شبكة بيئة ابوظبي، عبد الحكيم محمود، كاتب وصحفي علمي، جمهورية اليمن، 31 مارس 2023
إن ما شهدته الأرض من تدهور في مواردها وأنظمتها الطبيعية، بالإضافة إلى الانفجار السكاني الذي يشهده كوكبنا فإن ذلك يعيد النظر في ثنائية العلاقة بين الموارد وتعداد سكان الأرض، ولكن مع وضع الاعتبار بالاستعانة بالإنجازات العلمية والتي من المتوقع أن يكون لها شأن وتأثير في حل مشكلات التدهور البيئي وتحسين الموارد.
عودة مالتوس
يعتمد غالبية سكان العالم على الزراعة ومنتجتها في الحصول على احتياجاتهم من الغذاء، وقبل أكثر من مئتي عام أطلق القس مالتوس عبارته الشهيرة (ويل للفقراء) والتي أرفق بها نظريته المعروفة بـ (نظرية مالتوس) التي تبين العلاقة بين الأعداد السكانية والقدرة الإنتاجية للزراعة من الغذاء، حيث أشار فيها إلى أن البشر يتزايدون بشكل متوالية هندسية 16،8،4،2، بينما أقصى ما يمكن توقعه من الزراعة في زيادة محصولها تتم بشكل متوالية حسابية6،5،4،3،2 .
وإذا كانت نظرية مالتوس هذه قد أخذت حينها مكانتها في الصراع والخلاف الأيديولوجي والفكري وأساسها الاقتصادي فإن توقعات الزيادة السكانية والاحتياجات الغذائية لها تعيد حضورها القوي هذه المرة. وبدلاً من أن تكون هذه النظرية ذات أبعاد أيدلوجية ستكون ذات خلاف بين المتفائلين والمتشائمين من أنصار البيئة وأنصار التطور التكنولوجي.
ففي الوقت الذي ارتفع نسبة زيادة سكان الأرض إلى حوالي 828 مليون شخص في عام 2021، أي بزيادة قدرها نحو 46 مليون شخص منذ عام 2020 و150 مليون شخص منذ تفشي جائحة كوفيد-19، فإنه في الوقت نفسة فقد تجاوز عدد سكان العالم 8 مليار حسب أخر إحصاء في العام 2022، حيث تظهر إحصاءات صندوق الأمم المتحدة للسكان أن هناك في المتوسط 96.6 مليون مولود جديد كل عام، مقابل نحو 40.5 مليون حالة وفاة سنوياً، أي أن عدد سكان العالم يزيدون بمعدل نحو 50 مليون نسمة كل عام، وتشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان الكوكب سيبلغ نحو 9.7 مليار نسمة عام 2050. وإذا كان هذا الشق الأول من نظرية مالتوس فإن الشق الثاني المتعلق بإمكانية الأرض الزراعية في إنتاج الغذاء يشكل محور القضية.
اجهاد الأرض وتدهورها
إن تلبية احتياجات الأعداد المتزايدة للبشر من الغذاء يتطلب بالطبع تكثيف الزراعة وهو ما يعني إجهاد متضاعف للأرض الزراعية التي شهدت فقدان قيمة مساحاتها في الأعوام الأخيرة حيث ذكرت إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن تآكل التربة وتدهورها يمكن أن يؤدي، بحلول عام 2050، إلى خسارة في إنتاج المحاصيل بنسبة 10 في المائة وإزالة 75 مليار طن من التربة، حيث من المتوقع ان تعرض الأرض للفقدان بنسبة 90% بحلول 2050.
إن فقدان الأراضي الزراعية لقيمتها خلال السنوات الماضية عائد لعدة أسباب يبقى في مقدمتها التغيرات المناخية، إضافة إلى عوامل بيئية أخرى، منها ما يتعلق بالنمو المتسارع للسكان من تكثيف الزراعة وإجهاد وتلف البيئة الزراعية ونشوء المراكز الحضرية الذي كان على حساب الأراضي الزراعية الخصبة إضافة إلى هجرة المزارعين وإهمال وترك الأراضي الزراعية.
كما إن الكوارث البيئية مثل الفيضانات والسيول وتلوث الجو وسقوط الأمطار الحمضية وغيرها من المشكلات التي أدت إلى انخفاض الرقعة الزراعية وامتداد حالة التصحر عليها بالإضافة إلى مشكلة القرن وهي مشكلة المياه، والأزمة الحادة في مياه العالم قد أدت إلى جفاف الأراضي الزراعية وليس ذلك فحسب بل كان له تأثيره في تلبية حاجات زراعة المحاصيل من المياه حيث أن كثير من المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها الإنسان في الغذاء مثل الأرز تحتاج إلى نسبة كبيرة من المياه ولهذا فإن من المتوقع إن يشهد قرننا الحالي حرب للحصول على المياه لا يأتي من فراغ .
