شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند، 19 يناير 2023
كشفت منظمة (أوكسفام) في تقريرها السنوي الذي سيعرض في منتدي دافوس هذا الشهر حول انعدام المساواة، أن أغنى 1 % من البشر قد استحوذوا على 28 ترليون دولار من أصل 42 ترليون دولار جمعت منذ 2020، بما يعادل ثلثي الثروات الجديدة. وهذا يعني أن 99% من سكان العالم يستحوزن على 14 ترليون دولار ، بمعني أن 6.93 ترليون يستحوزون علي 14 ترليون، بينما يستحوز 0.07 ترليون نسمه على 28 ترليون دولار. هذه النتائج خطيره في مسار توزيع الدخول وتأثيرات هذه التوزيعه غير العادلة على مجريات الاقتصاد العالمي ومستويات الفقر. وهذا بالضبط ما عناه البنك الدولى بأن العالم يشهد على الأرجح أكبر زيادة في اللامساواة والفقر العالميين منذ الحرب العالمية الثانية. فضلا عن ذلك، ووفقًا لتقرير (أوكسفام ) بعنوان (الربح من الألم) الصادر في مايو 2022 ، شهدت قيمة ثروات المليارديرات خلال الوباء زيادةً خلال العامين الماضيين تعادل ما حقّقوه خلال 23 عامًا، كما بينت الدراسة بالأرقام أن الاقتصاد العالمي خلال الوباء شهد ولادة ملياردير جديد كل 30 ساعة بينما دفع ارتفاع أسعار المواد الغذائية ما يقارب المليون شخص إلى حافة الفقر المدقع كل 30 ساعة
و اعتبرت منظمة (أوكسفام) أن إستحواز هذه النسبة الضئيله من أصحاب الثروات المحققة على هذه النسبة الكبيرة يمثل فشلاً للسياسات العامة في العالم. ودعت إلى خفض عددهم إلى النصف بحلول عام 2030 من خلال فرض ضرائب استثنائية على الثروة و أرباح الأسهم، وزيادة الضرائب ورأس المال تخفيضا للثروات المتراكمة وسعيا نحو تحقيق قدراً من التساوي بين الدخول في العالم للسياسات العامة، داعية إلى خفض عددهم إلى النصف بحلول عام 2030 بفضل فرض الضرائب، تمهيدًا “لإلغاء الثروات المتراكمة” على المدى الطويل. وبحسب منظمة أوكسفام فإن هذه الإجراءات ستعيد أصحاب الثروات الفاحشة وعددهم إلى ما كان عليه في عام 2012، قبل أن تزداد أرباحهم في العشر سنوات الأخيره. وحتي في مجال الاقتصاد فإن الحنين لتوزيع الثروات عالميا كما كان في السابق يتفق تماما ماقاله “مارك توين” بأن “عودة الزمن للوراء أمنية إتفقت عليها البشرية “. هذا الضغط على رؤوس الأموال يعني تخلي العالم عن سياسه التخفيضات الضريبة للأغنيار لزيادة حجم إستثماراتهم، نقيضا للإجماع المجهض بأن تراكم أرباح هذه الإستثمارات ستعود بصورة أو بأخري لبقية المجتمع الكوكبي.
ونفس النتيجة المتعلقة بتفاوت الدخول علي النطاق العالمي في خلال فترة كوفيد-19 توصل لها مقال كتبه (سوميش جها) في مجلة (الإيكونوميست) في نهاية العام الماضي بعنوان (لماذا يزداد الأثرياء ثراءً حتى أثناء الأزمات العالمية؟) عن تأثير كوفيد –19 على توسيع نطاق عدم المساواة في العالم، حيث ضاعف 131 مليارديرا صافي ثروتهم خلال الوباء. و بلغت ثروة أغنى شخص في العالم 159 مليار دولار في ديسمبر 2022 بزيادة بنحو 60 مليار دولار مقارنة بسنة 2020. وإرتفعت ثروة ثاني أغنى رجل في العالم الى 139 مليار دولار مقارنة بأقل من 50 مليار دولار قبل الجائحة. كما تضاعفت ثروة ثالث أغنى رجل بأكثر من عشر مرات خلال هذه الفترة من 10 مليارات دولار في بداية سنة 2020 إلى 110 مليارات دولار في نهاية سنة 2022.
آن الأوان للنظر في تزايد الثروات الطائلة في العالم وغياب توزيعها الأمثل مع زيادة الفقر المدقع في نفس الوقت بتمعن. هذا الأمر جاء نتيجة للإهتمام بتحفيز رؤوس الأموال بكل الطرق بإعتبار أن ما لديهم من فوائض يمكنه خلق الثروة وبالتالي إندياح فوائدها على الفقراء بشكل أو آخر وبصورة تلقائية. ولكن أثبتت هذه البيانات أن هنالك ما يمكن أن اسميه بــــ(إنشطار) عوائد الأغنياء وحقوق الفقراء من هذه العوائد. ومن الغريب أن هذه التنبؤات إستعرضها الاقتصادي الباكاستاني الشهير محبوب الحق قبل أكثر من عاما 30 عامًا في كتابه بعنوان The Poverty Curtain (1976) “ستار الفقر ” دون أن تلقي أذناً صاغيه. ويري محبوب الحق في كتابة “ستار الفقر أن التنمية من دون عدالة في توفير الفرص للجميع تعني تحديد الخيارات للكثيرين من الناس.كما يرى أن هنالك طلاق بائن بين سياسات الإنتاج والتوزيع التلقائي لمغانم هذه السياسات على الجميع. وعرف مجبوب الحق “ستار الفقر” بأنه اللامبالاة بالحاجة الكوكبية وأن الإيمان بالعمليات التلقائيةالتي تنعكس بشكل مباشر إلى تحسن كبير في العديد من مناطق العالم نتيجة لتحسين وضع السياسات التي تحابي الأغنياء أمر غير وارد. هذا بالضبط ما أسماه (جون كينيث جالبريث) بــــ “اقتصاديات الحصان والعصفور”، حيث أنه لايمكن من خلال إطعام الحصان بما يكفي سوفر ذلك فرصاً للعصافير أن تعيش على فضلاته. وآن الأوان للعالم أن يتخلى عن المقولة القائلة بأن “التخفيضات الضريبية للأغنياء تؤدي إلى تقاطر ثرواتهم بطريقة أو بأخرى إلى الآخري بالداخل والخارج” . العالم اليوم بحاجة إلى “صفقة جديدة” دولية بتعديل المفاهيم الخاصة بتوزيع الدخول في العالم، وهو أمر تم التأكيد عليه قبل أكثر من 30 عامًا ، وهو كذلك لا يزال ساريًا اليوم دون تدخل.