"الغسل الأخضر" استراتيجية تسويقية غير أخلاقية

“الغسل الأخضر” استراتيجية تسويقية غير أخلاقية

شبكة بيئة ابوظبي، المهندس عماد سعد، خبير الاستدامة والمسؤولية المجتمعية، والتغير المناخي، رئيس شبكة بيئة ابوظبي، 06 يناير 2025

عماد سعد:
– الغسل الأخضر هو تحدٍّ أخلاقي وبيئي يعوق التقدم نحو تحقيق تنمية مستدامة حقيقية.
– مكافحة الغسل الأخضر مسؤولية مشتركة عبر فرض التشريعات الصارمة وزيادة وعي المستهلك.

الغسل الأخضر هو استراتيجية تسويقية غير أخلاقية تستخدمها بعض الشركات لإقناع الجمهور بأن منتجاتها، خدماتها، أو ممارساتها صديقة للبيئة، بينما تكون الحقيقة عكس ذلك. تعتمد هذه الممارسة على تقديم ادعاءات مضللة أو مبالغ فيها بشأن الالتزام البيئي، بهدف تحسين صورة الشركة وزيادة أرباحها دون إجراء تغييرات حقيقية في العمليات أو تقليل الأثر البيئي. هو ممارسة تسويقية تُستخدم لجعل المنتجات أو الخدمات تبدو أكثر صديقة للبيئة مما هي عليه في الواقع. يعتمد الغسل الأخضر على تقديم ادعاءات مضللة أو مبالغ فيها حول التأثيرات البيئية الإيجابية للمنتج أو الشركة، بهدف جذب المستهلكين الذين يفضلون الخيارات المستدامة.

ظهرت فكرة “الغسل الأخضر” (Greenwashing) لأول مرة في السبعينات من القرن الماضي، وكان مصطلحًا يستخدم للإشارة إلى محاولات الشركات الترويج لنفسها باعتبارها صديقة للبيئة أو ملتزمة بالاستدامة دون أن تكون قد اتخذت خطوات حقيقية لتحقيق ذلك. يعود أصل المصطلح إلى الناشط البيئي جيفري لوتز، الذي استخدمه في مقال نشره عام 1986 في مجلة يو إس نيوز أند وورلد ريبورت، حيث كان يشير إلى ممارسات الشركات التي تقوم بإنفاق أموال ضخمة على حملات دعائية للتسويق البيئي بينما لا تلتزم فعليًا بممارسات مستدامة.
في البداية، كان “الغسل الأخضر” عبارة عن مجرد إعلانات تبالغ في تصوير المنتجات على أنها صديقة للبيئة، حتى وإن كانت في الحقيقة ضارة بالبيئة. مع مرور الوقت، أصبح المصطلح يشمل مجموعة واسعة من الممارسات المضللة التي تهدف إلى تحسين الصورة البيئية للشركات من خلال تسويق ممارسات أو منتجات لا تحمل تأثيرات بيئية إيجابية حقيقية.
هذه الظاهرة دفعت إلى تزايد الوعي حول ضرورة وجود معايير واضحة وشفافة لتصنيف المنتجات والشركات بناءً على ممارساتهم البيئية الحقيقية.

أهداف الغسل الأخضر
1. جذب المستهلكين المهتمين بالبيئة وزيادة المبيعات.
2. تحسين سمعة الشركة وسط التحديات البيئية المتزايدة.
3. التهرب من التنظيمات البيئية الصارمة أو تأخير الامتثال لها.

