تبني الصيد المستدام في الشرق الأوسط: مسار نحو المحافظة على البيئة والتراث

تكتسب ممارسات الصيد المستدام أهمية خاصة في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لدورها المحوري في المحافظة على الحياة البرية ومراعاة التوازن البيئي. وتتواصل إعادة تشكيل تلك الممارسات، المتأصلة بعمق في التراث الثقافي المحلي، لتتماشى مع الجهود المعاصرة للمحافظة على البيئة، بما يضمن استمرارية تقاليد الصيد دون استنزاف الموارد الطبيعية.

أهمية الصيد المستدام
يشمل الصيد المستدام ممارسات مقنّنة تضمن عدم استنزاف أعداد الحياة البرية، ويركز على إدارة الأنواع والمحافظة على الموائل الطبيعية والأطر القانونية التي تمنع الصيد الجائر. وتعد تلك التدابير ضرورية لمراعاة التنوع البيولوجي والتوازن البيئي، وهما عنصران مهمان لسلامة النظم البيئية.

ويشدّد تيري غارسيا، الخبير البارز في مجال المحافظة على البيئة والسياسات البيئية والمشورة الاستراتيجية حول العالم، على الفوائد المتعددة للصيد المسؤول، حيث يقول: “يوفّر الصيد المسؤول فوائد عديدة للمجتمع والبيئة والاقتصاد، وينشئ منظومة شاملة تضم الأنشطة الترفيهية وتوفير فرص العمل وتعزيز مساهمة الصيادين. وتلعب تلك المساهمات دوراً محورياً في دعم النظم الاجتماعية والاقتصادية المخصصة للحياة البرية والمحافظة على الموائل الطبيعية للأجيال المقبلة”.

المبادرات الإقليمية وجهود المحافظة على البيئة
اعتمدت دولة الإمارات عدداً من المبادرات التي تعزز الصيد المستدام والمحافظة على البيئة. فعلى سبيل المثال، يعمل نادي صقاري الإمارات، بالتعاون مع الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى، على حماية طائر الحبارى الذي يعدّ جزءا من التراث الثقافي المرتبط بالصقارة. وأسست الدولة كذلك شبكة من المناطق المحمية والمتنزهات الوطنية، مثل متنزه جبل حفيت الوطني ومحمية مروّح البحرية بهدف حماية التنوع البيولوجي. وتُبرز برامج المحافظة على الأنواع المستهدفة، بما يشمل إعادة توطين المها العربي، والمشاريع الشاملة لاستعادة الموائل، مثل إعادة تأهيل أشجار القرم، حرص دولة الإمارات على حماية البيئة.

وكانت دولة الإمارات قد حدّثت قوانين الصقارة في عام 2021 تحت إشراف هيئة البيئة – أبوظبي، لتقييد الصيد داخل المناطق المحمية مع السماح باستخدام الصقور المرخصة والمسجلة فقط لصيد طيور الحبارى. وتتماشى تلك القوانين مع جهود المحافظة على البيئة والسياسات البيئية، مما يضمن تطبيق معايير الصيد المستدام بالتوازي مع الحفاظ على التقاليد المحلية.

في هذا السياق، يقوم معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، الذي يدخل الآن عامه الحادي والعشرين، بدور مهم في تشجيع ممارسات الصيد المستدام. ويشير تيري غارسيا إلى أن المعرض يشكل فرصة مناسبة لتأسيس لجنة تضم الأطراف المعنية من القطاعين العام والخاص بهدف زيادة التعاون مع الحكومة بشأن تعزيز الوعي بأهمية الصيد المستدام والصقارة في المنطقة. ويقول غارسيا: “يعزز ذلك دور الدولة والحكومة كرائدة في المحافظة على البيئة وممارسات الصيد المستدام”.

ومن الدول التي اتخذت خطوات نوعية في هذا الإطار المملكة العربية السعودية التي تتبنى ممارسات الصيد المستدامة للتصدي للصيد الجائر الذي أدى إلى انخفاض أعداد الحيوانات البرية في الماضي، واعتمدت المملكة قوانين صيد صارمة يشرف عليها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. وتلزم تلك القوانين الصيادين بالحصول على تصاريح، وتحظر صيد الأنواع المهددة بالانقراض. وتطبق القوات الخاصة للأمن البيئي تلك القوانين باستخدام التكنولوجيا المتقدمة ومنصات التواصل الاجتماعي لرصد ومنع أنشطة الصيد غير القانونية.

