المعلومات المضللة والشائعات خطر يهدد عالمنا المعاصر
العالم على مفترق طرق: التعاون أم الانهيار؟
شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 01 فبراير 2025
عندما بدأت كتابة هذه السلسلة من المقالات على موقع “بيئة أبو ظبي” بطلب من سعادة المهندس عماد سعد، الذي أبدى اهتماماً كبيراً بما كتبته في المقال الأول، لم أكن أتخيل أن هذه السلسلة ستستمر لأشهر طويلة. كان المهندس عماد، بحسه الصحفي العلمي المتمرس، قد أدرك منذ البداية أهمية الموضوع وخطورته. لم يكن الأمر مجرد حديث عن ظاهرة عابرة، بل كان تحذيراً من خطر داهم يهدد استقرار المجتمعات ويفكك نسيجها الاجتماعي والسياسي.
تتابعت الأحداث العالمية في هذه الفترة، وبدأت تظهر تداعيات المعلومات المضللة والشائعات بشكل واضح وصادم. من الانتخابات المشكوك في نزاهتها إلى الأزمات الصحية التي عرقلتها الشائعات، ومن الصراعات الجيوسياسية التي تفاقمت بسبب التضليل الإلكتروني إلى التحديات البيئية التي أُهملت بسبب المعلومات المغلوطة. كل هذه الأحداث أكدت على صحة رؤية المهندس عماد وأهمية الموضوع الذي بدأنا نناقشه على صفحات موقع “بيئة أبو ظبي”.
اليوم، وبعد مرور عدة أشهر، أصبحت المعلومات المضللة تحتل المرتبة الأولى بين المخاطر قصيرة المدى وفقاً لتقرير المخاطر العالمية لعام 2025 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. هذا التصنيف ليس مجرد رقم أو إحصائية، بل هو انعكاس لواقع مرير نعيشه جميعاً. المعلومات المضللة لم تعد مجرد أخبار كاذبة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بل أصبحت سلاحاً يستخدم في الحروب الجيوسياسية، وأداة لتقويض الثقة في الحكومات، وعائقاً أمام الاستجابة الفعالة للأزمات العالمية.
في هذا التقرير، سنستعرض الوضع الراهن للمعلومات المضللة، وتأثيراتها المدمرة على المجتمعات، والأمثلة البارزة التي توضح كيف أصبحت هذه الظاهرة تهديداً عالمياً. كما سنناقش الحلول الممكنة لمواجهة هذه الأزمة، والتي تتطلب تعاوناً دولياً وجهوداً مشتركة من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
ومن المهم أن يعلم القارئ الكريم أن: “في عصر المعلومات، الحقيقة هي السلاح الأقوى… فلنحميها” كما قال أحد الخبراء، وهذا بالضبط ما نسعى إليه في هذه السلسلة من المقالات: حماية الحقيقة، ومواجهة التضليل، وبناء مجتمعات أكثر وعياً ومرونة في مواجهة التحديات المعاصرة.
الجذور النفسية والاجتماعية للمعلومات المضللة
المعلومات المضللة والشائعات: خطر يهدد الاستقرار العالمي
في عصر التدفق المعلوماتي السريع، أصبحت المعلومات المضللة والشائعات واحدة من أخطر التهديدات التي تواجه المجتمعات الحديثة. وفقاً لتقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025، تحتل المعلومات الخاطئة المرتبة الأولى بين المخاطر قصيرة المدى للسنة الثانية على التوالي. هذا التصنيف يعكس تزايد تأثيرها السلبي على الثقة العامة، وتعطيل الاستجابة للأزمات، وحتى استخدامها كسلاح في الصراعات الجيوسياسية.
الوضع الراهن: المعلومات المضللة في صدارة المخاطر العالمية
تتصدر المعلومات المضللة قائمة المخاطر قصيرة المدى، حيث يُعتبر انتشارها السريع عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومات والمجتمعات. وفي عام 2024، أشار25% من المشاركين في استطلاع المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن المعلومات الخاطئة هي مصدر القلق الأكبر، متجاوزة بذلك مخاطر أخرى مثل النزاعات المسلحة والأزمات الاقتصادية.
