القيود والثغرات التي تُعيق الدبلوماسية المناخية -دراسة حالة القرن الإفريقي

أمل علي داوود: يوليو 4, 2024
مدير تحرير مجلة آفاق المناخ – مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري،
وعضو بشبكة العدالة المناخية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مقدمة:
إن التغيُّر المناخي خطر حقيقي، ويحدث بشكل أسرع مما كنا نعتقد، ويُخلِّف آثارًا مدمرة على العالم بصفة عامة، وعلى القارة الإفريقية بصفة خاصة. وإن تأخُّر العمل في مواجهة الاحتباس الحراري يجعل خفض مستويات المخاطر المناخية أمرًا بعيد المنال. ومما لا شك فيه أن منع الصراعات على الموارد الطبيعية وإدارتها وحلها هي من بين التحديات الرئيسية للسلام والأمن في القرن الجاري. ومن شأن الطلب المتزايد على الموارد الطبيعية، المقترن بالتدهور البيئي والتغير المناخي، أن يؤدي إلى تكثيف الضغوط التنافسية بين البلدان والمجتمعات بشأن الوصول إلى الموارد وملكيتها واستخدامها.

ويتوقع العديد من الباحثين والحكومات أن تصبح الموارد الطبيعية محرّكات رئيسة لعدد متزايد من النزاعات والصراعات، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة محتملة على السلام والأمن الدولي والإقليمي والوطني.

وعليه، يتطلب دعم البلدان لتستطيع التصدّي بفعالية لمخاطر الصراع، وتعزيز فرص بناء السلام، ورسم إستراتيجية واعية لاستخدام وإدارة الموارد الطبيعية في الدول الإفريقية.

في هذا السياق، تُعدّ الدبلوماسية المناخية حلقة الوصل بين مناقشات المصلحة الوطنية والتعاون الدولي. وتضمن التقييم الدقيق للمصالح وأهداف الدول الأخرى، وإفساح المجال للاتفاق بشأن العمل المناخي.

باختصار، يمكن ملاحظة الدبلوماسية المناخية من خلال موقف مشترك منسَّق وتصميم رؤًى سياسية قوية لتنفيذ الجهود الجماعية في مواجهة تحديات التغيُّر المناخي المعقَّدة.

وإذا كنّا بصدد الحديث عن الدبلوماسية المناخية، تأتي هذه الدراسة في ثلاثة أجزاء رئيسة، بخلاف المقدمة والخاتمة؛ يستعرض الجزء الأول مفهوم الدبلوماسية المناخية والبنود المستندة إليها، ويناقش الجزء الثاني القيود والثغرات الحالية التي تُعيق الدبلوماسية المناخية بدراسة حالة القرن الإفريقي، وذلك من خلال تحليل تداعيات التغير المناخي وتفاوت الفجوات في أجندات الأولويات الوطنية، لا سيما فيما يتعلق بنقص التمويل المخصَّص لجدول أعمال الدبلوماسية المناخية، وعدم إعطاء الأولوية للسياقات المتأثرة بالصراع.

بعد طرح الثغرات الرئيسة في الجزء الثاني، يتناول الجزء الثالث ضرورة اتساق الأولويات الإقليمية لإعادة توجيه الدبلوماسية المناخية بشكل أفضل؛ بغية مراعاة الترابط مع السلام والتنمية، ومجالات تقارب المصالح الدولية الإفريقية والاستفادة منها.

وترى الدراسة أن إعادة توجيه الدبلوماسية المناخية لمعالجة الفجوات القائمة ستكون أساسية ليس فقط لدعم السلام والأمن للسكان والمناطق الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي، بل أيضًا لآفاق شراكات هادفة في إفريقيا تخلق فضاء أوسع للدبلوماسية المناخية والأمن المناخي.

