السلوقية أولاً (14) قصة نضال لإنقاذ محمية طبيعية بمدينة طنجة بالمملكة المغربية

بقلم الدكتور أحمد الطلحي
تنفرد شبكة بيئة أبوظبي بنشر محتوى كتاب “السلوقية أولاً” لخبير البيئة والتنمية والعمارة الدكتور أحمد الطلحي، بشكل أسبوعي 08 يونيو 2024

الخاتمة
كما هو معلوم، للغابات أهمية كبيرة خصوصا الغابات الحضرية وشبه الحضرية، إذ تقوم بعدة وظائف لفائدة الإنسان والبيئة: وظائف بيئية ووظائف مناخية ووظائف سوسيو-اقتصادية.

ومدينة طنجة هي مدينة غابوية بامتياز، إذ تغطي الغابات أكثر من 5300 هكتار، بل إن المساحة كانت أكبر من ذلك في السابق. وهي تتعرض لضغوط متعددة، أهمها التوسع العمراني بنوعيه القانوني والعشوائي.

وتعتبر غابة السلوقية أهم غابات المدينة لأنها جزء من محمية رأس سبارطيل، التي تم تصنيفها سنة 1996 كموقع ذي أهمية بيولوجية وإيكولوجية. وهي تتميز بتنوع بيولوجي مهم، كما أنها تعتبر أحد أهم المعابر الرئيسية للطيور المهاجرة عالميا، إذ تتنقل الطيور بين القارتين الإفريقية والأوروبية. بالإضافة إلى ذلك تمتاز المنطقة بمناظرها الخلابة، خصوصا إطلالتها على الواجهتين البحريتين.

وفي شهر فبراير 2012 قررت مصالح الولاية مراجعة التنطيق العمراني لمنطقة السلوقية حسب تصميم التهيئة الجاري به العمل آنذاك وقبل انتهاء مدة العمل به في سنة 2013. وذلك من خلال إعداد والمصادقة على تصميم تهيئة قطاعي لمنطقة الجبل الكبير وطريق أشقار والزياتن يغير تنطيق المنطقة من محمية طبيعية إلى منطقة مفتوحة للتعمير. وتم الإعلان عن عقد اجتماع للجنة التقنية المحلية بمقر الولاية يوم الأربعاء 29 فبراير 2012 لدراسة مشروع تصميم التهيئة القطاعي هذا.

خلف هذا القرار استياء عاما لدى مختلف النخب المحلية، السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية والثقافية والإعلامية. وبعد مشاورات فيما بين هذه النخب تم عقد اجتماع بمقر حزب العدالة والتنمية الواقع في رأس المصلى شارع انجلترا مساء يوم 21 فبراير 2012،

تم فيه الاتفاق على تأسيس هيئة للدفاع عن المناطق الخضراء وغابات المدينة تحت اسم:
“”تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء بطنجة، السلوقية أولا
وتم تشكيل سكرتارية للتنسيقية مكونة من أعضاء يمثلون مختلف الفعاليات المحلية النشيطة في الساحة آنذاك. كما تم خلال هذا الاجتماع انطلاق عملية التوقيع على عريضة تدين المس بمنتزه السلوقية وتطالب الجهات المسؤولة بالتراجع عن كل خطوة من شأنها الإضرار بالمناطق الخضراء بطنجة.

 

ولقد قامت التنسيقية بعدة خطوات نضالية لمواجهة هذا القرار، تمثلت في:
– الحوار مع مصالح الولاية
– تسليم ملف القضية لرئيس الحكومة
– تنظيم ندوات صحافية
– إصدار عدد من البلاغات والبيانات
– تنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية
بل إن التنسيقية أبدت عزمها الالتجاء إلى القانون الدولي في حال لم يتم التراجع عن هذا القرار، معتبرة أن قضية البيئة هي قضية الأمم المتحدة.

وساند خطوات التنسيقية بيانات الدعم من بعض الفعاليات المدنية وفي مقدمتها تكتل جمعيات طنجة الكبرى، وبيانات بعض مكاتب الجماعات الترابية خصوصا مكتب جماعة طنجة ومكتب مجلس عمالة طنجة أصيلة.

