يجب التمييز بين الفاقد والمُهدر من الطعام لمعالجة جذور المشكلة

شبكة بيئة ابوظبي، *بقلم عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي،10 يونيو 2024

عماد سعد:
– علينا أن نشتري ما نحتاج إليه ونستهلك ما قد اشتريناه

– علينا أن نذهب إلى الترشيد راغبين قبل أن نكون مرغمين

– ترشيد استهلاك الغذاء وتقليص هدر الطعام يقلل من أزمة المناخ

في البداية من الأهمية بمكان أن نُميز بين مصطلحين أساسيين هما الفاقد والمُهدر من الطعام بغية معرفة الأسباب والمسؤولية في معالجة جذور المشكلة، الفقد هو الجزء من الغذاء الذي يُفقد بين مرحلة الزراعة والحصاد إلى أن يصل إلى مرحلة البيع بالتجزئة، وليس ضمنها، أما المُهدر من الطعام فيو الجزء الذي يُهدر بعد أن يصل إلى المستهلك عبر عدم استخدام ما يقوم بإعداده من الطعام بشكل يومي او خلال الولائم او ما شابه ذلك. وللعلم تشير إحصائيات البلديات وشركات إدارة النفايات في اغلب الدول العربية والإسلامية إلى زيادة ملحوظة في كمية الطعام الذي يُرمى في مكبات أو مستوعبات النفايات تصل حد أدنى إلى 30% خلال شهر رمضان المبارك زيادة عن باقي أشهر السنة. وهذا الواقع له دلائل خطيرة ومؤشرات سلبية.

تُشير إحصاءات الأمم المتحدة لارتفاع مُعدلات هدر الطعام حول العالم، فوفقًا لما نشرته الأمم المتحدة “على الصعيد العالمي، تُفقد نسبة 14 % تقريبًا من الأغذية في العام بعد حصادها، حتى مرحلة البيع بالتجزئة، ولكن دون احتساب هذه المرحلة من سلسلة الإمداد؛ وتشير التقديرات إلى أن نسبة 17 %من الأغذية تُهدر في مرحلة البيع بالتجزئة وعلى مستوى الاستهلاك”.
وفي الوقت ذاته، أشار تقرير للبنك الدولي، صادر في مايو 2023، إلى ارتفاع عدد الأشخاص في البلدان والأقاليم، التي تواجه انعدام الأمن الغذائي الحاد، من 192.8 مليونًا في عام 2021، إلى 257.8 مليونًا في عام 2022، وزاد أكثر من الضعف منذ عام 2016. ويتسبب هدر الطعام في هلاك للموارد، في ظل أزمة المُناخ التي يُعاني منها العالم أجمع، والتي تؤثر على الموارد الطبيعية كالمياه والتربة وغيرها.

كيف يساهم هدر الطعام في أزمة المياه؟
هناك أضرار كثيرة تنجم عن هدر الطعام من أبرزها هدر المياه التي كانت سبباً في إنتاج هذا الطعام، وهذه المياه تسمى بالمياه الافتراضية أي المياه التي تُؤكل وتُلبس ولا تُشرب، فالمياه الافتراضية تُعتبر أحد مؤشرات أداء الاستدامة في العالم، وترتبط بمفهوم أوسع ألا وهو البصمة المائية وهي اجمالي كمية المياه العذبة التي تستخدم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإنتاج هذه السلعة أو تلك الخدمة أو الفعالية.
إذاً المياه الافتراضية هي من أهم الاضراء الناجمة عن هدر الطعام، فهي المياه التي توجد في كافة المنتجات والخدمات، على سبيل المثال لا الحصر نحتاج لإنتاج كوب من القهوة نحتاج 140 ليتر مياه، لإنتاج تفاحة واحدة نحتاج 70 ليتر مياه، لإنتاج رغيف خبر واحد نحتاج 40 ليتر مياه، لإنتاج كلغ من الدجاج نحتاج 4325 ليتر مياه، لإنتاج كلغ من لحم البقر نحتاج 15500 ليتر مياه، لإنتاج كلغ من الجبن نحتاج 5000 ليتر مياه، لإنتاج سندويش هامبرغر نحتاج 2400 ليتر مياه، لإنتاج 100 غرام من الشوكولا نحتاج 2400 ليتر مياه.