أولًا: ماهية الدبلوماسية المناخية
تشير التعريفات الشائعة للدبلوماسية إلى إدارة العلاقات الدولية أو التأثير على قرارات وسلوكيات الحكومات الأجنبية من خلال الحوار والتفاوض. إن الدبلوماسية باللغة العامية الحالية أوسع من العلاقات الثنائية؛ إذ تشمل الحوار متعدّد الأطراف ومؤتمرات القمة والمؤتمرات الدولية وغيرها. وعليه، تشير الدبلوماسية المناخية أو دبلوماسية المناخ إلى الأنشطة المذكورة أعلاه التي تم القيام بها لمعالجة إشكالية التغير المناخي العالمية([1]).

وتشير الدبلوماسية المناخية أيضًا إلى مفاوضات المناخ العالمية التي تهدف إلى صياغة استجابة مشتركة لإشكالية التغير المناخي. ولعل العنصر الأبرز في الدبلوماسية المناخية هو عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (UNFCCC) واجتماعاتها السنوية للحكومات، فإنها تظهر الآن أيضًا في العلاقات الثنائية بين الدول، وفي جميع العمليات متعددة الأطراف تقريبًا ومؤتمرات القمة العديدة.

ولطالما تم تعريف الدبلوماسية المناخية على أنها استخدام القنوات والإستراتيجيات الدبلوماسية لمعالجة التغير المناخي وتأثيره على العلاقات الدولية. فهي تنطوي على التفاوض وتنفيذ السياسات والمعاهدات والاتفاقات المتعلقة بالمناخ على المستوى الدولي، فضلًا عن التعاون بين البلدان وأصحاب المصلحة الآخرين للحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة، والتكيف مع آثار التغير المناخي، وتعزيز التنمية المستدامة([2]).

وأشار البروفيسور “إيمانويلا دوسيس” من جامعة كابوديستريا في أثينا باليونان، إلى أنه لا يوجد تعريف متفق عليه للدبلوماسية المناخية. ولكنها شكل من أشكال السياسة المستهدفة التي تشير إلى استخدام الأدوات الدبلوماسية لدعم تحقيق الأهداف المناخية الدولية للحد من الآثار السلبية للتغير المناخي على السلام والاستقرار والازدهار. وبعبارة أخرى، تهدف الدبلوماسية المناخية إلى إعطاء الأولوية للتعميم.

وعليه، فإن الدبلوماسية المناخية تعمل انطلاقًا من مبدأين؛ الأول: الدبلوماسية بالقدوة؛ حيث تقدم الدولة أو المنطقة مثالًا يُحتذَى به من خلال وضع هدف طموح للمساهمات المحددة وطنيًّا في حل إشكالية التغير المناخي، مع العمل المستمر على الهدف المرجو على فترات متفق عليها دوليًّا.

والثاني، إنها تضرب مثالًا من خلال الالتزام بالتعاون الدولي بحيث لا يقنع مثالها المحلي البلدان الأخرى فحسب بأن تحذو حذوها، بل يرافقها أيضًا أعمال متطلعة إلى الخارج تُعزّز مرونة المناخ والطموحات المناخية لدى تلك الأطراف غير القادرة على أن تحذو حذوها دون دعم. وكممارسة نموذجية، فإن الدبلوماسية المناخية هي محلية ودولية في آنٍ واحدٍ.

جدير بالذكر أن عام 2023م كان عامًا مهمًّا بالنسبة للدبلوماسية المناخية. فقد هدف اتفاق باريس 2015م إلى الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة مئوية([3]). ويشكل “التقييم العالمي” الخاص بالاتفاق مراجعة دورية لمدى توافق المساهمات المحددة وطنيًّا للبلدان مع هدف 1.5 درجة مئوية، وما يصاحب ذلك من ميزانية الكربون العالمية المتبقية (حتى الآن 250 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون). واختتمت عملية التقييم العالمية الأولى في مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة المعني بالتغير المناخي (COP28) في دبي نهاية عام 2023م؛ حيث تم التفاوض على الاتفاق بشأن الجولة التالية من الأهداف.

ويشير التقرير المُقدم، الذي نُشر في سبتمبر من العام ذاته، إلى أن “هناك حاجة إلى تحولات في النظام في جميع القطاعات والسياقات”؛ إذا أراد العالم تحقيق صافي الصفر (حياد الكربون) بحلول عام 2050م (شرط اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي المتمثل في الحفاظ على درجة حرارة 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2100م). وبالتالي فإن التحدي الشامل الذي يواجه الدبلوماسية المناخية لا يكمن في عملية الوضوح، بل أن تخلق الدبلوماسية حالة القدوة في التغيير التحويلي.

