شبكة بيئة ابوظبي، البنك الدولي، 23 يوليو 2022
إننا ننظر إلى العمل المناخي باعتباره عاملاً أساسياً للتخفيف من حدة الفقر وتعزيز الرخاء المشترك بطريقة مستدامة، وهي مهمة تأتي في صميم رسالة مجموعة البنك الدولي المتعلقة بتحقيق التنمية.
يهدف التقرير القُطري عن المناخ والتنمية، وهو تقرير تشخيصي جديد، إلى مساعدة البلدان على تكوين فهم أفضل لمخاطر المناخ التي تواجه هذه البلدان، بالإضافة إلى التخطيط لكيفية التصدي لتلك المخاطر مع تحقيق أهداف التنمية الخاصة بها في الوقت ذاته.
في عام 2021، أعلنت مجموعة البنك الدولي عن صدور تقارير تشخيصي جديدة، هي التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية، لتحليل سبل تحقيق أهداف التنمية لكل بلد في سياق التخفيف من آثار تغير المناخ أو التكيف معها، أو كليهما معاً. فما نوع البحوث والتحليلات التي تُستخدم في إعداد التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية؟ وكيف ستساعد هذه التقارير البلدان في تحقيق أهدافها بشأن المناخ والتنمية؟ وكيف يمكن لها أن تساعد في تعبئة التمويل الضروري لتنفيذ عملية التحول منخفض الكربون القادر على الصمود؟ للحصول على بعض الأجوبة، تحدثنا مع كلٍ من ستيفان هاليغات، المستشار الأول في مجال تغير المناخ، وجينيفييف بوارو، المستشارة الاقتصادية، وكارولينا مونسالفي، كبيرة الخبراء المتخصصين في مجال تغير المناخ.
س: لماذا أصدرت مجموعة البنك الدولي تقريراً تشخيصياً جديداً للربط بين التنمية وتغير المناخ؟ أليست المشكلتان مختلفتين بحيث يجب على البلدان التصدي لكل منهما على حدة؟
يرتبط تغير المناخ ارتباطاً شديداً بالتنمية ورفاهة الإنسان، وإذا لم يوضع لآثاره حدٌ، فسيدفع 132 مليون شخص إلى براثن الفقر خلال السنوات العشرة القادمة. ويتداخل تغير المناخ كذلك مع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الأخرى – كما يتضح جلياً في الوقت الحالي من الظواهر والكوارث الطبيعية المتكررة بالغة الشدة – وهذا يتسبب بدوره في تفاقم المخاطر التي يمكن أن تزيد قابلية التأثر وتؤدي إلى تفاقم المظالم والمآسي، واشتداد الأوضاع الهشة القائمة بالفعل. وعلى الرغم من أن البلدان النامية هي أقل البلدان مساهمةً في انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم، فإنها معرّضة بصفة خاصة للآثار السلبية الناتجة عن تغير المناخ.
يشكل تغير المناخ تهديداً خطيراً للتنمية المستدامة، سواء في الحاضر أو في المستقبل، ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل إن العكس صحيح أيضاً: إذ إن البلدان يمكنها أن تحقق نتائج جيدة في مجال التنمية، من خلال الحد من الفقر وتعزيز النمو المستدام، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن تغير المناخ. بيد أن تحقيق هذا الأمر يتطلب فهماً واضحاً للإجراءات التدخلية التي سيكون لها أعظم الأثر، والتكلفة التي ستفرضها، وما هي خيارات السياسات الصعبة التي قد يلزم اتخاذها؛ وهذا هو ما تهدف التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية إلى توفيره. كما تمثل التنمية أمراً بالغ الأهمية لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ – إذ يتعين على البلدان تمويل الاستثمارات، ومن هنا تأتي الأهمية القصوى للنمو الاقتصادي.
