الدبلوماسية العلمية.. جسر العبور نحو مستقبل أخضر

شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 14 سبتمبر 2024
تواجه البشرية تحديات جسام في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، والتي تتطلب تضافر الجهود العالمية للتصدي لها. وفي هذا السياق، يبرز دور العلم والتكنولوجيا كأمل في إيجاد حلول مستدامة لمواجهة هذه التحديات، وتبرز الدبلوماسية العلمية كأداة قوية لبناء الجسور بين الدول وتعزيز التعاون الدولي في مجال البحث العلمي وتبادل المعرفة، مما يساهم في إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة هذه التحديات. وتكتسب الدبلوماسية العلمية أهمية بالغة، حيث تعمل كجسر يربط بين الدول والشعوب، ويعزز التعاون الدولي في مجال البحث العلمي والابتكار، مما يساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة لكوكبنا.

الدبلوماسية العلمية
الدبلوماسية العلمية هي عملية استخدام العلم والتكنولوجيا كأدوات لتحقيق الأهداف الدبلوماسية، بما في ذلك تعزيز التعاون الدولي، وبناء الثقة، وحل النزاعات، وتعزيز التنمية المستدامة. وهي تتضمن مجموعة واسعة من الأنشطة، مثل تبادل الباحثين والعلماء، وتنظيم المؤتمرات والندوات العلمية، وإقامة الشراكات البحثية بين المؤسسات العلمية في مختلف البلدان.

دور الدبلوماسية العلمية في مواجهة التغيرات المناخية:
تلعب الدبلوماسية العلمية دوراً حيوياً في مواجهة التغيرات المناخية من خلال:

تعزيز التعاون الدولي: تساهم الدبلوماسية العلمية في بناء الثقة والتعاون بين الدول، مما يسهل التوصل إلى اتفاقيات دولية بشأن المناخ، وتبادل الخبرات والمعرفة في مجال التكنولوجيا النظيفة.

بناء القدرات: تساعد الدبلوماسية العلمية في بناء القدرات العلمية والتكنولوجية في الدول النامية، مما يمكنها من المشاركة الفعالة في جهود مكافحة التغيرات المناخية والتكيف مع آثارها.

تطوير الحلول المبتكرة: من خلال تشجيع البحث العلمي والابتكار، تساهم الدبلوماسية العلمية في تطوير تقنيات جديدة للطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، وإدارة المياه، وغيرها من الحلول التي تساعد في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع آثار التغيرات المناخية.

توفير الأدلة العلمية: تلعب الدبلوماسية العلمية دوراً حيوياً في توفير الأدلة العلمية التي تدعم صياغة السياسات المناخية الفعالة، وتساعد في بناء الإجماع حول الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة التغيرات المناخية.

أمثلة على مبادرات الدبلوماسية العلمية في مجال المناخ:

المبادرات الدولية: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والعديد من المنظمات الدولية الأخرى، تنفذ مبادرات لدعم التعاون الدولي في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا المناخية.

الشراكات بين الدول: توجد العديد من الشراكات بين الدول المتقدمة والنامية في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا المناخية، مثل مبادرة “ميثاق المناخ والطاقة النظيفة” التي أطلقتها الولايات المتحدة.

شبكات البحث العلمي: تلعب الشبكات العلمية دوراً هاماً في تسهيل تبادل المعرفة والخبرات بين الباحثين والعلماء في مختلف أنحاء العالم، مثل شبكة الأبحاث المتعلقة بالتغير المناخي التي تربط الباحثين من مختلف أنحاء العالم لتبادل المعرفة والخبرات.

مبادرات الطاقة المتجددة: مثل مبادرة الطاقة الشمسية العالمية التي تهدف إلى زيادة توليد الطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم.

أمثلة عملية على نجاح الدبلوماسية العلمية في مجال المناخ:
تُعد الدبلوماسية العلمية أداة قوية في مواجهة التحديات المناخية، وقد شهدنا العديد من الأمثلة الناجحة التي تؤكد ذلك. إليك بعض الأمثلة:

1. اتفاقية باريس للمناخ:

• الدور العلمي: لعبت الأبحاث العلمية والدراسات المتعلقة بتغير المناخ دورًا حاسمًا في إقناع الدول بالتوقيع على الاتفاقية والالتزام بتخفيض الانبعاثات.
• التعاون الدولي: ساهم التعاون العلمي بين الدول في بناء الثقة وتوحيد الجهود لمواجهة التغير المناخي.

2. تقييم الأنظمة البيئية العالمية:
• توفير الأدلة: قدمت هذه المنصة تقييمات شاملة حول حالة التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، مما ساعد صناع القرار على فهم العلاقة بين التنوع البيولوجي وتغير المناخ.
• توجيه السياسات: استخدمت نتائج التقييمات في صياغة سياسات للحفاظ على التنوع البيولوجي والتخفيف من آثار تغير المناخ.

