رحلة في عالم التحريف العلمي (12)

بين العلم والخرافة: كيف تهدد ” عفونة الدماغ ” مستقبلنا الفكري؟

الثقافة العلمية والتواصل العلمي معركة العقل ضد جائحة الجهل

شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 07 يناير 2025

في عصر المعلومات المتدفقة، حيث تغرق عقولنا في بحر من البيانات، نشعر أحيانًا بأننا نغرق في مستنقع من الجهل. فكم من مرة وجدنا أنفسنا نؤمن بأخبار كاذبة، أو نشارك معلومات غير موثوقة؟

وفي عالمنا الرقمي المتسارع، حيث تتدفق المعلومات بكميات هائلة، وتتسارع وتيرة التقدم العلمي والتكنولوجي بشكل مذهل، لا تزال هناك ظاهرة مثيرة للقلق تنتشر كالنار في الهشيم، وهي ما يمكن تسميته بـ “عفونة الدماغ” (Brain Rot)، وهو المصطلح الذي برز كأحد أبرز الكلمات التي شغلت الرأي العام مؤخرا، وتم اختياره كلمة العام 2024 من قبل قاموس أكسفورد الإنجليزي الشهير، بعد حصوله على 37 ألف صوت، وبعد العديد من المناقشات العلنية والدراسات التحليلية لبيانات اللغة الإنجليزية الحديثة.

وظهر مصطلح “عفونة الدماغ” مؤخرًا كوصف لحالة من التدهور العقلي والفكري في القدرات العقلية نتيجة الإفراط في استهلاك المحتوى الترفيهي السهل والمبسط، والخفيف على الإنترنت، والذي لا يتطلب مجهودًا فكريًا، ويمكن اعتباره مرض العصر الذي يهدد قدرتنا على التفكير النقدي واتخاذ القرارات الصائبة. وقد ارتبط هذا المصطلح بشكل خاص بالاستهلاك المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية ومقاطع الفيديو القصيرة. وقد أثارت هذه الظاهرة جدلاً، حيث وصفها البعض بأنها نتيجة لعصر رقمي يتسم بسرعات الاستهلاك السريعة، بينما حذر آخرون من أنها قد تؤدي إلى ضرر طويل الأمد لقدرات الدماغ المعرفية. ومع تزايد انتشار استخدام مصطلح “عفونة الدماغ”، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم تأثير هذه الظاهرة على الصحة النفسية والعقلية للأفراد بشكل أفضل.

وفي عصر المعلومات الذي نعيشه اليوم، أصبحت المعرفة العلمية متاحة بشكل غير مسبوق، لكن هذا الوصول السهل إلى المعلومات لا يعني بالضرورة فهمًا عميقًا أو استيعابًا صحيحًا لها. هنا تظهر مفاهيم مثل الثقافة العلمية والتواصل العلمي كعناصر أساسية في تشكيل وعي المجتمع وطريقة تفاعله مع العلم. ومع التقدم التكنولوجي الهائل في عصرنا الحالي، أصبحت الثقافة العلمية والتواصل العلمي أدوات أساسية للحفاظ على الصحة الفكرية للمجتمعات وضمان قدرتها على مواجهة التحديات. وفي هذا المقال، سنتناول هذه المفاهيم بالتفصيل، ونناقش كيف يمكن أن تؤثر سلبًا أو إيجابًا على الفرد والمجتمع وسنستعرض العلاقة بين “عفونة الدماغ” والثقافة العلمية وأهمية التواصل العلمي في الوقاية من هذه الظاهرة.

“عفونة الدماغ”
“عفونة الدماغ” هو مصطلح استُخدم مجازيًا لوصف حالة من التلوث الفكري أو المعرفي، حيث يتعرض الفرد لكميات هائلة من المعلومات غير الموثوقة أو المضللة، مما يؤدي إلى تشويش تفكيره وإضعاف قدرته على التمييز بين الحقائق والأكاذيب. وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، أصبح من السهل نشر المعلومات الخاطئة أو المبالغ فيها، مما يجعل “تعفن الدماغ” ظاهرة شائعة.