كيف يساهم هدر الطعام في زيادة أزمة المناخ؟
من جهة ثانية تشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن القطاع الزراعي مسؤول عن 23% من مجموع انبعاثات غازات الدفيئة بشرية المنشأ خلال الفترة 2016-2000، وبشكل أدق فإن انبعاثات الغازات الدفيئة التي ترتبط بالفاقد والمهدر من الطعام تعادل ما بين 8 – 10 % من غازات الاختباس الحراري بالعالم. أي أن الانبعاثات الناتجة عن هدر الأغذية في العالم تكاد تساوي الانبعاثات الناتجة عن النقل البري في العالم. ولو كان هدر الأغذية بلداً، لكان ثالث أكبر بلد مسبب للانبعاثات في العالم. ومن هنا نرى وجود علاقة طردية بين ما نشتريه بشكل عام وهدر الطعام بشكل خاص وتغير المناخ، فكل منهما يؤثر على الآخر بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
كما أن هدر الطعام له دلائل سلبية فهو مؤشر على عدم المسؤولية اتجاه مستقبل الأجيال القادمة مرة أخرى إن هذا النمط الاستهلاكي المستنزف لموارد الأرض منتشر بين المستهلكين خصوصاً الطبقة الوسطى والعليا في مجتمعات دول المنطقة العربية، بالنهاية لن يكون هناك فرد دون آخر ولا مجتمع أو دولة دون أخرى بمنأى عن أخطار التغير المناخي على مستوى الكوكب.
فتداعيات التغير المناخي سوف تتعدى حدود حرية الأفراد في اختيار نمط عيشهم أو أسلوب حياتهم (فكراً وممارسة) فالقرار القادم على سطح الكوكب ليس ملكاً للأفراد أو الشركات أو الحكومات والدول بمفردهم فحسب بل مجتمعين متضامنين شئنا أم أبينا لأننا أمام معادلة البقاء نكون أو لا نكون.

ما هي الإجراءات التي علينا اتباعها لتجنب أضرار هدر الطعام؟
يقول المثل السويدي “من يشتري ما لا يحتاج.. يسرق نفسه”، دعلنا نرجع الى الوراء قليلاً لنرى مخرجات قمة باريس للتغير المناخي، سوف نجد أربع تحديات رئيسية هي (التخفيف، التكيف، نقل التكنولوجيا، وبناء القدرات) وبتقديري أن التخفيف والتكيف هما أهم عنصرين لهما تماس مباشر مع عموم افراد ومؤسسات المجتمع، لأن آثار التغير المناخي لم تعد مشكلة للمستقبل، بل نحن اليوم بتنا نعيش في عين العاصفة، لذا ليس لدينا خيار إلا التخفيف ومن ثم التكيف مع التغيرات المناخية (شئنا أم أبينا). ما يدفعنا إلى ضرورة اعتماد نمط الانتاج والاستهلاك المستدامان من أجل توفير نمط عيش مسؤول مستدام لنا وللأجيال التي لم تولد بعد. فالتخفيف والتكيف مع التغير المناخي (قَدَرٌ لا خيار فيه).

* حوار صحفي أجرته جريدة البيان بدبي، مع عدد من الخبراء والمختصين، نحن هنا ننفرد بنشر الحوار كاملاً مع خبير الاستدامة والتغير المناخي، المهندس عماد سعد
https://www.albayan.ae/uae/news/2024-06-10-1.4887080

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

العدالة المناخية مسؤولية مشتركة لتحقيق مستقبل مستدام

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم المهندس عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي، 09 سبتمبر 2024 العدالة …