3. مبادرة بلومبيرغ للمدن المستدامة:

• نقل الخبرات: تعمل هذه المبادرة على نقل الخبرات والمعرفة بين المدن حول العالم في مجال الاستدامة، مما يساعد المدن على تطوير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات المناخية.
• التعاون بين القطاعين العام والخاص: تشجع المبادرة على التعاون بين القطاعين العام والخاص لتسريع وتيرة التحول نحو مدن أكثر استدامة.

4. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP):

• بناء القدرات: يدعم البرنامج الدول النامية في بناء القدرات في مجال التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.
• مشاريع مشتركة: ينفذ البرنامج مشاريع مشتركة مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية لتطوير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات المناخية.

5. مبادرة “ميثاق المناخ والطاقة النظيفة” التي أطلقتها الولايات المتحدة:
• الشراكات الدولية: تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الشراكات بين الدول المتقدمة والنامية في مجال الطاقة النظيفة، مما يساعد على تسريع الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.

أهمية الدبلوماسية العلمية في عصر التغيرات المناخية
تعتبر الدبلوماسية العلمية أداة بالغة الأهمية في مواجهة التحديات المتزايدة التي يفرضها تغير المناخ. فهي تجمع بين القوة الناعمة للعلم والمعرفة وبين الدبلوماسية التقليدية لحل المشكلات العالمية المعقدة.

أبرز أسباب أهميتها تكمن في النقاط التالية:
• بناء الثقة والتعاون الدولي: تعمل الدبلوماسية العلمية على تعزيز التعاون بين الدول، وتقريب وجهات النظر، وبناء الثقة المتبادلة. وهذا الأمر ضروري لتنفيذ الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ، والتي تتطلب تضافر الجهود العالمية.
• توفير حلول مبتكرة: من خلال تشجيع البحث العلمي والابتكار، تساهم الدبلوماسية العلمية في تطوير تقنيات جديدة للطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، وإدارة المياه، وغيرها من الحلول التي تساعد في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع آثار

التغيرات المناخية.
• تقديم الأدلة العلمية: تلعب الدبلوماسية العلمية دوراً حيوياً في توفير الأدلة العلمية التي تدعم صياغة السياسات المناخية الفعالة، وتساعد في بناء الإجماع حول الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة التغيرات المناخية.
• بناء القدرات: تساعد الدبلوماسية العلمية في بناء القدرات العلمية والتكنولوجية في الدول النامية، مما يمكنها من المشاركة الفعالة في جهود مكافحة التغيرات المناخية والتكيف مع آثارها.
• تعزيز الوعي العام: تساهم الدبلوماسية العلمية في نشر الوعي العام بأهمية مكافحة التغيرات المناخية، وتشجيع الأفراد والمجتمعات على اتخاذ إجراءات فردية وجماعية للحد من آثارها.

التحديات التي تواجه الدبلوماسية العلمية وكيفية التغلب عليها
على الرغم من أهمية الدبلوماسية العلمية في مواجهة التحديات العالمية، إلا أنها تواجه مجموعة من التحديات التي تعيق تقدمها.

التحديات الرئيسية:
1. السياسة والتجارة: غالبًا ما تتأثر الدبلوماسية العلمية بالمصالح السياسية والتجارية للدول، مما قد يحد من التعاون العلمي الحر.
2. التمويل: يتطلب البحث العلمي والابتكار تمويلاً كبيراً، وقد تواجه الدول النامية صعوبات في توفير الموارد اللازمة.
3. الملكية الفكرية: تثير قضايا الملكية الفكرية تحديات كبيرة في مجال التعاون العلمي، خاصة فيما يتعلق بتبادل التكنولوجيا والبيانات.
4. الثقة المتبادلة: قد يكون بناء الثقة بين الدول، خاصة في ظل المنافسة الجيوسياسية، تحديًا كبيرًا لتعزيز التعاون العلمي.
5. الاختلافات الثقافية: قد تؤثر الاختلافات الثقافية على التواصل والتعاون بين الباحثين من مختلف البلدان.
6. الأولويات الوطنية: قد تختلف أولويات البحث العلمي من دولة إلى أخرى، مما يجعل من الصعب تحقيق توافق في الآراء حول المشاريع البحثية المشتركة.
7. التغيرات السريعة في المشهد العلمي: تتطور العلوم والتكنولوجيا بسرعة كبيرة، مما يتطلب من الدبلوماسية العلمية أن تكون مرنة وقادرة على مواكبة هذه التغيرات.