لذلك، فإن عصر الدبلوماسية المناخية التي تركّز على المفاوضات يقترب من نهايته، ويجب أن يحل محله الآن عصر التنفيذ والمساءلة. وما يتخلف هو تنفيذ الحكومات وقطاع الأعمال لالتزاماتها واتخاذ الإجراءات على المستوى المطلوب لتجنُّب الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي بدأ الشعور بها بالفعل بسبب التغير المناخي. فاستمرار ارتفاع الانبعاثات العالمية بعد أكثر من 30 عامًا من اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي يشكل إدانة مؤسفة للحكومات لفشلها في تنفيذ مخرجات “الدبلوماسية المناخية”.

ثانيًا: القيود والثغرات التي تُعيق الدبلوماسية المناخية في القرن الإفريقي “أزمة متعددة”
أجبَر الطقس المتطرّف والكوارث الطبيعية ملايين الأشخاص على الفرار من منازلهم بحثًا عن الطعام والمراعي خلال الفترة الماضية([4]). وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن حوالي 47 مليون شخص في القرن الإفريقي يحتاجون إلى مساعدات غذائية إنسانية([5]). ويعاني نحو 32 مليون منهم من انعدام الأمن الغذائي الحاد (يوضحها الشكل رقم 1) في كينيا والصومال وإثيوبيا فحسب، هذا فضلًا عن سريان الكوارث الوطنية المُعلنة في عام 2021م، وفقدان سُبل العيش؛ وزيادة المخاوف بشأن تفشي الأمراض (يوضحها الشكل رقم 2)؛ وتدمير الممتلكات والبنية التحتية؛ كما تم الإبلاغ عن ارتفاع المخاطر الاقتصادية والأمنية جراء التغير المناخي في البلدان الثلاثة المذكورة.


شكل (1) مستويات انعدام الأمن الغذائي المتوقعة عبر جداول زمنية مختلفة


شكل (2) معدل تفشي الأمراض

لقد أدَّى التفاعل بين تلك التحديات غير المترابطة إلى خلق “أزمة متعددة” في المنطقة. فأزمة المناخ يصاحبها النزوح، وتزيد من تعقيد الحياة، لا سيما لأولئك الذين أُجبروا بالفعل على الفرار. الأمر الذي يخلق معه صعوبة في توفير الحماية والحلول المواتية للنازحين جراء تزايد الظروف المتدهورة المصاحبة للتغير المناخي في مناطق المنشأ واللجوء([6]).

يعيش الملايين من اللاجئين والنازحين داخليًّا وعديمي الجنسية في “مناطق مناخية ساخنة”؛ يفتقرون عادةً إلى الموارد اللازمة للتكيف مع بيئة غير مِضْيَافة على نحو متزايد. وتُعدّ منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات الكبرى (EHAGL) واحدةً من أكثر المناطق عُرضة لتداعيات التغير المناخي على مستوى العالم، وقد تنامَى عدد النازحين قسرًا في المنطقة ثلاثة أضعاف تقريبًا خلال العقد الماضي، كما يوضحها الشكل رقم (3). ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، فقد أدَّى الجفاف إلى نزوح حوالي 1.1 مليون شخص من منازلهم في الصومال خلال عام 2022م. ومن الصعب على الصومال إعطاء الأولوية للعمل المناخي في هذه الحالة([7]).


شكل (3): اللاجئون والنازحون داخليًّا في منطقة القرن الإفريقي الكبرى، 2019-2023م (حتى نهاية يوليو 2023م)

وغالبًا ما يعيش السكان النازحون قسرًا في مناطق من المتوقع أن تشهد زيادات ضخمة في المخاطر المناخية بحلول عام 2030م. ولمواجهة التحديات المتوقعة، فإن على دول القرن الإفريقي إعادة تشكيل تحالف من الشركاء يضمن التوافق بين العمل الإنساني والتنمية والأمن المناخي، والاستفادة من استثمارات التكيف المناخي، والقدرة على الصمود لدعم المناطق التي تستضيف النازحين قسرًا.

