الإنسان والصوم (03) الصوم في التراث الثقافي والإنساني

تنفرد شبكة بيئة أبوظبي بنشر كتاب “كمال جنبلاط الإنسان والصوم”

للزميل الكاتب الصحفي حسن بحمد، بشكل يومي خلال شهر رمضان الكريم 2024

شبكة بيئة ابوظبي، الإمارات العربية المتحدة، الأستاذ حسن بحمد، 12 مارس 2024

لطالما تصرف الإنسان القديم بفطرته، تعبيراً عن شكر ما، أو تمنياً لأمر يرغبه، أو إظهاراً لمشاعر الثناء، أو ثمناً لتطهر من خطيئة، أو التماساً لرضى محدد، وكأن تصرفه الفطري هذا، يعكس نمطاً من سلوكيات تهذيبه وتقديره، وتميزاً بتضحيتة بأشياء عزيزة عليه، من هنا كان الصوم في مقدمة هذه السلوكيات، بحيث اعتبر حرمان نفسه من المأكل والمشرب أو الكلام أو غيرها من المسائل، حرماناً من الملذات التي يشتهيها، أو من الحاجيات الأساسية التي يتطلبها جسمه وعقله، أو من الضروريات في حياته، وبالتالي، كان يرى ذلك بمثابة تضحية كبيرة يقوم بها شاكراً أو متمنياً.

ويصوم الناس لعدة أسباب، فمنهم من يصوم تقرباً من الله كالمسلمين، ومنهم من يصوم للتكفير عن ذنب، ومنهم من يصوم كموقف سياسي، والصوم إمساك عن الطعام أو الشراب أو كليهما معاً، ويعد الصمت وعدم الحركة صياماً، ولجأ البشر للصوم لأسباب عديدة قد تتعلق بالزهد والسمو بالروح والجسد كالمتصوفين، والنساك الزاهدين، أو كشعيرة دينية، أو لأسباب، أخلاقية أو صحية.

مورس الصيام منذ العصور القديمة من المرسلين وإتباعهم في مختلف الديانات، ومورس كذلك من قِبل الأفرادِ أو المجموعات كتعبيرِ عن الاعتراض على انتهاك حقوق اجتماعية أو أخلاقية أو مبادئ سياسية.

في الديانات القديمة في العهود الغابرة اعتبرت ممارسة الصوم وسيلة لإعداد الأفراد خاصة (الكهان والكاهنات) للتقرب من الآلهة، وفي الديانات الهيلينية (على سبيل المثال عبدة اكليبوس الهة الطب الشافي) ساد الاعتقاد بان الإله يلهم النبوءات الشافية في الرؤى والأحلام لمن صام بإخلاص شديد من كهنته. وشاع بين الكولومبيين الأوائل سكان بيرو اعتبار الصوم كفارة أو عقاب عن الذنوب والخطايا بعد اعتراف الفرد بها أمام الكاهن. وفي العديد من الحضارات القديمة عد الصوم وسيلة ناجعة لرفع غضب الآلهة أو لإعادة البعث بعد موته على سبيل المثال (رب النبات).

في الديانات التقليدية (قبل معرفة البشرية للتدوين) مورس الصوم غالبا قبل وأثناء طلب الرؤية (على سبيل المثال هنود شمال أميركا سكان السهول الكبرى وشمال غرب الباسفيك).

وفي الديانة الشامانية ـ يعتقد معتنقوها في القدرة على الشفاء بالاتصال الروحي مع الشخصيات الدينية القادرة على الرؤية والتي اكتسبت هذه القدرة بعد إصابتها بأمراض لا يمكن تفسيرها ـ الشائعة بين الفنك سكان سيبيريا اعتاد أصحاب الرؤى الصوم بعد الرؤية الأولى للتدريب على رؤى أكثر عمقاً والسيطرة على قدراتهم الروحية.

وعرف الصوم عند الهنود الحمر سكان جنوب غرب أميركا كمظاهر مصاحبة للاحتفالات عند تغيير الفصول الموسمية، وفي جميع الديانات العالمية الرئيسية يعد الصوم لأغراض خاصة أو في أوقات لها قداسة خاصة خاصية مشتركة بينها. وفي اليابانية على سبيل المثال يعد الصوم وفقا لقواعد خاصة وممارسة أنواع معينة من التأمل طريقة أكيدة يصل ممارسها لحالة السمو والارتقاء. ويصوم الرهبان البوذيون أياما محددة مقدسة من كل شهر.

وفي الصين حتى عام 1949 كان مألوفا ملاحظة فترة محددة للصوم والانقطاع قبل التضحية في ليلة الانقلاب الشتوي قبل أن تبدأ الالهة يانج (القوة الموجبة) دورة جديدة.

