بقلم الدكتور أحمد الطلحي
تنفرد شبكة بيئة أبوظبي بنشر محتوى كتاب “السلوقية أولاً” لخبير البيئة والتنمية والعمارة الدكتور أحمد الطلحي، بشكل أسبوعي 09 مارس 2024
المقدمة
هذا الكتاب هو محاولة توثيقية لما تعرضت له غابة السلوقية ولا تزال من أطماع بعض الشركات العقارية غير المواطنة، وللمبادرة المدنية التاريخية النموذجية التي تولت الدفاع عنها وحمايتها والمتمثلة في “تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء بطنجة، السلوقية أولا”.
وقصة السلوقية باختصار تتمثل في نية المصالح الولائية بطنجة آنذاك بفتح غابة السلوقية الواقعة في محمية رأس سبارطيل للتعمير، وذلك يتطلب إعداد ونشر تصميم تهيئة قطاعي لتغيير تنطيق المنطقة. وكان مقررا عقد اجتماع للجنة التقنية المحلية لدراسة مشروع التصميم القطاعي لكل من منطقة الجبل الكبير وطريق أشقار والزياتن. ولما علمت النخب المحلية بطنجة بهذا الخبر انتفضت وتكتلت في هيئة هي “تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء بطنجة، السلوقية أولا”، وخاضت هذه الأخيرة معركة توقيف الاعتداء على هذه المناطق التي تمتاز بعدة مؤهلات طبيعية وفي مقدمتها غابة السلوقية، واتخذت المعركة عدة أشكال نضالية من بلاغات وتصريحات ولقاءات إعلامية ووقفات احتجاجية… إلى أن رضخت المصالح الولائية معلنة عن تراجعها عن قرارها يوم 14 مارس 2012.
وبعد ذلك استمرت التنسيقية في أنشطتها النضالية إلى أن تأسس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة الذي خلفها عمليا في النضال البيئي بالمدينة ونواحيها.
لكن غابة السلوقية بعد ذلك ظلت دائما معرضة للخطر، حيث تعرضت لعدد من الحرائق، كما أن الحماية القانونية بمختلف الوسائل ومنها وسيلة تصميم التهيئة ولحد تاريخ كتابة هذا الكتاب لم تتم بعد. ولهذا المطلوب من النخب المحلية وفي مقدمتها هيئات المجتمع المدني أن تبقى في المستوى المطلوب من اليقظة، للحفاظ على هذه الغابة والغابات الحضرية الأخرى للمدينة التي تشكل تراثا طبيعيا مهما للمدينة وللوطن ككل.
وصاحب الكتاب لم يكن على هامش الأحداث بل كان في البؤرة، فهو أحد قيادات “تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء بطنجة، السلوقية أولا” وأحد مؤسسي “مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة”. لذلك فالكتاب هو أيضا في جزء منه مذكرات أو ذكريات للكاتب.
بالنسبة للمصادر والمراجع، فقد اعتمدت في تدوين هذا الكتاب على ما أحتفظ به في مذكراتي الشخصية وأرشيفي الخاص، وعلى بعض ما تبقى من منشورات في المواقع الإلكترونية التي كانت تغطي الأحداث لأن أغلب المواقع للأسف لا تحتفظ بالمنشورات القديمة، وعلى منشورات المجموعة الفيسبوكية لـ”تنسيقية حماية البيئة والمناطق الخضراء بطنجة، السلوقية أولا”، وعلى أرشيف التنسيقية الذي لا يزال يحتفظ بجزء منه مقرر التنسيقية السيد محمد بوزيدان اليدري الذي لم يبخل مشكورا في مدي بصور لعدد من الوثائق. كما استعنت قليلا بالروايات الشفوية لبعض الأشخاص الذين عاشوا هذه الأحداث أو كانوا ممن صنعها فشكرا جزيلا لهم.
أما الصور التي نشرتها فهي صور من أرشيفي الخاص وأرشيف التنسيقية، وصور منشورة في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.
سيلاحظ أنه يقع في بعض التصريحات والبلاغات والبيانات المنشورة في الكتاب، فيها لغة قاسية وتحامل في بعض الأحيان على جهات معينة، ويمكن تبرير ذلك بالجو المتوتر الذي ساد في تلك الفترة. وبالنسبة لي لا أرى أنه ينبغي تعميم المساوئ على عموم الهيئات والقطاعات والفئات المهنية، وفيما يخص قضية السلوقية فلقد كان هناك نسبيا كلاما قاسيا في حق بعض المؤسسات العمومية خصوصا التي لها علاقة بمجال التعمير وفي حق عموم المنعشين العقاريين. فالمؤسسات التي تعمل في مجال التعمير وأنا موظف في إحدى هذه المؤسسات أشهد بأنها تقوم بأدوار كبيرة ومهمة في هذا المجال مع التسليم بوجود أفراد مسؤولين وموظفين عاديين لهم سلوكات مشينة تسيء لعموم العاملين في هذه المؤسسات التي أغلب من يعمل فيها من أطر وموظفين هم نزهاء وشرفاء وأكفاء. نفس الشيء يقال عن فئة المنعشين العقاريين الذين لهم دور كبير في توفير السكن للمواطنين وفي تحريك عجلة التنمية في البلاد وفي ازدهار وجمالية مدننا، وطبعا وكأي فئة مهنية هناك الصالح والطالح.
الغابات الحضرية بطنجة
وقد يلاحظ القارئ وجود بعض الأخطاء اللغوية والإملائية في بعض النصوص التي نشرتها، وذلك ليس بتقصير مني، بل لأن الأمانة العلمية تفرض نشر النصوص كما هي دون تعديلها.
الهدف من هذا الكتاب هو ليس عملية تأريخية لأحداث عرفتها مدينة طنجة فحسب، وليس تعبيرا عن نوستالجا لعمل بيئي نضالي مهم، ولا الحنين لأوقات جميلة عاشها الكاتب مع ثلة من المناضلين البيئيين المحليين، وإنما هو:
1- دعوة لليقظة المستمرة من قبل كل الغيورين والمهتمين بالشأن البيئي لمدينة البوغاز، حتى لا تتكرر محاولات الإجهاز على تراث المدينة الطبيعي والثقافي،
2- وتوجيه للنخب المحلية بطنجة وفي مقدمتها هيئات المجتمع المدني للعودة للروح والقيم التي سادت أثناء معركة السلوقية وبعدها لسنوات، وتفادي كل ما أدى إلى التراجع المريب للعمل المدني خصوصا في شقه الترافعي وفي مجال التشبيك والتنسيق والعمل الجماعي،
3- وتوصية للمسؤولين عموماً، خصوصا المسؤولين عن قطاع التعمير وقطاع البيئة والمسؤولين عن تدبير المناطق الطبيعية، بأن يعملوا ويضاعفوا الجهود للحفاظ على هذا التراث المحلي والوطني،
4- ونصيحة للمستثمرين عموما والعاملين منهم في القطاع العقاري خصوصا، أن يراعوا المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة في استثماراتهم، وأن يكونوا قدوة في المواطنة الحقة. على أن الكثير من هذه الفئة وللأمانة تساهم في عدد من أبواب الخير، خصوصا في المجال الاجتماعي، ونحتاج “يد الله معانا” (يد المساعدة بالعامية المغربية) في المجالين الثقافي والبيئي.
والحمد لله رب العالمين.
طنجة، في 22 شعبان 1445 الموافق لــ 3 مارس 2024.