد الوحدة الإدارية المقصودة، فكلمة طنجة تعني الولاية أو الجهة وتعني العمالة وتعني الجماعة أو المدينة، وذلك حتى لا نضيق على أنفسنا. فبداية مجال عمل المرصد ستكون محلية، ولا مانع أن يتمدد عمله إلى خارج حدود المدينة، وهذا ما كان بالفعل، حيث كانت له تدخلات على مستوى عمالة طنجة أصيلة، ثم إقليم الفحص أنجرة، ثم ليشمل بعد ذلك كل تراب الجهة.
تم الإعلان عن عقد الجمع العام التأسيس للمرصد يوم 14 غشت 2012 من قبل اللجنة التحضيرية(2).
بطبيعة الحال، وكجميع القوانين الأساسية، تطرق القانون الأساسي إلى المواضيع التالية: الاسم والمقر، الأهداف، الآليات والوسائل، الهيكلة، التمويل، العضوية، القانون الداخلي والحل(3).
فيما يخص الأهداف فقد حددت في التالي:
“1- المساهمة في التعريف بالمؤهلات البيئية والمآثر التاريخية بطنجة
2- رصد وتتبع حال المجال البيئي بكل مكوناته، وكذا المآثر التاريخية وإصدار تقارير في الموضوع
3- الدفاع بكل الوسائل القانونية والمشروعة لحماية البيئة والمآثر التاريخية
4- العمل على تأهيل وتنمية المجال البيئي والمآثر التاريخية مع جميع الجهات المسؤولة والمهتمة محليا وجهويا ووطنيا ودوليا
5- دعم وتقوية الثقافة البيئية والتوعية بأهمية الحفاظ على المآثر
6- تنظيم وإنجاز مشاريع وبرامج في المجال البيئي والمآثر التاريخية”.
أما بالنسبة للهياكل فقد حددت في: الجمع العام، والمجلس الإداري، والمكتب التنفيذي واللجن الوظيفية.
وبالإضافة إلى صياغة مشروع القانون الأساسي، تم إعداد ورقة تعريفية بالمرصد(4)، وتم حصر لائحة الأعضاء المؤسسين الذين قامت الهيئات التي ينتمون إليها بالتوقيع على “ميثاق والتزام شرف لحماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة”، وكان عددهم 51 عضوا مؤسسا(5).
ولقد تم البدء في عملية التوقيع على هذا الميثاق منذ 5 يونيو 2012 بمناسبة احتفال التنسيقية باليوم العالمي للبيئة. وهو فيه تعهد من قبل الهيئات الموقعة على:
1- العمل الجماعي والمستمر من أجل صيانة وتطوير الموروث البيئي وكل المعالم الأثرية بطنجة، بل والعمل على الزيادة في الفضاءات الخضراء والمتنفسات البيئية حتى تتناسب مع عدد السكان حاليا ومستقبلا
2- الالتزام بالمرجعيات الكونية والوطنية المؤطرة للحقوق البيئية والعمل على التعبئة حولها والدفاع عنها أمام كافة الجهات وبكل الوسائل المشروعة. وبشكل خاص دستور المملكة (خاصة الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية والباب الثاني عشر المتعلق بالحكامة الجيدة)، وكذا الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة
3- الالتزام بروح المسؤولية والتجرد ونكران الذات انسجاما مع الفلسفة التي أطرت عمل “تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء، السلوقية أولا”
4- المساهمة الجادة والفعالة جنبا إلى جنب كل المكونات في جميع المبادرات التي تسطرها “تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء، السلوقية أولا”، وكذا الدعم القوي والمتواصل لمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة”(6).