إننا ننظر إلى العمل المناخي باعتباره عاملاً أساسياً للتخفيف من حدة الفقر وتعزيز الرخاء المشترك بطريقة مستدامة، وهي مهمة تأتي في صميم رسالة مجموعة البنك الدولي المتعلقة بتحقيق التنمية. وينعكس هذا التفكير في خطة عملنا بشأن تغير المناخ، 2021-2025 التي تتضمن بذل جهود متضافرة لمساندة البلدان والجهات المتعاملة مع المجموعة من القطاع الخاص في جهود التصدي لتحديات تغير المناخ والتنمية معاً. وتبدأ هذه الخطة من الفرضية القائلة بضرورة دمج المناخ والتنمية معاً، من أجل تسهيل عملية التخفيف والتكيف الناجحة، وكذلك لضمان أن تكون التنمية الاقتصادية عملية مستدامة. ونحن نرى أنها تمثل نقلة نوعية تتيح لمجموعة البنك الدولي دفع عجلة التنمية على نحو مراعٍ للبيئة وشامل للجميع وقادر على الصمود – وهي إعادة دمج المناخ بحيث يصبح جزءاً أصيلاً في تكوين عملية التنمية، على النحو الذي كان عليه الأمر من قبل.
س: تهدف التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية الجديدة إلى تنفيذ هذا النهج المتكامل، الذي يربط بين المناخ والتنمية. كيف ستتمكن هذه التقارير من القيام بذلك؟
يهدف التقرير القُطري عن المناخ والتنمية، وهو تقرير تشخيصي جديد، إلى مساعدة البلدان على تكوين فهم أفضل لمخاطر المناخ التي تواجه هذه البلدان، بالإضافة إلى التخطيط لكيفية التصدي لتلك المخاطر مع تحقيق أهداف التنمية الخاصة بها في الوقت ذاته.
يبدأ هذا النوع من التقارير من أولويات التنمية لكل بلد والتزاماته المتعلقة بالمناخ وذلك لتحديد الإجراءات الأكثر فاعلية التي يمكن للبلدان اتخاذها حتى يتسنى لها إحراز تقدم على صعيد تحقيق الأهداف المتعلقة بالمناخ والتنمية. كما تقدم هذه التقارير قاعدة تحليلية قوية ودقيقة على المستوى القُطري يمكن الاستفادة منها كنقطة بدء وانطلاق للتفكير في مسارات مناسبة للتحول منخفض الكربون القادر على الصمود. وتعمد هذه التقارير إلى وضع السكان والمجتمعات المحلية في صميم نهجها لأن السكان سيحددون مدى نجاح واستدامة أي سياسة أو عملية تحول تركّز على المناخ: وعلى سبيل المثال، تُقيّم هذه التقارير كيفية تأثير مخاطر المناخ في السكان والمجتمعات المحلية وكيفية بناء قدرتهم على الصمود. وهذه التقارير انتقائية عن عمد، ولا تغطي جميع جوانب العمل المناخي، بل تركز بدلاً من ذلك على ما تعتبره مجموعة البنك الدولي مجالات التدخل الأعظم أثراً في بلدٍ بعينه.
في ظل وجود هذه القاعدة التحليلية القوية، تحظى التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية بوضعية جيدة للمساهمة في المعرفة العامة حول قضايا المناخ، ومن ثم فإننا نعتزم أن تساعد هذه التقارير في توجيه العمل المناخي وترتيب أولوياته وتنفيذه بشكل متسلسل. وخلال إعداد هذه التقارير، نسعى أيضاً إلى التعاون والعمل المشترك مع العديد من فئات الجمهور ومنها الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والأوساط الأكاديمية وهيئات القطاع الخاص وشركاء التنمية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام هذه التقارير في مساندة البلدان لإعداد أهدافها المتعلقة بالمناخ وتنفيذها، والمتمثلة في: المساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ والاستراتيجيات طويلة الأجل.
وبالنسبة لمجموعة البنك الدولي، نسترشد بهذه التقارير في إعداد أدوات المشاركة الوطنية مع البلدان المتعاملة معنا – ونحن نشير هنا إلى الدراسات التشخيصية المنهجية وأطر الشراكة القُطرية، وغيرها من الدراسات التشخيصية، بالإضافة إلى خدماتنا الإقراضية، مما يزيد من الأثر المناخي لإجراءاتنا التدخلية.
س: ما العملية المتبعة لإعداد التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية؟ وما نوع البيانات والتحليلات التي تُستخدم فيها؟
تمثل التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية منتجاً تحليلياً أساسياً لمجموعة البنك الدولي، ويجري إعدادها من خلال التعاون عن كثب مع الهيئات الوطنية والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. ومن المتوقع أن يتم تحديث هذه التقارير كل خمس سنوات للمساعدة في سد فجوات المعرفة بينما يتطور فهمنا، ولضمان تحديث هذه التقارير باستمرار.