فهم الغسل الأخضر

من المهم أن يفهم المستهلك ما هو “الغسل الأخضر” (Greenwashing) لأنه يشير إلى محاولات الشركات تقديم نفسها كبيئية أو مستدامة بشكل زائف أو مغلوط. في كثير من الأحيان، قد تقوم الشركات باستخدام شعارات أو إعلانات تظهر وكأنها ملتزمة بالممارسات البيئية، بينما في الواقع تكون هذه الجهود محدودة أو غير موجودة على الإطلاق.
فهم المستهلك لهذا المفهوم يمكن أن يساعده في اتخاذ قرارات أكثر وعيًا أثناء شراء المنتجات أو الخدمات. كما يساهم في دفع الشركات إلى تحسين ممارساتها البيئية الحقيقية بدلاً من مجرد تقديم صورة إيجابية غير دقيقة. وأثر ذلك يكون أكبر على المستهلك وعلى الشركات وعلى البيئة من النواحي التالية:

1. على مستوى المستهلك:
• تجنب الغسل الخضر يؤدي إلى حماية المستهلك من التضليل ودعم الوقوع ضحية لادعاءات تسويقية كاذبة تؤدي إلى دعم منتجات قد تضر بالبيئة أكثر مما تفيدها.
• تجنب الغسل الخضر يؤدي إلى تشجيع الاستهلاك المستدام، ويمكن للمستهلك من اتخاذ قرارات مدروسة تساهم في دعم الشركات ذات الممارسات الحقيقية المستدامة.

2. على مستوى الشركات:
• تجنب الغسل الخضر يؤدي إلى تعزيز مصداقية الشركات التي تلتزم بممارسات بيئية حقيقية تبني ثقة طويلة الأمد مع جمهورها.
• تجنب الغسل الأخضر يحمي الشركات من الغرامات القانونية المرتبطة بالادعاءات الكاذبة.

3. على مستوى البيئة:
• تجنب الغسل الأخضر يساهم في تحقيق الاستدامة الحقيقية وقليل الاعتماد على التسويق الزائف واتخاذ إجراءات فعلية للحفاظ على البيئة وتحقيق الأهداف البيئية العالمية.
• تجنب الغسل الأخضر يساهم في تعزيز الابتكار في تبني ممارسات صديقة للبيئة تشجع على الابتكار في التقنيات والإنتاج المستدام.

الأثر السلبي للغسل الأخضر
• على المستهلكين: يساهم في تضليل المستهلكين ودفعهم لاختيار منتجات قد تكون ضارة بالبيئة. وفقدان الثقة في الشركات التي تدعي الالتزام بالاستدامة.
• على البيئة: يساهم في إبطاء التحول نحو ممارسات مستدامة حقيقية. وتشجيع الممارسات غير الأخلاقية التي تضر بالبيئة.
• على الشركات: يساهم في تقليل المصداقية في السوق للأطراف التي تطبق ممارسات بيئية حقيقية.

أمثلة على الغسل الأخضر
1. ادعاءات مضللة حول المنتجات:
• شركة تعلن أن منتجها “طبيعي” أو “عضوي” دون تقديم أدلة واضحة أو شهادات تثبت ذلك.
• منتج يُزعم أنه “قابل للتحلل” بينما يستغرق مئات السنين للتحلل الكامل.
• استخدام عبارات مثل “صديق للبيئة” أو “مستدام” بدون شهادات معتمدة.

2. تغليف وتسميات مضللة:
• استخدام ألوان خضراء أو صور الطبيعة على المنتجات لإيصال فكرة أنها صديقة للبيئة، بينما المنتج أو عملية التصنيع ليست كذلك.

3. الإعلانات الزائفة:
• شركة تعلن أنها تعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة بينما تستخدمها فقط جزئيًا في عملياتها.
• ادعاء تعويض انبعاثات الكربون دون تقديم معلومات واضحة أو مدققة حول الطريقة المستخدمة.
• الإعلان عن برامج تعويض الكربون مع عدم اتخاذ خطوات فعلية لتقليل الانبعاثات.

4. المشاريع البيئية غير الفعالة:
• إطلاق حملات زراعة أشجار دون ضمان استدامتها أو الاهتمام بها بعد الزراعة.
• الترويج لمنتجات صديقة للبيئة بينما لا تزال الشركة تعتمد بشكل كبير على ممارسات ملوثة في قطاعات أخرى.