وعفونة الدماغ” أو التدهور المعرفي هو حالة قد تصيب العقل نتيجة لعوامل متعددة تشمل الجهل، قلة التعليم، وانتشار المعلومات المغلوطة. وهو مصطلح عام يشير إلى مجموعة من الظواهر المتعلقة بتدهور القدرة على التفكير النقدي، ورفض الأدلة العلمية، واللجوء إلى التفسيرات البسيطة والسطحية للأحداث المعقدة. تتغذى هذه الظاهرة على انتشار الأفكار الخاطئة والمضللة، والاعتقاد بالأكاذيب والشائعات، ورفض الحقائق العلمية الثابتة، والجهل والخوف والرغبة في الإيمان بأشياء غامضة وغير منطقية، وتشكل تهديدًا خطيرًا على المجتمعات وعلى مستقبل البشرية.

على سبيل المثال، قد يتعرض الشخص لعدد لا يحصى من المنشورات أو المقالات التي تروج لنظريات مؤامرة أو معلومات طبية خاطئة. مع مرور الوقت، قد يبدأ في تصديق هذه المعلومات دون التحقق من صحتها، مما يؤثر على قراراته وسلوكه. هذا النوع من التلوث المعرفي لا يضر فقط بالفرد، بل يمكن أن ينتشر ويؤثر على المجتمع بأكمله، خاصة إذا تم تداول المعلومات الخاطئة على نطاق واسع.

ويتجلى تعفن الدماغ في العديد من الأشكال، مثل:
انتشار النظريات المؤامرة: والتي تحاول تفسير الأحداث الكبرى بوجود قوى خفية تعمل في الظلال.
الاعتقاد بالخوارق والظواهر الغيبية: مثل التنجيم، والعرافة، والقراءة في الفنجان.
رفض التطعيمات والأدوية: بناءً على معلومات مغلوطة وغير دقيقة.
إنكار التغير المناخي: وتجاهل الأدلة العلمية التي تثبت حدوثه.
اللجوء إلى العلاجات البديلة غير المثبتة علميًا: بدلاً من الطب الحديث.

أسباب عفونة الدماغ”
هناك العديد من الأسباب التي تساهم في انتشار ظاهرة تعفن الدماغ، منها:
• الجهل وعدم الوعي العلمي: فغياب الثقافة العلمية لدى الأفراد يجعلهم عرضة للاحتيال والتلاعب بمشاعرهم.
الخوف والقلق: فالخوف من المستقبل المجهول يدفع الناس إلى البحث عن إجابات بسيطة وواضحة، حتى لو كانت خاطئة.
الرغبة في الانتماء: فالانضمام إلى مجموعة تؤمن بمعتقدات معينة يوفر للإنسان الشعور بالأمان والانتماء.
دور وسائل التواصل الاجتماعي: حيث تسهل هذه الوسائل انتشار المعلومات المغلوطة والأخبار الزائفة بسرعة كبيرة.

كلمة العام بين التأييد والمعارضة
يُعتبر اختيار كلمة العام حدثًا لغويًا وثقافيًا مهمًا، حيث يعكس اهتمامات الناس وتوجهاتهم. كما أنه يساهم في فهم التغيرات التي تحدث في اللغة والثقافة. ويعتمد قاموس أكسفورد في اختيار كلمة العام على مجموعة من المعايير، منها: تحليل البيانات اللغوية، حيث يتم تحليل كميات هائلة من البيانات اللغوية من مختلف المصادر، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والصحف والمجلات. وتقييم تأثير الكلمة، حيث يتم تقييم مدى انتشار الكلمة وتأثيرها على اللغة والثقافة. وعلى رأي الخبراء، حيث يتم استشارة مجموعة من الخبراء في مجال اللغة لتقييم الكلمات المرشحة. وأخيرا على التصويت العام.

الحجج المؤيدة لفكرة “عفونة الدماغ” كثيرة، ومنها أن التعرض المستمر للمعلومات المتناثرة والتنبيهات المتكررة يؤدي إلى صعوبة التركيز والانتباه، مما يقلل من القدرة على التعلم والتذكر. ويميل الأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلاً على الإنترنت إلى قراءة نصوص أقصر وأبسط، مما يؤثر سلبًا على مهارات القراءة والفهم. وقد يؤدي النشاط المكثف على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الشعور بتضخم الأنا والبحث المستمر عن الإعجاب والتأييد، مما يقلل من الوعي الذاتي والتفكير النقدي. وقد يتحول استخدام التكنولوجيا إلى إدمان، مما يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية والصحية والنفسية.