ومن بين الديانات جميعها انفردت الزارادشتية بتحريم الصوم لاعتقادها أن هذا النوع من الزهد لا يساعد على تقوية المؤمن في جهاده ضد الشيطان. في جميع الأديان السماوية (اليهودية ـ المسيحية ـ الإسلام) تأكيد على حتمية الصيام خلال فترات معينة من العام وان اختلف مفهوم الصوم ودلالته في كل ديانة.

فنجد في اليهودية، التي احتوت العديد من القوانينِ والتّقاليدِ الغذائيةِ بِضْعَة أيام سنوية للصيام، واتسمت أوقات الصوم عند اليهود بارتباطها بإحياء ذكري نكبة أو كارثة في التاريخ اليهودي بغرض الندم والتوبة والتكفير ولكل منها ما يعبر عنة في الطقوس الدينية. وهكذا نجد اليهودي لا يعيش ثانية المأساة التاريخية لقومه مع كل صوم لكنه يجدها فرصة مواتية للبحث في الذات لنفسه ولقومه في الماضي والحاضر.

وتتلى صلوات التوبة والكفارة في جميع أوقات الصوم وتقرأ التوراة في الصلاة العامة صباحا وبعد الظهيرة، ومن أشهر أيام الصوم عند اليهود وأقدسها صوم يوم كيبور (الغفران) ويبدأ من وقت الغروب إلى غروب اليوم التالي مع انقطاع عن الطعام والشراب والجنس وأية أعمال دنيوية خلاف التعبد.

والهدف من صوم هذا اليوم أن تكون توبة وندم الفرد والجماعة وتطهرهم بالتغاضي عن خطايا وآثام الآخرين والتوبة المخلصة لكل فرد عن آثامة وذنوبه في حق الرب سببا لرضاه عن عبادة وتنشد عقب الصلوات قصائد المراثي.

ونجد في المسيحية خاصة طائفة الروم الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيين هناك فترة صيام ملزمة طوال الأربعين يوماً السابقة لعيد الفصح (القيامة عند الشرقيين) وخلال الفترة التي تنتظم أيام الأحد الأربعة السابقة لعيد الميلاد وتتميز الكنيسة القبطية المصرية عن الكنائس الأخرى بطول وتعدد فترات الصيام طوال العام وفي فترة الصيام يقتصر طعام الصائم على وجبة واحدة في اليوم يسمح له بتناولها مساء عند إفطاره وأخرى خفيفة قبل بدء صيام اليوم ويكون الطعام خاليا من اللحم، والسمك، والبيض، والزبد.

وفي طائفة الروم الكاثوليك أدخلت عدة تعديلات منذ موافقة مجلس الفاتيكان على السماح بالاختيار في فترات الصيام على أن يكون الصوم إلزاميا أول يوم ويوم الجمعة الحزينة في فترة الصوم الكبير. وفي الكنائس البروتستانتية بشكل عام ترك اتخاذ قرر الصوم وفقا لرأي أعضاء كل كنيسة.

وفي الإسلام شهر رمضان الكريم هو شهر الصيام في الدين الإسلامي، الصوم ركن من خمسة أركان للإسلام والغرض منه تقوى الله وتزكية النفس ـ وترتيبه الشهر التاسع في الشهور العربية وفية أيضاً انزل القراّن هدي للناس وفرقان.

وفرض الصيام على كل مسلم يشهد الشهر وتتحدد بداية الشهر ونهايته وفقا لرؤية الهلال ويستمر الصوم طوال الشهر من الفجر إلى غروب الشمس ويمسك الصائم عن الطعام والشراب وإتيان النساء ويكثر من قراءة القرآن والصلاة المفروضة والنافلة كالتراويح وصلاة التهجد وغيرها من الصلواتن ويجتهد لختم القرآن في ليلة السابع والعشرين من الشهر تبركا بليلة القدر أحد ليالي العشر الأواخر من الشهر ويستجاب فيها الدعاء للمؤمنين،

وهناك أيام أخرى يكون الصيام فيها تطوعا مثل أيام عاشوراء ووقفة عرفات وبداية شهري رجب وشعبان ومنتصفهما وأيام اكتمال القمر منتصف الشهور العربية وغيرهم الكثير وأياما أخرى للصيام ككفارة عن أخطاء قد يرتكبها المؤمن.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

خبراء بنوك الطعام وحفظ النعمة يستشعرون خطر هدر الطعام خصوصاً في شهر رمضان

خلال منتدى حفظ النعمة الأول الذي نظمته شبكة بيئة ابوظبي بمشاركة 21 خبيراً من مدراء …