شبكة بيئة ابوظبي، بقلم أمين سامي، خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير، 23 يونيو 2024
يعتبر الإحصاء آلية أساسية وضرورية في عملية التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل، حيث تلعب الإحصاءات دورًا كبيرًا في في تطور الدول وتقدمها وتصنيفها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفلاحية والسياحية وحقوق الإنسان والتنافسية والتنمية البشرية والفقر و…. على المستوى الوطني والدولي والعالمي أيضا.
فالمعلومة اليوم أصبحت هي الوقود والمحرك الأساسي للتنمية بدل الوقود الأحفوري الذي انتهت صلاحيته، وبالتالي فنحن أمام اقتصاد جديد، اقتصاد قائم الذات هو اقتصاد البيانات. فجمع البيانات وتحليلها يوفر رؤى دقيقة تساهم في اتخاذ قرارات مدروسة ومبنية على أسس علمية ومضبوطة. فالبيانات لها قيمة بيئية وقيمة نقدية وقيمة اجتماعية.
فالبيانات البيئية تعطينا تصور واضح ومعطيات دقيقة عن الموارد الطبيعية وحجمها وأمكنتها وخصائصها وتنوعها،… أما القيمة النقدية فالبيانات تصف لنا حجم الاقتصاد في الماضي و تعطينا معلومات عن الحاضر من أجل الاعداد للمستقبل والانخراط فيه بكل جدية وحزم. أما القيمة الاجتماعية فهي تصف لنا الوضعية الاجتماعية من حيث الفئات العمرية والفقر والهشاشة والاقصاء الاجتماعي والعديد من المعطيات التي لها علاقة بالشق الاجتماعي. وبالتالي فالبيانات التي يتم تجميعها من خلال الاحصاء ليست ترف بقدر ما هي آلية مصيرية لوضع الاستراتيجيات واستشراف المستقبل الذي نريد الولوج إليه.
فحسب دراسة لجامعة هارفارد، يتوقع أن يصل حجم اقتصاد البيانات إلى 13 تريليون دولار بحلول عام 2030، أي بنسبة 15٪ من الاقتصاد العالمي. كما توقع تقرير للبنك الدولي لسنة 2022، أن يساهم الاقتصاد الرقمي بزيادة 46٪ في الناتج المحلي الإجمالي خلال ال30 سنة القادمة، أما على المستوى العربي، فحسب دراسة قام بها الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي حول موضوع : اقتصاد البيانات ودوره في تعزيز الأنظمة الاقتصادية العربية، فيتوقع أن يصل حجم الاقتصاد الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول 2030 مقابل 91 مليار دولار سنة 2021. فهذه التوقعات المستقبلية لاقتصاد البيانات مصدرها الأساسي ومكونها المصيري هو الاحصاء.
وبالتالي فالإحصاء آلية أساسية للتخطيط الاستراتيجي وأيضا آلية أساسية لاستشراف المستقبل، فبدون البيانات المحينة لايمكن إعداد دراسات استشرافية ومراقبة سرعة وحركية النسق المجتمعي بمختلف أشكاله من أجل إعداد الاستراتيجيات والخطط التنموية.
فالتخطيط الاستراتيجي آلية لتنزيل الدراسات الإستشرافية والمستقبلية والتي تساهم بدون شك في فتح مسارات جديدة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع. وتشير بعض التقديرات والنسب المستندة إلى مايلي حسب ماهو متاح طبعا من معلومات :
أولا. المؤسسات الحكومية والدول :
العديد من الدول المتقدمة لديها وحدات أو أقسام خاصة بالدراسات الاستشرافية، وهذا يشمل معظم دول أوروبا الغربية، أمريكا الشمالية، وبعض الدول الآسيوية المتقدمة.
ويقدر مابين 30-40% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لديها برامج أو وحدات متخصصة في الدراسات المستقبلية.