التأثيرات المدمرة للمعلومات المضللة
1. تقويض الثقة في الحكومات والمؤسسات الدولية
• الواقع: المعلومات المضللة تُضعف ثقة المواطنين في الحكومات والمؤسسات الدولية، مما يُعيق تنفيذ السياسات العامة.
• الأمثلة:
o خلال جائحة كوفيد-19، أدت الشائعات حول اللقاحات إلى تردد الكثيرين في تلقيها، مما عرقل جهود مكافحة الفيروس.
o في الانتخابات الأخيرة في عدة دول، أثرت حملات التضليل على نتائج الاقتراع وزعزعت ثقة الناخبين في النزاهة الانتخابية.
2. تعطيل الاستجابة للأزمات المشتركة
• التأثير: المعلومات الخاطئة تُعطل الاستجابة الفعالة للأزمات العالمية، مثل الأوبئة والتغير المناخي.
• الأمثلة:
o خلال أزمة المناخ، أدت الشائعات حول عدم جدوى الجهود الفردية إلى تقليل الالتزام بالسياسات البيئية.
o في حالات الكوارث الطبيعية، أدت المعلومات المضللة إلى إعاقة عمليات الإغاثة وإنقاذ الأرواح.
3. استخدامها كسلاح جيوسياسي
• الواقع: أصبحت المعلومات المضللة أداة رئيسية في الصراعات الجيوسياسية، حيث تستخدمها بعض الدول لزعزعة استقرار خصومها.
• الأمثلة:
o التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية عام 2016 عبر حملات التضليل الإلكتروني.
o استخدام الصين للروبوتات والذكاء الاصطناعي لنشر معلومات مضللة في تايوان وهونغ كونغ.
الأمثلة البارزة لحملات التضليل
1. حملات التضليل الإلكتروني
• الوصف: يتم استخدام حسابات وهمية وبرامج آلية (بوتات) لنشر معلومات كاذبة على نطاق واسع.
• الأمثلة:
o الانتخابات البرازيلية عام 2022، حيث انتشرت آلاف التغريدات المزيفة لدعم مرشح معين.
o الأزمة الأوكرانية، حيث تم استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة حول الصراع.
2. التلاعب بالرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي
• الوصف: تستغل الجماعات والجهات السياسية خوارزميات المنصات الرقمية لتضخيم رسائل معينة والتأثير على الرأي العام.
• الأمثلة:
o حملات “بركسيت” في المملكة المتحدة، حيث تم استخدام بيانات الناخبين لاستهدافهم برسائل مخصصة.
o الانتخابات الهندية عام 2019، حيث انتشرت مقاطع فيديو مزيفة على واتساب لتشويه سماء المرشحين.
الاستجابة العالمية: كيف يمكن مواجهة هذه الأزمة؟
1. تعزيز التشريعات والرقابة
• التوصيات:
o فرض قوانين صارمة على منصات التواصل الاجتماعي للحد من نشر المعلومات الكاذبة.
o إنشاء هيئات مستقلة لمراقبة المحتوى الرقمي وفرض عقوبات على الجهات المنتهكة.
2. التثقيف الإعلامي
• التوصيات:
o إدراج التثقيف الإعلامي في المناهج الدراسية لتعليم الأفراد كيفية تمييز المعلومات الصحيحة من الكاذبة.
o تنظيم حملات توعية عامة حول مخاطر المعلومات المضللة.
3. التعاون الدولي
• التوصيات:
o إنشاء تحالفات دولية لمكافحة التضليل الإلكتروني، خاصة في أوقات الأزمات.
o تبادل المعلومات والخبرات بين الدول لمواجهة الحملات المنظمة.
