تمكين المرأة أفضل استثمار في مواجهة التغير المناخي

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم المهندس عماد سعد، الامارات العربية المتحدة، 14 يوليو 2024

خبير المناخ والتنمية المستدامة، رئيس شبكة بيئة ابوظبي
(*) تم نشر هذا المقال في مجلة كوثريات، رقم 88 عدد شهر يونيو 2024 الصادرة عن مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث، كوثر، تونس.

لو سألنا أنفسنا سؤال بسيط:
من هي الفئات التي دفعت أو ستدفع ثمناً باهظاً في المستقبل من تداعيات التغير المناخي بالعالم!
من حيث المبدأ جميع الفئات متضررون بدون استثناء، لأن تغير المناخ بات أمراً واقعاً على مستوى العالم ولن يكون هناك أحد بمنأى عن هذا التأثير، والتأثير سيكون على أشده في المجتمعات الهشة، وفي الحلقات الأضعف داخل كل مجتمع مثل: الأطفال، النساء، ذوي الاحتياجات الخاصة، كبار السن وهكذا…

لماذا تدفع المرأة ضريبة التغير المناخي أكثر من الرجل؟
مما لا شك فيه أن التغيرات المناخية تضر بجميع الكائنات الحية على ظهر الكوكب، إلا أن ظواهر الطقس المتطرفة تصيب المرأة أكثر من الرجل؟ فقد وجدنا يومًا بعد يوم، قد تزايد الاعتراف بأن النساء هن أكثر عرضة للتأثيرات السلبية الناتجة عن الكوارث التي تجتاح العالم، سواء كانت كوارث طبيعية أم تلك الكوارث والأعاصير التي تحدث جراء التغير المناخي أو من صنع الإنسان. وتقول الباحثة هالة فودة من المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية “بأن جائحة كورونا خير مثال على الضريبة التي تدفعها المرأة في الأزمات والكوارث على وجه الخصوص، فقد رأينا تأثير الجائحة في تكريس عدم المساواة، وزيادة الفقر والعنف ضد النساء والفتيات. مما زاد من التحديات أمام قدراتهن على تحمل آثار أزمات البيئة والمناخ”.

وبحسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة فقد شهد عام 2020 خروج حوالي 113 مليون امرأة من سوق العمل تتراوح أعمارهن بين 25 و54 عامًا لديهن أزواج وأطفال صغار. ووفقًا لدراسة بعنوان: “حتى التغير المناخي يظلم النساء” الصادرة عن منظمة “نساء من أجل عدالة مناخية دولية” فإن نسبة تأثر التغير المناخي على النساء والبنات تزيد أضعاف عن تأثره على الرجال، على النحو التالي (على سبيل المثال لا الحصر):

1- عدد النساء اللاتي قُتلن في تسونامي 2004 في إندونيسيا بلغ ثلاثة أضعاف عدد الرجال.
2- عدد النساء اللاتي قُتلن في إعصار غوركي 1991 في بنغلاديش تسع أضعاف عدد الرجال.
3- عدد النساء اللاتي نزحن من منازلهن جراء حرائق استراليا 2009 بلغ ضعف عدد الرجال.
وبسبب الكوارث المناخية تمثل النساء 80% من النزوح المناخي. والفتيات هُن أول من يترك مقاعد الدراسة، بدون شك النساء يحاولن التكيف مع تغير المناخ وابتكار حلول رغم قلة الموارد لديهم.