5- تنظيم الجمع العام التأسيسي لمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة:
عقد الجمع العام التأسيسي للمرصد بمقر مندوبية وزارة الثقافة (المديرية الجهوية للثقافة حاليا) برأس المصلى بطنجة، وذلك يوم الجمعة 28 رمضان 1433 موافق 17 غشت 2012 على الساعة العاشرة والنصف ليلا. ترأس الجمع العام السيد علال القندوسي رئيس اللجنة التحضيرية، حيث افتتح “أشغال الجمع العام مرحبا بجميع الحاضرين والذين يمثلون وجوها بارزة من المجتمع المدني بطنجة والمنتمين إلى مشارب مختلفة: أحزاب سياسية ونقابات وهيئات حقوقية وجمعيات وخبراء، حيث أكد من خلال كلمته على أن الدعوة إلى تأسيس المرصد هي دعوة مفتوحة للجميع وأن طبيعة الحضور تعكس الإجماع الذي تحظى بها قضيتي البيئة والمآثر التاريخية لدى عموم ساكنة المدينة ونخبتها.
بعد ذلك تقدم عضو اللجنة التحضيرية السيد أحمد الطلحي بتقديم ورقة حول سياق إنشاء المرصد ومراميه، مذكرا باعتزاز اللجنة التحضيرية بالتجاوب الكبير الذي حظيت به مبادرة إنشاء المرصد وكذا توقيع “ميثاق شرف والتزام لحماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة”، وقد ذكر في هذا السياق بالهيئات التي وقعت سلفا على الميثاق..
بعد ذلك، قام عضو اللجنة التحضيرية الأستاذ سعيد شكري بعرض شريط مصور حول المسألة البيئة. ثم تناول الكلمة الأستاذ عزيز الجناتي عضو اللجنة التحضيرية حيث تلا مشروع القانون الأساسي المعروض على الجمع العام شارحا الإطار العام الذي حكم صياغة هذا المشروع..
بعد إقرار القانون الأساسي واستقالة اللجنة التحضيرية تم تشكيل لجنة رئاسة الجمع العام، والتي أشرفت على انتخاب المجلس الإداري للمرصد المكون من 25 عضوا يمثلون أبرز الأحزاب والنقابات والجمعيات على صعيد المنطقة..
بعد انتخاب المجلس الإداري، وانتهاء أشغال الجمع العام، التأم المجلس الإداري بحضور كافة أعضائه وتم التوافق على تشكيل المكتب التنفيذي، المتكون من 13 عضوا.
وقد أعقب ذلك، الاجتماع الأول للمكتب التنفيذي والذي خصص لتوزيع المهام. وبعد نقاش ودي وأخوي، هادف ومسؤول تم توزيع المهام داخل المكتب التنفيذي على الشكل التالي:
الرئيس: السيد ربيع الخمليشي، الكاتب العام: السيد عبد العزيز الجناتي
نائب الرئيس الأول: السيد عبد السلام الشعباوي، نائب الكاتب العام: السيد عبد المالك سعود
نائب الرئيس الثاني: السيد علال القندوسي، أمين المال: السيد محمد بوزيدان
نائب الرئيس الثالث: السيد سعيد شكري، نائب أمين المال: السيد عبد المجيد دبون
مستشار مكلف بمهمة: السيد إدريس الوافي، مستشار مكلف بمهمة: السيد عبد الله بوملحة
مستشار مكلف بمهمة: السيد عدنان المعز، مستشار مكلف بمهمة: السيد أحمد الطلحي
مستشار مكلف بمهمة: السيد محمد المنصور
وقد انتهى الاجتماع في جو من التفاؤل والإحساس بالمسؤولية، بالنظر لحجم العمل المناط بالمرصد والذي أصبح النهوض بها واجبا يطوق أعناق المسؤولين عن هذا المرصد المتميز”(7).
هوامش:
(1) https ://aujourdhui.ma/societe/promotion-de-lenvironnement-7552
(2) انظر الملحق 18 في الكتاب
(3) انظر الملحق 19 في الكتاب
(4) انظر الملحق 20 في الكتاب
(5) انظر الملحق 21 في الكتاب
(6) انظر الملحق 22 في الكتاب
(7) انظر الملاحق 23 و24 و25 و26 في الكتاب