وتشمل إحدى أبرز مبادرات المملكة محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية، التي تحتضن أكثر من 180 نوعاً من النباتات و60 نوعاً من الحيوانات. وتتولى المحمية إدارة أنشطة مختلفة لتحقيق التوازن بين المحافظة على النظم البيئية والاستمتاع بالمساحات العامة. كما يمثل التفاعل مع المجتمع المحلي أمراً بالغ الأهمية، حيث يتم تنظيم مبادرات ترمي إلى زيادة الوعي البيئي وإشراك المواطنين في مشاريع المحافظة على البيئة. وتعكس مبادرة السعودية الخضراء التي تهدف إلى حماية 30% من مناطقها البرية والبحرية التزامها المتواصل بالمحافظة على البيئة وحماية الموائل الطبيعية والتنوع البيولوجي.

من جانبها، تبنت الأردن أيضاً ممارسات الصيد المستدام لحماية التنوع البيولوجي فيها، حيث صادقت المملكة على عدد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية المرتبطة بحماية الحياة البرية والمحافظة على البيئة. وتشكّل المحميات الطبيعية، مثل محمية الشومري ومحمية الأزرق المائية، مواقع مهمة لإعادة توطين الأنواع المنقرضة محلياً والمحافظة على المجتمعات الحيوانية والنباتية الفريدة.

تثقيف المجتمع والتفاعل معه
يعدّ تثقيف المجتمع والتفاعل معه أحد أركان الصيد المستدام، إذ تساهم المجتمعات المحلية في دعم برامج المحافظة على البيئة في مختلف دول الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، تتم برامج إدارة الحياة البرية المجتمعية في الأردن بمشاركة السكان المحليين في رصد وإدارة أنشطة الصيد لضمان استدامتها. وتوفر تلك المبادرات حوافز اقتصادية للمجتمعات المحلية لحماية الحياة البرية، مما ينمي ثقافة المحافظة على الحياة البرية.

وفي هذا الإطار، تركز مشاريع منظمة “بيردلايف انترناشونال” للصيد المستدام في لبنان وسوريا ومصر على تثقيف الصيادين حول الممارسات الأخلاقية ومواسم الصيد القانونية وأهمية المحافظة على أعداد الطيور.

ويهدف مشروع الصيد المستدام، الذي انطلق بين عامي 2004 و2007 إلى الارتقاء بالمحافظة على الطيور المهاجرة في ثماني دول مهمة وهي الجزائر، ومصر، والأردن، والأردن، ولبنان، والمغرب، وفلسطين، وسوريا، وتونس، ومصر. وحققت المبادرة إنجازات بارزة شملت وضع توجيهات إقليمية وبرامج تثقيفية وقاعدة بيانات متكاملة للأنواع ذات الأولوية. وتشكّل دولتا تونس ولبنان نموذجين يحتذى بهما، حيث تساعد وثائق مثل “مدونة سلوك الصيد المسؤول للطيور المهاجرة” على توجيه الجهود المبذولة. يتماشى المشروع مع مبادرة الاتحاد الأوروبي للصيد المستدام، ونجح في الحد من الصيد غير القانوني وتشجيع الممارسات المستدامة وضمان الامتثال لاتفاقيات المحافظة على البيئة.

مستقبل الصيد المستدام
وتمضي جهود الصيد المستدام في الشرق الأوسط دون توقف من أجل تحقيق التوازن بين التقاليد والممارسات الحديثة للمحافظة على بيئة. وعبر دمج الاعتبارات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يمكن للمنطقة مواصلة المحافظة على تراثها الغني في مجال الصيد بالتوازي مع حماية الحياة البرية والموائل الطبيعية.

ويؤكد تيري غارسيا: “ومن خلال تركيزها المتزايد على القضايا التي تحظى بالاهتمام الدولي، خصوصاً في مجال الصيد المستدام، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط تعزيز حضورها العالمي وتقديم نموذج يحتذى به في المحافظة على البيئة وممارسات الصيد المستدام”.
وتحمي ممارسات الصيد المستدام في الشرق الأوسط التراث الثقافي وتسهم بقوة في جهود المحافظة على البيئة. ومن خلال سنّ قوانين صارمة وتثقيف المجتمع المحلي وتعزيز دوره في المحافظة على البيئة، تتخذ المنطقة خطوات نوعية ضمن التزامها المتواصل بالاستدامة، بما يحقق المعادلة بين تقاليد الصيد والتوازن البيئي، ويُلهم الأجيال المقبلة لتقدير جهود حماية التنوع البيولوجي الغني في الشرق الأوسط.

المصادر:
https://www.ncw.gov.sa/en/
https://arab.news/yr8qm
برامج المحافظة على البيئة في دولة الإمارات: إعادة بناء التنوع البيولوجي والاستدامة (goumbook.com)
www.thenationalnews.com

Role of IAF


www.mediaoffice.abudhabi
https://datazone.birdlife.org/
https://houbarafund.gov.ae/

Home

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

نادي صقّاري الإمارات يُصدر عدداً خاصاً من مجلة “الصقّار”

ماجد علي المنصوري: في دار زايد.. قيم الأصالة راسخة بجذورها شبكة بيئة أبوظبي، الإمارات العربية …