اما الحجج المناهضة للفكرة فتستند إلى أنه لا يمكن تعميم تأثير التكنولوجيا على جميع الأفراد بنفس الطريقة. فلكل فرد قدراته واهتماماته الخاصة التي تؤثر على كيفية استخدامه للتكنولوجيا. وأن التكنولوجيا تقدم العديد من الفوائد، مثل تسهيل التواصل والتعلم والوصول إلى المعلومات. كما ان هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر على الصحة العقلية، مثل التغذية والنوم والنشاط البدني والضغط النفسي.

وبينما لا يوجد دليل علمي قاطع يؤكد أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يؤدي إلى “عفونة الدماغ” بشكل مباشر، إلا أن هناك أدلة تشير إلى أن الاستخدام غير المسؤول للتكنولوجيا قد يؤثر سلبًا على الصحة العقلية، وتشير بعض الدراسات إلى وجود ارتباط بين الاستخدام المفرط للهواتف الذكية وتدهور بعض الوظائف الإدراكية، مثل الذاكرة والانتباه.

تعفُّن الدماغ والثقافة العلمية والتواصل العلمي
تعفُّن الدماغ: المفهوم والأسباب

تعفُّن الدماغ هو تعبير مجازي يشير إلى حالة من الجمود الفكري أو التراجع في القدرة على التفكير النقدي والإبداعي. يمكن أن ينتج عن عدة عوامل:
1. الجهل وقلة الوعي: غياب التعليم المناسب يؤدي إلى نقص المعرفة اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة.
2. انتشار المعلومات المغلوطة: الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي سهلت تداول الشائعات والمعلومات غير الموثوقة.
3. عدم ممارسة التفكير النقدي: الاعتماد على مصادر محدودة وعدم التحقق من المعلومات يجعل الأفراد عرضة للتضليل.
4. الإفراط في استهلاك المحتوى الترفيهي: قد يؤدي التركيز المفرط على التسلية إلى تراجع النشاط الفكري.

الثقافة العلمية: أساس الفهم الصحيح
الثقافة العلمية هي مجموعة المعارف والمهارات التي تمكن الفرد من فهم المفاهيم العلمية الأساسية وتطبيقها في حياته اليومية. تشمل الثقافة العلمية القدرة على التفكير النقدي، وتحليل المعلومات، واتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على الأدلة العلمية. في مجتمع يتمتع بثقافة علمية قوية، يكون الأفراد أكثر قدرة على مواجهة التحديات المعقدة، مثل تغير المناخ أو الأوبئة، وفهم دور العلم في حل هذه المشكلات.

ومع ذلك، فإن نقص الثقافة العلمية يمكن أن يؤدي إلى انتشار الخرافات والمفاهيم الخاطئة. على سبيل المثال، قد يرفض بعض الأشخاص التطعيمات بسبب معلومات خاطئة عن آثارها الجانبية، مما يعرض صحتهم وصحة المجتمع للخطر. لذلك، تعزيز الثقافة العلمية هو أمر ضروري لبناء مجتمع واعٍ وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية.

الثقافة العلمية هي الفهم الأساسي للمفاهيم والمبادئ العلمية التي تؤثر على حياتنا اليومية. إنها ليست مقتصرة على العلماء، بل تشمل كل فرد في المجتمع. تعزز الثقافة العلمية التفكير النقدي، وتساعد على:
1. اتخاذ قرارات مستنيرة: سواء في الأمور الصحية أو البيئية أو التكنولوجية.
2. مواجهة الشائعات: القدرة على التمييز بين الحقائق والمعلومات المغلوطة.
3. تعزيز الابتكار: فهم المبادئ العلمية يحفز التفكير الإبداعي وحل المشكلات.

الثقافة العلمية: الركيزة الأساسية لمجتمع صحي
الثقافة العلمية هي الفهم الأساسي للمفاهيم والمبادئ العلمية التي تؤثر على حياتنا اليومية. إنها ليست مقتصرة على العلماء، بل تشمل كل فرد في المجتمع. تعزز الثقافة العلمية التفكير النقدي، وتساعد على:
1. اتخاذ قرارات مستنيرة: سواء في الأمور الصحية أو البيئية أو التكنولوجية.
2. مواجهة الشائعات: القدرة على التمييز بين الحقائق والمعلومات المغلوطة.
3. تعزيز الابتكار: فهم المبادئ العلمية يحفز التفكير الإبداعي وحل المشكلات.

