مصر تخطو خطوة جريئة نحو مستقبل أخضر

الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون

شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 16 أغسطس 2024

تواجه البشرية تحديات بيئية متزايدة، أبرزها تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض. وتسعى الدول حول العالم إلى إيجاد حلول مبتكرة للحد من الانبعاثات الكربونية والانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة. في هذا السياق، وفي خطوة جريئة نحو مستقبل أكثر استدامة، أعلنت الحكومة المصرية عن إطلاق “الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون”. تهدف هذه الاستراتيجية الطموحة إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي وعالمي لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، وذلك من خلال الاستفادة من مواردها الطبيعية الهائلة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

تأتي هذه الخطوة في إطار الجهود العالمية المتسارعة للانتقال إلى اقتصاد أخضر ونظيف، حيث يعتبر الهيدروجين الأخضر وقوداً مستقبلياً واعداً. وتأتي مبادرة مصر بإطلاق “الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون” لتؤكد على دورها الريادي في مجال الطاقة المستدامة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتستند هذه الاستراتيجية إلى رؤية طموحة تهدف إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي وعالمي لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، وذلك من خلال الاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز ومواردها الطبيعية الهائلة، لاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

تحقيق العديد من الأهداف
تهدف هذه الاستراتيجية الطموحة إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي وعالمي لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، وهو الوقود الذي يُنتج باستخدام الكهرباء المتجددة من مصادر مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويتميز الهيدروجين الأخضر بأنه خالٍ من الانبعاثات الكربونية، مما يجعله حلاً مثاليًا للحد من التلوث وتحقيق الحياد الكربوني.
تسعى الاستراتيجية إلى تحقيق أهداف متعددة، منها تنويع مصادر الطاقة، وخلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومن بينها أيضا:
• تنويع مصادر الطاقة: تخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقليل الانبعاثات الكربونية.
• خلق فرص عمل: تحفيز الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة وخلق فرص عمل جديدة.
• جذب الاستثمارات: جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتمويل المشاريع المرتبطة بالهيدروجين الأخضر.
• تحقيق أهداف التنمية المستدامة: المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما تلك المتعلقة بالطاقة والبيئة.

أهداف الاستراتيجية
تتضمن أهداف الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون ما يلي:
• تنويع مصادر الطاقة: تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقليل الانبعاثات الكربونية.
• تعزيز الأمن الطاقة: تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
• خلق فرص عمل: تحفيز الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة وخلق فرص عمل جديدة.
• جذب الاستثمارات الأجنبية: جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتمويل المشاريع المرتبطة بالهيدروجين الأخضر.
• تحقيق التنمية المستدامة: المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما تلك المتعلقة بالطاقة والبيئة.
• تعزيز التعاون الدولي: بناء شراكات دولية لتبادل الخبرات والتكنولوجيا في مجال الهيدروجين الأخضر.

الركائز الأساسية للاستراتيجية
• الاستفادة من الموارد الطبيعية: الاستفادة من الإمكانات الهائلة لمصر في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
• البنية التحتية: تطوير البنية التحتية اللازمة لإنتاج وتخزين ونقل الهيدروجين.
• التعاون الدولي: بناء شراكات مع الدول والمنظمات الدولية المتخصصة في مجال الطاقة المتجددة.
• التشريعات والقوانين: تطوير إطار تشريعي وقانوني داعم للاستثمار في قطاع الهيدروجين الأخضر.
• البحث والتطوير: دعم البحث والتطوير في مجال تكنولوجيا الهيدروجين.

التحديات والفرص
على الرغم من التحديات، فإن هناك العديد من الفرص التي تتيحها استراتيجية الهيدروجين الأخضر لمصر، والفرص المتاحة من أهمها:
• الاستفادة من الموارد الطبيعية: يمكن لمصر الاستفادة من وفرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة تنافسية.
• خلق فرص عمل: يمكن لقطاع الهيدروجين الأخضر أن يخلق فرص عمل جديدة في مختلف المجالات، مثل الهندسة، والصيانة، والتشغيل.
• تعزيز التعاون الدولي: يمكن لمصر بناء شراكات قوية مع الدول الأخرى في مجال الطاقة المتجددة.
• تحقيق التنمية المستدامة: يمكن للهيدروجين الأخضر أن يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل الحد من الفقر وتحسين الصحة.