آثار التغيرات المناخية على الغذاء
لقد أشارت تقارير خبراء الأمم المتحدة إلى المترتبات والآثار المتوقعة عن ارتفاع حرارة الأرض والتغييرات المناخية على المياه والإنتاج الزراعي، واللذان سيعملان على ازدياد حدة السيول، وشح المياه في أن واحد، إضافة إلى تلوث المياه وقد أشارت تلك التقارير إلى أن معظم المناطق الاستوائية وتحت خط الاستواء ستشهد تراجعاً عاماً لمحاصيلها حتى مع الارتفاع الطفيف في درجاتها إذ إن ارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة لارتفاع كمية ثاني أكسيد الكربون سيكون لهما مترتبات على إضعاف القيمة الغذائية للمحاصيل الزراعية ففي هذا الصدد، يرى الباحثون في مجال الزراعة والإنتاج الغذائي، أن القيمة الغذائية ستقل مع ارتفاع كمية ثاني أكسيد الكربون فإن بذور النباتات ستحتوى على كمية اقل من النيتروجين الذي له أهمية في بناء البروتين في الإنسان والحيوان وهذا ما يعنى إضعاف القيمة الغذائية للمحاصيل كما أن ازدياد حرارة جو الأرض قد عمل على التأثير على توزيع الإمطار وارتفاع منسوب مياه البحر والى الفيضانات مما عمل على انجراف التربة الزراعية وتدهورها وليس ذلك فحسب بل أن التلوث الجوي وسقوط الأمطار الحمضية قد كان لهما تأثيرهما على المزروعات والأرض.
متفائلون ومتشائمون
إن الاعتبارات البيئية ومشكلاتها تجعل الأمر أكثر تعقيد بل وتبعث على التشاؤم من مستقبل الأمن الغذائي للإنسان، كما أنها تعطي مؤشرات مأساوية على وضع تلبيه الاحتياجات الضرورية للحياة ومما لا شك فيه فإن هذا الوضع مع توقعات الزيادة العالمية لسكان كوكب الأرض فإن ذلك ما سيزيد الطين بله، كما يقول العرب.
فهل أرض البشر قادرة على تلبية احتياجات الزيادة السكانية في وقت يشهد معضلات بيئية؟
وإذا كانت هذه النظرة لمستقبل الوضع الغذائي للبشرية هي نظرة تشاؤمية فان هناك فريق أخر من المتفائلين يراهنون على التطورات التقنية والعلمية خاصة في مجال الهندسة الوراثية والتكنولوجية البديلة والتي يتوقعون أن يكون لها فاعليتها في الحد من الأضرار البيئية وإصلاح الأرض.
من ناحية أخرى فإن تطورات الهندسة الوراثية وتطبيقاتها في مجال تطوير الأنواع الحية النباتية والحيوانية، يمكن أن يكون إحدى الآمال المستقبلية في اسهام العلم في حل مشكلات البيئة وازماتها، حيث من المتوقع أن تعمل تطورات وانجازات الهندسة الوراثية والحيوية على إحداث نقلات وتحولات لخدمة الإنتاج الغذائي من المحاصيل الزراعية، وإصلاح الأضرار التي تعرضت لها الأرض الزراعية ومنتجاتها جراء التلوث والاستنزاف، وعشوائية التعامل، طبعاً هذا إذا ما تم فيه مراعاة السلامة الإحيائية وتفادي الأخطار التي قد تسببها الأغذية المعدلة وراثياً .
ومن هنا تبرز أهمية الإنجازات في مجال الهندسة الوراثية والتنوع الحيوي التنوع الحيوي في تلبية الاحتياجات المتزايدة للبشر من خلال حماية التنوع الحيوي وتمكين الأرض ا لزراعية من توفير كميات أكبر من الأغذية وذلك عن طريق إتباع أساليب وتقنيات الزراعة المستديمة، وهي الزراعة التي تلبي الحاجات المتزايدة في المستقبل، والتي تستفيد من التكنولوجية الحيوية ومن خصائص التنوع الحيوي في مجابهة المشكلات التي تواجه البيئة الزراعية مثل مكافحة الحشرات عن طريق الإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات، والتي تعتمد على المعرفة البيولوجية الأساسية على قدرة النباتات على مقاومة الآفات، والمعرفة البيولوجية بخصائص الآفات الزراعية ودورتها التناسلية وحياتها.
كما تعتمد الزراعة المستدامة على الاستفادة من بعض النباتات في مواجهة مشكلات بيئية زراعية كالاهتمام بزراعة النباتات التي تمتلك القدرة على مقاومة الجفاف وكذا الاستفادة من الأعشاب التي لها خاصية تنبيت التربة لمجابهة مشكلات التصحر والزحف الصحراوي.
وفي كل الأحوال وبغض النظر عن الاتفاق والاختلاف مع طرفي التفاؤل والتشاؤم، فلا تزال المشكلة قائمة وحتى حلول التكنولوجيا الحيوية محاطة ومنذرة بالأخطار ولهذا تبقى المشكلة أو القضية عالميه وأزمة متوقعه في الغذاء.
المصادر:
1- مركز الاحصاءات السكانية للأمم المتحدة
https://www.worldometers.info/world-population/
2- منظمة الأمم المتحدة، التربة هي الحل
https://www.un.org/ar/pga/75/media/soil-is-the-solution