التواصل العلمي: جسر بين العلم والمجتمع
التواصل العلمي هو عملية نقل المعلومات العلمية من المتخصصين إلى عامة الناس بطريقة واضحة ومفهومة. يلعب التواصل العلمي دورًا حاسمًا في تعزيز الثقافة العلمية ومواجهة ظاهرة “تعفن الدماغ”. عندما يتم تقديم المعلومات العلمية بشكل جذاب وسهل الفهم، يصبح من الأسهل على الأفراد استيعابها وتطبيقها في حياتهم اليومية.

ومع ذلك، فإن التواصل العلمي الفعال ليس مهمة سهلة. يتطلب الأمر مهارات خاصة لتبسيط المفاهيم العلمية المعقدة دون تشويهها أو إساءة تفسيرها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون التواصل العلمي شفافًا وصادقًا، مع الاعتراف بحدود العلم وعدم اليقين الذي قد يرافق بعض الاكتشافات.

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التواصل العلمي أكثر أهمية من أي وقت مضى. يمكن للمنصات الرقمية أن تكون أداة قوية لنشر المعرفة العلمية، لكنها أيضًا يمكن أن تكون مصدرًا للمعلومات المضللة إذا لم يتم استخدامها بحذر. لذلك، يجب على العلماء والمؤسسات العلمية أن يكونوا نشطين في هذه المنصات، وأن يعملوا على تقديم معلومات دقيقة وموثوقة.

التواصل العلمي هو العملية التي يتم من خلالها نقل المعرفة العلمية إلى الجمهور بطرق مبسطة ومفهومة. إنه جزء لا يتجزأ من نشر الثقافة العلمية ويشمل عدة جوانب:
1. تبسيط المفاهيم: تقديم الأفكار العلمية بلغة تناسب الجميع.
2. استخدام وسائل التواصل الحديثة: استغلال الإنترنت ووسائل الإعلام لنشر المعلومات.
3. الشفافية: بناء الثقة بين المجتمع والمؤسسات العلمية من خلال مشاركة المعلومات بصدق.
4. التفاعل المباشر: إقامة محاضرات وورش عمل لتوضيح المفاهيم والإجابة على تساؤلات الجمهور.

كيف نكافح تعفُّن الدماغ؟
1. تعزيز التعليم العلمي: إدراج المناهج العلمية بشكل أوسع في المدارس.
2. تطوير مهارات التفكير النقدي: من خلال تدريبات وأنشطة تحفز التفكير المستقل.
3. تشجيع القراءة والبحث: توفير موارد علمية موثوقة للجمهور.
4. الحد من المعلومات المغلوطة: تنظيم المحتوى الرقمي ومكافحة الأخبار الكاذبة.
5. الاستثمار في التواصل العلمي: دعم العلماء والمؤسسات العلمية لنقل المعرفة بشكل فعال.

دور الثقافة العلمية والتواصل العلمي
للتصدي لظاهرة تعفن الدماغ، يجب علينا التركيز على تعزيز الثقافة العلمية والتواصل العلمي الفعال. فالثقافة العلمية هي مجموعة من القيم والمعارف والمهارات التي تمكن الأفراد من التفكير النقدي، وتقييم المعلومات، واتخاذ القرارات المستنيرة. أما التواصل العلمي فهو عملية نقل المعرفة العلمية إلى الجمهور العام بلغة بسيطة ومفهومة، وتشجيع الحوار والنقاش حول القضايا العلمية.

أهمية الثقافة العلمية والتواصل العلمي
• مكافحة الجهل والخرافات: فمن خلال نشر المعرفة العلمية، يمكننا فضح الأكاذيب والشائعات، وتوعية الناس بأهمية التفكير النقدي.
• تعزيز الثقة في العلم: فبناء علاقة قوية بين العلم والمجتمع يساعد على تقليل الشكوك والقلق حول التقدم العلمي.
• تحسين صحة المجتمع: فالتثقيف العلمي حول القضايا الصحية يساعد على اتخاذ قرارات صحية سليمة.
• دعم التنمية المستدامة: فالفهم العميق للقضايا البيئية والتكنولوجية يساعد على بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

أمثلة على دور الثقافة والتواصل العلمي
جائحة كوفيد-19: أظهرت الجائحة أهمية التواصل العلمي في نشر الحقائق حول الفيروس، التطعيم، والإجراءات الوقائية.
التغير المناخي: تتطلب مواجهة هذه الأزمة فهمًا علميًا عميقًا ونقل هذا الفهم إلى الجمهور لاتخاذ إجراءات فعالة.
التطورات الطبية: مثل العلاج الجيني والذكاء الاصطناعي في الطب، تحتاج إلى توعية مجتمعية لتقبلها وفهم فوائدها ومخاطرها.