التحديات التي تواجه تنفيذ الاستراتيجية
على الرغم من الإمكانات الواعدة التي تتيحها استراتيجية الهيدروجين الأخضر، إلا أنها تواجه بعض التحديات التقنية والاقتصادية التي يجب التغلب عليها، من أبرزها:
• كفاءة الإنتاج: لا تزال كفاءة إنتاج الهيدروجين الأخضر وتخزينه ونقله تمثل تحديًا كبيرًا، حيث تتطلب تقنيات متطورة ومكلفة.
• التكاليف المرتفعة: تعتبر تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر حاليًا أعلى من تكلفة الوقود الأحفوري، مما يحد من انتشاره على نطاق واسع.
• البنية التحتية: تتطلب صناعة الهيدروجين الأخضر تطوير بنية تحتية متكاملة تشمل محطات الإنتاج وشبكات التوزيع.
• الكوادر البشرية: تحتاج مصر إلى بناء كوادر بشرية مؤهلة في مجال الهيدروجين الأخضر.
• البيروقراطية: قد تواجه المستثمرون بعض العقبات البيروقراطية في الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة لتنفيذ مشاريع الهيدروجين الأخضر.
• نقص الوعي: يحتاج المجتمع المصري إلى زيادة الوعي بأهمية الهيدروجين الأخضر وفوائده.
• نقص الخبرة: تحتاج مصر إلى بناء القدرات والخبرات في مجال الهيدروجين الأخضر.
• التغيرات المناخية: قد تؤثر التغيرات المناخية على إنتاج الطاقة المتجددة وتؤثر على إنتاج الهيدروجين الأخضر.
• التنافس الدولي: تواجه مصر منافسة شديدة من دول أخرى تسعى لتطوير صناعات الهيدروجين الأخضر.
ومع ذلك، فإن هذه التحديات ترافقها فرص كبيرة، حيث يمكن لمصر أن تستفيد من الريادة المبكرة في هذا المجال وتصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا للهيدروجين الأخضر.

الآثار المتوقعة
من المتوقع أن تؤدي استراتيجية الهيدروجين الأخضر إلى تحقيق العديد من الفوائد لمصر، منها:
• تحسين جودة الهواء: تقليل الانبعاثات الملوثة وتحسين جودة الهواء.
• تعزيز الأمن الغذائي: توفير المياه من خلال استخدام تقنيات جديدة في إنتاج الهيدروجين.
• خلق فرص عمل جديدة: تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل في مختلف القطاعات.
• تعزيز السمعة الدولية: ترسيخ مكانة مصر كدولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة.

دور القطاع الخاص والحكومة
لتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر، يتطلب الأمر تضافر جهود القطاعين العام والخاص.
• دور القطاع الخاص: يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا حيويًا في الاستثمار في مشاريع الهيدروجين الأخضر، وتطوير التقنيات الجديدة، وتسويق المنتجات النهائية.
• دور الحكومة: يتعين على الحكومة توفير بيئة جاذبة للاستثمار، وتقديم الدعم المالي والتقني للشركات العاملة في هذا المجال، وتطوير التشريعات والقوانين اللازمة.

الشراكات الدولية
تلعب الشراكات الدولية دورًا حاسمًا في نجاح استراتيجية الهيدروجين الأخضر في مصر. يمكن لمصر الاستفادة من الخبرات والتكنولوجيات المتقدمة للدول المتقدمة في هذا المجال، وكذلك من التمويل الدولي للمشاريع.

الآثار المستقبلية
من المتوقع أن تؤدي استراتيجية الهيدروجين الأخضر إلى تحقيق العديد من الآثار الإيجابية على المدى الطويل، بما في ذلك:
• تحقيق الحياد الكربوني: المساهمة في تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
• تعزيز الاقتصاد الوطني: خلق فرص عمل جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي.
• تحسين جودة الحياة: تحسين جودة الهواء والبيئة بشكل عام.
• تعزيز مكانة مصر إقليميًا وعالميًا: ترسيخ مكانة مصر كدولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة.

الخطوات القادمة
لتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر، يجب على مصر اتخاذ مجموعة من الخطوات، بما في ذلك:
• تحديد المشاريع ذات الأولوية: تحديد المشاريع التي ستساهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف الاستراتيجية.
• توفير التمويل اللازم: توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشاريع، سواء من خلال الموارد المحلية أو من خلال التعاون الدولي.
• بناء القدرات: بناء القدرات البشرية في مجال الهيدروجين الأخضر من خلال التدريب والتأهيل.
• تطوير الأطر التنظيمية: تطوير الأطر التنظيمية والقانونية اللازمة لتنظيم قطاع الهيدروجين الأخضر.

تعد استراتيجية الهيدروجين الأخضر في مصر خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا لمصر. ورغم التحديات التي تواجهها، إلا أن الفرص المتاحة كبيرة جدًا. تعتبر مصر دولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، ومع ذلك، فإن النجاح في تنفيذ هذه الاستراتيجية يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والشركاء الدوليين. ومن خلال الاستثمار في هذا المجال، ومن خلال التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والشركاء الدوليين، يمكن لمصر أن تحقق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة والبيئة وتصبح لاعباً رئيسيًا رائدًا في الاقتصاد العالمي الجديد. ويجب على مصر الاستفادة من نقاط قوتها والتغلب على التحديات التي تواجهها لتحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة.
لكن تغير المناخ يمثل تحديًا كبيرًا يؤثر على إنتاج الهيدروجين الأخضر. ومن خلال التخطيط الاستراتيجي والاستثمار في التقنيات الحديثة والتعاون الدولي، يمكن لمصر التكيف مع تغير المناخ وتعزيز مكانتها كرائدة في مجال الطاقة المستدامة.

* د. طارق قابيل
*كاتب ومترجم ومحرر علمي، أكاديمي، عضو هيئة التدريس – قسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة، مصر.
*مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
*عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.
tkapiel@sci.cu.edu.eg

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

بذور التغيير: تعليم المناخ هو الحل لزراعة الوعي البيئي في أجيال المستقبل

نحو مستقبل مستدام: استكشاف دور التعليم في مواجهة التحديات البيئية ومكافحة تغير المناخ شبكة بيئة …