ففي أكتوبر 2023م، استضافت منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات الكبرى ما مجموعه 19 مليون نازح قسريًّا. ومن بين هؤلاء، كان هناك أكثر من 5.4 مليون لاجئ وطالب لجوء؛ مما يعني أن المنطقة تستضيف واحدًا من كل ستة لاجئين على مستوى العالم. ونزح أكثر من 13.6 مليون شخص داخليًّا. ومن بين هؤلاء، كان ما لا يقل عن 2.1 مليون شخص يعيشون في حالة نزوح داخلي بنهاية عام 2022م في أعقاب آثار الأحداث الخطيرة أو “الكوارث” المرتبطة بالمناخ، ولا سيما الفيضانات وحالات الجفاف.

وقد خلص بحث أصدره صندوق النقد الدولي مؤخرًا بشأن تحديات المناخ في الدول الهشَّة والمتأثرة بالصراعات إلى أن الضعف المناخي وأوجه الهشاشة الأساسية تتمثل في: الصراعات، والاعتماد الكبير على الزراعة البعلية، وضعف القدرات والحواجز السياسية؛ مما تؤدي هذه العوامل مجتمعةً إلى تفاقم بعضها البعض، ويصاحبها تفاقم التأثير السلبي على الأفراد والاقتصادات([8]).

من بين البلدان الأكثر هشاشة والمتأثرة بالصراعات، ظهرت ست دول إفريقية (بوروندي وإثيوبيا وإريتريا والصومال وجنوب السودان والسودان) في قائمة عام 2024م كما يوضحها الشكل رقم (4)، وتستضيف هذه البلدان الستة 47% من جميع اللاجئين وطالبي اللجوء في المنطقة، فضلًا عن 100% من جميع النازحين داخليًّا. وفي الوقت نفسه، اعتبارًا من عام 2022م، هناك حوالي 4.8 مليون لاجئ وطالب لجوء، يشكلون 97% من إجمالي السكان المستضافين في المنطقة البالغ عددهم حوالي 4.9 مليون نسمة، ينحدرون من الدول الهشَّة والمتأثرة بالصراعات.


شكل (4): الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، السنة المالية 2006 ,2024م

وفي ظل حالات الصراعات والهشاشة، تُواجه العديد من المرافق الوطنية (NMHSs) احتياجات تنموية وثغرات كبيرة في القدرة على توفير معلومات وخدمات متعلقة بالطقس والمناخ والماء، وما يتصل بذلك من معلومات وخدمات بيئية لتلبية الاحتياجات الوطنية والإقليمية والعالمية. وتتمحور التحديات عادةً حول الاستثمار في البنى التحتية المستدامة، والموارد البشرية، والقدرة على الاستفادة من أوجه التقدُّم المُحْرَز في مجال العلم والتكنولوجيا.

‏وكثيرًا ما تُوجَد أوجه القصور هذه في البلدان المُعرَّضة بوَجْه خاص لمخاطر طبيعية. وهذه الظواهر يمكن أن تهدِّد حماية الأرواح والممتلكات بفعالية، وأن تبطئ وتيرة عملية التعافي الاجتماعي والاقتصادي. وعلاوةً على ذلك، قد تساهم أيضًا العولمة وترابط البنية التحتية الحيوية في توسيع نطاق الفجوات في القدرات بين المرافق الوطنية في القرن الإفريقي. وقد أصبح تضييق الفجوات في القدرات من خلال مواصلة دعم الحكومات، والتعاون الدولي، وتحفيز الاستثمار، وتقديم مساعدات موجهة أمرًا أكثر أهمية من أيّ وقت مضى بالنظر إلى تزايد وتيرة وشدة الظواهر المتطرفة المتعلقة بالطقس والمناخ والماء والبيئة.