كيف يمكننا تعزيز الثقافة العلمية والتواصل العلمي؟
تطوير المناهج الدراسية: يجب أن تشمل المناهج الدراسية في جميع المراحل التعليمية مواد علمية تعزز التفكير النقدي والمهارات العلمية.
دعم البحث العلمي: يجب توفير الدعم المادي والمعنوي للباحثين، وتشجيعهم على نشر نتائج أبحاثهم بلغة مبسطة.
استخدام وسائل الإعلام: يجب على وسائل الإعلام أن تلعب دورًا فعالًا في نشر المعرفة العلمية، وتجنب نشر الأخبار الزائفة والشائعات.
تدريب العلماء على التواصل: يجب تدريب العلماء على كيفية التواصل مع الجمهور العام بلغة بسيطة ومفهومة.
تشجيع الحوار والنقاش: يجب خلق فضاءات للنقاش والحوار حول القضايا العلمية، وتشجيع تبادل الأفكار والآراء.

توصيات مهمة
يعكس اختيار “عفونة الدماغ” حاجة ملحة لإعادة التفكير في علاقتنا بالتكنولوجيا والمحتوى الرقمي. يجب أن نسعى إلى تحقيق توازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وبين الحفاظ على صحتنا العقلية. وهو بمثابة جرس إنذار يدعونا إلى إعادة النظر في عاداتنا الرقمية. علينا أن نكون أكثر انتقائية في المحتوى الذي نستهلكه، وأن نمارس أنشطة تعزز التفكير النقدي والإبداعي. لذلك، يجب علينا جميعًا أن نكون أكثر وعياً بكيفية استخدامنا للتكنولوجيا، وأن نسعى إلى تحقيق التوازن بين العالم الرقمي والعالم الحقيقي.
ومن التوصيات المهمة في هذا الصدد أن يقوم كل منا بتحديد وقتًا محددًا لاستخدام الأجهزة الذكية وتجنب استخدامها قبل النوم. وتنويع ممارسة أنشطة أخرى بعيدًا عن الشاشات، مثل الرياضة والاجتماع مع الأصدقاء والعائلة، وتطوير مهارات التفكير النقدي وتعلم كيفية تقييم المعلومات التي تتلقاها. وأن نكون واعيين لكيفية تأثير استخدام التكنولوجيا على مزاجنا وعواطفنا وسلوكنا وسلوك أولادنا.

التحديات والفرص
في مواجهة ظاهرة “تعفن الدماغ”، تبرز الحاجة إلى تعزيز الثقافة العلمية وتحسين التواصل العلمي. ومع ذلك، هناك عدة تحديات يجب التغلب عليها:
1. الكم الهائل من المعلومات: في ظل الفيض المعلوماتي الذي نعيشه، يصعب على الأفراد التمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة. لذلك، يجب تعليم الناس مهارات التحقق من المعلومات وتقييم مصادرها.
2. نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة: تنتشر نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعل مهمة التواصل العلمي أكثر صعوبة. يجب على العلماء والمؤسسات العلمية أن يكونوا أكثر نشاطًا في مواجهة هذه المعلومات الخاطئة.
3. التبسيط المفرط: في محاولة لجعل العلم أكثر قابلية للفهم، قد يتم تبسيط المفاهيم العلمية بشكل مفرط، مما يؤدي إلى تشويهها. يجب أن يكون التوازن بين الدقة والتبسيط هدفًا رئيسيًا للتواصل العلمي.
4. الثقة في العلم: في بعض الأحيان، قد يفقد الناس الثقة في العلم بسبب سوء الفهم أو التضليل. لذلك، يجب أن يعمل العلماء على بناء جسور الثقة مع المجتمع من خلال التواصل الشفاف والصادق.

إن مواجهة “تعفن الدماغ” تتطلب منا جميعًا بذل جهد جماعي. وعلينا أن نكون أكثر انتقائية في المعلومات التي نستهلكها، وأن نتعلم كيفية التمييز بين الحقائق والأكاذيب. كما يجب على المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام أن تلعب دورًا حيويًا في نشر الثقافة العلمية وتعزيز التفكير النقدي. فالمعركة ضد “تعفن الدماغ” هي معركة من أجل عقولنا ومستقبلنا.

ويبقى مصطلح “عفونة الدماغ” موضوعًا مثيرًا للجدل. ويثير المفهوم أسئلة مهمة حول علاقة التكنولوجيا بالصحة العقلية. ومع ذلك، يجب إجراء المزيد من الأبحاث العلمية لتأكيد أو نفي هذه النظرية. وفي الوقت نفسه، يمكن للأفراد اتخاذ بعض الإجراءات لحماية صحتهم العقلية، مثل تقليل وقت الاستخدام للأجهزة الذكية، وتنويع المحتوى الذي يتم استهلاكه، وممارسة الأنشطة التي تحفز العقل. ولكن بغض النظر عن مدى صحة هذا المصطلح، فإن الأمر الأكثر أهمية هو أن نكون مسؤولين عن كيفية استخدامنا للتكنولوجيا وأن نسعى إلى تحقيق أقصى استفادة منها.

و”عفونة الدماغ” تشكل تهديدًا خطيرًا على تقدم المجتمعات، وليست مجرد مشكلة فردية، بل هو تحدٍ مجتمعي يتطلب تعاونًا بين الأفراد والمؤسسات لتحقيق ثقافة علمية قوية وتواصل علمي فعّال. من خلال تعزيز التعليم، محاربة الجهل، ونشر العلم بطرق مبسطة، يمكننا بناء مجتمع قادر على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. ومن خلال تعزيز الثقافة العلمية والتواصل العلمي، يمكننا بناء مجتمع أكثر وعياً وأكثر قدرة على مواجهة التحديات المعاصرة. ويجب علينا جميعًا أن نتحمل مسؤوليتنا في نشر المعرفة العلمية، ومكافحة الجهل والخرافات، وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

وجدير بالذكر أن مواجهة ظاهرة “تعفن الدماغ” وتعزيز الثقافة العلمية وتحسين التواصل العلمي هي مهام متشابكة تتطلب جهودًا مشتركة من العلماء والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام والمجتمع ككل. في عالم يزداد تعقيدًا، يصبح الفهم العلمي أكثر أهمية من أي وقت مضى. فقط من خلال بناء مجتمع واعٍ ومثقف علميًا يمكننا مواجهة التحديات المستقبلية وبناء مستقبل أفضل للجميع.
في النهاية، يبقى السؤال المطروح: هل نحن مستعدون لحماية عقولنا من “تعفن الدماغ”؟ أم سنستمر في السباحة في بحر من المعلومات المضللة؟ الإجابة على هذا السؤال تكمن في أيدينا. فكل واحد منا لديه القدرة على اختيار ما يقرأ وما يشاهد وما يؤمن به. لنجعل من عقولنا واحات خضراء تزدهر بالمعرفة والحكمة.

المصادر:
1. عفونة الدماغ… كلمة العام 2024.
2. «عفونة الدماغ».. والعالم الرقمي.
3. «تعفن الدماغ».. كلمة عام 2024 في أكسفورد وما المقصود من المصطلح؟
4. What Is Brain Rot? How Does it Impact You?
5. What Is Brain Rot and How Can You Prevent It?
6. Oxford Word of the Year 2024 – Oxford University Press
***
د. طارق قابيل
– أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار في الصحافة العلمية والتواصل العلمي
– عضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة
– الباحث الرئيسي لمشروع خارطة طريق “مستقبل التواصل العلمي في مصر ودوره في الاعلام العلمي”، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصر.
– مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.

https://orcid.org/0000-0002-2213-8911
http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel
tkapiel@sci.cu.edu.eg

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

رحلة في عالم التحريف العلمي (8)

مكافحة المعلومات المضللة حول تغير المناخ في عصر الذكاء الاصطناعي كيف يمكن للعلوم والتكنولوجيا أن …