قراءة في تقرير المخاطر العالمية لعام 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي
في ضوء تقرير المخاطر العالمية لعام 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تم تسليط الضوء على مخاطر المعلومات المضللة والشائعات كواحدة من أبرز التهديدات التي تواجه العالم في السنوات القادمة. فيما يلي أهم الفقرات المتعلقة بهذا الموضوع:
1. المعلومات المضللة والشائعات كخطر رئيسي:
• تصنيف الخطر: تحتل المعلومات المضللة والشائعات المرتبة الأولى في قائمة المخاطر الأكثر خطورة على المدى القصير (سنتين)، حيث يعتقد 53% من المشاركين في الاستطلاع أنها ستشكل أزمة مادية على المستوى العالمي في عام 2024.
• التأثير: يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة إلى زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي، خاصة في ظل الانتخابات المقبلة في عدة دول، حيث يمكن أن تُستخدم لتقويض شرعية الحكومات المنتخبة حديثًا.
2. التأثير على الانتخابات:
• الانتخابات: من المتوقع أن يشارك ما يقرب من 3 مليارات شخص في الانتخابات عبر عدة اقتصادات، بما في ذلك الهند والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمكسيك وإندونيسيا.
• تأثير المعلومات المضللة: يمكن أن تؤدي الحملات المضللة إلى إثارة الاضطرابات المدنية، بدءًا من الاحتجاجات العنيفة وصولًا إلى المواجهات الإرهابية، مما يهدد العملية الديمقراطية.
2. التكنولوجيا والمعلومات المضللة:
• التطور التكنولوجي: أدى التطور السريع في الذكاء الاصطناعي إلى تسهيل إنشاء محتوى مزيف، مثل التزييف العميق (Deepfake) والمواقع الإلكترونية المزيفة، مما يجعل من الصعب تمييز المحتوى الحقيقي عن المزيف.
• تحديات التنظيم: على الرغم من الجهود التنظيمية الجديدة، إلا أن سرعة تطور التكنولوجيا تجعل من الصعب على الحكومات والمنصات التكنولوجية مواكبة هذه التهديدات.
3. تأثير المعلومات المضللة على الاستقطاب المجتمعي:
• الاستقطاب المجتمعي: تعتبر المعلومات المضللة والشائعات من أكثر المخاطر المترابطة مع الاستقطاب المجتمعي، حيث يمكن أن تعمق الانقسامات السياسية والاجتماعية.
• تأثير طويل الأمد: يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة إلى تآكل الثقة في المؤسسات والحكومات، مما يزيد من حدة الاستقطاب ويضعف التماسك الاجتماعي.
4. تدابير المواجهة:
• التنظيم الحكومي: بدأت بعض الحكومات في تطبيق قوانين جديدة تستهدف مكافحة المعلومات المضللة، مثل وضع علامات على المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
• دور المنصات التكنولوجية: تواجه المنصات التكنولوجية تحديًا كبيرًا في ضمان سلامة المحتوى، خاصة مع تزايد تعقيد الأدوات المستخدمة في نشر المعلومات المضللة.
5. المخاطر المستقبلية:
• على المدى الطويل: يتوقع التقرير أن تستمر مخاطر المعلومات المضللة في التفاقم، خاصة مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا وانتشار الذكاء الاصطناعي.
• التأثير العالمي: يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة إلى أزمات عالمية، بما في ذلك زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي، خاصة في الدول الهشة.
6. التوصيات:
• زيادة الوعي: يدعو التقرير إلى زيادة الوعي العام بمخاطر المعلومات المضللة وتعزيز التعليم الرقمي لتمكين الأفراد من التمييز بين المعلومات الحقيقية والمزيفة.
• التعاون الدولي: يشدد التقرير على أهمية التعاون الدولي في مكافحة المعلومات المضللة، بما في ذلك وضع معايير عالمية لتنظيم المحتوى الرقمي.