ثانيا. القطاع الخاص :
في قطاع التكنولوجيا، يمكن تقدير نحو 20-30% من الشركات الكبرى مثل شركات التكنولوجيا والسيارات والطاقة تقوم بدراسات استشرافية كجزء من تخطيطها الاستراتيجي. وفي القطاعات الأخرى، مثل الصحة والتجزئة، قد تكون النسبة أقل، ولكنها تزداد مع زيادة التعقيدات والتغيرات في الأسواق.
ثالثا. الأكاديميات والمعاهد البحثية :
تشير بعض التقديرات إلى أن حوالي 10-15% من الجامعات العالمية لديها برامج أو مراكز متخصصة في الدراسات المستقبلية.
يتزايد هذا العدد مع الاعتراف المتزايد بأهمية هذا المجال.
رابعا. المنتديات والمؤتمرات :
تُعقد العديد من المؤتمرات والمنتديات العالمية سنويًا حول الدراسات الاستشرافية، ويمكن تقدير أن هذه الفعاليات تجذب نسبة ملحوظة من المهتمين بمجالات التخطيط الاستراتيجي والابتكار، والتي قد تصل إلى 5-10% من المهنيين في هذه المجالات
وبالتالي تعتبر هذه النسب تقريبية وتعتمد على البيانات المتاحة، ومن الصعب تقديم نسب دقيقة تشمل جميع الجهات والدول. ومع ذلك، تشير هذه الأرقام إلى الاهتمام المتزايد بالدراسات المستقبلية كأداة للتخطيط الاستراتيجي على نطاق عالمي.
ان الاحصاء يشمل العديد من العمليات أهمها : جمع البيانات وتحليلها، التنبؤ والاعداد للمستقبل، تقييم الأداء بواسطة مؤشرات الأداء الرئيسية، اتخاذ القرارات، تحديد الفرص والتهديدات، الاستشراف وإعداد سيناريوهات المستقبل.
اولا. جمع البيانات وتحليلها : تستخدم الإحصاءات لجمع البيانات من مصادر متعددة، مثل الدراسات الاستقصائية، والتقارير المالية، والمبيعات، وبيانات العملاء. فتحليل هذه البيانات يساعد في فهم الوضع الحالي وتحديد الاتجاهات والنماذج.
ثانيا. التنبؤ والتوقع : تساعد الإحصاءات في توقع الأحداث المستقبلية بناءً على البيانات الماضية والحاضرة والاعداد للمستقبل. حيث يمكن استخدام نماذج التنبؤ لتقدير الطلب على المنتجات، والتغيرات في السوق، والاحتياجات المالية المستقبلية.
ثالثا. تقييم الأداء : تستخدم الإحصاءات لقياس وتقييم أداء الشركات والمؤسسات وأيضا تقييم أداء القطاعات الحكومية. حيث يمكن تحليل مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) من تحديد النجاحات والإخفاقات، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
رابعا. اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات : يعتمد التخطيط الاستراتيجي على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة وموثوقة. ويساعد التحليل الإحصائي في تقليل الشكوك وزيادة دقة القرارات المتخذة.
خامسا. تحديد الفرص والتحديات : يمكن استخدام الإحصاءات من تحديد الفرص الجديدة في السوق وكذلك التحديات المحتملة التي قد تواجهنا وبالتالي يساعد ذلك في إعداد استراتيجيات لمواجهة التحديات واستغلال الفرص.
سادسا. الاستشراف والتحليل السيناريوهاتي : يستخدم التحليل الإحصائي لتطوير سيناريوهات مختلفة للمستقبل بناءً على البيانات الحالية والتوجهات المستقبلية مما يساعد ذلك في إعداد خطط بديلة والاستعداد للتغيرات المحتملة في البيئة المحيطة.
وبالتالي فباستخدام الإحصاءات بشكل فعال، يمكن للمؤسسات والدول تحسين قدرتها على التخطيط والتكيف مع التغيرات المستقبلية، وبالتالي تحقيق أهدافها الاستراتيجية بشكل أفضل.