التحديات المرتبطة بالغسل الأخضر
1. صعوبة الكشف عنه: غالبًا ما يكون الغسل الأخضر متقنًا ومصممًا لخداع المستهلكين، مما يجعل من الصعب التمييز بين الادعاءات الحقيقية والزائفة. كما قد تقدم الشركات وثائق أو معلومات غير مدققة لزيادة مصداقيتها.
2. نقص الوعي بين المستهلكين: حيث لا يمتلك الكثير من المستهلكين المعرفة أو الأدوات اللازمة للتحقق من صحة الادعاءات البيئية. كما أن الإعلانات المكثفة قد تؤثر على قرارات الشراء دون التحقق من التفاصيل.
3. التأثير السلبي على الشركات الملتزمة بالاستدامة: الغسل الأخضر يضعف الثقة في السوق، حيث قد يُنظر إلى جميع الادعاءات البيئية بشكوك، حتى من قبل الشركات التي تتبنى ممارسات حقيقية.
4. ضعف التشريعات والرقابة: في العديد من الدول، لا توجد قوانين صارمة لمحاسبة الشركات التي تمارس الغسل الأخضر، مما يشجع هذه الممارسات. الى جانب ضعف الرقابة على الشهادات البيئية يسمح لبعض الشركات باستخدام شهادات مزيفة أو غير معترف بها.

كيفية اكتشاف الغسل الأخضر
1. التحقق من الادعاءات: من خلال البحث عن شهادات بيئية موثوقة مثل ISO 14001 أو (ENERGY STAR)، ومراجعة التفاصيل حول المنتج والتأكد من صحتها.
2. البحث عن الشفافية: من خلال الشركات الملتزمة بالاستدامة تقدم تقارير تفصيلية عن أدائها البيئي. والشفافية في المصادر والتصنيع دليل على المصداقية.
3. الوعي بالتسويق المضلل: من خلال التعرف على العبارات غير الواضحة أو المصطلحات التي تفتقر إلى أدلة.

كيفية محاربة الغسل الأخضر
1. زيادة الوعي: عبر تثقيف المستهلكين حول مفهوم الغسل الأخضر وكيفية التمييز بين الادعاءات الحقيقية والزائفة. الى جانب حملات توعية تسلط الضوء على أهمية التحقق من المعلومات والشهادات البيئية.
2. تعزيز الشفافية: عبر مطالبة الشركات بالإفصاح الكامل عن ممارساتها البيئية وتقديم تقارير مدققة من جهات مستقلة. الى جانب دعم التشريعات التي تجبر الشركات على تقديم معلومات دقيقة حول تأثيراتها البيئية.
3. دعم الشركات الملتزمة فعليًا: عبر شراء المنتجات من الشركات التي تثبت التزامها بالاستدامة من خلال تقارير شفافة وشهادات معترف بها دوليًا. الى جانب تعزيز دور الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد ممارسات مستدامة حقيقية.
4. تحسين الرقابة والتشريعات: عبر وضع قوانين صارمة تمنع الشركات من تقديم ادعاءات بيئية مضللة. الى جانب فرض غرامات وعقوبات على الشركات التي تُثبت ممارستها للغسل الأخضر.

خلاصة القول فإن الغسل الأخضر هو تحدٍّ أخلاقي وبيئي يعوق التقدم نحو تحقيق تنمية مستدامة حقيقية. من خلال تعزيز الوعي، تشجيع الشفافية، وفرض التشريعات الصارمة، محاسبة الشركات التي تمارس هذا السلوك، وزيادة وعي المستهلكين. يمكن تقليل هذه الممارسات وتحقيق تقدم فعلي في مجال حماية البيئة. التصدي للغسل الأخضر لا يساهم فقط في حماية المستهلك، بل يعزز الجهود العالمية لتحقيق أهداف الاستدامة البيئية والاجتماعية.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

خبير: مؤتمرات المناخ “صراع سياسي اقتصادي بواجهة بيئية” (مقابلة)

في حوار أجرته وكالة الأناضول للأنباء مع خبير الاستدامة والتغير المناخي عماد سعد أجرى الحوار …