المشهد العالمي للمخاطر في عام 2025 وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي
أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقرير المخاطر العالمية لعام 2025، مُسلطاً الضوء على مشهد مُقلق من التحديات التي تهدد استقرار العالم. ويُعد التقرير مرجعاً رئيسياً لفهم التحديات التي تواجه العالم في العقد المقبل. استند التقرير إلى آراء أكثر من 900 خبير من قطاعات متنوعة، بما في ذلك السياسة والأعمال والأكاديميين، بهدف رصد المخاطر قصيرة وطويلة المدى وتحليل تداعياتها. يُشير التقرير إلى أن العالم يقف عند مفترق طرق حاسم، حيث تتفاعل المخاطر الجيوسياسية والبيئية والتقنية والمجتمعية بشكل غير مسبوق، مما يهدد الاستقرار العالمي. وتصدرت النزاعات المسلحة، والتغيرات البيئية الحادة، والمعلومات المضللة قائمة المخاطر، في إشارة واضحة إلى أن البشرية تواجه اختباراً مصيرياً يتطلب تحركاً جماعياً غير مسبوق. فهل نستطيع تجاوز الانقسامات لمواجهة هذه الأخطار، أم أننا نسير نحو تفاقم الأزمات؟
التعاون: ليس خياراً، بل ضرورة للبقاء
يؤكد التقرير أن العالم يقف عند مفترق طرق: إما تعزيز التعاون لبناء أنظمة مرنة، أو الاستسلام لتفاقم الأزمات. الواقع الحالي يُظهر تناقضاً صارخاً؛ فبينما يتحدث الجميع عن الحاجة إلى العمل الجماعي، تتصاعد النزعات القومية وتتقلص مساحات الحوار الدولي. التقرير يذكرنا بأن 64% من الخبراء يتوقعون هيمنة نظام عالمي مجزأ، لكنه يُصر على أن “الانكفاء على الذات ليس حلاً”.
المخاطر الرئيسية قصيرة المدى2025
1. النزاعات المسلحة بين الدول شرارة تهدد بإشعال العالم
وفقاً للتقرير، يُعتبر تصاعد النزاعات بين الدول أبرز المخاطر قصيرة الأمد لعام 2025، حيث أشار نحو 25% من المشاركين في الاستطلاع إلى أنها مصدر القلق الأكبر. هذه النزاعات ليست مجرد مواجهات عسكرية محدودة، بل تُغذيها التوترات الجيوسياسية المتزايدة، وتجزئة النظام الدولي، وتنافس القوى العظمى على النفوذ. والخطير هنا هو تداخل هذه الصراعات مع أزمات أخرى، مثل ندرة الموارد بسبب التغير المناخي، مما قد يحولها إلى حروب ممتدة تُعقّد جهود تحقيق السلام.
• الوضع الراهن: تصنف النزاعات المسلحة كأبرز المخاطر قصيرة المدى لعام 2025، حيث أشار 25% من المشاركين في الاستطلاع إليها كمصدر القلق الأكبر.
• الأسباب الجذرية:
o تصاعد التوترات الجيوسياسية، مثل التنافس بين القوى العظمى على النفوذ.
o تجزئة النظام الدولي وتراجع التعاون متعدد الأطراف.
o ندرة الموارد الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ، مما يزيد من احتدام الصراعات.
• التداعيات المحتملة: تحول هذه النزاعات إلى حروب ممتدة، وتعطيل سلاسل الإمداد العالمية، وتفاقم الأزمات الإنسانية.
2. المعلومات المضللة والشائعات: سلاح يهدم الثقة ويُعمق الانقسامات
للسنة الثانية على التوالي، تحتل المعلومات الخاطئة والمضللة صدارة المخاطر قصيرة الأجل. هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على التأثير في الانتخابات أو الرأي العام، بل أصبحت تهدد التماسك الاجتماعي نفسه. فانتشار الشائعات يُضعف الثقة في الحكومات، ويُعطل التعامل مع الأزمات المشتركة، مثل تغير المناخ أو الأوبئة. والأخطر أن بعض الدول تستخدمها كأداة لزعزعة استقرار خصومها، مما يُحوّلها إلى سلاح جيوسياسي يزيد العالم تقطيعاً.
• الوضع الراهن: تحتل المعلومات الخاطئة المرتبة الأولى بين المخاطر قصيرة المدى للسنة الثانية على التوالي.
• التأثيرات:
o تقويض الثقة في الحكومات والمؤسسات الدولية.
o تعطيل الاستجابة للأزمات المشتركة (كالأوبئة والتغير المناخي).
o استخدامها كسلاح جيوسياسي لزعزعة استقرار الدول الأخرى.