لكن الملفت للانتباه هو غياب صوت فئة مهنية لها علاقة وطيدة بالتعمير وهي فئة المنعشين العقاريين، إذ لا نجد لها أي تصريح إعلامي يعبر عن موقف هذه الفئة أو أفراد منها من قضية السلوقية، أو على الأقل دفع الاتهامات والأوصاف القدحية التي نعتت بها من قبل المحتجين المدافعين عن البيئة وعن تراث المدينة الثقافي والطبيعي.

وتبقى أهم خطوة قامت بها التنسيقية هو لقاؤها يوم 13 مارس 2012 ببرلمانيي ومستشاري المدينة وبرؤساء المؤسسات المنتخبة، والذي كلل بتوقيع بيان مشترك التزم فيه الحاضرون بالترافع عن قضية السلوقية.

وفي اللقاء الذي جمع منتخبي المدينة بمسؤولي الولاية يوم 14 مارس 2012 قررت مصالح الولاية التراجع عن مراجعة تصميم التهيئة والاكتفاء بإعداد تصميم جديد سنة 2013.

وفي مساء هذا اليوم نظمت التنسيقية وقفتها الاحتجاجية التي كانت مبرمجة في ساحة الأمم، وكانت في الواقع احتفالا أكثر من احتجاج.

وخلف تراجع الولاية عن قرارها بخصوص غابة السلوقية ارتياحا كبيرا لدى الساكنة والمناضلين البيئيين.

وبعد معركة السلوقية استمرت التنسيقية في نشاطها وعملها، ولو أنه لم يستمر سوى خمسة أشهر، بسبب تأسيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة في 17 غشت 2012. إذ غطت أنشطة المرصد على أنشطتها تماما، وذلك لكون النواة الصلبة للتنسيقية هي نفسها تقريبا النواة الصلبة للمرصد.

وعلى العموم، يمكن الحكم بأن أنشطة التنسيقية كانت محدودة بسبب تأسيس المرصد، من جهة، ومن جهة ثانية بسبب الزخم الكبير الذي كان لقضية السلوقية ورفع السقف عاليا، فلم تستطع لا التنسيقية ولا غيرها أن تعالج قضية محلية ما بمثل الزخم والروح والنشاط الذي تمت بهم معالجة قضية السلوقية. وتوزعت الأنشطة بين:

1- بلاغات وبيانات وعرائض
2- أنشطة إعلامية: ندوات صحافية، تصريحات وحوارات صحافية، منشورات في المجموعة الفيسبوكية…
3- وقفات احتجاجية
4- مراسلات موجهة لمختلف الهيئات العمومية والمدنية
5- زيارات ومعاينات ميدانية
6- تنظيم مائدة مستديرة حول الوضع البيئي بطنجة
7- إعداد برنامج عمل التنسيقية لسنة 2012
8- وأنشطة مختلفة أخرى

ويبقى أكبر إنجاز قامت به التنسيقية، وكان يكفيها ذلك فقط لتخلد في تاريخ المدينة، هو معركتها التي خاضتها بنجاح لإنقاذ غابة السلوقية من الاجتثاث. وثاني أكبر إنجاز وكان خاتم أنشطتها هو تأسيسها لمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة.
وتأسيس المرصد كان الهدف منه هو مأسسة التنسيقية، وذلك لضمان استمرارية اليقظة ورصد التهديدات والمخاطر التي يمكن أن تحدث لغابات المدينة ومناطقها الخضراء وباقي مؤهلاتها البيئية من جهة، ومن جهة ثانية للحفاظ على هذا التكتل النوعي أي التنسيقية الذي حصل حول قضية بيئية، وهو تكتل نوعي لأنه ضم في عضويته الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والحقوقية والجمعوية وبعض الخبراء، وهذا الخليط البشري نادرا ما يلتقي ويعمل بشكل جماعي.

وتم إعداد كل ما يحتاج لنجاح الجمع التأسيسي للمرصد، من صياغة لمشروع القانون الأساسي والورقة التعريفية بالمرصد، وحصر للائحة الأعضاء المؤسسين الذين قامت الهيئات التي ينتمون إليها بالتوقيع على “ميثاق والتزام شرف لحماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة”، وكان عددهم 51 عضواً مؤسساً…

وعقد الجمع العام التأسيسي للمرصد بمقر مندوبية وزارة الثقافة برأس المصلى بطنجة، يوم الجمعة 28 رمضان 1433 موافق 17 غشت 2012 على الساعة العاشرة والنصف ليلا. وخلاله تم إقرار القانون الأساسي وانتخاب المجلس الإداري المكون من 25 عضوا يمثلون أبرز الأحزاب والنقابات والجمعيات على صعيد المنطقة. وبعد انتهاء أشغال الجمع العام انتخب أعضاء المجلس الإداري أعضاء المكتب التنفيذي المكون من 13 عضوا. ثم قام أعضاء المكتب التنفيذي بتوزيع المهام فيما بينهم بالتراضي.