ولأسبابٍ تتراوح بين العجز في الحوكمة، وعدم اكتمال التعافي بعد جائحة “كوفيد-19″، إلى الاستقرار الوطني، والجفاف الذي طال أمده في القرن الإفريقي؛ فإن التمويل -وهو أحد “الموارد الحقيقية” المطلوبة للتخفيف من التغير المناخي– يعاني من نقص في المعروض. فمن المعروف حاجة البلدان في إفريقيا إلى الوصول إلى طاقة آمنة وبأسعار معقولة ونظيفة (الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة)، وتحتاج إمكاناتها الهائلة في مجال مصادر الطاقة المتجددة إلى الاستثمار العام والخاص المناسب، لذا تناولت قمة المناخ الإفريقية الأولى في سبتمبر 2023م طرح استثمار 600 مليار دولار أمريكي حتى عام 2030م. وفي قمة COP27 في مصر([9]) عام 2022م، تمت الدعوة إلى موقفين: أحدهما ضمن “الموقف المشترك” للحكومات الإفريقية (ولا سيما وزراء الطاقة)؛ والآخر مِن قِبَل المجتمعات المدنية الإفريقية والدولية (المنظمات غير الحكومية، ومصالح الوقود غير الأحفوري).

دافع الأول عن الغاز الأحفوري كوسيلة لتحقيق أولويتهم المباشرة: التنمية (الحد من الفقر، وتوفير الوصول الآمِن والميسور التكلفة إلى الطاقة). ودعا الثاني إلى الاستثمار السريع في مصادر الطاقة المتجددة التي تُوفّر نظام طاقة لا مركزي يلبّي احتياجات الفقراء ويمنع خطر الانحدار غير المنظم في الصادرات. ومع ذلك، لا يزال التقدُّم في هذا العمل المناخي بطيئًا.

ثالثًا: استكشاف وتعزيز “الدبلوماسية المناخية الإفريقية من أجل العمل المناخي“
تُعدّ معالجة التغير المناخي أحد الأهداف الأساسية في إطار خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030م، ولطالما يدعو الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة البلدان إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة التغير المناخي وآثاره، برزت الدبلوماسية المناخية كواحدة من الأدوات الرئيسة في الاستجابة العالمية للتغير المناخي مع القدرة على تعزيز إدارة المناخ في جميع أنحاء العالم.

وبما أن التغير المناخي يشمل مختلف القطاعات وأهداف التنمية المستدامة، ربطت بعض البلدان جهود الهدف 13 بمساهماتها المحددة وطنيًّا ودرست التأثيرات على القضايا المتعلقة بسُبُل العيش والزراعة والصحة والتعليم والتمويل. كما أوضحت البلدان الروابط بين التكيُّف وأهداف التنمية المستدامة والأطر العالمية الأخرى، بما في ذلك اتفاق باريس وإطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030م([10]).

وهذا اعتراف بإمكانية العمل التعاوني وأهمية التنسيق المشترك بين مختلف مستويات الحكومة. ورغم هذا النهج تظل المساعدات الإنسانية في القرن الإفريقي تركز إلى حد كبير على القدرة على الاستجابة للآثار المباشرة لحالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ لإنقاذ الأرواح وحمايتها، لذلك فإن تمويل العمل المناخي يجب أن يكون متعدد المستويات على مر السنوات، مع مواءمة التمويل مع خطط التنمية والتكيف الوطنية. بالإضافة إلى مبادرات المرونة لضمان القدرة والصمود.

ومع ذلك، حتى الآن، تلقت العديد من البلدان في منطقة الساحل ومنطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات الكبرى، أقل من متوسط مبلغ تمويل التكيف مع التغير المناخي للفرد مقارنةً بالبلدان الأخرى ذات الدخل المنخفض، على الرغم من تصنيفها في قمة الضعف المناخي. وفي هذا السياق، يصبح النظر في الاستثمارات التي تهدف إلى تعزيز الاعتماد على الجانب الوطني أكثر أهميةً؛ لأنه يحمل القدرة على تقليل الحاجة الماسَّة للمساعدة المستمرة على المدى المتوسط إلى الطويل([11]).