• الأمثلة البارزة: حملات التضليل الإلكتروني، والتلاعب بالرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
3. البيئة: أزمة طويلة الأمد تتطلب حلولاً عاجلة
لا تزال المخاطر البيئية تهيمن على الأفق طويل المدى، حيث تصنف الظواهر المناخية القاسية، وفقدان التنوع البيولوجي، وانهيار النظم البيئية كأكبر التهديدات. التقرير يُنبه إلى أن تلوث الهواء والماء بات يُعتبر خطراً قصير الأمد أيضاً، ما يعكس تداعيات صحية واقتصادية فورية. واللافت أن التعامل مع هذه الأزمات يتطلب موارد مالية وبشرية هائلة، في وقت تشتعل فيه النزاعات وتنخفض أولوية البيئة في أجندات بعض الحكومات!
التحديات البيئية قصيرة الأجل
• أبرز المخاطر:
o تلوث الهواء والمياه، الذي يُصنف الآن كخطر قصير المدى بسبب آثاره الصحية والاقتصادية المباشرة.
o الظواهر المناخية القاسية (مثل الفيضانات وموجات الحر)، التي تهدد الأمن الغذائي وتزيد من النزوح البشري.
المخاطر طويلة المدى (2035 وما بعده)
1. الانهيار البيئي
• المخاطر الرئيسية:
o فقدان التنوع البيولوجي بنسبة غير مسبوقة.
o انهيار النظم البيئية (مثل الغابات الاستوائية والشعاب المرجانية).
o تغيرات مناخية جذرية تُهدد استقرار الأنظمة الزراعية والمائية.
• التحديات: صعوبة تعبئة الموارد اللازمة للتصدي لهذه الأزمات في ظل انشغال الحكومات بالنزاعات المحلية والدولية.
2. التجزئة الجيوسياسية
• التوقعات: يتوقع 64% من الخبراء هيمنة نظام عالمي مجزأ، حيث تتصاعد التنافسات بين القوى العظمى والمتوسطة.
• النتائج المحتملة:
o تراجع فعالية المنظمات الدولية (مثل الأمم المتحدة).
o زيادة الحمائية الاقتصادية، مما يعرقل الجهود العالمية لمواجهة الأزمات المشتركة.
3. المخاطر التقنية الناشئة
• أبرز التهديدات:
o الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي، مثل التضليل المعلوماتي والاستخدام العسكري غير الخاضع للرقابة.
o الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية (كأنظمة الطاقة والصحة).
تحليل التحديات والفرص
التحديات المشتركة
1. ترابط المخاطر: التفاعل بين المخاطر (مثل النزاعات وندرة الموارد) يخلق حلقة مفرغة من الأزمات.
2. تراجع الثقة: انخفاض الثقة في الحكومات يُعقّد تبني سياسات فعالة لمواجهة التحديات.
3. ضعف التعاون الدولي: تُظهر البيانات أن أكثر من نصف المشاركين يتوقعون تفاقم الانقسامات حول قضايا مثل تغير المناخ والأمن السيبراني.
الفرص المتاحة
1. التعزيز التكنولوجي: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة الكوارث ومراقبة التغيرات البيئية.
2. الحوكمة العالمية الجديدة: إصلاح المؤسسات الدولية لتعكس التوازنات الجيوسياسية المعاصرة.
3. الاستثمار في الاستدامة: توجيه الموارد نحو الطاقة النظيفة والزراعة الذكية مناخياً.
التوصيات الاستراتيجية
1. تعزيز الحوار متعدد الأطراف: إنشاء منصات دولية جديدة لمعالجة النزاعات وإدارة الموارد المشتركة.
2. مواجهة المعلومات المضللة: تطوير تشريعات صارمة لتنظيم المحتوى الرقمي، وتعزيز التثقيف الإعلامي للمجتمعات.
3. التحول إلى الاقتصاد الأخضر: تخصيص 30% من حزم التحفيز الاقتصادي لمشاريع الطاقة المتجددة وإعادة التأهيل البيئي.
