شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير صناعة سيناريوهات المستقبل، مدرب محترف ، خبير الجودة والتميز من الأكاديمية البريطانية، خبير استشراف المستقبل، 21 ديسمبر 2024
من أين تأتي الأفكار؟ رحلة في الإبداع الذهني
الأفكار هي الشرارة الأولى التي تشعل فتيل التغيير، ولا تأتي نتاج الصدفة فقط، بل هي رحلة ذهنية تمر بمراحل التحضير، الاحتضان، الإشراق، والتنفيذ، الأفكار هي التي تصنع الفرق بين حياة رتيبة وأخرى مليئة بالإنجازات، لكن هل تساءلت يوماً من أين تأتي الأفكار؟ وكيف يمكن أن نحفز عقولنا لتوليد أفكار جديدة ومبتكرة؟
• رحلة الفكرة: من الشرارة إلى الإنجاز
الفكرة الإبداعية لا تأتي من فراغ؛ إنها نتاج مراحل متتابعة تبدأ بتهيئة العقل، ثم احتضان المشكلة، وتنتهي بالإشراق والتنفيذ، دعنا نتأمل معاً هذه المراحل ونتعمق ببعض تفاصيلها:
1. مرحلة التحضير: البحث والاستعداد: هنا تبدأ الرحلة، يستعد العقل عبر جمع المعلومات وتوسيع قاعدة المعرفة، ويمكن تشبيهها بزرع بذور في أرض خصبة تنتظر وقتها لتنمو، على سبيل المثال، عندما أردت تحسين طريقة تدريسي، قرأت عن تجارب معلمين عالميين، وجمعت أفكاراً من مصادر مختلفة قبل أن أصل إلى الحل الأمثل.
2. مرحلة الاحتضان: التفكير العميق: في هذه المرحلة، يكون التفكير الواعي أو العقل ليس عاملاً هاماً، فالأفكار الجديدة تكون مختزنة تحت مستوى الوعي النفسي أو العقلي منذ مرحلة التحضير السابقة، فتتراجع المشكلة إلى العقل الباطن، قد تبدو وكأنك لا تفكر فيها مباشرة، لكن الحقيقة أن عقلك يعمل في الخفاء، تتداخل خلالها العوامل الشعورية واللاشعورية في شخصية الإنسان، أتذكر مرة كنت أعمل على مشروع يتطلب تصميماً فريداً، وفجأة أثناء خلوة خاصة، خطرت لي الفكرة المثالية، فالاسترخاء هو المفتاح.
3. مرحلة الإشراق أو الإلهام: لحظة “آها!”، اللحظة التي تشرق فيها الفكرة في ذهنك، أي اللحظة التي تولد فيها الفكرة الجديدة، وغالباً ما تأتي عندما تكون في حالة استرخاء أو بعيداً عن التفكير المتوتر، وتعتبر مرحلة العمل الدقيق والحاسم للعقل في عملية الإبداع، أحد الأمثلة الشهيرة هو قصة أرخميدس عندما اكتشف مبدأ الطفو وهو في حوض الاستحمام، بالنسبة لي، كانت أكثر أفكاري إبداعاً تظهر عندما كنت أمشي في الطبيعة أو أثناء والتأمل والاسترخاء.
4. مرحلة التنفيذ أو التحقق: تحويل الفكرة إلى واقع: الإبداع الحقيقي لا يكمن فقط في توليد الأفكار، بل في التحقق منها وتنفيذها، وقد تتطلب الأفكار شيئاً من التغيير في هذه المرحلة عند اخضاعها للتجريب، قد تخطر ببالك فكرة مدهشة لتطوير مشروع أو كتابة كتاب، لكن التنفيذ يتطلب إرادة وعملاً منهجياً، أتذكر مرة بدأت بكتابة قصة قصيرة، وكان التحدي الأكبر ليس في الفكرة، بل في كيفية تطوير الحبكة بشكل جذاب.
• أين نجد الأفكار؟
– التأمل في الطبيعة: الطبيعة هي أعظم معلم، مشهد بسيط لشروق الشمس قد يفتح آفاقاً جديدة لأفكارك.
– التفاعل مع الآخرين: أحيانًا، تأتي الأفكار من محادثة عفوية مع صديق أو مع طفلك، أو حتى من استماعك لمشكلة يمر بها أحدهم.
– القراءة والاستكشاف: قراءة الكتب والمقالات أو مشاهدة الأفلام الوثائقية قد تثير في ذهنك تساؤلات تولّد أفكاراً جديدة.
– الأماكن الملهمة: التي تلهمك على الإبداع على سبيل المثال المكتبات، المساحات الفنية والمتاحف، غرف التأمل الهادئة وغيرها من الأماكن التي تساعدك على ذلك.
• كيف تحفز عقلك لتوليد الأفكار؟
– اسأل نفسك الأسئلة الصحيحة: بدلاً من التفكير في المشكلة كعائق، اسأل: كيف يمكنني جعل هذه العقبة فرصة؟
– غيّر روتينك: جرب شيئاً جديداً؛ تعلم لغة، مارس هواية جديدة، أو حتى غيّر طريق عودتك إلى المنزل.
– اكتب أفكارك: أحياناً تأتي الأفكار فجأة، لذا احرص على كتابتها فوراً، لدي دفتر صغير أحتفظ به دائماً لهذا الغرض.
الأفكار ليست سوى البداية، لكنها البداية التي تغير كل شيء، لا تنتظر أن تأتيك الأفكار جاهزة، بل كن في حالة استعداد دائم لالتقاطها عندما تظهر، امضِ في حياتك وكأنك صياد للأفكار، واحتضنها عندما تأتيك، لأن كل فكرة تحمل معها بذور الإبداع.