ما هي التحديات التي تواجه المرأة العربية من آثار التغير المناخي:
المرأة بوجه عام والعربية على وجه الخصوص تواجه تحديات كبيرة جراء آثار التغير المناخي هذه التحديات تمتد إلى مجموعة متنوعة من المجالات وتشمل:

• الأمن الغذائي: التغير المناخي يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الإنتاج الزراعي والثروة السمكية. وبما أن المرأة في المجتمعات الريفية غالبًا تلعب دورًا مهمًا في الزراعة وتجهيز الطعام، فإن انخفاض إنتاجية الزراعة يؤثر على إمكانية تأمين الغذاء للأسرة.
• الماء والصرف الصحي: ندرة المياه وتدهور جودتها يؤثر على الصحة والنظافة الشخصية للمرأة، وقد يجبرها على ساعات طويلة من العمل للحصول على المياه النظيفة.
• الصحة: ارتفاع درجات الحرارة وتغير نمط الأمطار يزيدان من انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، مما يؤثر على صحة النساء وأطفالهن.
• التعليم: قد يكون التغير المناخي سببًا في ترك العديد من النساء التعليم للعمل في الزراعة أو أعباء أخرى لتأمين العائلة بسبب الظروف الصعبة.
• الهجرة والنزوح: في بعض المناطق، يمكن أن يؤدي التغير المناخي إلى تدهور البيئة وتنامي الجفاف إلى زيادة الهجرة والنزوح، مما يؤثر بشكل خاص على النساء والأطفال.

ما هو السبب في ذلك؟
وفقًا لبيان الأمم المتحدة الصادر في اليوم العالمي للمرأة مارس 2022، فإن النساء أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ من الرجال لأسباب التالية:
1- يُشكلن غالبية فقراء العالم، والفقراء أكثر عرضة للتغيرات المناخية.
2- يعتمدن بشكل أكبر على الموارد الطبيعية التي يهددها تغير المناخ أكثر من غيرها.
3- يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تعرض المرأة للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
4- في أغلب دول العالم تتحمل النساء مسئولية غير متكافئة عن تأمين الغذاء والماء والوقود، وهي مهام تُصبح أكثر صعوبة واستهلاكًا للوقت مع تغير المناخ.
حيث تضطر البنات والنساء إلى قطع مسافات بعيدة لتأمين مياه الشرب… للعائلة في مناطق الجفاف! ورغم أن النساء هن من يجلب الماء إلا أنهن آخر من يشربه إذ تكون الأولوية للرجال. بدون شك لا ينبغي لأي فتاة أو تختار بين جلب الماء أو الذهاب إلى المدرسة… فالتعليم حق والمدرسة حق.

لمواجهة التحديات التي تواجه المرأة العربية من آثار التغير المناخي
• المشاركة في صنع القرار: للمرأة دور مهم في مواجهة آثار التغير المناخي، علينا تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في تخطيط وتنفذ الاستراتيجيات المتعلقة بتغير المناخ.
• القوانين والتشريعات: ضرورة إصلاح القوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة وحقوقها في مواجهة الكوارث والاعاصير والفيضانات والجفاف والنزوح جراء التغيرات المناخية.
• تغيير نمط العمل: التغير المناخي يؤثر على الوظائف بالقطاعات الزراعية والصناعية، ما يؤدي إلى ضرورة تغير نمط العمل والفرص المتاحة للنساء لتتكيف مع المتغيرات.
• تأثيرات نفسية: يمكن أن تؤثر التحولات المناخية على الصحة النفسية للمرأة نتيجة للاستجابة لمشكلات التغير المناخي، وتجارب النزوح أو فقدان المأوى.
• التحضير والتأهب: تعزيز دور المرأة في التغير المناخي يسهم في بناء مجتمعات أكثر استدامة وتكافؤًا وعدالة، ويكسبها قدرة على مواجهة الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي
• التعليم والوعي: يمكن أن يؤثر التغير المناخي على إمكانية النساء للحصول على التعليم والوعي حول تغير المناخ وكيفية التعامل معه، مما يؤثر على قدرتهن على اتخاذ القرارات المستدامة.