4. بناء المرونة المجتمعية: دعم البرامج التي تُعزز التماسك الاجتماعي وتقلل من الاستقطاب.
في ختام هذا المقال، نجد أنفسنا أمام مفترق طرق تاريخي، حيث يتحدد مصير البشرية بين التعاون والانهيار. العقد المقبل ليس مجرد فترة زمنية عابرة، بل هو اختبار حقيقي لإرادتنا الجماعية وقدرتنا على مواجهة التحديات التي تهدد كياننا المشترك. إن التحذيرات التي يطلقها التقرير ليست مجرد كلمات، بل هي صرخة استغاثة تدعونا إلى اليقظة والعمل قبل أن تغمرنا أمواج الأزمات المتلاحقة.
التعاون لم يعد رفاهية أو خياراً ثانوياً، بل أصبح شرطاً أساسياً للبقاء. على الحكومات أن تتبنى سياسات شجاعة تعزز العدالة الاجتماعية، وتستثمر في التقنيات المستدامة، وتدعم الحوار متعدد الأطراف. وعلى الأفراد والمجتمعات أن يتحملوا مسؤولياتهم في مواجهة المعلومات المضللة، وأن يضغطوا على قادتهم لاتخاذ إجراءات جريئة وفعالة. ففي عالم تتداخل فيه المخاطر وتتشابك الأزمات، لا مكان للتراخي أو التردد.
كما أن حماية الحقيقة أصبحت مهمة ملحة في عصر تطغى فيه السرعة على الدقة، وتتفوق الكمية على الجودة. المعلومات المضللة لم تعد مجرد شائعات عابرة، بل تحولت إلى سلاح يهدد استقرار المجتمعات ويزعزع ثقة الأفراد في مؤسساتهم. لذا، فإن التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني هو السبيل الوحيد لبناء جدار منيع يحمي الحقيقة ويحافظ على تماسكنا الاجتماعي.
في النهاية، الخيار بين التعاون والانهيار هو خيارنا نحن. إنه اختبار لإنسانيتنا وقدرتنا على تجاوز الخلافات والتركيز على ما يجمعنا. فلنختر بحكمة، ولنعمل معاً لبناء عالم أكثر مرونة واستدامة، عالم يمكن أن نفتخر بتركه للأجيال القادمة. فالمعلومات المضللة لم تعد مجرد مشكلة تقنية أو اجتماعية، بل أصبحت تهديداً وجودياً للاستقرار العالمي. في ظل التطور التكنولوجي السريع، يجب أن تكون الاستجابة سريعة وشاملة. التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني هو المفتاح لمواجهة هذه الأزمة. كما قال أحد الخبراء:” في عصر المعلومات، الحقيقة هي السلاح الأقوى… فلنحميها”.
المصادر:
• آراء خبراء من قطاعات الأعمال والحكومات والأوساط الأكاديمية.
• استطلاع تصورات المخاطر العالمية 2024-2025.
• تقارير منظمة “فريدم هاوس” حول التضليل الإلكتروني.
• تقرير المخاطر العالمية 2025، المنتدى الاقتصادي العالمي.
• دراسات حالة من الانتخابات الأمريكية والبرازيلية والهندية.
• https://www.weforum.org/publications/global-risks-report-2024/
• https://www.computerweekly.com/news/366618096/Davos-2025-Misinformation-and-disinformation-are-most-pressing-risk-says-World-Economic-Forum
• https://www.weforum.org/press/2024/01/global-risks-report-2024-press-release/
• https://www.weforum.org/press/2025/01/global-risks-report-2025-conflict-environment-and-disinformation-top-threats/
د. طارق قابيل
– أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار في الصحافة العلمية والتواصل العلمي
– عضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة
– الباحث الرئيسي لمشروع خارطة طريق “مستقبل التواصل العلمي في مصر ودوره في الاعلام العلمي”، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصر.
– مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.
https://orcid.org/0000-0002-2213-8911
http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel
tkapiel@sci.cu.edu.eg
39 total views , 2 views today