بالنسبة لي، التحقت بسكرتارية التنسيقية بعد انتهاء معركة السلوقية، التي كنت أتابعها بشكل متواصل، ولم أكن أمثل أية هيئة وإنما كنت عضوا مستقلا كخبير. ولم أكن أعرف حينها إلا عددا قليلا من الأعضاء، لكن بالعمل المشترك معهم في التنسيقية وفي المرصد فيما بعد توثقت العلاقة معهم، ولا زالت لي علاقة صداقة قوية مع عدد منهم، حتى بعدما تفرقت بنا السبل.

وكنت صاحب فكرة تأسيس المرصد، حيث كانت لي بعض التجارب في هذا المجال، سواء من خلال المساهمة في تأسيس مراصد عمومية والعمل فيها أو من خلال محاولاتي الشخصية لتأسيس مراصد مشابهة في طنجة. ولم تسلم غابة السلوقية من المخاطر بعد معركة 2012، بل تعرضت بعد ذلك مثل باقي الغابات الحضرية لطنجة، لعدة حرائق تسببت في أضرار متفاوتة، لكن حريق 2017 كان أكبرها وكانت خسائره كبيرة.

كما أن الغابة والمحمية عموما لم يتم بعد حمايتها قانونيا، خصوصا بواسطة تصميم التهيئة، إذ لحد الان لم ينشر تصميم مقاطعة طنجة المدينة التي تقع في ترابها أغلب الغابات الحضرية لطنجة، بينما تم نشر تصاميم التهيئة لباقي مقاطعات المدينة.

وللتاريخ، كان للمجلس الجماعي للولاية الانتدابية 2015-2021 دور مهم في الحفاظ على غابة السلوقية كمحمية طبيعية في النسخ الثلاث لمشروع تصميم تهيئة المدينة الموحد والتي لم تعرف طريقها للنشر في الجريدة الرسمية. إذ كان وراء توسيع مساحة المحمية لتضم أيضا منطقة يسميها الناشطون البيئيون ب”البنانة”، وكان تنطيق هذه المنطقة هو “منطقة التنشيط السياحي”، وتمت الاستجابة لهذا المطلب في نسخة 2019، كما عمل هذا المجلس الجماعي على تقليص عرض الطريق التي تشق منطقة الجبل الكبير من 50 متر إلى 30 متر، وبذلك تمت المحافظة على مساحات مهمة من المحمية.

وينبغي الان على المجتمع المدني، وإلى غاية صدور المرسوم الخاص بتصميم تهيئة مقاطعة المدينة، التتبع الدائم لمراحل هذا التصميم ومراقبة مقتضياته المتعلقة بالغابات الحضرية عموما ومحمية رأس سبارطيل خصوصا.

وبعد سرد خلاصة هذا الكتاب، أدعو المجتمع المدني وباقي النخب المحلية لمدينة طنجة:
– للعمل من أجل استرجاع روح التنسيقية
– ولما لا، العمل على تأسيس تنسيقيات لمختلف القضايا
– للبقاء متيقظين حتى تتم عمليا حماية السلوقية وباقي غابات ومناطق المدينة الطبيعية
– للمساهمة المتواصلة في تثمين التراث الطبيعي والثقافي للمدينة
كما أدعو المجتمع المدني في باقي مدن وقرى المغرب للاستفادة من تجربة التنسيقية والعمل على إيجاد هيئات مماثلة لها دون استنساخها حرفيا، وتفادي ما أمكن أخطاء التنسيقية.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

السلوقية أولاً (10) قصة نضال لإنقاذ محمية طبيعية بمدينة طنجة بالمملكة المغربية

بقلم الدكتور أحمد الطلحي تنفرد شبكة بيئة أبوظبي بنشر محتوى كتاب “السلوقية أولاً” لخبير البيئة …