تتميز الخلفية التي تتكشف فيها أزمة المناخ بتزايد المنافسات الجيوسياسية، بما في ذلك النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني في القرن الإفريقي، والتي تشمل جهات دولية فاعلة بارزة. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد خطاب العدالة المناخية المتنامي على أهمية تعزيز نهج الأمن المناخي الذي يركز على إفريقيا. وبناء على ذلك، فإن تعزيز أجندة الدبلوماسية المناخية التي تعالج بشكل أكثر فعالية تحديات واحتياجات المناخ والأمن والسلام المترابطة في القارة الإفريقية، أمرٌ مهمّ من منظور العدالة المناخية، وكضرورة لتعزيز الشراكات الإفريقية-الإفريقية في سياق الديناميكيات العالمية الحالية.

فكينيا والصومال وإثيوبيا تمتلك خطط عمل والعديد من الاستثمارات مثل المساهمات المحددة وطنيًّا، ورغم ذلك جاءت نتائج جهود هذه الدول الثلاث )الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، واتفاق باريس لعام 2015م، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبروتوكول كيوتو لعام 2005م للحد من انبعاثات غازات الدفيئة) للتخفيف من التغير المناخي مختلطة؛ حيث تشهد الجهود تنوع الأولويات الوطنية مع وجود النهج المجزأ إلى حد كبير في مواجهة التحديات المعقدة والعابرة للحدود.

ومن هنا، يمكن لهذه الدول الثلاث استكشاف “الوحدة الإفريقية من أجل العمل المناخي”. وفي ظل الأهداف المشتركة والتحدي المتمثل في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة؛ من خلال زيادة الغطاء الشجري، واعتماد خيارات الطاقة الخضراء، فمن الممكن أن يبدأ هذا العمل بجهد دبلوماسي مناخي ثلاثي مُوجَّه نحو التشجير وتوليد الطاقة المتجددة. ويمكن أيضًا النظر في إدارة المياه المشتركة والبنية التحتية عبر الحدود.

ويمكن لإثيوبيا من خلال مكاتب الاتحاد الإفريقي وكينيا من خلال لجنة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية المعنية بتغير المناخ (CAHSGCC)، على سبيل المثال، تعبئة الملايين من شتلات الأشجار لتسريع حملات التشجير في البلدان الثلاثة، وتنشيط مبادرة التكيف مع المناخ الجارية في الصومال.

وستستفيد هذه الدبلوماسية المناخية الثلاثية الأطراف من شراكات التنمية التكميلية ودعم المستثمرين والمغتربين. ويمكن الاستفادة من هذه الأموال، على سبيل المثال، لمساعدة الصومال على جمع نحو 48.5 مليار دولار أمريكي الذي تحتاجه للتكيف على المدى القصير. ويمكن لكينيا زيادة قدرة المجتمعات والمناطق الجغرافية في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة على مواجهة الآثار الضارة للمناخ بتعزيز قدرات الهيئة الوطنية لإدارة الجفاف (NDMA).

ويمكن لمنطقة القرن الإفريقي -بدعم من الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد)، على سبيل المثال- تقديم مساعدات إنمائية، وتحويلات مالية لدعم العمل المناخي، ودعم الصومال و/أو المجتمعات الأخرى التي تواجه مأزقًا مماثلًا في منطقة القرن الإفريقي. فقد تساعد هذه الإجراءات في حل “الأزمة المتعددة”.

خاتمة:
إن حالة الطوارئ المناخية تلوح في الأفق، ويجب استخدام كل الوسائل المتاحة للبشرية لتسريع العمل لتحقيق هدف عدم تجاوز زيادة درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية. إن الآثار المترتبة على العمل على المستوى الوطني وعلى مستوى الشركات واضحة؛ فلابد أن تنتهي المماطلة.

