معالجات التغير المناخي من منظور التوازن الاقتصادي

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم ابراهيم، كبير خبراء برنامج الخليج العربي للتنميه، 24 ديسمبر 2024

يتم قياس العجز والفائض في الاقتصاد عبر بيانات العرض والطلب، وينظر للتوازن الاقتصادي في كل الموازين عبر قاعدة التوازن بين العرض والطلب، بين الصادرات والواردات وبين دخل الحكومة ومنصرفاتها ودخل الفرد ومنصرفاته وهكذا. ويتم التوازن (الحالة المرغوب فيها على الأقل) عندما يتساوي الطرفين وتكون النتيجة ايجابية عندما يزيد الدخل عن المنصرف و الصادر عن الوارد كقيم. ينبغي أن نزيد الصادر ونقلل الوارد لنحقق فائضا وأن نزيد الدخول مقارنة بالمنصرفات أو نقلل المنصرفات لنحقق فائضا. ينظر لأطراف المعادلات الاقتصادية بهذا المبدأ الاقتصادي البسيط. السؤال لماذا لا ننظر لمعالجات التغير المناخي بنفس هذا المبدا الاقتصادي، بمعني أن الضرر الاقتصادي ينبغي أن يقابله تعويض اقتصادي مجز وبنفس القدر من الطرف الذي يحدث الضرر وبالتالي نزيل الأثر السالب وتكون المعادلة صفريه ويحدث التوازن المنشود ويقل بالتالي الضرر البيئي الي الصفر. هذا المبدأ هو ما تتبعه النظرية الاقتصادية الرأسمالية، باعتبار أن التساوي بين العرض والطلب لن يتم في الأسواق بصورة آلية في بعض الأحايين الا عندما تكون تكاليف المعاملات منخفضة. المشكلات المتعلقة بالتغير المناخي معقدة وعالية التكاليف وتشمل قطاع واسع من السكان المتضررين لذا لابد من التدخل عبر اجبار الطرف الذي يحدث الضرر لايجاد الحلول للضرر الذي تسبب فيه. وهذا المبدأ أكثر وضوحا لدي صغار المزارعين الذين يوفرون نحو 70% من الغذاء العالمي ولكنهم ليس فقط يتعرضون لبيع منتجاتهم بأسعار تقل كثيرا عن أسعار السوق، بل أنهم أيضا ضحية للتغيرات المناخية السالبة التي تأتي من جراء ممارسات خارج اطار نفوذهم وهم ليسوا طرفا فيها. اذا كان هذا هو الحال ينبغي على الأقل تعويضهم من موارد الدول التي تسبب الضرر عبر سوق الكربون وغيره.

تشكل النظريات والمفاهيم الاقتصادية طريقة فهمنا لكيفية عمل الأسواق بمختلف أنواعها من أجل تخصيص الموارد بشكل فعال كما هو الحال في ظل النظرية الرأسمالية (أو ما يعرف بنظام السوق) الذي يسمح بالحرية في الملكية الخاصة للأعمال التجارية والأسواق التنافسية الحرة ومبدأ المساواة ودفع القيمة السوقية للسلع وتحمل تكاليف الانتاج المباشرة وغير المباشرة (تكاليف الضرر البيئي). إحدى هذه النظريات التي كان لها تأثير كبير في المعالجات البيئية عبر ايجاد أدوار لحقوق الملكية وتكاليف المعاملات لتحديد نتائج فعالة في ظل وجود العوامل الخارجية هي نظرية كواس في مجال التنظيم الاقتصادي. و تعتبر نظرية كوس أكثر النظريات التي تحدت الفكر الاقتصادي السائد وشككت في المعتقدات الراسخة واستكشفت طرق جديد للتحقق، و آفاقاً جديدة للبحث بتحديد دور حقوق الملكية في ايجاد المعالجات، وتأثير تكاليف المعاملات على التنظيم الاقتصادي. مما اكسب كوس جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1991. تبدأ النظرية بالاعتراف أولا بما يسمى بحقوق الملكية (من له الحق في احداث الضرر) كمحدد حاسم لتخصيص الموارد. مثلا عندما تكون هناك عوامل خارجية، مثل التلوث أو الضوضاء، فإن تصرفات أحد الأطراف (الطرف المسبب للضرر بدون حقوق الملكية أو حق احداث الضرر) يؤدي لاحداث ضرر على الآخرين دون موافقتهم ولذا ينبغي أن تفرض عليه دفع تكاليف أو تعويضات للآخرين . ويؤدي هذا الأمر الى ايجاد التوازن بين التكاليف الخاصة للمسبب والتكاليف الاجتماعية للمتضررين، مما يؤدي لتخصيص الفعال للموارد أو تحقيق ما يسميه الاقتصاديون بأمثلية أو كفاءة (باريتو) ، التي تنسب للعالم الاقتصادي الإيطالي فيلفريدو باريتو وتعني حالة الكفاءة الاقتصادية المثلي عندما لا يمكن عندها زيادة منفعة مستهلك أو سلعة ما إلا عن طريق الإضرار بمستهلك أو سلعة أخرى.

خلال إدراك أهمية المساومة والاتفاقات الفعّالة، يستطيع الاقتصاديون وصناع السياسات أن يسعوا جاهدين لتحقيق نتائج أفضل عبر هذه النظرية في ايجاد حلول لقضايا البيئة عبر التعويضات للمتضريين. لفهم نظرية كواس فان المصنع الذي يقع بالقرب من منطقة سكنية ويولد تلوثاً يؤثر سلباً على نوعية حياة السكان القريبين منه، وفي غياب تكاليف المعاملات، يرى كوس إن مالك المصنع والسكان المتضررين يمكنهم التفاوض والتوصل إلى اتفاق. وقد يوافق السكان على تحمل مستوى معين من التلوث مقابل الحصول على تعويض من صاحب المصنع، في حين يمكن لصاحب المصنع الاستثمار في تدابير مكافحة التلوث لتقليل التأثير السلبي. وفي نهاية المطاف، ستعتمد النتيجة على التكاليف والفوائد النسبية لكلا الطرفين. ورؤيتنا أن هذا المبدأ ينبغي أن نحكم به الكثير من معالجات التغير المناخي. علما بأن تطبيق نظرية كوس عبر التعويضات في حالات الضرر جاء في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 28) بعد إنشاء صندوق الخسائر والأضرار المناخية للتعويض على الدول الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ بسبب الكوارث مثل الفيضانات التي سببها الظواهر المناخية المتطرفة. وهذه خطوة إيجابية باتجاه تخفيف التوترات المتعلقة بالتمويل بين دول الشمال والجنوب. وهو، كما نعتقد، اذا طبق في كل حالات الضرر المناخي و أحسن تطبيقة والتزامت الدول به وأحسن توزيع موارده للمتضررين بعدالة سيكون نقله كبيرة في تحقيق التوازن عبر المعالجات الاقتصادية في عمليات الأضرار المناخية ليس فقط الأضرار التاريخية بل اللاحقة أيضا.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …