عماد سعد:
– البصمة الكربونية مؤشر مهم إلى التنمية المستدامة
– علينا أن نذهب إلى الترشيد راغبين قبل أن نكون مرغمين.
حوار: رحاب الشيخ/ تصوير: محمود العايدي، مجلة زهرة الخليج، ديسمبر 2023
بنظرة بسيطة إلى المحيط الذي نعيش فيه، نجد أن التحديات البيئية التي تحيط بنا كبيرة جداً، وتختلف درجتها تبعاً لظروف هذا المحيط الذي ننتمي إليه محلياً ودولياً. فمع النمو الاقتصادي، والزيادة السكانية عالمياً، ازدادت أيضاً القدرة الشرائية، وظهرت أنماط للعيش لم يعهدها العالم من قَبْلُ، تستنزف موارد الكوكب، وزاد الطلب على الموارد الطبيعية بشكل عام، مثل: الغذاء، والطاقة، والمياه، والمعادن والأخشاب، وغيرها، كما زاد الطلب على المنتجات الاستهلاكية، وبالتالي ارتفع معدل إنتاج النفايات، ما أدى إلى تدهور النظام البيئي، وتراجعت القدرة الحيوية لكوكب الأرض على تلبية احتياجات الناس، وفقاً لنمط العيش القائم الآن؛ فظهرت لدينا معادلة البصمة البيئية، والبصمة المائية، والكربونية، وغيرها، وكلها مؤشرات تعطينا فكرة عن نمط العيش، الذي نحن عليه، سواء كان معتدلاً أو مُستنزَفاً.. «زهرة الخليج» التقت المهندس عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي، رئيس شبكة بيئة أبوظبي؛ لمعرفة الدور الكبير الذي يلعبه مستوى البصمة البيئية في تغير المناخ، وارتفاع درجة حرارة الأرض، من خلال انبعاثات غازات الدفيئة، خاصة ثاني أكسيد الكربون وغيره، ودور الأسرة في تفادي أبعادها الخطيرة على مستوى البشرية، فكان الحوار التالي:
البصمة البيئية، بحسب المهندس عماد، هي أداة لقياس معدل استخدام الأفراد للموارد الموجودة بالأرض، مقارنة بالمعدل الذي تحتاج إليه الأرض؛ لإعادة توفير هذه الموارد من جديد. ووحدة القياس هذه هي أن حصة الفرد من الأرض تعادل 1.8 هكتار عالمي. وهي المساحة التي يحتاج إليها كل فرد لتوفير ما يحتاج إليه من هواء وماء وطاقة وغذاء وأخشاب وبلاستيك، وغير ذلك.
ويوضح: في عام 1961، كانت مؤشرات القياس تشير إلى استخدام 1.3 من قدرة الكوكب، وتعتبر أسرع من عملية تجدد الموارد بنسبة 30%. ومثل هذا التوجه أخذ في التزايد إلى أن وصلنا إلى 1.7 من قدرة الكوكب. وبناء عليه، فقد أصبح من الضروري فهم دور وأهمية الأصول البيئية لاقتصادنا الوطني، ولحياتنا بشكل عام.
إنتاج واستهلاك
يقول المهندس عماد سعد: «بتنا، نحن سكان الأرض، نستهلك على المكشوف من مستقبلنا البيئي، وأصبحت الأصول البيئية في تناقص مستمر عالمياً! مع استمرار البصمة البيئية لدينا بهذا الارتفاع الحالي؛ فقد تجاوزنا القدرة البيولوجية للأرض على تلبية احتياجاتنا. فارتفاع رقم البصمة البيئية للأفراد، أو المؤسسات، أو الشركات، أو الدول، يعني أن نمطَي الإنتاج والاستهلاك غير مستدامين، ما يعني أن أثرنا السلبي في البيئة عالٍ جداً، وباتت السمعة البيئية للأفراد أو الشركات أو المؤسسات في تراجع. ومن هنا، نؤكد أنه ليست لدينا مسؤولية بيئية كافية تجاه مستقبل الأجيال القادمة».
والآن ماذا علينا أن نفعل، ومن أين نبدأ؟. يقول المهندس عماد: «البداية كانت، وسوف تبقى، من الأسرة، ثم المدرسة، فالمجتمع بشكل عام. عندما تدرك الأسرة أنها جزء من معادلة البصمة البيئية، بل هي أحد أهم أركان معادلة البصمة البيئية في المجتمع، ستدرك أهمية الدور الذي تلعبه في هذا الشأن، حيث أظهرت دراسة قامت بها اللجنة الوطنية لمبادرة البصمة البيئية بالإمارات، حول مسؤولية كل قطاع عن رقم البصمة البيئية أن قطاع السكن مسؤول عن 57% من رقم البصمة البيئية للدولة، في حين القطاع الحكومي مسؤول عن 12%، وقطاع الصناعة والأعمال مسؤول عن 30%، وبقية القطاعات مسؤولة عن 1%».
وعن سبب مسؤولية قطاع السكن عن ارتفاع رقم البصمة البيئية بالدولة، قياساً ببقية قطاعات المجتمع، يوضح المهندس عماد: «السبب في ذلك هو نمط الاستهلاك الذي نعيشه، فهو مستنزف للموارد بأكثر مما نحتاج، فنحن نشتري أكثر مما نحتاج، ولا نستهلك كل ما اشتريناه. بناء عليه، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عام 2002، أول برنامج لمساعدة السكان تحت عنوان (المستهلك المستدام)، أي أن نشتري ما نحتاج إليه، ونستهلك ما نشتريه، لكن نمط حياتنا يسير في الاتجاه المعاكس تماماً لهذه المعادلة».
تغيير السلوك
وعندما سألناه عن الحل، أجاب رئيس شبكة بيئة أبوظبي، قائلاً: «تغيير سلوك الأفراد والمؤسسات والشركات بمختلف الجوانب في دول العالم كافة، يخضع لمعادلة ثلاثية الأطراف، هي: (التشريعات، والتوعية، والمحفزات). وهذه العناصر الثلاثة مجتمعة يجب تطبيقها متوازيةً، أي أن التشريعات وحدها لا تعطي نتيجة جيدة، والتوعية بمفردها غير مفيدة بالمطلق، وكذلك المحفزات، وكمثال على ذلك: عدم رمي النفايات في الشارع بات أمراً واقعاً، بعد استصدار قوانين تغرم الفرد مبلغ 500 درهم، وتوفير المزيد من حملات التوعية على مستوى الأفراد، والتحفيز على مستوى الشركات، وهكذا».
دور الأسرة
ويشدد المهندس عماد على أهمية دور الأسرة عامة، والأم خاصة، في الحفاظ على بيئة مستدامة، موضحاً: «كما يقول المثل: (التعليم في الصغر كالنقش على الحجر). من هنا، يبرز دور الأسرة في تكريس نمط حياة صديق للبيئة غير مستنزف للموارد، يلبي احتياجات الفرد دون الإضرار بالبيئة، وبمستقبل الكوكب، وتتضح أهمية دور الأم بصفتها مدرسة في التربية والتعليم بالقيادة والقدوة».
ويخلص الخبير البيئي إلى أننا، نحن سكان الأرض، في مسار تصادمي مع قدرة الأرض على تلبية احتياجاتنا، وقد لا يتمكن المجتمع البشري من الحفاظ على الحياة، كما نعرفها اليوم. لذا، إن تغيير نمط العيش والاستهلاك بات أمراً ملحاً، وعلينا أن نذهب إلى الترشيد، راغبين قبل أن نكون مرغمين.