وفيما يتعلق بالدبلوماسية المناخية -متعددة الأطراف والإقليمية والثنائية- ينبغي أن يكون التركيز الآن على التوافق والتنفيذ، وليس على المفاوضات. وما يعنيه هذا من الناحية العملية أقل وضوحًا، ولكنه يتطلب اهتمامًا عاجلًا. ويجب التصدي للنزعة السائدة في العمليات الحكومية الدولية للالتزام بمبدأ “العمل كالمعتاد”. ويتعين على الحكومات والعمليات المتعددة الأطراف أن تضع خططًا جديدة للأزمة، كمساهمة في إعادة التفكير في كيفية دعم الدبلوماسية وتحفيزها ودفعها بشكل أفضل للتخفيف من التغير المناخي والتكيف معه.

وبين المخاوف الأمنية قصيرة المدى والمخاوف المناخية طويلة المدى، وإدارة التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري، وتوسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة، وإقامة تعاون دولي لتنمية الطاقة النظيفة. في البلدان الأكثر عُرضة للخطر. يمكن القول بأن الخطط الإفريقية بحاجة إلى تنويع إمدادات طاقة تلتزم بنص الدبلوماسية المناخية؛ فالدبلوماسية المناخية لا ينبغي أن تقتصر فقط على نهج التعامل مع كل بلد، بل يجب أن تسمح بالديناميكيات داخل البلد الواحد، بين أصحاب المصلحة والشركاء التجاريين. وكذلك في المجتمع المدني داخل القارة الإفريقية وخارجها.

المراجع:
[1] – Adelphi 2014: New Paths for Climate Diplomacy. Authors: Paola Adriázola, Alexander Carius, Laura Griestop, Lena Ruthner, Dennis Tänzler, Joe Thwaites, Stephan Wolters. Berlin: adelphi. Supported by the German Federal Foreign Office.
[2] – European Union Council 2020: Conclusions on Climate Diplomacy adopted at the 3742nd meeting of the Council on 20 January 2020.
[3] – UN, The Paris Agreement, https://www.un.org/en/climatechange/paris-agreement.
[4] – Nelson. E , and S. Khan, ” Climate and Migration in East and the Horn of Africa: Spatial Analysis of Migrants’ Flows Data.”, UN Migration and Harvard Humanitarian Initiative, August 2021.
[5] -WHO is on the ground as climate-driven health emergency in the Greater Horn of Africa threatens 47 million people, WHO, https://www.emro.who.int/media/news/who-is-on-the-ground-as-climate-driven-health-emergency-in-the-greater-horn-of-africa-threatens-47-million-lives.html
[6] – Cornforth, R. J., C. Petty and G. Walker, 2021: Supporting Climate-Resilient Planning at National and District Levels: A Pathway to Multi-stakeholder Decision-Making in Uganda. In: Climate Risk in Africa: Adaptation and Resilience [Conway, D. and K. Vincent (eds.)]. Springer International Publishing, Cham, pp. 131–145. ISBN 978-3-030-61160-6.
[7] – World Food Programme, Annual performance report for 2021, June 2022.
[8] – Jaramillo, Laura, Aliona Cebotari, Yoro Diallo, Rhea Gupta, Yugo Koshima, Chandana Kularatne, Daniel Jeong Dae Lee, Sidra Rehman, Kalin Tintchev, and Fang Yang. 2023. “Climate Challenges in Fragile and Conflict-Affected States.” IMF Staff Climate Note 2023/001, International Monetary Fund, Washington, DC.
[9] – Ighobor. K, COP27: Key takeaways for Africa, Africa Renewal, December 2022, https://www.un.org/africarenewal/magazine/december-2022/cop27-key-takeaways-africa.
[10] – UNDRR. 2023. “The Report of the Midterm Review of the Implementation of the Sendai Framework for Disaster Risk Reduction 2015–2030”. Geneva: UNDRR. https://www.undrr.org/quick/77288
[11] – United Nations. 2022a. “Progress Towards the Sustainable Development Goals.” Report of the Secretary-General, E/2022/55. New York: ECOSOC. https://digitallibrary.un.org/record/3977147

المصدر، موقع قراءات افريقية، https://qiraatafrican.com/21294/

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

أفريقيا حان الوقت لكي يدفع الملوثون الأثرياء ثمن أزمة المناخ التي تسببوا فيها

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم هيلدا فلافيا ناكابوي 30 سبتمبر 2024 نيويورك ــ يقف العالم عند …