قصص نجاح عربية:
1- بطلة المناخ الإماراتية أ. حبيبة المرعشي صاحبة مبادرة “من أجل إماراتنا نزرع”
بدأت حبيبة المرعشي مؤسس ورئيس مجموعة عمل الإمارات للبيئة بإطلاق المبادرة عام 2007 لزراعة مليون شجرة بالإمارات. شارك في المبادرة مئات المؤسسات الحكومية والشركات وآلاف من طلبة المدارس والعائلات بالإمارات، الأشجار المزروعة في هذه المبادرة هي من نبات الغاف والسدر، من البيئة المحلية المتحملة للملوحة والجفاف

أهداف المبادرة:
أ – زراعة مليون شجرة + مواجهة التغير المناخي + تلطيف الجو + مكافحة الجفاف والتصحر…
نتيجة المبادرة:
ب – لغاية عام 2022 تم زراعة 2,114,318 شجرة معمرة في جميع أنحاء دولة الإمارات
ت – تقوم هذه الأشجار بتخفيف 12,467 طن متري من انبعاثات (CO2) ثاني أكسيد الكربون سنويًا
ث – هذا الرقم يعادل إزالة 2,657 سيارة عن الطريق لمدة عام واحد.

2- بطلة المناخ العراقية د. آفاق إبراهيم جمعة صاحبة مبادرة زراعة مليون شجرة بالعراق.
تم إطلاق مبادرة زراعة مليون شجرة في العراق من قبل الدكتورة آفاق إبراهيم مديرة المبادرة بهدف تعزيز دور العراق في مواجهة التغير المناخي، البداية كانت تحت مظلة وزارة التعليم العالي بالعراق 2016 – 2021 لزراعة مليون شجرة بالعراق، شارك في المبادرة 22 جامعة عراقية + 19 إعدادية زراعية + 40 بلدية + … وتمت زراعة 1.5 مليون شجرة، نتيجة لهذا النجاح تبنت الحكومة العراقية المبادرة ووضعت خطة لزراعة 5 مليون شجرة خلال الفترة 2018 – 2022

هدف المبادرة:
أ- تعزيز التنوع البيولوجي، مواجهة التغير المناخي، مقاومة الجفاف والتصحر، مقاومة للعواصف والغبار، تلطيف الجو…
حيث تم إنتاج 120 نوع من بذور الأشجار الغابية التي تتسم بالتالي:
– مقاومة للجفاف، متحملة للملوحة، سريعة النمو، دائمة الخضرة، مفيدة اقتصادياً، ذات تنوع بيولوجي
نتيجة المبادرة:
– تم زراعة أكثر من 5 مليون شجرة والمبادرة مستمرة
– دخلت المبادرة ضمن تقرير العراق الطوعي الأول والثاني للأمم المتحدة

الخلاصة:
تكمن أهمية وجود المرأة في دوائر صنع القرار البيئي بأي دولة وخصوصاً ضمن مفاوضات المناخ، في أن القيادة تحتاج إلى تنوع في الرؤية والآراء والخبرات بين الذكور والإناث، فكلا الطرفين لديه قدرة وخبرة ورؤية تختلف عن الآخر، وهذا بحد ذاته قوة ناعمة وله قيمة مضافة في عملية التفاوض، بل في عملية التنمية المستدامة.

في هذه المناسبة استذكر قول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي “نَحْنُ تَجَاوَزنَا مَرْحَلَة تَمْكِّيْن المَرأَة، نَحْنُ نُمَكِّنُ الُمجْتَمَعْ عَنْ طَريْقِ الَمرْأَة”.
فالمرأة هي الحلقة الأضعف في سلسلة التغير المناخي … وعلينا تمكين المرأة العربية… لأن ذلك هو أفضل استثمار لتمكين المجتمع من التَّكَيُّف مع المناخ، لأن الأرض ليست لنا بل هي أمانة في أعناقنا للأجيال التي لم تولد بعد وخير من حمل ويحمل هذه الأمانة باقتدار هي المرأة.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

برنامج “الرائدات” من منصة “السيدات للاستدامة والبيئة والطاقة المتجددة” يستقبل طلبات الانتساب لدورة عام 2025

•يهدف برنامج “الرائدات” لتمكين الجيل القادم من القياديات في مجال الاستدامة •يستقبل البرنامج الذي يمتد …