هل هناك حاجة لتنظيم قطاع التمويل الأصغر؟

وماهي الأطر القانونية والتنظيمية والإشرافية للتمويل الأصغر؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم ابراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، آجفند. 23 يناير 2024

وفقا لبيانات البنك الدولي حتى عام 2020، استفاد أكثر من 500 مليون شخص من العمليات المتعلقة بالتمويل الأصغر. ومع ذلك، فإن هذا التمويل متاحا اليوم لعشرين في المائة فقط من أصل ثلاثة مليار شخص مؤهلين له. وتوقعات الطلب العالمي على الخدمات المالية في المشاريع الصغري كبيرة . حسب البيانات من الجهات الرسمية من المتوقع أن يصل سوق التمويل الأصغر العالمي إلى 447 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2031، مع معدل نمو سنوي مركب يبلغ نحو 14% من عام 2022 إلى عام 2031. مع زيادة تغلغل التكنولوجيا مثل الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، وأجهزة الصراف الآلي، ونقاط البيع، وغيرها في قطاع التمويل الأصغر في الدول النامية، مما يعد عاملاً رئيسيًا يوفر فرصا محتمله للنموء في سوق التمويل الأصغر. ويساعد هذا الارتفاع الكبير في سوق ومؤسسات وبنوك التمويل الأصغر البلدان النامية في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة الفقراء وتمكين المرأة والشباب والعمل مع المنتجين، خاصة في القطاع الزراعي والرعوي والسمكي، من أجل ضمان الصمود في وجه تقلبات المناح وغيرها.

وتسعى حاليا العديد من مؤسسات التمويل الأصغر إلى توسيع نطاق وصولها من خلال الحصول على الأموال من مصادر تجارية، مثل البنوك التجارية، فضلا عن ودائع عملائها. وتهدف العديد من البنوك التجارية أيضًا إلى تقديم حلولها المالية للشركات الصغري والصغيرة عبر هذه المؤسسات. لذا ينبغي لها التأكد عبر تنظيمها تنظيما جيدا من سلامة وشفافية عملياتها قبل تمويلها. وفي الواقع، يحتاج التمويل الأصغر إلى التنظييم، لأنه ضروري لضمان التشغيل الآمن والسليم لمؤسسات التمويل الأصغر ولحماية مصالح عملائها وشركائها وضمان نموها واستدامتها. أشار البنك الدولي إلى أنه من غير المرجح أن يصل التمويل الأصغر إلى كامل إمكاناته المالية والاجتماعية ما لم يتم إجراؤه في “بيئات مرخصة” ليكون مستدامًا. وبالتالي، ليس هناك شك في أن التنظيم التحوطي والإشراف على التمويل الأصغر من قبل جهة تنظيمية موجهة ومتحصصة نحو رعاية الخدمات المالية، وليس ذات توجه اجتماعي، أمر ضروري. وفي هذا الاطار قامت الرابطة الدولية لمستثمري التمويل الأصغر بوضع مجموعة من المبادئ لتنظيم مؤسسات التمويل الأصغر والإشراف عليها، والتي تشمل الشفافية (كشف الأسعار والرسوم والتكاليف للعملاء بشكل واضح ومفهوم)، حماية المستهلك (سياسات وإجراءات معمول بها لحماية العملاء من ممارسات الإقراض المسيئة والتعسفية)، و التنظيم التحوطي (خضوع مؤسسات التمويل الأصغر للتنظيم لضمان استقرارها وسلامتها المالية).

يعد تنظيم مؤسسات التمويل الأصغر والإشراف عليها موضوعًا معقدًا وله مجموعة متنوعة من الأساليب. وفي حين يرى البعض أن اللوائح التنظيمية يجب أن تستند إلى حجم ونوعية عمليات مؤسسات التمويل الأصغر، يرى آخرون أن اللوائح التنظيمية يجب أن تستند إلى السمات المؤسسية لهذه المؤسسات. علاوة على ذلك، فإن تنظيم ومراقبة مؤسسات التمويل الأصغر هي مسألة معقدة تتجاوز التفكير والممارسات العادية للمؤسسات المالية المصرفية. وقد اقترح البنك الدولي إطارًا لتنظيم مؤسسات التمويل الأصغر، يتضمن نسب مخاطر إلزامية ومعايير أداء. علاوة على ذلك، أصدرت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء أيضًا دليلاً لتنظيم التمويل الأصغر والإشراف عليه يغطي كثير من الموضوعات والمبادئ. ولا يزال يظل التنظيم الفعال لمؤسسات التمويل الأصغر أحد التحديات التي تحتاج إلى اهتمام خاص. ولأن التمويل الأصغر يمثل توازناً بين الأهداف الاجتماعية للزبائن والاستدامة المالية للمؤسسات، لذلك وفي مجال التنظيم هناك نقاط اساسية ينبغي النظر اليها نجملها في التالي:

أولا: التمويل الأصغر تمويلا مؤسسيا ينبغي أن تشرف عليه مؤسسة متخصصصة في المجال كالبنك المركزي أو تحت اشرافه. لأن مؤسسات التمويل الأصغر ليست مجرد بنوك تجارية ولكنها مؤسسات تسد الفجوات التي خلقها النظام المصرفي الحالي في الفئات التي يقدم اليها الخدمات المالية. ويعني ذلك حصول الفقراء النشطين الذين لا يتعاملون مع البنوك على الخدمات المالية المؤسسية المرنة بصورة تجارية. هذا الاشراف ينبغي أن لا يساوم في الشروط المصرفية المعروفة بل في السهولة في تقديم الخدمات، مع إعطاء بعض الأولوية للنساء المنتجات والفئات الضعيفة في المجتمع. و لا توجد اجابة شاملة وقطعية لمدى صلابة معايير التمويل الأصغر مقارنة المصارف التجاريه. ولكن من المرجح أن التمويل الأصغر يتطلب معايير أكثر صرامة في بعض الجوانب مثل هوامش التمويل وأكثر مرونة في جوانب أخرى، مثل حماية العملاء وتسهيلات الدفع والخدمات غير التمويلية المصاحبة للتمويل. ويعد تنظيم مؤسسات التمويل الأصغر مسألة معقدة، وهناك العديد من العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار عند تحديد الجهة التي يجب أن تنظمها. ويختلف تنظيم مؤسسات التمويل الأصغر من بلد إلى آخر اختلافا طفيفا. و تخضع مؤسسات التمويل الأصغر في معظم الحالات للرقابة من قبل البنك المركزي للبلد الذي تعمل فيه. وفي حالات قليلة، مثل دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، لا تنظم وزارة المالية إلا المؤسسات الصغيرة حتى تكبر ثم تنقل ملفاتها إلى البنوك المركزية. في بعض البلدان، يتم تنظيم مؤسسات التمويل الأصغر من قبل وكالات أو وحدات متخصصة (كما هو الحال في السودان ومصر وتونس) ولكن تكون ايضا تحت رعاية واشراف البنك المركزي المباشر.

ثانيا: ينص البنك الدولي على ضرورة إنشاء الإطار التنظيمي لمؤسسات التمويل الأصغر بطريقة تحقق التوازن بين الحاجة إلى حماية المستهلكين وهدف تعزيز الشمول المالي. ولذلك، نحن بحاجة إلى نظام قانوني يأخذ في الاعتبار هذه السمات الخاصة بالتمويل الأصغر. استخدام نفس الأطر التنظيمية المصرفية ليس مناسباً أو مفيداً على الإطلاق. تختلف مؤسسات التمويل الأصغر اليوم بشكل كبير عن البنوك التقليدية، ليس فقط من حيث العملاء أو الحجم أو الأهداف الاجتماعية، ولكن أيضًا من حيث الهيكل المؤسسي، كما أن أعمال الإشراف على محافظ التمويل الأصغر التي تستهدف صغار العملاء تختلف بشكل ملحوظ عن الإشراف على محافظ البنوك التقليدية التي تستهدف كبار العملاء.

ثالثا: تؤثر الأطر التنظيمية الخاطئة والأنظمة المعقدة وغير المناسبة لحجم عمليات مؤسسات التمويل الأصغر في بعض البلدان بشكل كبير على عمل مؤسسات التمويل الأصغر. لذا ينبغي أن يتكون الاطار الرقابي والتنظيمي قابلاً للتكيف بدرجة كافية ليأخذ في الاعتبار المجموعة الواسعة من مؤسسات التمويل الأصغر الموجودة حاليًا بمحتلف درجاتها وحجم رأسماله. وحوكمة عملياتها.

رابعا: ينبغي أن يخضع الاطار الرقابي والتنظيمي للتعديلات الدورية حسب مجريات تطور القطاع الهائلة التي تحدث بشكل متسارع. وقطاع التمويل الأصغر لا يزال قطاعا ناشئا يتطلب إطارًا تنظيميًا ورقابيًا يتم تعديله بشكل دوري لمواكبة التطورات السريعة في مجرياته المتسارعة لضمان التشريع لتشجيعع منتجات جديدة أو لحماية العملاء أو لضمان الأسواق العادلة والمؤسسات القوية النامية أوالسماح بالانتشار الواسع للابتكار ونماذج الأعمال والخدمات الجديده، خاصة تلك المتعلقة بتقنية العلومات ونظم الدفع .

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …