يجب وضع البشرية في جوهر عملية التقدم، وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات العالمية

كلمة معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة ورئيس مجلس إدارة مصدر في افتتاح أسبوع أبوظبي للاستدامة

شبكة بيئة ابوظبي، الامارات العربية المتحدة، 14 يناير 2025

سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات (حفظه الله)…
أصحاب الفخامة والسمو والمعالي والسعادة،
الضيوف الأعزاء، السيدات والسادة.

أرحب بكم في دولة الإمارات، وفي أسبوع أبوظبي للاستدامة 2025، وفي حفل توزيع جوائز زايد للاستدامة.
مع بداية الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين.. نشهد مرحلة مِفصلية
نقف فيها بين عالَمين.. أحدهما نعرفه.. وآخر نستكشف ملامحه واحتمالاته
هذه المرحلة التي أسميها “نقلة نوعية من الحاضر إلى المستقبل”

اسمحوا لي هنا أن أوضح أن
هناك ثلاثة عوامل قوية ومؤثرة تتضافر معاً لإعادة صياغة وتشكيل مستقبلنا بطرق لم نكن لنتخيلها، وهي:
أولاً، نهوض الأسواق الناشئة المسؤولة حالياً عن أكثر من نصف معدلات النمو والازدهار في العالم.
ثانياً، النقلة النوعية في منظومة الطاقة.. والتي تسهم في توسيع مزيج الطاقة وخلق قطاعات جديدة بالكامل.
ثالثاً، التطور الكبير في الذكاء الاصطناعي ودوره في تسريع وتيرة التغيير.

هذه التوجهات مجتمعة قادرة على دفع عجلة التقدم، وتسريعه بوتيرة غير مسبوقة.

الزملاء الأعزاء،
دولة الإمارات تقدم العديد من النماذج العملية لمفهوم النقلة النوعية من الحاضر إلى المستقبل.
فهي تتميز بنجاحها في الجمع بين: الإرث والتقاليد، والريادة في تبنّي أفضل وأحدث الابتكارات النوعية.

لقد نجح الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه)، في تحويل المستحيل إلى ممكن.. وإلى واقع ملموس.
لقد حوَّل الرمال إلى أرضٍ خصبة.. وأرسى الأسس التي ساهمت في أن تصبح الإمارات دولةً رائدة ومتقدمة في قطاع الطاقة.
واليوم.. تواصل قيادتنا الرشيدة السير على هذا النهج.
سيدي صاحب السمو، إن رؤيتكم الاستشرافية هي مصدر إلهامٍ نسترشد به دائماً للوصول إلى آفاق جديدة.

وبفضل توجيهاتكم السديدة ودعمكم اللامحدود، حققنا إنجازات غير مسبوقة في مجال الطاقة الشمسية.. بدءاً من تطوير أكبر محطة شمسية في موقع واحد بالعالم.. وصولاً إلى تطوير محطة رائدة عالمياً في مجال تحلية المياه.
وفي طاقة الرياح.. رسخنا ريادتنا عبر تطوير محطات قادرة على التكيف مع رياح البحار المضطربة وكذلك مع الرياح منخفضة السرعات.
كما انتقلنا إلى مرحلة جديدة في مجال الطاقة النووية مع تشغيل 4 وحدات ضمن محطة براكة.

وحققنا إنجازات رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي… بداية من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.. أول جامعة إماراتية للدراسات العليا متخصِّصة بالكامل في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى شركات الاستثمار الاستراتيجي في هذا المجال مثل شركة “MGX”.
وفي مجال الفضاء، أرسلنا مسباراً إلى المريخ، ولم نتوقف هناك… حيث سنرسل قريباً مهمةً إلى حزام الكويكبات عبر مركبة “المستكشف محمد بن راشد”، وسنقوم كذلك بإطلاق القمر الصناعي “محمد بن زايد سات” لاستكشاف كوكبنا.
سيدي، لقد كانت توجيهاتكم هي الأساس الراسخ لتحقيق هذه الإنجازات.

وكانت دعوة سموكم للتضافر والتكاتف هي التي ألهمت العمل متعدد الأطراف… ومهّدت الطريق أمام تغليب العزم والتصميم على الشكوك والمخاوف…
ونجحت في توحيد جهود العالم… للتوصل إلى “اتفاق الإمارات” التاريخي خلال مؤتمر الأطراف COP28.
الضيوف الأعزاء، إن هذه القناعة بالإمكانيات البشرية هي من القيم الراسخة في دولة الإمارات.
فما يراه الآخرون تحدياً، نراه نحن فرصةً نسعى لاستثمارها.

على مدار عقود، كان أكبر عائق أمام تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الطاقة المتجددة هو عدم استقرار إمداداتها.
ومن أهم التحديات التي يواجهها القطاع: كيفية توفير الطاقة لعالم يشهد حركةً مستمرة من خلال مصادر غير مستقرة؟
وكيفية تحويل المصادر المتجددة إلى طاقة موثوقة يمكن الاعتماد عليها؟

اليوم… أصبحت لدينا إجابة.
أصحاب السمو، والفخامة، والمعالي، والسعادة.. الأصدقاء والزملاء الأعزاء، يسرُّني أن أعلن عن إطلاق أول منشأة للطاقة المتجددة في العالم قادرة على توفير الطاقة المتجددة… على نطاق واسع… بشكل مستقر ومستمر في كافة الأوقات.

بالتعاون مع شركة مياه وكهرباء الإمارات، تمكنت شركة مصدر من جمع 5 غيغاواط من الطاقة الشمسية مع سعة تخزين تبلغ 19 غيغاواط ساعة لإنتاج 1 غيغاواط من الطاقة النظيفة المستمرة دون انقطاع.
هذا المشروع سيساهم، لأول مرة على الإطلاق، في تحويل الطاقة المتجددة إلى طاقة حمِل أساسي.
وهذه خطوة أولى تشكل بداية لنقلة نوعية في هذا المجال.
وما كان لهذا الإنجاز أن يتحقق لولا التشجيع والدعم الراسخ الذي تلقيناه من قيادتنا الرشيدة ومن شركائنا.

الأصدقاء والزملاء الأعزاء…
إن تخزين الطاقة باستخدام البطاريات هو أسرع تقنيات الطاقة نمواً في العالم اليوم.
ستتم إضافة سعة تخزين إضافية قياسية تبلغ 100 غيغاواط إلى الشبكة الكهربائية هذا العام.
لكن هذا يمثل جزءاً بسيطاً من الطلب الإجمالي على الطاقة الذي تحركه التوجهات الثلاثة الشاملة، خاصةً النمو الكبير في الذكاء الاصطناعي.
قبل بدء استخدام أدوات وحلول الذكاء الاصطناعي، كان الطلب على الطاقة في طريقه إلى الارتفاع من 9000 غيغاواط إلى أكثر من 15000 غيغاواط بحلول عام 2035.
ولكن مع نمو تطبيقات مثل ChatGPT بمقدار نصف مليار زيارة كل شهر… واستخدامها طاقةً تعادل عشرة أضعاف ما يستخدمه البحث لمرة واحدة على غوغل… فقد يصل الطلب بحلول 2050 إلى 35000 غيغاواط.

إننا نتحدث هنا عن نسبة زيادة تقدر بأكثر من 250%.
وكلي ثقة بأنكم تتفقون جميعاً على أنه لا يوجد مصدر واحد للطاقة بإمكانه تلبية هذا الطلب غير المسبوق، خاصةً وأنه لا يزال هناك مليار شخص في العالم يفتقرون إلى الطاقة، لذا، نحتاج إلى أن يكون لدينا خيارات متنوعة في مصادرها…
وبكل وضوح، فإن السياسات واللوائح التنظيمية التي تستبعد بعض هذه المصادر بشكل سابق للأوان لن تكون في مصلحة أحد.
إننا نحتاج إلى تطبيق نهج يعتمد على مزيج متنوع من المصادر.

وهذه هي الذهنية التي قادتنا إلى إنجاز أحدث إضافة لمحفظة أبوظبي المتنوعة من الطاقة، وهي EXERGY.
EXERGY هي شركة استثمارية دولية في مجال الطاقة، ذات هيكل تنظيمي فريد للتكيف مع احتياجات الطاقة الإضافية.
EXERGY تعني تحقيق أقصى إمكانات كل وحدة وشرارة وجول من الطاقة عبر الاستثمار في مختلف مجالات القطاع، من الغاز إلى الكيماويات والوقود منخفض الكربون، والبنية التحتية للطاقة… إنها شركة طاقة مصممة لمواكبة المستقبل.

الضيوف الأعزاء، إن النقلة النوعية من الحاضر إلى المستقبل تعني وضع البشرية في جوهر عملية التقدم… وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات العالمية.
كما تعني ضرورة عدم التركيز على الاكتشافات التي لا تساهم في مساعدة البشرية وتحسين حياة الناس.

وهذا هو جوهر جائزة زايد للاستدامة.
فبفضل الجائزة، هناك في كل يوم، في مكان ما من العالم، قرية تشرب مياهاً نظيفة لأول مرة.
وطفل يتمكن من الدراسة تحت ضوء يعمل بالطاقة الشمسية.
ومزارعٌ يحصد محاصيلَ من أرضٍ كانت قاحلةً ذات يوم.
هذه الجائزة تبني على إرث الشيخ زايد، رحمه الله، الذي كان مؤمناً بأن المستقبل الذي نبنيه لا يتعلق بتوليد الطاقة فقط، بل بتمكين المجتمعات وازدهارها.
أصحاب السمو والفخامة والمعالي والسعادة، الضيوف الأعزاء،
في الختام… اسمحوا لي أن أتناول نقطة تمحورت حولها مناقشاتنا بشأن الطاقة والاستدامة لفترة طويلة جداً.
حيث وقع العالم في فخ الاختيار الزائف بين الحصول على الطاقة وضمان الاستدامة.
إن هذا التفكير الذي يخيّر بين أمرين يعوق ويبطئ التقدم.
لقد حان الوقت لتغيير هذه السردية.
لأن الطاقة والاستدامة ليسا متعارضين.
إنهما شريكان متكاملان.
والاختيار ليس بين مسارَين، بل يتعلق بإنشاء مسارٍ جديد يضمهما معاً.
مسار يفتح الباب أمام النمو، ويقود جهود الرفاه والازدهار، ويطلق العنان للفرص الاقتصادية غير المسبوقة… مسار يقودنا للوصول إلى تحقيق النقلة النوعية من الحاضر إلى المستقبل.
شكراً.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

نادي صقّاري الإمارات يُصدر عدداً خاصاً من مجلة “الصقّار”

ماجد علي المنصوري: في دار زايد.. قيم الأصالة راسخة بجذورها شبكة بيئة أبوظبي، الإمارات العربية …