كيف يمكن التغلب على هذه التحديات؟
1. تعزيز الحوار السياسي: يجب على صناع السياسات أن يعوا أهمية الدبلوماسية العلمية وأن يدعموا التعاون الدولي في مجال البحث العلمي.
2. الاستثمار في البحث والتطوير: يجب زيادة الاستثمار في البحث والتطوير، خاصة في الدول النامية، لتعزيز قدراتها البحثية.
3. تسهيل تبادل المعرفة: يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء منصات مشتركة لتبادل البيانات والمعلومات العلمية، وتبسيط إجراءات الحصول على التراخيص والتصاريح.
4. بناء الثقة من خلال المشاريع المشتركة: يمكن بناء الثقة من خلال المشاركة في مشاريع بحثية مشتركة تعود بالفائدة على جميع الأطراف.
5. تشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص: يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا هامًا في تمويل البحث العلمي وتسويق التكنولوجيات الجديدة.
6. تطوير البنية التحتية للبحث العلمي: يجب الاستثمار في تطوير البنية التحتية للبحث العلمي، مثل المختبرات والمراكز البحثية، لتعزيز القدرة على إجراء البحوث المتقدمة.
7. تدريب الكوادر العلمية: يجب الاستثمار في تدريب الكوادر العلمية الشابة وتطوير مهاراتهم في مجال البحث العلمي والابتكار.

تعزيز دور الدبلوماسية العلمية في بناء مستقبل أخضر
تواجه البشرية تحديات بيئية متزايدة، أبرزها تغير المناخ، مما يستدعي تضافر الجهود العالمية للتصدي لها. وفي هذا السياق، تبرز الدبلوماسية العلمية كأداة بالغة الأهمية لبناء مستقبل مستدام وآمن للأجيال القادمة.

أسباب الدعوة إلى تعزيز الدبلوماسية العلمية:
• التسارع في التغيرات المناخية: تتطلب الأزمة المناخية حلاً عاجلاً يتطلب تضافر الجهود العالمية.
• الحد من الفجوة العلمية: تساهم الدبلوماسية العلمية في تقليص الفجوة العلمية بين الدول المتقدمة والنامية.
• تعزيز الأمن الغذائي والمائي: تساهم في تطوير حلول مستدامة لضمان الأمن الغذائي والمائي في ظل التغيرات المناخية.
• تحقيق أهداف التنمية المستدامة: تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.

كيف يمكن تعزيز الدبلوماسية العلمية؟
• زيادة الاستثمار في البحث العلمي: يجب زيادة الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا الخضراء.
• تسهيل تبادل الباحثين والعلماء: يجب تسهيل تبادل الباحثين والعلماء بين الدول وتشجيع التعاون المشترك.
• إنشاء الشبكات العلمية: يجب إنشاء شبكات علمية تربط الباحثين من مختلف التخصصات والجنسيات.
• تطوير البنية التحتية للبحث العلمي: يجب تطوير البنية التحتية للبحث العلمي في الدول النامية.
• تعزيز الشراكات بين القطاع العام والخاص: يجب تشجيع الشراكات بين القطاع العام والخاص لدعم البحث العلمي والابتكار.

في الختام، تعتبر الدبلوماسية العلمية أداة قوية لبناء الجسور بين الدول وتعزيز التعاون الدولي في مجال البحث العلمي وتبادل المعرفة، مما يساهم في إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة التغيرات المناخية. وتعتبر الدبلوماسية العلمية أداة أساسية لبناء مستقبل مستدام لكوكبنا. وفي المقابل، تواجه الدبلوماسية العلمية تحديات كبيرة، ولكنها تبقى أداة بالغة الأهمية لمواجهة التحديات العالمية. من خلال التعاون الدولي والجهود المشتركة، يمكن التغلب على هذه التحديات وبناء مستقبل أكثر استدامة لكوكبنا.
والدبلوماسية العلمية هي أداة قوية لبناء مستقبل أخضر ومستدام، ومن خلال الاستثمار في الدبلوماسية العلمية، يمكننا تعزيز التعاون الدولي، وتشجيع البحث العلمي والابتكار، وتطوير حلول مبتكرة لمواجهة التغيرات المناخية، كما يمكننا مواجهة التحديات البيئية التي تواجهنا وبناء مستقبل أكثر أمانًا وأكثر استدامة لكوكبنا ورخاءً للأجيال القادمة.
ولهذا، فندعو الحكومات والمنظمات الدولية والجامعات والمؤسسات البحثية والشركات والمدنيين إلى التكاتف والعمل معًا لتعزيز دور الدبلوماسية العلمية في بناء مستقبل أخضر ومستدام للأجيال القادمة.

* د. طارق قابيل
– أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار في الصحافة العلمية والتواصل العلمي
– عضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة
– مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.
http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel
tkapiel@sci.cu.edu.eg

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

بذور التغيير: تعليم المناخ هو الحل لزراعة الوعي البيئي في أجيال المستقبل

نحو مستقبل مستدام: استكشاف دور التعليم في مواجهة التحديات البيئية ومكافحة تغير المناخ شبكة بيئة …