ولتزويد واضعي السياسات بتوصيات موثوقة حول مجموعة متنوعة من السياسات ذات الصلة بالمناخ، تستخدم مجموعة البنك الدولي طائفة متنوعة ومتكاملة من النماذج التي يجري اختيارها بناءً على سياق كل بلد، بما في ذلك مخاطر المناخ المحلية ونقاط القوة والفرص الاقتصادية. وتتراوح التحليلات من تقييم الآثار الكلية والآثار على المستوى القطاعي وعلى الرفاهة المترتبة على تدابير التخفيف المتخذة إلى تقييم احتياجات التكيف الخاصة بكل بلد، والتفكير في آثار تغير المناخ، بما في ذلك الآثار الناجمة عن الظواهر المناخية الحادة.
تتضمن المؤشرات الرئيسية نتائج الاقتصاد الكلي والتوزيع (إجمالي الناتج المحلي، الاستهلاك، الفقر، التضخم، أسعار الصرف، الآثار على المالية العامة، الدين)، والمؤشرات على المستوى القطاعي (أسعار الطاقة، مخرجات القطاع الصناعي والزراعي والخدمي)، والمنافع المشتركة (تحسينات الصحة والإنتاجية المترتبة على الحد من تلوث الهواء، وتحسن الكفاءة الضريبية عندما تتيح إيرادات ضريبة الكربون إمكانية إلغاء ضريبة مشوهة).
يجري عرض هذه الرؤى على النظراء الرئيسيين، بمن فيهم واضعو السياسات في الحكومة، والشركاء من القطاع الخاص، والشباب، وغيرهم من الشركاء الآخرين من المجتمع المدني.
ومن المهم كذلك أن ننظر إلى هذه العملية باعتبارها عملية متكررة: فعملية إعداد التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية لا تسير في اتجاهٍ واحدٍ، بل إنها تساعد في تدفق الخبرة المتعلقة بالمناخ بشكل أكبر عبر المجموعة. ومن ثم، فإنه من خلال دمج التحليلات المتعلقة بالمناخ والسياسات ذات الصلة بالمناخ مع التنمية والمؤشرات الاقتصادية، فإننا نبني قدرتنا بطريقة فعالة باعتبارنا مؤسسة – ففرق العمل في كل المناطق التي نعمل بها يطورون مهاراتهم بشكل سريع – وبالتالي نزيد من الأثر المناخي المترتب على العمليات التي نقوم بها.
س: هل يمكنك أن تشرح قليلاً كيفية عمل العلاقة التي تربط بين المناخ والتنمية بشكل عملي؟ هل يمكن إعطاء أي أمثلة؟
تهدف التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية إلى تحديد وتحليل أوجه الفصل بين سياسات المناخ وسياسات التنمية، وتحديد الإجراءات ذات الأثر الأعظم الرامية إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة وبناء القدرة على الصمود. وتستكشف هذه التقارير ثلاثة أنواع واسعة النطاق من الحيز المتاح من خلال السياسات لتوجيه إطار مناسب لوضع الأولويات.
أولاً: تلقي هذه التقارير نظرة على السياسات والاستثمارات على المستوى القطاعي وعلى مستوى الاقتصاد الكلي والتي من شأنها تحقيق التضافر بين العمل المناخي وأهداف التنمية قصيرة ومتوسطة الأجل. وعلى سبيل المثال، يؤدي تحسين وسائل النقل العام إلى الحد من الانبعاثات ومن الاختناقات المرورية وتلوث الهواء.
ثانياً: تفحص هذه التقارير المفاضلات المحتملة بين بعض الأهداف المناخية – سواء للحد من انبعاثات غازات الدفيئة أو لبناء القدرة على الصمود/التكيف – وغيرها من الأهداف الأخرى، كما أنها تحدد السياسات والاستثمارات المطلوبة لمنع هذه المفاضلات أو لإدارتها. فمثلاً، يُعد إخراج البنية التحتية للفحم الحجري من الخدمة أمراً بالغ الأهمية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، غير أن ذلك يمكن أن تترتب عليه أيضاً آثار اجتماعية سلبية دون توفير المساندة الإضافية الموجهة للمجتمعات المحلية.
ثالثاً: تبحث التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية في الفرص المتاحة والإصلاحات والاستثمارات وأدوات السياسات للاستفادة من موارد القطاع الخاص والحلول المتاحة للتكيف مع آثار تغير المناخ وتخفيفها.
فعلى سبيل المثال، علينا أن ننظر إلى التقرير القُطري عن المناخ والتنمية الخاص بتركيا، الذي رسم استراتيجية توضيحية لمسار إنمائي قادر على الصمود ينخفض فيه صافي الانبعاثات الضارة إلى الصفر للبلد، مع استكشاف التكاليف والمنافع المترتبة على الاستثمار في تدابير التكيف مع تغير المناخ والوفاء بتعهد تركيا المتمثل في الوصول بصافي الانبعاثات الكربونية إلى صفر بحلول عام 2053. وقد خلص التقرير إلى أن البلد يمكنه أن يجني ثماراً هائلة من تدابير العمل المناخي – على صعيدي التكيف والتخفيف على حد سواء – وذلك على الأمدين القصير والأطول، بحيث تتراوح هذه الثمار من جعل الاقتصاد أكثر قدرة على الصمود في وجه آثار تغير المناخ واتجاهات خفض انبعاثات الكربون، إلى إتاحة الفرص من المنتجات الخضراء وتحديثات التكنولوجيا، والهواء والمياه الأكثر نظافة، والمدن التي يمكن للسكان فيها أن يتحركوا ويتنفسوا ويزيدوا من قدرتهم الإنتاجية. وتتطلب هذه التدابير استثمارات هائلة، ويمكنها أن تحقق منافع صافية تبلغ قيمتها 146 مليار دولار لتركيا خلال العشرين عاماً القادمة.
أو يمكن النظر في التقرير القُطري عن المناخ والتنمية الخاص بفييتنام. فلكي تتمكن فييتنام من تحقيق أهدافها المتعلقة بالتنمية مع تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمناخ، يقترح التقرير اتخاذ إجراءات على جبهتين: التكيف مع آثار تغير المناخ وانتهاج استراتيجية النمو التي تدفع عجلة الاقتصاد بعيداً عن الإنتاج كثيف الانبعاثات الكربونية. وتشمل توجيهات السياسات الرئيسية برنامجاً إقليمياً لمنطقة دلتا نهر الميكونغ الأكثر عرضة للآثار، التي تساهم بنسبة 50% في إنتاج الأرز في البلاد وثُلث إجمالي الناتج المحلي الزراعي؛ وخطة متكاملة لحماية المناطق الحضرية الساحلية وروابط النقل من آثار الظواهر المناخية الحادة؛ وبرنامجاً للحد من تلوث الهواء في منطقة هانوي، بالإضافة إلى تسريع عملية التحول إلى استخدام الطاقة المتجددة؛ ووسائل حماية اجتماعية موسعة للتعويض عن الآثار الاقتصادية التي قد تُحدثها تدابير العمل المناخي على السكان الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية.
يمثل تقريرا تركيا وفييتنام أول تقريرين نُشرا من التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية؛ وما زال هناك أكثر من 20 تقريراً آخر سيتم نشرها هذا العام؛ ونحن نعتزم أيضاً نشر معلومات وافية تتناول النتائج المبكرة، وذلك في وقت أقرب من انعقاد مؤتمر الأطراف السابع والعشرين بشأن تغيّر المناخ.
س: كيف ستساعد التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية في لتعبئة التمويل اللازم للاستثمارات المطلوبة في جهود التخفيف أو التكيف أو كليهما معاً؟
يمكن أن تساعد هذه التقارير في تعبئة التمويل بعدة طرق.
وبالنسبة لمجموعة البنك الدولي، تهدف التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية إلى إثراء المناقشات التي تُجرى مع البلدان المتعاملة معها حول الأولويات الخاصة بالمشاركة الوطنية والخدمات الإقراضية للمجموعة.
وبالإضافة إلى الخدمات التمويلية التي نقدمها، من الممكن أن يصبح إصدار التقارير القُطرية عن المناخ والتنمية بمثابة منصة قُطرية مهمة للحكومات وبنوك التنمية متعددة الأطراف والمستثمرين من القطاع الخاص يتمكنون من خلالها من تحديد الأولويات والاستراتيجيات الرئيسية وبناء التوافق في الآراء بشأنها.
ومن ثم، يمكن لهذه التقارير أن تساعد في تحديد الاستثمارات العاجلة عظيمة الأثر، التي ينبغي منحها الأولوية للحصول على الموارد الميسرة وتمويل التنمية، بما في ذلك ما يأتي من الجهات المانحة غير التقليدية والقطاع الخاص.